أسرار القصر الآشوري

أسرار القصر الآشوري

1

📖 الفصل الأول: لقاء تحت ظلال آشور

كانت الشمس في كبد السماء، تبعث بضيائها الذهبي فوق أسوار القصر الآشوري العظيم. الجدران العالية شامخة كأنها لا تعرف السقوط، مزينة بنقوش تصوّر ملوكًا ومحاربين وآلهة قديمة. الأسود الحجرية تقف عند المدخل، أنيابها بارزة وعيونها منقوشة بحدة تجعل الداخل يشعر أن هذه التماثيل لا تزال حية، تراقب كل من يمر من أمامها.

مع صريرٍ ثقيل، فُتحت البوابة الخشبية العملاقة، ووقف الحراس بزيّهم الحديدي يزيحونها ببطء، كأنهم يفتحون بابًا إلى عالم آخر. كان الهواء دافئًا، لكنه مشبع برائحة البخور والعرق والغبار القادم من السوق القريب.

خطت إيلينا إلى الداخل. خطواتها كانت ثابتة في ظاهرها، لكنها تخفي ارتجافًا صغيرًا لا يعرفه سواها. ثوبها بلون رملي بسيط يميز بنات الطبقة المتوسطة، وقد شدّت على خصرها حزامًا جلديًا قديمًا ورثته عن أمها. ورغم بساطة مظهرها، كان في مشيتها كبرياء دفين، وكأنها تقول للعالم: لن أسمح أن يراني أحد ضعيفة.

تأملت بعينيها القاعة الكبرى وهي تعبرها لأول مرة. السقف العالي يعلوه خشب مطلي بالذهب، والأعمدة محفورة برموز الطيور المجنحة والنجوم. المشاعل مثبتة على الجدران، لهبها يتراقص ويلقي بظلال غريبة كأنها أشباح تتحرك في صمت. رائحة الزيت المحترق ممزوجة بالبخور تملأ المكان، حتى أن أنفاسها صارت ثقيلة.

وفي قلب القاعة، جلس أدريان.

كان شابًا في أواخر العشرينات، طويل القامة، ظهره مستقيم كرمح. ثوبه الأبيض المطرّز بخيوط ذهبية يلمع تحت الضوء، وعلى كتفه عباءة سوداء فاخرة. وجهه وسيم بشكل يربك النظر؛ ملامحه حادة منحوتة بعناية إلهية، عظام وجنتيه بارزة، وفمه مرسوم كأن كل ابتسامة عنده محسوبة. لكن ما أسرها حقًا كان عينيه… عينان عسليتان داكنتان، فيهما بريق غامض، نظرة تجمع بين الكبرياء والبرود. شعره الأسود المصقول انسدل على جبينه قليلًا، زاد وسامته وقسوته في الوقت ذاته.

لم يتحرك حين دخلت، بل ظل يراقبها بصمت كأنها غريبة تجرأت على الدخول إلى عالمه الخاص.

تقدم أحد الخدم بخطوات سريعة، وانحنى أمامه وهو يعلن بصوتٍ مرتفع:

"هذه هي إيلينا، ابنة داريوس، التي اختارتها العائلتان لتكون عروس سيدنا."

ساد القاعة صمت ثقيل. الخدم خفّضوا رؤوسهم، النبلاء تبادلوا النظرات، وكأن الجميع ينتظر أول كلمة ستقال.

رفع أدريان حاجبه بسخرية خفية، صوته العميق اخترق الفراغ:

"هل هذه هي الفتاة التي اخترناها لتحمي تحالفنا؟"

كانت الكلمات كصفعة على وجهها. شعرت بالدماء تتدفق في عروقها، قلبها يخفق كطبول الحرب. أرادت أن تنحني، أن تلتزم بالصمت مثلما طلب منها والدها، لكنها فجأة وجدت نفسها تقول بصوتٍ واضح، رغم ارتجاف يديها:

"أنا لست مجرد قطعة على طاولة لعبكم."

ضجّت القاعة بهمهمات. بعض النبلاء شهقوا بدهشة، بينما أسرع أحد الحراس ينظر إلى سيده بقلق، يخشى أن يفقد أعصابه.

لكن أدريان لم يغضب. على العكس… ارتسمت على شفتيه ابتسامة صغيرة، لكنها لم تكن ابتسامة ودّ، بل ابتسامة غامضة تحمل تحديًا. وقف ببطء، صدى خطواته يرن فوق أرضية الحجر اللامع. اقترب منها خطوة بعد خطوة، حتى بات قريبًا بما يكفي ليلمس ظلها ظله.

قال بصوتٍ منخفض، أقرب إلى الهمس لكنه يحمل تهديدًا واضحًا:

"احذري… هذا القصر لا يرحم من يستهين به."

في تلك اللحظة، انطفأت شمعة كبيرة موضوعة على الطاولة الجانبية من تلقاء نفسها. اللهب تلاشى فجأة، رغم أن لا ريح ولا نسمة مرّت. ارتجف الخدم، وهمس أحدهم وهو يتراجع إلى الخلف:

"الأرواح القديمة… إنها تستيقظ من جديد."

شعرت إيلينا بقشعريرة تسري في عمودها الفقري. لحظة صمت سقطت كالصخرة بينهما. عينيها الخضراوان اللامعتان لم تهربا من نظرته العسلية القاسية. ورغم كل خوفها، رفعت رأسها أعلى، وكأنها تتحدى ليس فقط أدريان، بل كل هذا القصر المليء بالظلال.

وهكذا انتهى لقاؤهما الأول… لقاء لم يكن عاديًا أبدًا. بين جدران القصر الآشوري العظيم، تحت أنظار النبلاء والتماثيل والأرواح القديمة، ولدت شرارة… مزيج من الكراهية، الكبرياء، والغموض، شرارة ستغيّر مصيرهما إلى الأبد.

 

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon