اندفع قائد البرابرة رافعاً فأسه الضخم، كتلة حديدية تلمع تحت وهج النار، وكأنها قادرة على شطر الجبال نصفين.
عضلاته المتفجرة تقطر عرقاً، وصوته الوحشي دوى مع كل خطوة يخطوها.
لكن إلكا وقف في مواجهته كجدار من فولاذ، قدماه غُرستا في الأرض بثبات لا يتزعزع، وسيفه ارتفع كالشعاع الحاد يلمع بعزم أشد من الحديد نفسه في عينيه نار لم يعرف القائد مثلها من قبل نار رجل يقاتل ليس من أجل نفسه فقط، بل من أجل كل ما تبقى له في هذه الحياة.
هوى الفأس كصاعقة هادرة، لكن إلكا اعترضه بضربة واحدة كسرت الاندفاع، وتطاير الشرر في الأفق كأنها شظايا نجوم متساقطة.
ارتجفت الأرض تحت وقع الصدام، غير أن إلكا لم يتزحزح حقيد أنملة بل دفع خصمه للخلف بخطوة حاسمة، لتتسع ابتسامة التحدي على وجهه.
قال بصوت جهوري يخترق هدير المعركة
"أنا لست من سيسقط أمامك... أنا من سيضع حداً لجبروتك!"
توالت الضربات الفأس ينهال كالمطر الجارف، يطارد كل ثغرة في دفاعات إلكا، لكن السيف كان يردعها بمهارة لا تعرف التردد كل حركة من يد إلكا لم تكن مجرد دفاع بل هجوم مضاد مدروس، يجر خصمه شيئاً فشيئاً نحو الزاوية.
العرق اختلط بالدم على جبين القائد، وعيناه اتسعتا بالذهول؛ لم يتوقع أن يجد أمامه خصماً يقف بصلابة الجبال. صرخ بأعلى صوته وحاول توجيه ضربة قاضية لكن إلكا سبقها بخطوة، دار حوله بسرعة مدهشة، وسيفه انقض كالبرق شاقاً الهواء نحو قلب المعركة.
في لحظة خاطفة، ارتفع السيف ثم انخفض، فاصطدم بالفأس وأزاحه جانباً بقوة مذهلة. قبل أن يستعيد القائد توازنه اخترق نصل إلكا دفاعه، وشق صدره بقطع حاسم أنهى الصراع.
سقط قائد البرابرة على ركبتيه، والفأس الضخم ارتطم بالأرض يصدر طنيناً ثقيلاً كأنه إعلان نهاية عهد. أما إلكا فظل واقفاً وسيفه يقطر بدم حار، وصدره يعلو ويهبط بأنفاس ثقيلة، لكن عينيه ظلتا تلمعان بنصر لم يتجرأ أحد على انتزاعه.
وبين صمت مفاجئ خيم على ساحة القتال، ارتفعت نظرات الابن من بعيد مزيجاً من الخوف والفخر، وكأن قلبه الصغير أدرك أن والده لم يكن مجرد مقاتل... بل أسطورة تصنع أمام عينيه.
وقبل أن يخرّ قائد البرابرة صريعاً، بصق دماً وضحك ضحكة مبحوحة، وقال بصوت متقطع "لا تفرح كثيراً يا رجل السيف... قتلتني، لكنك لن توقف زحفنا ... سيأتي من هو أشرس مني، وسيجرفكم كالعاصفة!"
ثم انطفأت عيناه، وسقط جسده الضخم كجدار ينهار، تاركاً خلفه صدى كلماته يتردد في صدر إلكا، كإنذار مبكر لما هو قادم.
وقف إلكا صامتاً، عيناه تتركان القتيل دون أي رد، وكأن الحديد والدم وحدهما يعرفان الجواب.
وفي الخلف، ظل الابن يحدق بأبيه بعينين دامعتين، مدركاً أن هذا الصمت ليس ضعفاً، بل قوة رجل يعرف أن الحرب لم تنته بعد....
نضر إلكا إلى السماء وهو يفكر بأن القتال و الدم لن يفارقه حتى لو حاول الهرب، و ان الاعداء ستتوالى عليه من كل جانب، و الخطر محدق بعائلته.
قفز كايل من مكان اختبائه، وعيناه تفيض بالدموع.
و قلب خائف، اندفع كايل نحو ابيه واحتضنه، مما قطع سلسلة افكار ابيه واعاده الى الواقع، نضر إلكا إلى ابنه بعيون حزينه و بدافع لحماية عائلته، وهو السبب الوحيد لبقائه على قيد الحياة.
وقف البرابرة بذهول عند جثة قائدهم، وقال لهم إلكا:
"ان ارتم استئناف القتال فلا مانع لدي.!"
نضر البرابرة إليه بتعجب، وخلفه قد وقف اهل القرية حاملين المعاول و الادوات مستعدين للدفاع عن قريتهم.
قام البرابرة بالانسحاب، و حملو جثة زعيمهم نحو قارب منهار و وضعوا جثة زعيمهم فيه، و قاموا بتغطيتة برداء ابيض، و سحب البحر القارب المنهار حاملاً زعيم البرابرة، وقف البرابرة حاملين القوس و النشاب المشتعل قاصدين برميهم القارب،
وذلك كان مراسيم وداع قائدهم و جنازته.
انسحب البرابرة الى سفنهم و غربو عن القريه كغروب الشمس. عاد إلكا مع ابنه للقرية و معضم المنازل قد احرقت، و بعضها قد تهدمت، الاضرار التي اصابت القرية كانت كبيرة، وصل إلكا الى منزله، وكان منزله قد احترق نصفه، وقف إلكا منصدماً و قلبه يخفق بسرعه بسبب الخوف الذي تملكه، و التساؤلات تملأ رئسه،
اين هيه زوجة إلكا، اين هي آليا؟!!!
نضر كايل إلى ابيه قائلاً:
"ابي!! اين امي؟!!"
يتبع...
Comments