تاريخ المشي
2035 15 يناير
الساعة الخامسة والنصف مساء ، كانت هناك شابتان جميلتان تنحدران من بوابة القرية التي تبدا بحقل الزهور يمين الشارع، وفضاء الطائرات الشراعية على يساره، نحو الشارع الرئيسي . لقد وصفت في العام 2018 من قبل السيدة جويرية صاحبة دكانة الخردوات في قاع الشارع المقابل عندما سكنتها مع عائلتها انذاك بانها(قرية تعودت ان تكون منسية في عنفوان الرياح الباردة و تقلبات الطقس القاسية ، وما اجمل ان تكون نسيا منسيا كانتا تنحدران الى الاسفل وكانهما ليستا غريبتان عن هنا، وكانها هذه ليست المرة الأولى التي تنزلقان فيها هنا ..
استرقت السيدة جويرية النظر بنظارتها المستديرة من زجاج النافذة العريضة فراتهما تتجهان الى حديقة الكنيسة القريبة ثم تجلسان على الاحجار الكبيرة فيها لتاخذان قسطا من الراحة، عنفوان الرياح كان كفيلا بان يزيح تنورة تلك الشابة الحسناء ذات الشعر الاسود الناعم والجبين الضيق ، فهمت يا خراج جاکیت صوفي طويل من حقيبتها لتلفه حول جسدها وتقفل الازرار جيدا. اما الشابة الاخرى الاصغر سنا بحوالي عشر سنوات فقد انحنت بطولها الفارع الى الارض لتلتقم بضع كرزات سقطت من شجرة الكرز التي تقف هنا هنا من سنوات طويلة. لامس شعرها الطويل المصبوغ باللون الاشقر الارض الرطبة ، ثم نظرت الى الشابة الاخرى و مدت بضع منها بيدها اليها ،
يلفت النظر عدساتها الزرقاء التي تزين عينيها مثل الالالي .. لم تراها السيدة جويرية بنظرتها الثاقبة ابدا متصنعة، بل راتها من طين بلد اخر ولكن لتجذر ما داخلها تحاول ان تحاكي بألفة سمات العرق الاصفر. شعور غريب تملك السيدة جويرية منذ لاحظتهما تنزلان المنحدر حتى بلغتا سور الكنيسة المنخفض وتتجاوزانه الى الداخل.
السيدة جويرية هي سيدة ستينية خائرة القوى نوعا ما ولكنها مازلت تحاول ان تشرف على هذه الدكانة الصغيرة مع ابنها ( طاسون) ذو التاسعة عشر ربيعا، الذي يعاني من اضطراب ما، لا يمتعه ولكن من تربية بعض السلاحف، هي لم تستهجن قفزهما الداخل كعادتها في الريبة من الاغراب، بل نادت على طاسون وقالت له انظر ، منذ فترة طويلة لم ينزل قريتنا ضيوف بهذه الرقة واللطف.
مضت عشرون دقيقة قبل ان تبدا المطر في النزول، وتتبدا السيدة جويرية في لملمة البضاعة كي تفسح المجال لقفل الدكانة قبل حلول الظلام، ولكنها فوجئت بتلك الشابتان تقصد انها ليسالا إذا يوجد مكان هنا ليقضيا ليلتهما لان سيارتهما تعطلت هناك عند مخرج الغابة ولا يمكنهما الان ان يصلا باي حال من
الاحوال اقرب مدينة من هنا. نظرت اليهما جيدا وابتسمت ابتسامة عريضة ظهرت فيها اسنانها الذهبية الرصينة، وقالت
(ان هذا من دواعي سرورها في حال كان يوجد لديها مكان غير هذا القن ).
صاحت احداهما ذات الشعر الاشقر:( القن) ، ماااااجمل هذه الكلمة ) كانني سمعت
هذه الكلمة سابقا في عالم آخر. هنا تلاقت نظرات العجوز جويرية مع الفتاة وتبادلتا نظرات حميمية وكانهما فجاة يمتلكان الشعور والمفهوم نفسه، اما السيدة جويرية فقد اجتاحها شعور غريب وببعض التدفق الشعوري الباطني تجاه الفتاة. لذلك لم تكن لتجعلهما في حيرة هذه الليلة فقررت ان تصعد بهما عبر سلم ضيق الى العلية الصغيرة التي تخزن بها التحف والكتب المستعملة وتسمخ لهما بالمبيت بالاعلى . خاصة ان اصوات الذئاب في الغابة القريبة اصبح يتنأي لمسامعهم مع حلول الظلام القريب.
لم تنم الفتاتان تلك الليلة جيدا، كليهما كانت تفكر بعيدا عن هنا، الشابة الذات الشعر الكحلي لاييارح تفكيرها ملجأ الايتام حيث تركت طفلتها ذات الاعوام الثلاث هناك منذ شهور ، اما الاخرى ذات العيون الزرقاء فكانت مشتتة تماما ، فالحنين يتجاذبها لاكثر من مكان وشخص، والليلة احست بحنين مبهم لاحد فقدته منذ عشر اعوام.
صعد في هذه الاونة (طاسون) محملا ببعض الاغطية والوسايد القديمة وكيس به بعض الماء والخبز، رمى كل شي بعجلة تعطي الانطباع بعدم اللطف، ولكن هذا فقط لمن يعرفه لاول مرة، بعد ذلك سيتعود على ان هذه طريقته الناتجة عن فرط الحركة.
قضتا بضع ساعات في تصفح الكتب وملاطفة الدمى التي نبدو قديمة جدا وثمينة على الاغلب ، حاولتا تخمين سعرها، ولكن بعد وقت من التفكير قررتا ان تسالا السيدة جويرية في الغد
ثم ذهبتا النوم
Comments