تحت هوسه

تحت هوسه

بين الجبال

الهواء كان قارسًا على ارتفاع الجبال، يحمل رائحة الصنوبر الممزوجة برائحة الثلوج المتساقطة من الليلة الماضية.

بين الصخور والضباب، تقدّم شاب غامض، ملامحه حادة، جسده متناسق وعضلاته واضحة تحت ستره الرمادي، وخطواته متزنة وسريعة، كأن كل حركة محسوبة بعناية.

كان هذا الشاب — الذي لم يعد لينا بعد الآن — يحمل سرًّا، لا يعرفه أحد. تحول كامل، اختفت الفتاة خلف هيئته الجديدة.

رأسه مرفوع، عينيه تتفحصان الطريق أمامه، ويداه ترتعشان قليلًا من البرد، لكنه لم يُظهر أي ضعف.

أمام الشاب، امتد الطريق الطويل المؤدي إلى الأكاديمية. لم تكن مجرد مباني بين الصخور، بل كانت مدينة صغيرة محاطة بالجبال الشاهقة، أبوابها وأبراجها شاهقة، وجدرانها الحجرية متينة، بعض نوافذها تتلألأ بضوء خافت، تعكس الحياة المخبأة داخلها.

حوالي خمسة آلاف طالب يدرسون هناك، لكن المكان هادئ في هذا الوقت، وكأن المدينة كلها نائمة في انتظار فجر جديد.

الرحلة إلى هنا لم تكن سهلة. صعد الطلاب الجدد على عربات صغيرة تجرها قوى ميكانيكية عبر مسارات وعرة، تتخللها المنحدرات الحادة، والشقوق بين الصخور.

الريح كانت تعصف بهم، والبرودة تخترق السترات والملابس، لكن الشاب الغامض لم يتوقف. كان يعرف أن هذه ليست مجرد رحلة إلى مدرسة، بل بداية اختبار لكل ما هو مجهول.

عند بوابة الأكاديمية، توقف قليلًا، يراقب المكان بتمعن.

المباني الحجرية واسعة، بعض القاعات تطل على منحدرات جبلية، وهناك مساحات كبيرة مغطاة بالثلوج، حدائق محاطة بأسوار قصيرة، ونافورة ضخمة في الوسط لم تتوقف عن رش قطرات المياه المتجمدة.

أصوات خطوات خافتة تتردد بين الجدران، وشمس الشتاء تخبو بين الغيوم، تاركة فضاءً مليئًا بالظلال.

مع دخول البوابة، شعر الشاب الغامض بنسيم داخلي أكثر دفئًا، لكن الحذر لم يتركه لحظة واحدة.

الطلاب الآخرون، المئات من مختلف الأعمار، كانوا ما زالوا نائمين في مساكنهم. لم تُشاهد أي حركة قوية، ولا علامات لقدرات خارقة بعد. كل شيء بدا طبيعيًا، إلا أن صمت الأكاديمية كان غريبًا، وكأنها تنتظر شيئًا ما.

تقدم عبر الممرات الطويلة، كل خطوة تعكس صدى حادًا، وكأن الجدران نفسها ترصد كل حركة.

التف حوله الطيور المتجمدة على الأشجار المحيطة، وصرير الرياح بين الصخور جعل الرحلة أكثر إثارة.

في تلك اللحظة، شعر بثقل جسده وقوة عضلاته، فحتى بدون أي قدرة خارقة، كان قادرًا على التعامل مع المنحدرات والطرق الوعرة، يحافظ على توازنه بسرعة ومهارة.

بينما اقترب من السكن المخصص للطلاب الجدد، لاحظ الأبراج المحيطة وأماكن التدريب المفتوحة، حيث كانت هناك ساحات واسعة للرياضة والتدريب البدني، ومسارات للاختبارات البدنية، لكن لم يُشاهد أي طالب يمارس قدراته.

كان الشاب الغامض يعرف بإسم راكان موجود هنا أيضًا، لكنه لا يعرفه بعد، ولا يعرف حتى مكانه في السكن.

توقف عند مدخل السكن، أدار ظهره للحياة العامة الأكاديمية، ونظر إلى الجبال المحيطة.

الثلوج تتلألأ تحت أشعة الشمس الباهتة، والغيوم تتجمع لتشكل سحابة كثيفة تغطي القمم الشاهقة.

تساءل في صمت: هل هذه الأكاديمية حقًا ملاذًا أم مجرد بداية لسلسلة لا تنتهي من الاختبارات والمخاطر؟

ثم أخذ نفسًا عميقًا، وضع حقيبته على كتفه، وابتسم ابتسامة خافتة.

هنا يبدأ كل شيء…

استيقظت الأكاديمية تدريجيًا مع ضوء الصباح الباهت، فتحة شمس خجولة تسللت بين قمم الجبال الشاهقة.

الهدوء الذي عمّ الليلة الماضية بدأ يتبدد، وصدى خطوات الطلاب المبتدئين يملأ الممرات الحجرية الواسعة.

راكان، الشاب الغامض، سار بثقة بين الممرات، كل خطوة تعكس عضلاته المشدودة وتحكمه في توازنه، وكأن جسده يعرف الطريق قبل عقله.

لم يكن يعرف أحد هنا، ولا يعرف هو أحدًا، لكنه شعر بأن شيئًا ما في هذه الأكاديمية أكبر من مجرد مبانٍ وجدران حجرية.

وفجأة، وفي زاوية من الممر، اصطدم برفق بشاب آخر، طويل القامة، عيناه تتلألأ بالفضول، ابتسامة واثقة ترتسم على وجهه.

رفع الشاب يده تحيةً، وقال بصوتٍ حاد لكنه دافئ:

— «مرحبًا… اسمي كأيد.»

ركان لم يبدُ متوترًا، على الرغم من القوة التي شعرت بها emanating من هذا الشاب. كانت قوته واضحة، لكنها لم تخيفه؛ شيء غريب استقر في قلبه، شعور لم يفهمه بعد.

ابتسم راكان ابتسامة خافتة، وأومأ برأسه.

اقترب كأيد خطوة واحدة، نظر إليه بتمعن، ثم قال بصوتٍ خافت وكأن الكلام سرٌّ لا يُقال:

— «لماذا هالتك قوية؟»

ثم، فجأة، ابتعد بخطوات متأنية، تاركًا راكان مذهولًا قليلاً.

كانت قوة الشاب غامضة، ولم يجرؤ على الاقتراب أكثر، لكنه ترك في قلب راكان فضولًا شديدًا، شعورًا بأن هذا اللقاء ليس مجرد صدفة.

بعد لحظات، اقترب كأيد مجددًا، هذه المرة أقل تحفظًا، وقال:

— «تعال، سأريك الأكاديمية.»

بدأ الشابان يمشيان عبر الممرات الواسعة، مرورًا بساحات التدريب المفتوحة، حيث كانت هناك مساحات ضخمة للرياضة البدنية والتدريبات، لكن لم يُر أي استخدام للقوى بعد.

المباني الحجرية شاهقة، نوافذها الكبيرة تعكس ضوء الشمس المتسلل من بين الجبال، وأبراج المراقبة عند الزوايا توحي بالانضباط والسيطرة على كل شيء.

الطرق بين المباني مزينة بأشجار الصنوبر، والجداول المائية تتخلل الأرضية، مياهها تتجمد أحيانًا بسبب برودة الجو، لكنها تضفي جمالًا على المكان.

في قلب الأكاديمية، تقع ساحة مركزية ضخمة، مساحتها تكفي لآلاف الطلاب، حيث يتجمعون أحيانًا للاجتماعات أو الإعلانات الرسمية.

كأيد أشار إلى كل شيء حوله، مقدّمًا شرحًا موجزًا عن الحياة اليومية للطلاب، عن السكن، وعن أماكن التدريب البدني، لكن دون ذكر أي قوة خارقة.

ركان تابع كل شيء بهدوء، لم يبدُ متوترًا، لكنه شعر بأن كل حركة، كل كلمة، وكل تفصيل من كأيد يحوي سرًا غير معلن.

بينما كانوا يمشون، لم ينجح راكان في التوقف عن مراقبة الشاب، شعور غريب يثقل صدره، لكنه اعتاد أن لا يلتفت كثيرًا إلى أي شعور.

حتى الآن، لم يكشف أحد عن قدراته، ولم يظهر أقوى طالب بعد، لكن ركان أدرك أن هذه الأكاديمية مليئة بالغموض، وأن كل خطوة هنا قد تغيّر كل شيء في حياته.

وعند نهاية الجولة، ابتعد كأيد قليلاً، وأومأ برأسه:

— «حسنا، ستتعرف على كل شيء تدريجيًا. لكن تذكّر… هنا لا شيء كما يبدو.»

ركان اكتفى بالابتسامة، قلبه يشعر بالفضول أكثر، وعينه تلمع بشيء من الحذر. هذه الأكاديمية لم تكن مجرد مكان للتعلم… بل عالم كامل من الأسرار.

 

مختارات
مختارات

1تم تحديث

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon