رواية ١٩٠٠

رواية ١٩٠٠

الفصل الأول

عيون لوزية تشرق بجفنيها على اشعة شمس يوم جديد ثم رفرفت باهدابها الطويلة البنية، لنجد انامل رفيعة تفرك العينين بطريقة توحي بالكسل الكبير من صاحبتها، حينما نبتعد قليلاً بعدسة الكاميرا التى تسجل تاريخ فتاة حمقاء كما يدعوها البعض، نرى وجه مستدير بريء ذو بشرة بيضاء لامعة رقيقة يتخللها بعض ( النمش ) على عظمة الانف الصغير وفم ممتلئ مستدير مع جسد قصير نحيف يحمل باقة من الخصلات المموجة الطويلة.

نهضت الفتاة لتضع قدميها في خفها الوردي فشعرت بسائل هلامي ينفجر اسفل كعبيها فتجعد بين حاجبيها بغضب طفولى من تلك الالعاب التى يضعونها الاطفال في مستلزماتها الخاصة.

قررت معاقبتهم قائلة اثناء خطوتها :

_ حسناً، ايها الحمقى سأعلقكم من ساقيكم، آاااه

لم تكمل خطواتها التالية لتجد نفسها تزحلقت ساقطة على ظهرها ارضاً؛ بسبب سائل لزج يشبه الصابون يبدو ان الاطفال " الذين ترعاهم خالتها كمربية في اوقات انشغال ابائهم " وضعوه لها.

نهضت متألمة تمسد على عظام ظهرها خارجة الى البهو القديم بمنزلهم الذي تم ميراثه عن اجدادها في منطقة نائية بالقاهرة:

_اين انتم ايها الحمقى سأعلمكم التربية؟

يختبئون خلف المقاعد يضحكون بطفولية فهم معتادون على فعل مثل هذه المقالب بها، شاعرين بالتسلية من غضبها بينما التقطت اصغرهم واقلهم في الحجم بين كفيها ترفعه الى الاعلى مردفة بشر لا ينبعث من داخلها بينما الصغير يضحك بتسلية :

_ سأبدأ بك يا

قاطعها صوت خالتها من المطبخ :

_ نورهااااان اتركي الطفل وكفي عن العبث بالصغار، عليكِ الذهاب الى الجامعة لقد تأخرتي

زمجرت بغيظ تاركة الطفل ارضاً ثم اتجهت الى خالتها في الداخل هاتفة :

_ انا من يجب ان اكف؟! هل تمزحين ؟ فهؤلاء الاطفال يضايقوننى كل يوم بأفعالهم

جهزت حقيبة الطعام الصغيرة من اجل ابنة شقيقتها المتوفاة ثم قلبت عينيها مردفة :

_عزيزتي لقد اصبحتى في عمر العشرين ولازلتِ بعقل طفل في الخامسة، لقد اخبرتك مراراً ان تغلقي باب غرفتك بالمفتاح حتى لا يزعجك الاطفال كما ان هؤلاء الاطفال الذين يزعجونك هم رأس مالنا وعملنا؛ فمن دونهم لن نجد كسرة خبز واحدة ولن تستطيعِ مواكبة تعليمك في تخصص الفيزياء الذي تحبينه فعليك تحمل المسؤلية قليلاً والصبر

تنهدت بحنق فخالتها محقة :

_حسناً، سأغتسل واجهز نفسي ثم اذهب الى الجامعة

ابتسمت الخالة نيهاد بحنان مقبلة وجنة صغيرتها ووصية شقيقتها :

_ حبيبة خالتها، لا تنسِ حافظة طعامك

اومأت برأسها مبتسمة بأمتنان الى وجه خالتها فالسيدة نيهاد وافقت على الزواج بزوج شقيقتها بناءً على وصيتها بعد الموت أثر مرض مدمر فتك بجسدها؛ لتحمي صغيرة اختها بحنان رافضة الزواج بعد موت والد نورهان منذ خمس سنوات وقررت النزول الى مجال العمل كمربية في منزلها؛ لتكمل حماية وتربية نورهان.

هذه المرأة العطوفة حرمت من الامومة نتيجة عيب خلقي وكانت نعم الام لها منذ ان كانت في الثالثة من عمرها.

قبل ان تدخل المختبر المخصص للتجارب الفيزيائية في الجامعة، وضعت القبعة الخاصة بثوبها فوق رأسها ( الكاب ) لكي لا يلتفت لها زملائها في الدرس المقام داخل الحجرة الدراسية فهي لا تحب سخريتهم منها وتتأذى كثيراً من كلماتهم عنها، لم يراعوا مشاعرها ابداً، يضمرون لها البغض فقط دون سبب يذكر، فهي حنونة لطيفة هادئة الطباع ربما حمقاء قليلاً وخرقاء لكنها طيبة القلب.

جلست بجوار صديقتها الوحيدة "منه"؛ لتتعجب الاخرى موقف رفيقتها وهيئتها المخفية عن الانظار قائلة :

_ ماذا تفعلين نورهان، ما هذه الهيئة؟ هل تخشين شيئاً؟

اجابت بضيق :

_ بلى، فلن اسلم من سخرية الاقران هنا؛ لذا اتخفى

قاطع حديثهم دلوف استاذهم ليقوم بشرح المعادلات والمسائل الخاصة بدرس اليوم ثم يتحدث عن اجراء تجربة جديدة سيقوم كل فريق بها منقسمين حسب الترتيب الابجدي لاسماء الطلاب بينما كانت نورهان المتميزة في دراستها تسيطر على اجابات الاسئلة التى يلقيها معلمها الذي يبتسم بأنبهار كعادته لاتقانها في استخراج الحلول وعن رفاق الجامعة يشعرون بالمقت على هذه الخرقاء التي تنال اعجاب جميع اساتذة الصف آخذة منهم الاضواء.

انضم كل فريق مساعداً بعضه في اجراء التجربة على الجهاز بينما كانت منه ونورهان منهمكين في العمل،تناظرهم مروة وريهام بحقد ثم ابصرت صديقهم فارس الذين بجوارهم منشغل بمهاتفة الفتيات على تطبيقات التواصل الاجتماعي.

لكزته مروة قائلة :

_الن تنظر الينا قليلاً؟

اغلق هاتفه بتذمر هامساً:

_ ماذا تريدين فنحن فريق انا وانتِ وريهام ومنه وتلك العبقرينو الخرقاء، وبالطبع لن اندمج مع هذه في تجربة واحدة

تأففت بصبر من صديقها معشوق الفتيات :

_اعلم لكن لابد الاستفادة منها فهذه السنة عسيرة علينا ويجب ننجح والا..

اوقفها بقلق:

_ لا تكملين ف أبي اقسم ان لم انجح فسيأخذ سيارتي مني

تحدثت ريهام بخبث ناظرة الى نورهان :

_ ألم ترَ كم ان العبقرينو معجبة بك ايها الوسيم؟

رمقها من بعيد ببنان عينيه فلاحظ انها تراقبه من حين لآخر :

_ماذا تقصدين ريهام ؟

ابتسمت مروة بمكر :

_عليك ان تظهر فارسها يا فارس حتى تساعدك في حل الامتحانات وهذا بمساعدتنا بالطبع

ابتسم بتفهم هادراً :

_خطة جيدة يا رفاق

اقتربت مروة منهم متظاهرة بالمساعدة :

_ هلا شرحتي لي ماذا سنفعل في هذه التجربة عزيزتي نورهان

تعجبت منه من رقيها هذا بينما اعطتها نورهان احد الاسلاك المغلفة :

_يمكنك التقاط هذا وسأشرح لك كيف نصله بذلك وبعدها يعمل الجهاز ثم نقيس مدى فعالية..

اخذت تشرح لها بينما الاخرى قامت بأيصال احدى طرفى السلك بالكهرباء والآخر نهايته ليست مغلفة بالبلاستيك المقوى :

_ حسناً فهمت، هل يمكنك التجربة قبلي اخشى الفشل

ابتسمت برقة هامسة :

_لا بأس هيا سأساعدك

لعدم علمها ان الطرف الاخر متصل بالكهرباء فقامت بالتقاط السلك من مقدمته العارية لتصرخ منتفضة بألم :

_آاااااه

تقدم فارس منها ينتشلها بعيداً عن السلك فاصلاً اياه من الكهرباء ثم هتف بحنان :

_ هل انتِ بخير نور؟ هل اصابك مكروه؟

هطلت عبراتها نتيجة الماس الكهربائي الذي اشعرها بالاوجاع بينما ربتت منه على كتفيها :

_ نورهان هل انتِ جيدة ؟

نهض فارس صارخاً بهن :

_ كيف تفعلا هذا يا مروة؟ لا اصدق فهي رفيقتنا بنفس القسم، هل خفت عقولكم؟

همست ريهام بسخرية :

_لا تقل رفيقة لنا فهي مجرد حمقاء

_ كفوا عن هذا

استدار الجميع على صوت استاذهم خلف ظهورهم فتساءل :

_ ماذا يحدث هنا؟ هلا وجدت تفسير؟

نهضت نورهان تخبره :

_لا شيء استاذ، هل يمكنني الرحيل الى الخارج؟ فأنا اشعر ببعض التعب والرفاق كانوا يساعدونني فقط

اومأ لها :

_بالطبع يمكنك، تفضلي

خرجت تاركة الجميع، تزيل عبراتها اللؤلؤية بأكمام ثوبها بني اللون بينما سمعت احدهم يركض خلفها هاتفاً :

_نورهان توقفي رجاءً

اعتدلت لتجده فارس محبوب الفتيات :

_ انا اسف لما فعلته مروة لكِ، ارجوكي لا تبكِ

شعر حقاً بالشفقة عليها لما حدث بينما ابتسمت بخجل :

_لست حزينة لكنى لا اعلم لمَ يفعلون هذا بي فأنا لم آذي احداهن

ربت على كتفها بحنو لتتعجب من تصرفه لكنها احبت هذا :

_لا تفكري بالبعض فهم لا يستحقون اهدار وقتك، والآن هلا سمحتي لي ان اوصلك الى منزلك ؟

ابتلعت ريقها بحرج مفكرة بالرفض :

_ لا اريد ان اسبب لك اجهاد

ابتسم بود :

_لا اريد سماع هذا يا نور رفيقتي الجديدة

اغلقت باب المنزل ثم استندت عليه مغمضة العينين، شاعرة بأن حلمها يتحقق في الزواج بفارس الذي يجسد فارس احلامها فهي معجبة بوسامته منذ سنتين واليوم اول مرة يحدثها وطلب منها ان تصبح صديقته ايضاً، هل احبها؟ ومتى سيطلب منها الزواج؟ هي متعجلة جداً لهذا اليوم.

وضعت كفها الصغير على قلبها متنهدة :

_ لقد قال لي "نور"

_ نورهاااان هلا اتيتي؟

فتحت عيناها بجحوظ ملحوظ هادرة :

_ اجل خالتي انا قادمة

وجدت السيدة نيهاد تغلق حقيبة يدها :

_عزيزتي سأذهب الى زيادة صديقة لي مريضة، يمكنك الاهتمام بعشرة اطفال حتى يأتي ابائهم لاستلامهم الساعة العاشرة مساءً؟

تأفف بقلق معترضة :

_ لكن خالتي..

قبلتها مسرعة للرحيل :

_ احبك كثيراً صغيرتي، الى اللقاء

قوست شفتيها باستسلام ثم صرخت بسبب إلقاء احد الصغار الكرة في وجهها اثناء لعبهم بها :

_ها قد بدأنا

تحدثت بصوت جهوري اثناء خطواتها الى المطبخ لتأكل شيئاً تسد به جوعها :

_يا صغار كفوا عن الشجار

قضمت قطعة خبز مغموسة في الحساء الذي طهته خالتها لتجد طفل في عمر الخامسة وسيم ينظر لها :

_عزيزي هل تريد ان تأكل؟

نفى برأسه ثم اشار الى عبرتها الساكنة بين جفنيها اثر حزنها لما حدث :

_اجل، لقد كنت ابكى فأنا قبيحة ربما وذات حظ سيء

آتى بقية الاطفال الى المطبخ ليهتف اكبرهم في السابعة :

_ لست كذلك، انتِ جميلة كثيراً يا خالة نورهان ونحن نحبك

قوست فمها بحزن الى الاسفل متساءلة :

_ حقاً، هل يمكن لأحدهم ان يحبني؟

قال طفل بجواره اسمر اللون :

_ابي يحبني ويحب والدتي ايضاً

هتف عمار بطفولية :

_مازن، لا تكذب فأنا رأيت والدتك تضرب والدك بغطاء الطنجرة ذات مرة

صرخ مازن بملامح معترضة :

_ لكنه يحبها رغم انها تضربه، فهي جميلة ولديها شعر اشقر مصبوغ

سألته فتاة صغيرة بأهتمام :

_ هل والدتك تصبغ شعرها الى الاشقر؟

ابتسم بفخر قائلاً :

_ بالطبع

لمست خصلاتها السوداء ببؤس هادرة :

_ هل يمكنها صنع هذا بشعري الحالك؟ فوالدتى ترفض ان اغير لونه يا مازن

نظر لها بحب طفولى فهي فتاة لطيفة :

_ يمكننى اقناعها لكن عليك اولاً ان توافقي ان اخذ قبلة من وجنتك البيضاء

ثارت نورهان بسبب ما سمعته من الطفل المشاكس :

_آاااه توقف ايها الطفل الفاسد، من علمك هذا؟

اجابها ببراءة :

_ والدي، انه يفعل هذا مع الجارة منال لكنها تهدده باخبار والدتى

انفجرت ضاحكة على حياة هذا الطفل الذى افشى عن اسرار عائلته امام الجميع بكل تلقائية :

_عزيزي مازن هذا خطأ وليس كل ما يفعله الكبار ننفذه مثلهم

حرك كتفيه بلا اهتمام :

_حسناً

سألها عمار :

_هل يمكنك اللعب معنا ؟

واقفت بابتسامة :

_ يمكننى ولكن دون مقالب

وافق الجميع وانتشروا في لعبتهم وقد قرروا لعب لعبة الاختباء "استغماية" اخذت نورهان تبحث عنهم لكن شعرت بصوت يأتي من القبو فقلقت ان يكون احد الاطفال وصل الى هناك من اجل الاختباء لكن تساءلت اثناء دخولها كيف؟ فخالتها تغلقه دائماً.

تفاجئت بالطفل يدفعها من الخلف ذاهباً الى الاعلى بينما سقطت على جدار متحرك نقلها الى غرفة مليئة بالاتربة، يوجد بها مكتبة واسعة مليئة بالكتب.

التقطت احدى الكتب المتواجدة على المكتب الخشبي تزيل التراب بعيداً عنه بكفها الناعم؛ لتجده مكتوب عليه " مذكراتي " فتحت اول صفحة بأنبهار

( اسمي وردة، ولدت عام ١٨٦٥م...

قبل ان تكمل مذكرات جدة جدة جدتها سمعت صوت غريب من الخارج فنظرت بأعين جاحظة حيث مصدر الصوت.

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon