ليل دائم
تستيقظ كالعادة كل صباح...إنها العاشرة والنصف بالفعل...تفتح الستارة لتدخل أشعة الشمس إلى الغرفة...لا شيء مميز..استفاقت بعد ليلة عذاب معتاد،ككل مرة...تفرك عينيها بكسل،لتنهض قاصدة الحمام..تفكر في كل ماحدث الليلة الماضية..الكثير من الندم والحزن على ماضيها،ملل من حاضرها و قلق من مستقبلها المجهول...
*ناليو*
"أنا فتاة مراهقة... عمري خمس عشرة سنة...أنا شخصية إنطوائية بعض الشيء..ليس لدي الكثير من الأصدقاء،أي أنه يمكن عدهم بأصابع اليد الواحدة...لست جيدة في العلاقات الاجتماعية...عندما ولدت كان لدي أخ أكبر سلفا...و لاحقا قد أصبح لي أخت صغرى...و قد كنت في وقت ما الحفيدة الأنثى الوحيدة في عائلتي...ربما هذا ما يفسر تصرفاتي التي ستعرفونها لاحقا...على كل حال...قد يظن البعض هنا،أنني مازلت طفلة...لم أعش الكثير ولم أجرب الكثير...لكن الحياة لم تشفق ولا ترأف بحداثة عمري،وقد علمتني مالم تعلمني لأكبر الشيوخ"
*عودة للأحداث*
لم يمض سوى بعض الوقت،تتخذ ناليو وضعيتها المعتادة،في مكانها المعتاد...تمسك هاتفها بين يديها،تتصفح رسائلها بعينيها البنيتين القاتمتين دون أدنى محاولة للرد على إحداها...بينما تضع امها طعام الفطور على الطاولة...
أصبح كل شيء عادي و ممل في نظر ناليو..مثل ما يحدث كل مرة على مائدة الفطور...شقيقيها يتشاجران على أتفه الأشياء...والديها يتحدثان في مواضيع مادية،بينما ناليو صامتة،تدعي الاستماع لتلك الأحاديث التي حفظتها أكثر من اسمها لشدة تكررها كل يوم،و في هذه الأثناء عقل ناليو على وشك الانفجار...الأفكار السوداوية و الانتحارية قد تملكته،لكن لا احد يلاحظ ذلك...
تمضي بضع ساعات...ناليو تجلس قرفصاء فوق سريرها،هاتفها بين كفيها... مقلتيها تتحركان يمينا و يسارا في خطوط مستقيمة منتظمة...إبهاميها يقفزان بسرعة بين الحروف،ترتكب بعض الأخطاء الإملائية،لكنها حقا لا تهتم.. كل ما تفعله هو مراسلة صديقتها المقربة.. كارولين.... إنها الشخص الوحيد،والشيء الوحيد الذي بقي على عهده في حياة ناليو...مرت بضع ساعات...تقوم ناليو بتقديم بعض المساعدة لأمها في تنظيف المنزل..إرضاء لخاطر والدتها...وإن كانت دائما ما تتسائل إن كانت الأعمال المنزلية ستنقص من رجولة أخيها الذي يجلس بكل راحة وهو يحدق في حاسوبه في إحدى الزوايا...على كل حال لم تزعج ناليو نفسها بهذا..انهت عملها و عادت لهاتفها...لا رغبة لها في القيام بأي شيء...حتى هواياتها...الرسم...القراءة...الحرف اليدوية...الكتابة...لا تريد شيئا فقط هي تستمع للموسيقى المفضلة لديها،بينما توشك على النوم...قامت بضبط المنبه على الساعة السادسة والربع مساءا...ثم غطت في النوم ...بعد ساعتين تقريبا...تسمع ناليو صوت والدها الأجش..وهو يناديها إلى طاولة الطعام من أجل تناول الغذاء...ذهبت ناليو واتخذت مضجعها...لكن لم تأكل شيئا لا شهية لها و لا رغبة...وصلت الساعة السادسة و الربع...لا يسمع شيء في المنزل سوى صوت المنبه الذي يمتد نحو الأفق...ذهبت ناليو لترتدي ملابسها...إنها تلك الملابس البيضاء المعتادة،وإن كانت ناليو تكره اللون الأبيض بشدة...كالعادة قبل ذهابها للنادي..تخفي جسدها في تلك الملابس البيضاء الواسعة..و تضع حزام أحمر على خصرها،يزينه شريط أسود من الوسط...نعم،صحيح،ناليو فتاة رياضية،إنها تمارس الدفاع عن النفس مذ كانت في الرابعة من عمرها،وقد اقتربت بالفعل من هدفها الذي سعت له بحماس منذ صغرها...لكنها حقا الآن لا تشعر بشيء سوا أنها مرغمة على الذهاب ثلاث مرات في الأسبوع إلى ذلك النادي الكئيب،فقط لكي لا تخيب ظن والدها بها...على كل حال ناليو تشق طريقها نحو النادي...و عينيها لا تفارقان الأرض طول الطريق...صحيح أنها تقيم في ذلك الحي منذ أربع سنوات..لكنها لا تعرف أحدا سوى عدة أشخاص ولا تريد أن يعرفها الآخرون على أي حال...قد وصلت لباب النادي..وها هي الآن تنزل الدرج ببطئ و تكاسل...تسمع أحدهم يناديها من بعيد...تستدير لتجدها صديقتها هيلار...ابتسمت ناليو ابتسامة سطحية..في انتظار وصول هيلار إليها....
*هيلار*
أنا أصغر ناليو بسنتين...نحن نعرف بعضنا منذ ثلاث سنوات...مع ذلك علاقتنا سطحية جدا...أشعر أن شخصية ناليو غامضة بعض الشيء...أنا بالكاد اعرف عنها القليل...اعرف أنها انطوائية ولا تحب الحديث عن نفسها كثيرا..لا أحاول إزعاجها لأنها بمثابة أختي الكبرى..دائما تساعدني عندما أقع في مشكلة...
*ناليو*
في الواقع هيلار فتاة جيدة...إنها بعمر كارولين تقريبا،لدينا بعض الأشياء المشتركة...لكنها مختلفة جدا عني
*عودة للأحداث*
تنزل ناليو وهيلار الدرج...وبينما هيلار تنزع حذائها..رأت انعكاسهما في المرآة المقابلة....كل ما لفت نظر ناليو أن هيلار تكبر..اصبحت تقريبا أطول من ناليو...شعرها طال،واصبحت انحف..علامات الأنوثة قد بدأت تظهر عليها...بينما تشاهد ناليو انعكاس هيلار،انتبهت لانعكاسها...شعرها المموج القصير....عينيها البنيتين...وجها المدور...يبدو جسدها سمينا...رغم أن طعامها قليل جدا..ورغم عدة محاولات لتغير ذلك الشكل الذي جعل ناليو تكره جسدها..إلا أنه لا يتغير...وقفت ناليو على الميزان لتتأكد من وزنها قبل الدخول...إنه 52,3 كيلوغرام....لقد خسرت الوزن مرة أخرى..لكن شكل جسدها لم يتغير..دخلت ناليو وهي تشعر بالضجر من ما يحدث لها...على كل حال...ناليو واحدة من الرياضيين المتفوقين،والمميزين عند المدرب..بسب قوتها وجرأتها عند المباريات...لكنه لا يعلم أن سبب قوتها تلك هي مجرد رغبة لتثبت للناس انها تستطيع فعل شيء...عند انتهاء التدريب وأثناء خروج ناليو وهيلار بينما كلتاهما تلهث،اصطدمتا بولدين من الفوج الأخير...كلاهما أصغر من ناليو وأكبر من هيلار...والواقع أن ناليو تشمئز منهما وتكرههما...إنهما مايك و استيفن...أفسحت ناليو وهيلار الطريق لهما و ذهبت كل منها في سبيلها...وفي طريق عودة ناليو تتذكر ماضيها مع مايك...
*عودة للماضي*
قبل ثلاث سنوات،كانت ناليو و مايك و نادين،اصدقاء..كانت صداقة ثلاثية...حسنا..نادين أكبر من ناليو ببضعة أشهر..ومايك اصغر من ناليو ونادين...كانت صداقة رائعة... حتى و إن كانت ناليو هي الطرف الثالث كالعادة....في الواقع...كانت ناليو معجبة بشخصية مايك...لكن كانت تراه كأخ اصغر...هي فقط رأت أنه شخص خلوق مهذب...لا يسخر ولا يتنمر...وكان سعيدا بمصادقة فتاتين...كل شيء كان بخير إلى أن أتى استيفن...إنه شخص سيء وهو بعمر مايك تقريبا...يمكن القول أنه رفيق سوء...قد انضم إلى المجموعة وصارت صداقة رباعية...لكن ناليو كانت الأقل فاعلية بينهم جميعا . يمكن القول أنها كانت تشعر انها الشخص الوحيد العاقل بينهم ..و في إحدى المرات كانت ناليو متوجهة إلى منزلها بعد التدريب عندما أوقفتها نادين طالبة المساعدة في الاعتراف بحبها لمايك...ناليو قدمت لها المساعدة بعد تردد... ولكن نادين بعد الاعتراف قد تغيبت شهرا كاملا ولم تراها ناليو بعد ذلك....أما مايك و استيفن فقد غيرا وقت تدريبهم كي لا يلتقوا ناليو...و بينما ناليو لا تعرف ماحدث...صادف أن سمعت صوتا مألوفا في أحد الأركان بجوار النادي...إنه صوت نادين و هي تحرض مايك و استيفن على التعرض لناليو في طريق العودة وضربها...كان ذلك كفيلا بجعل ناليو تغير طريق عودتها او تطلب من شقيقها اصطحابها...هي لا تريد إيذائهم...ولا تعرف السبب خلف هذا...وهي في الواقع لا تريد أن تعرف...مضت عدة أشهر بعد الحادثة وناليو صارت أكثر قوة واستقلالية وانطوائية...إلى ان جائت هيلار....وقصة هيلار ومايك قصة يمكن اختصارها في كلام غير لائق بين الطرفين....
*عودة للحاضر*
وصلت ناليو إلى بيتها...إنها منهكة وجائعة...لا تهتم كثيرا بمعدتها...أخذت حماما دافئا..وارتمت على سريرها بينما تزيل الشاحن من الهاتف....تدخل إلى صفحتها على "الإنستاگرام" ترسل إلى كارولين " لقد عدت" تستقبلها الأخرى برسالة تلو الأخرى،وهكذا تجيب ناليو....
*كارولين*
أنا كارولين عمري ثلاثة عشر سنة...صحيح أنا أصغر من ناليو بسنتين تقريبا.....لكننا في نفس المستوى الدراسي...كل منا لديه مشاكله الخاصة...لكن دائما ما نساعد بعضنا متى ما أمكن ذلك...ناليو تحبني وأنا أحبها...في الواقع و بسبب شخصيتي انا أهتم كثيرا بتفاصيل حياتها...دائما ما أخبرها انها شخص رائع...لكنها تقلل من شأنها...ربما بسبب الماضي السيء الذي عاشته....
*ناليو*
حسنا....كارولين بالنسبة لي هي شخص لن أستغني أبدا عنه....إنها الوحيدة التي تتحملني على كل حالاتي 24/24 أنا أعشقها...لكن شخصيتها غامضة...عاشت الكثير من الأشياء المؤلمة في صغرها..في الواقع بدايتنا كانت متوترة بعض الشيء..كوننا التقينا أول مرة في بداية العام الجديد في أول سنة في المدرسة المتوسطة...لكننا الآن أكثر من الأخوات...
*عودة للأحداث*
انتهى يوم ناليو أخيرا...وستبدأ ليلة جديدة...ناليو تعشق الليل رغم أنها لا تستطيع النوم...لديها عادة قد يعتبرها البعض شيئا غريبا...كلما لم تستطع النوم...تقصد النافذة،تجلس على إحدى حوافها...توجه مقلتيها نحو تلك السماء السوداء،التي تزينها النجوم المشعة بطريقة عشوائية،تعطيها لمسة من الجمال الساحر الأخاذ...تجمع ناليو فتات نفسها التي نال منها الاكتئاب...تضمد جروح قلبها..في محاولة يائسة منها للتفاؤل...تضع سماعاتها وتتذكر ذكرياتها...منذ أن وعت إلى الدنيا وإلى الآن...
تذكرت ناليو كيف كانت الحفيدة الأنثى الوحيدة في العائلة في وقت ما...تذكرت كيف كانت تتصرف كالصبيان بسب عدم وجود فتيات غيرها...تذكرت كيف كانت تلعب مع شقيقها الأكبر ...تذكرت كيف كانت أمها تشكو منها دائما...كيف ذهبت إلى الابتدائية اول مرة....كيف رحب بها الطلاب...كيف حصلت على علامة ممتاز...لكنها تذكرت أيضا عدم اهتمام اهلها بها...كيف كانت تتصنع المرض حتى تهتم بها امها...كيف كانت تنام متعمدة على الأرض حتى يلاحظها والدها....كيف كانت تفتعل المشكلات حتى تثبت أنها موجودة...تذكرت كيف كانت تتعرض للتنمر و الضرب من صديقها دون أن يهتم لها احد...تذكرت كيف كان شعورها عندما كانت ترى أمهات زملائها يأتين لاصطحابهم بينما أمها لم تكن تهتم بها... تذكرت الكثير و نزلت دموع ساخنة على خديها...وتذكرت كيف ضاعت طفولتها بسبب بلوغها في سن التاسعة...تذكرت كم من صباح صيفي ذهبت تبكي إلى المدرسة لعدم قدرتها على ارتداء ملابس مثل زملائها...تذكرت كيف كانوا يهددنوها بالحجاب تحت عنوان "مصلحتك"...ولكن ما أسعدها تلك الليلة عندما تذكرت كيف دعمها شخصها المفضل...رغم عدم معرفته بوجودها....
إنه Jungkook....
يتبع في البارت الثاني....
Comments