" الفصل الأول "
"همسات مجهولة"
في اسطنبول و بالتحديد في احدى الأحياء الشعبية حيث تتواجد المقاهى القديمة العتيقة التي كانت شاهدة على قصص حب كبيرة ، كتب فيها الشعراء قصائدهم ، و خطّ الأدباء كتبهم ،نهضت تجمع كؤوس القهوة الفارغة و تنضم الكراسي و الطاولات كعادتها كل يوم بعد مغادرة الجميع المكان ، بينما هي كذلك ، اذ برجل يخطو باب المقهى بخطوات متوازنة رزينة ، رفعت رأسها تكتشف من الزبون فلمحته يقترب من الطاولة المحاذية لها ، كان رجلا في العشرينات ذو شعر اسود حسن التصفيف يرتدي نظارات شمسية سوداء و يلبس كوستيما أسود، كان يبدو أنيق جدا ممّا جعله يبدو لها رجل أعمالا لو لا تواضعه الفائق جلس الى أحد الكراسي و طلب بكل لطف كأسا من القهوة به طابعان من السكّر لم تكن تسمعه فقد كانت شاردة الذهن فأعاد الطلب إليها، شعرت بالإحراج في هذا الموقف ، فهرعت بسرعة تملأ الكأس و تقدمه له ، كان يبدو بها غريب فلم يسبق ان رأت رجلا في هيأته تلك فأهل ذلك الحي جميعهم فقراء .شكرها على حسن خدمته فإكتفت بالإيماء برأسها ، كان فتاة خجولة جدّا لكنها فضوليّة فقد تربت على أحسن وجه فلا تطيل الحديث مع الرجال . حمل حقيبته و همّ بالخروج كانت حقيبة كبيرة بدات و كأنها تحمل في باطنها أشياء عدة ،انه رجل من خارج هذه الأحياء، فهو لا يشبههم لا في كلامهم و لا هيأتهم ، أغلقت الباب وراءه فقد غربت الشمس و حان وقت الدخول للمنزل لتناول العشاء، كانت المقهى ملك لأبيها ، أنه رجل عجوز خانته الأيام فلم يعد قادرا على العمل ، هرعت الى المطبخ تساعد أمها في تحضير مائدة الطعام ، بدأت تضع الصحون على الطاولة ، و راحت تفكّر في ذلك الرجل الغريب ، "من يكون؟ من أين أتى؟ أين ذهب؟ وهل سيعود مرة أخرى؟ أسئلة عديدة دارت في ذهنها، لكنها كانت عاجزة عن إيجاد الإجابة ، كانت شاردة تفكّر و تعيد الأسئلة على نفسها ألاف المرات و اذ بها تسمع صوت تكسير زجاج فعادت إلى رشدها لتجد الصحن قد أنزلق من يدها و سقط على الأرض ، أنطلق الآذان معلنا وقت أداء صلاة المغرب ، فتناول الجميع العشاء و غادر الأب و الأم للمسجد لأداء الصلاة بينما ظلت هي في البيت تجمع الطاولة و تنظف الأواني و ترتب المنزل و ما ان فرغت من ذلك و جلست في غرفة الجلوس ، إلا و عاودت التفكير في ذو الهيأة الغريبة ،فحاولت العدول عن هذا التصرف مدعية انه تهور و قد اعطت الموضوع أكبر من حجمه ، ففتحت هاتفها الذكي لتدردش مع أصدقائها أو تشاهد بعض الفيديوهات أو حلقة من مسلسلها المفضّل محاولة تناسي الموضوع لكن دون جدوى فشغّلت التلفاز لتتابع بعض البرامج الترفيهية بيد أن مجهوداتها ذهبت أدراج الرياح فكل شيء كان يشير له و يذكرها فيه ،شعرت و كأن الجميع قد انقلب ضدّها و يحاول إثارة غضبها ،كلّ يرمز إلى ذلك الرجل أحسّت و كأنها تائهة وسط غمامة كبيرة لا يمكنها الخروج منها ، رمت الهاتف الى جانبها على السرير وأغلقت التلفاز آخذة مسارها الى غرفتها ، أغلقت الباب ، و استسلمت للنوم . و لم تنهض إلاّ الصباح على صوت آذان الفجر فتوضت و صلّت ، ثم فتحت باب المقهى متوكّلة على اللّه آملة في رزقه ، بدأ النّاس في التزاحم على المقهى ملقيين تحية الصباح طالبين كأس القهوة الساخنة بعد أن أتموا أداء حق الله في المسجد "كانت تحاول أن تسرع في إحضار الطلبات، فقد كان المكان يعج بالزبائن. ثم دخل رجل يرتدي معطفًا بنيًا وحذاء شتويًا ملوثًا بالطين. رفعت رأسها، وعندما نظرت إليه، شعرت وكأنها تعرفه. أمعنت النظر فيه قليلاً، وأعادتها ذاكرتها إلى اليوم السابق. نعم، إنه هو... ذلك الرجل الغريب. كيف يمكن أن تنسى ملامحه؟ لكن الآن كان قد تغيّر كثيرًا." ، لمحها تنظر إليها فأحست بالخجل توجه نحوها و ألقى عليها تحية الصباح و جلس الى الطاولة الوحيدة الشاغرة ذهبت إليه رادة التحية فبادرها القول :
_ "أعجبتني القهوة أمس، فقررت العودة لتذوقها مرة أخرى!"
_ شكرا لك أننا نعدها بكل حب ! اتريد شيء آخر ؟
أطرق قليلا فكر في ان يسألها عن اسمها لكن رأى أنه لن يكون له داعيا فاكتفى بطلب كأس قهوة مع طابعين سكر كالمعتاد فلبت الطلب على الفور
فشكرها عن تفانيها في العمل ثم أراد أن يطيل الحديث معها قليلا فإستفسرها عن المحل
_ أهذا المحل لكم يا آنسة ؟
_نعم ، يا سيدي، انه ملك لأبي ....أتريد شيء آخر ؟
تردد في الرد ثم طلب كأس من الماء لكنه كان في الحقيقة لا يريد ،
كانت تفيض في داخله مشاعر مختلطة و أحاسيس هوجاء ، يشعر و كأن شيء يرغمه على إبقاءها قربه و إطالة الحديث معها ، أما هي فقد كانت متوترة و خائفة من دخول أبيها في أية لحظة فهو لا يريدها أن تطيل الحديث مع الزبائن و خاصة منهم الغرباء قدمت له بكأس الماء لكن يا الهول انه ليس هنا فلقد بات لا يفهم ما الذي يريده فعلا من هذه البنت بالتحديد فخرج مسرعا و قد نسي هاتفه فوق الطاولة فأخذته و قررت الاحتفاظ به لعله يعود بعد حين لإستلامه .
"مرت أيام وأسابيع، ولم يعد ذلك الرجل إلى المقهى. لم يظهر له أثر، ولم يرن هاتفه أبدًا. بدأت الأسئلة والهواجس تتسابق في ذهنها: أين ذهب؟ هل ترك المدينة؟ هل أصابه مكروه؟ وهل هو بخير؟" بدأت المخاويف تدور في ذهنها و تصيبها بالذعر ممٌا شعرها تشعر بالصداع الشديد في رأسها فنادت على أمها لتستلم شؤون المقهى و ذهبت لتنام قليلا و ترتاح و لم تنهض إلا على صوت ابيها يناديها للعشاء فعادت إلى كامل وعيها و اصبحت توبخ نفسها على فعلتها، انه مجرد زابون غريب فلما توليه كل هذا للاهتمام ؟ غادرت غرفتها متجهة الى غرفة الطعام تطمئن ابويها على حالها و تتناول معهم الطعام ثم ظلت تتسامر معهم الى ساعة متأخرة من الليل مما جعلها تستيقظ الصباح متأخرة عن موعد فتح المقهى فقام الزبائن المعتادين على المقهى يباشرون الاتصال بأبيها للأطمئنان عليهم فأراحهم و اعلمهم بفتح المقهى بعد دقائق ثم قام بمعاتبة ابنتها على تقصيرها في أداء عملها فإعتذرت منه ثم انطلقت الى عملها لاعنة ذلك الغريب رامية اللوم عليه في ما حدث ،استلمت الطلبات من الزبائق كعادتها و شرعت في تحضيرها ، كانت تستعجل في الأداء فقد كان المقهى ممتلئ و الرجال ينادون طالبين شربهم و لم تكن لتقدر على خدمتهم ، فلم تشعر بالوقت إلا عندما أذن المغرب و اشرف المكان على الفراغ
فأغلقت المحل و بلغت البيت متجهة الى الغرفة لتأخذ قسط من الراحة فأخذها النعاس و نامت دون عشاءٍ ..........
لم تعني عن التفكير في ذلك الغريب طول تلك المدة و باتت تشعر ان الأمر فات حده و يجب ان تنسى هذا الرجل فمئات للزبائن الذين يأتون الى المقهى مرة و لا يعودون فما الفرق بينهم و بين هذا الغريب ؟ آلاف من جنس هذه الأسئلة تتوارى الى ذهنها دون أجابة !
في يوم الإثنين الحادي عشرة من شهر جانفي (يناير ) افاقت مع آذان الفجر كعادتها و لكن اليوم مختلف فستذهب مع فاطمة إلى مكتب الإشتراك للمسابقة الأدبية ، فقد اقترحت عليها هذه الأخيرة المشاركة لموهبتها الرائعة في البداية كانت مترددة و لكنها في الأخيرة وافقت أردت بذلك ان تشغل نفسها بشيء لتنسى ذلك الرجل ، التقايا في المكان الموعود و قصدا الطريق الى المكتب و تم هنالك التسجيل ، كانت فاطمة صديقة طفولتها درسا مع بعضها في المرحلة الاعدادية, كان موعد المسابقة في اليوم الثامن من الشهر القادم، ......كانا سيعودان الى منازلهم لكن أردتا ان يتمشيان قليلا و يتبادلان اطراف الحديث و يشكيان مشاكل الدهر لبعضهما...
أخذهم الكلام و نسي الوقت حتى غربت الشمس ،كان منظر غروبها خلابا يذهب الابصار يسلب العقول ....تفارقا في المسلك و أخذت كل واحدة طريقها إلى المنزل .....توضأت فتصلت و تعشت ثم صعدت غرفتها تبحث عن بعض الأوراق اللازمة لتكملة التسجيل ،فتشتها عن في الدرج الخاص بها فلن تجدها فخطر ببالها انها قد تكون مخبأة في المقهى بالخزانة ، نزلت إليه و فتحت باب الخزانة فوجدت أشياء قديمة ممتلأة متكدسة كانت الفوضى تملأها ، بدأت في البحث عن الاوراق فوُضغت يدها على هاتف ، انه هاتف ذلك الغريب قد وضعته هنا إحتاطي بعودته لأخذه ، عادت إلى التفكير فيه مجددا
و أخذتها التساؤلات ترى أين هو ؟ و لم لم يعد الى المقهى ؟ لم يتصل أحد به حتى ؟ أ حدث له مكروه ؟....... و لكن لم كل هذا الخوف و الحيرة منها ؟ لم يسلب هذا الرجل كل تفكريها و يأخذ منها حتى رشدها ؟ هل يعقل انه غير مجرد زابون بالنسبة له ؟ اهنالك رابطة أخرى بينهما دون أن تدري ؟.......
Veuillez télécharger l'application MangaToon pour plus d'opérations!