المدينه المنقسمه
الفصل الأول: المدينة المقسّمة
الربيع الدموي لم يكن مجرد حرب، بل كان بداية صمت المدن ونهاية الحياة كما عرفها البشر.
في ذلك اليوم المشؤوم، انهارت الجدران القديمة، وانفجرت السماء بألسنة اللهب التي التهمت البيوت والأرواح على حد سواء. ضحايا الحرب أصبحوا ظلالًا، يختفون قبل أن تتسنى لهم الابتسامة الأخيرة، بينما الريح الفتّاكة تعصف بما تبقى من الأحياء، تصفي النفوس وتجعل كل فرحة مستحيلة.
فادي استيقظ في غرفة مهجورة، جدرانها مغطاة برموز غريبة وألوان متشابكة، كأنها صرخات من الماضي. الهواء مشحون بالخوف، وكل همسة تتسلل من الخارج تحذر من شيء أعمق من الموت. صور متقطعة تراوده: انفجار في السماء، ضحكات تتلاشى، وجوه تختفي في ضباب أحمر كثيف…
فلاش باك: طفولته في أزقة المدينة القديمة، الجنرال يصرخ بأوامر غريبة، والناس يختفون بلا أثر، وأمه تحاول حمايته من الظلام، لكن لا جدوى. جثث بلا أسماء، صرخات بلا صدى، ودماء تغطي الأرض. لقد رأى فادي لأول مرة أن العالم يمكن أن يكون قاسيًا بلا رحمة، وأن البقاء مجرد صدفة.
على الجانب الآخر، فارس يمشي في شوارع مدينة بلا حزن، حيث كل شيء نظيف ومرتب بشكل مثالي، لكن الصمت الثقيل يخنق الأرواح. الناس بلا دموع، الضحكات محظورة، والهواء مشحون بشيء غير مرئي. فجأة، يرى ظلًّا يتحرك بسرعة: صورة طفل يحمل زهرة تحت قمر أسود. قلبه ينبض بلا سبب، وعقله يمتلئ بأسئلة لا يجد لها إجابة.
فلاش باك: صوت أمه يحذره من "الحكيم"، ويذكره بالوعود الغامضة التي قطعها على المدن، لكنه في الحقيقة يخفي شيئًا أفظع من الريح الفتّاكة نفسها. فارس يتذكر أيضًا طفولته في شوارع مظلمة، حيث الظلال تتحرك بلا هدف، والأبواب تغلق بلا سبب، وكل ضحكة محرّمة كانت تشعل شرارة خوف عميق.
المدينة نفسها حية. كل شعور يُراقب، كل فكرة تُسجّل، وكل خوف يثقل على الأرواح. الريح الفتّاكة ليست مجرد وباء، بل تجسيد لقوة خفية، سرّ يجعل كل شيء هشًّا… كقلب يكتم أنفاسه خوفًا من الحقيقة.
فادي يتجول في أزقة المدينة المقسّمة، يرى الجدران مكتوبة بعلامات غريبة، رموز قديمة تُنبئ بالهلاك أو بالنجاة، لكنه لا يعرف تفسيرها. صوت الريح يشبه همس الأرواح المفقودة، يحمل أسماء من لم يعودوا على قيد الحياة.
فلاش باك: مرة أخرى يعود إلى طفولته، لكنه هذه المرة يرى نهاية الحرب بوضوح: السماء تتشقق، ألسنة اللهب تلتهم القرى، والناس يصرخون بلا صوت. فادي يشعر بالعجز، لكن في قلبه يشتعل بريق صغير من الفضول: لماذا حدث كل هذا؟ وما السر وراء الريح الفتّاكة؟
فارس الآن يسير نحو الساحة الكبرى، حيث يُحظر الحزن. كل مبنى مثالي، بلا أثر للألم، لكن في الداخل يشعر وكأن المدينة تتنفس. فجأة، يسمع صوت خطوات خلفه، لكنه حين يلتفت، لا يرى أحدًا. صورة الطفل تحت القمر الأسود تظهر في ذهنه مرة أخرى، تُشعل شعورًا غامضًا… حنين لم يعرفه، وخوف لم يستطع تفسيره.
فلاش باك مزدوج: فادي يرى نفسه طفلاً، يختفي فجأة، وفارس يركض نحو الظل، والجنرال يصرخ بأوامر، والريح تحرق كل شيء، لكن لا يظهر أي أثر للنيران. كل شيء يبدو كحلم مشوّه، لكن الواقع أكثر قسوة.
الحكيم، الحاكم الغامض، يجلس في قصر مظلم، يبتسم وكأن كل شيء تحت سيطرته، لكنه يخفي أسرارًا تجعل الحرب والوباء مجرد ستار لأشياء أفظع. كل حركة محسوبة، كل قرار محسوب، ليبقى السكان تحت قبضته، يراقب كل شعور وكل فكرة.
الجنرال، اليد اليمنى للحكيم، ينفذ الأوامر بلا رحمة، لكنه يشعر بتمزق داخلي بين الولاء والخوف، بين ما هو صحيح وما هو مفروض عليه. كل ليلة، حين يسدل الظلام ستاره، يرى في أحلامه وجوه الناس الذين فقدوا حياتهم بسبب قراراته، ويبدأ الشك يتسلل إلى قلبه، يختبر نفسه… هل هو قاتل أم مجرد أداة؟
فادي وفارس الآن مرتبطان بشكل غامض: رسالة مكتوبة بخط قديم على جدار مهدم، صورة منسية من الماضي، وأحلام متكررة تقودهما نحو الحقيقة. كل خطوة تكشف سرًا جديدًا، كل مشهد يحفر في عقل القارئ شعورًا بالرعب النفسي، وكل همسة تحمل لمسة فانتازيا غريبة.
المدينة ليست مجرد حجر وجدران… إنها اختبار للإنسانية: المشاعر أسوار، الذكريات سلاسل، والحرية وهم.
ورغم كل هذا، يلمع بريق خافت من الأمل.
فهل سيتمكّنان من كسر القيود؟ أم ستبتلعهما المدينة المقسّمة في صمتها الأبدي؟
---
Comments