ألوان الهاويه

ألوان الهاويه

الفصل الاول: هلستوس ألوان الحياة المفقودة

هلستوس

يجب عليك العيش.

لا تمت حتى تعيش حياتك بأكمل وجه.

أمي... أمي، نعم، أمي. المرأة الوحيدة التي أحبتني بلا قيود. أخبريني، يا أمي، لماذا حميتِني؟ لماذا دافعتِ عني؟ لم يكن يجب أن تموتي ذلك اليوم. لماذا جعلتِني أعيش في عالم خالٍ منكِ؟ ما جدوى الحياة دون رؤية وجهكِ؟ منذ ذلك الحين، والموت يسكن أفكاري. حاولت الانتحار، لكنني لم أرد أن ألقاكِ منتحرًا. لذلك، سأسمع كلامكِ. سأعيش حياتي حتى يأتي الموت إليّ. أحبكِ، يا أمي. أنتِ أغلى ما كنت أملك.

فتحت عينيّ ببطء، فكان أول ما رأيته سقف غرفتي الرمادي القاتم. أزحت الغطاء عن جسدي، وعدلت جلستي لأستقر على حافة السرير، محدقًا بالأرض في صمت.

طرق... طرق.

سمعت صوت طرق خفيف يأتي من الباب، فأجبت بهدوء: "تفضل."

دخلت خادمة من خدم القصر، وانحنت قليلاً. "صباح الخير، سيدي الشاب. أتيت لكي أخبرك أن والدك يريدك في مكتبه."

تكلمت بنبرة رتيبة خالية من العاطفة.

نظرت إليها قبل أن أجيب: "فهمت. أخبري أبي أنني سأتي بعد قليل."

انحنت مرة أخرى، ثم غادرت.

نهضت من السرير، وتوجهت نحو الحمام. وقفت أمام المرآة، محدقًا بانعكاسي: عينان رماديتان باهتتان، خاليتان من الحياة، شعر رمادي طويل، وهالات داكنة تحيط بعينيّ. أي شخص يراني سيظنني مصابًا بالاكتئاب. ربما أنا حقًا مصاب بالاكتئاب. رفعت زوايا شفتيّ محاولاً الابتسام، لكن ابتسامتي بدت خرقاء، مزيفة، كابتسامة أحمق. توقفت عن الابتسام، وفتحت صنبور الماء، وغسلت وجهي. بعد أن انتهيت، أمسكت بمنشفة مطروحة على جانب المرآة، وجففت وجهي، ثم غادرت الحمام.

توجهت إلى الخزانة، وأخرجت ملابس تتكون من قميص رمادي وبنطال. ارتديتهما، ثم خرجت من غرفتي، أسير في الممرات الطويلة بهدوء، حتى قاطعني صوت طالما كرهته. التفت إلى مصدر الصوت، فوجدت امرأة تبدو في الأربعين من عمرها. إنها زوجة والدي. لا أعلم ماذا رأى والدي فيها.

"هلستوس، ابني الحبيب، إلى أين أنت ذاهب في هذا الوقت المبكر؟"

مع أن كلماتها تبدو كأنها قلق على ابنها، ما زال هناك نبرة من الكراهية. حدقت بها بنظرة جليدية، فارتجفت، وأجبت ببرود: "أنتِ لستِ أمي ولا ليس لديكِ دخل أين أذهب، لذلك ابتعدي عني."

لم أنتظر طويلاً حتى انهار قناعها المزيف. "أنت أيها الطفل المدلل، لا تنسَ بموجب القانون أنا هي والدتك، لذلك يجب أن تحترمني، هل سمعت؟"

احمر وجهها وهي تصرخ بي.

خرجت مني ضحكة ساخرة دون قصد، مما زاد من غضبها.

"على ماذا تضحك؟"

"لا شيء، فقط تذكرت شيء مضحك جدًا."

تكلمت وأنا أبتعد عنها. لم أكن أريد أن أطيل الحديث معها أكثر من اللازم، حتى تكلمت: "الابن مثل والدته، كلاهما أغبياء."

توقفت في مكاني، متعجبًا من كلماتها. كيف تجرؤ على وصف والدتي بالغبية؟ أمي التي ضحت بحياتها من أجلي، وتأتي هي تصفها بالغبية؟ هذا أمر لا يمكنني أن أتغاضى عنه.

بسرعة كبيرة، انتشرت النيران في أنحاء الممر، محيطة بنا. ذعرت المرأة، وبدأت بالهث والتعرق، والخوف واضح على وجهها الشاحب. سقطت على الأرض، ممسكة بصدرها عند موضع قلبها.

اقتربت منها، وفي يدي كرة من النار. في تلك اللحظة، كنت مستعدًا لقتلها بعينين حادتين، مستعدًا لرمي الكرة. أوقفني صوت جاء من خلفي. عرفت ذلك الصوت جيدًا، رغم أنني لم أرَ صاحبه كثيرًا. لم يكن سوى أبي، الشخص الذي تركني عند موت أمي.

"ماذا تظن نفسك فاعل، هلستوس؟ أبعد كرة النار عنها الآن."

حدقت به، وببطء أخفيت النار عنها وعن يدي. تمنيت لو كان بإمكاني قتلها الآن. المشكلة هي هذا الرجل الذي يحميها. لو لم يكن المستوى بيننا مختلفًا، لم أكن لأتردد في قتلها. لكن هذا الرجل في مستوى آخر عني، قادر على العبور من ناري بكل سهولة، كأنها لعبة أطفال مملة لا تثير اهتمامه. لذلك، قررت عدم مواجهته وأنا أعلم أنني سأخسر. هذا جعلني غاضبًا، لكنني لم أظهر ذلك، فأبقيت وجهي خاليًا من التعبير.

مر أبي من جانبي، متجهًا نحو زوجته. وقف أمامها وهي مستلقية على الأرض، وقال: "اذهبي."

لم تتردد المرأة بالهروب بسرعة. التفت إليّ أبي وأمرني باتباعه. بينما نسير في صمت، سألني: "هلستوس، لو اتيحت لك الفرصة لقتل أميليا، هل سوف تقتلها؟"

تعجبت من سؤاله، لكنني أجبت: "نعم، سوف أفعل، حتى لو تطلب الأمر أن أدمر القصر بالكامل، سوف أفعلها."

"فهمت... إذن، حظًا موفقًا في ذلك."

"ها... ماذا؟" تعجبت من رد فعله البارد. توقعت منه أن يغضب أو يسكتني، شيئًا من هذا القبيل، لكنه لم يفعل، بل تمنى لي التوفيق.

"لماذا منعتني من قتلها إذن؟"

سألته بدوري عن منعه لي من قتلها، فأجاب: "سوف تفهم عندما تكبر في العمر وتصبح رئيس العائلة."

كنت على وشك أن أسأله عن معنى ذلك، لكننا وصلنا إلى المكتب. دخلنا، وتوجه أبي إلى كرسيه، بينما اتخذت مكاني أمام الطاولة.

"هلستوس، أنت تعلم عن أكاديمية الفرسان، صحيح؟"

"نعم، لماذا؟" أجبت في حيرة.

"عندما يبلغ أبناء النبلاء الخامسة عشرة، يذهبون إلى أكاديمية الفرسان لتعلّم استخدام قدراتهم. لذلك، لقد سجلتك في الأكاديمية. غدًا، سوف تذهب أنت وخادمتك لوسيا في الصباح للسفر إلى مستلاند، ولا مجال للنقاش. هل فهمت؟"

"نعم، أبي، فهمت."

غادرت المكتب، وتوجهت نحو غرفتي. بمجرد أن دخلت، ضربت الطاولة بقوة حتى تحطمت، وتجرحت يدي حتى غطاها الدم بالكامل. مع ذلك، لم أهتم، لم أبدِ أي رد فعل على إصابتي. كل تفكيري كان منصبًا على غضبي من أبي وتدخله في حياتي. يغيب عن حياتي سنوات، ثم يأتي بكل ثقة وغرور يحدد مسار حياتي، كأنني ليس لدي إرادة حرة، مقيد بسلاسله، يحركني كدمية في يده. أشك أنه يراني ابنًا. لا، أنا مجرد أداة من أدواته الكثيرة. لا يهم إذا انكسرت إحدى أدواته أو اختفت، سيكون هناك دائمًا بديل. أنا تلك الأداة.

بينما كنت غارقًا في أفكاري، لم أنتبه لصوت طرق الباب. لم ألحظ حتى دخول الخادمة.

"سيدي."

نظرت إلى مصدر الصوت، واتسعت عيناي. بسرعة، أخفيت يدي المصابة خلف ظهري، وقالت بابتسامة: "لوسيا، ماذا تفعلين هنا؟"

لم ترد عليّ، فقط حدقت ببقع الدم على الأرض بوجه مرعوب، ثم التفتت إلى الطاولة المحطمة. "سيدي، هل يمكنك أن تريني يدك من فضلك؟" تكلمت بنبرة ضعيفة وخائفة، وحدقت بي بعينين تلمعان بدموع خفيفة.

استسلمت، وأظهرت يدي لها. عندما رأت يدي المصابة مليئة بالدم، انهمرت دموعها. هرعت إلى أحد الأدراج، وأخرجت حقيبة إسعافات. أخرجت معقمًا وضمادة بيضاء، ثم أمسكت بيدي، وسكبت المعقم، ثم ضمدتها.

بينما كنت أحدق بها، لم أتكلم أو أقاوم، فقط تركتها تعالج يدي. كنت أعرف أنني إذا قاومت، ستغضب، وأنا لا أريد أن تغضب مني. التزمت الصمت حتى انتهت من علاجي.

فتحت فمي لأتكلم، لكنها وضعت إصبعها على فمي لتسكتني، ثم قالت بصوت حنون ورقيق: "سيدي الشاب، لست بحاجة إلى تبرير عدم إخباري بإصابتك. أنت لست طفلاً، مع ذلك، من فضلك، إذا تعرضت إلى أي إصابة، أرجوك، أخبرني. حتى وإن كان ذلك يؤلم قلبي الصغير، عدم معرفتي أنك مصاب يؤلم أكثر من المعرفة. لذلك، أرجوك، لا تخفِ عني أنك مصاب."

مع كل كلمة تقولها، كانت دموعها تنهمر على وجهها، وكذلك على وجهي. مددت يديّ، واحتضنتها بقوة، وهي أيضًا احتضنتني. بكينا في صمت، متشبثين ببعضنا كأننا نخاف أن يختفي الآخر. بقينا على هذا الحال حوالي خمس دقائق، ثم ابتعدنا، ونظرنا إلى بعضنا، وابتسمنا بابتسامات خفيفة ولطيفة.

بينما نبتسم، وضعت يدي على مؤخرة رقبتي، وأشحت بنظري قليلاً عنها بخجل، وقالت: "لوسيا، أنا آسف لعدم إخباركِ. لم أقصد أن أجعلكِ حزينة. لم أكن بكامل تركيزي عندما أصبت. أتمنى أن تسامحيني."

نظرت إلى الأرض، منتظرًا ردها.

"سيدي، أرجوك، ارفع رأسك."

رفعت رأسي لأنظر إليها، فوجدتها مبتسمة. "سيدي، أنت لم تفعل أي شيء خاطئ، لذلك لا تتأسف. فقط أنا لا يمكنني تحمل رؤيتك مصابًا ومتألمًا، هذا كل ما في الأمر. لا تقلق."

أنهت كلامها وهي تربت على رأسي.

"لوسيا، شكرًا لكِ على كل شيء. بدونكِ، لم أكن أعرف ماذا أفعل. أنتِ هي من اعتنت بي منذ أن كنتِ طفلة بالنسبة إليّ، كنتِ الأم التي لم أحظَ بها. لذلك، شكرًا لكِ."

أنهيت كلامي وأنا أمسك يدها بحنان.

فتحت فمها من الصدمة، ثم ابتسمت وقالت: "شكرًا لك، هلستوس. أنت أيضًا بالنسبة إليّ كنت ابني الذي لم أحظَ به. لذلك، شكرًا لك، هلستوس، على كل شيء."

أنهت كلامها بنفس الابتسامة.

وفي تلك اللحظة، ولوهلة عابرة، استطاع هلستوس، للمرة الأولى منذ ثماني سنوات، أن يرى ألوانًا تتألق على لوسيا، ولو لفترة قصيرة.

"لوسيا، أظن أنني رأيت الألوان عليكِ"، قلت، وأنا مصدوم. "ظننت أنني لن أرى الألوان من جديد، حتى أنني استسلمت. لم أتوقع أن يأتي هذا اليوم الذي سأرى فيه الألوان. لا يهم إن كانت فترة قصيرة، المهم هو أنني ما زلت قادرًا على رؤية الألوان."

انصدمت لوسيا، لكن سرعان ما ابتسمت وقالت: "هذا خبر مفرح، سيدي. هذا يعني أنك من الممكن أن تتعافى من هذا."

"نعم، هذا مفرح جدًا. شكرًا، لوسيا. لا أظن أنني كنت سأصل إلى هذه المرحلة بدونكِ. أنتِ هي نوري في هذا العالم."

لم ترد عليّ، بل ابتسمت لي بحنان.

بعد فترة قصيرة من الحديث، سألت لوسيا إذا كانت تعرف أنني سأدرس في أكاديمية الفرسان، فأجابت بنعم. كانت قد أتت إلى غرفتي لتسألني عن ذلك.

"فهمت. يمكنكِ الذهاب الآن، لوسيا. أظن أنني سأنام قليلاً."

"حسنًا، أتمنى لك نومًا هنيئًا"، أجابت وهي تنحني قليلاً قبل أن تغادر.

أغلقت الباب، ثم توجهت إلى السرير، واستلقيت على ظهري، محدقًا بالسقف.

أكاديمية الفرسان، أتمنى أن تكون مكانًا جيدًا. أغمضت عينيّ، وغرقت في النوم.

يتبع...

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon