السفاح الوسيم
كانت المدينة غارقة في صمتٍ ثقيل، لا يُسمع فيه سوى صفير الرياح وهي تتلاعب بالنوافذ القديمة، وكأنها تغني لحنًا حزينًا لا يفهمه إلا القمر. فوق سطحٍ عالٍ، وقف السفاح الوسيم، متكئًا على حافة الخرسانة الباردة، سيجارة مشتعلة بين أنامله الطويلة، والدخان يتراقص حول وجهه الذي جمع بين وسامة مقلقة وغموض قاتل.
عينيه، السوداوين كأسرار الليل، كانتا مسمّرتين على السماء، حيث المشهد الذي أسر قلبه. من الأعلى، من تلك الهوّة السماوية، هبطت الأجساد بقوة، كسهامٍ اخترقت السكون، ليخترق معها شعور غريب صدره. لم يكن الهبوط عاديًا… كان عنيفًا، مهيبًا، يترك خلفه أصداءً في الهواء كطبولٍ تدق إعلانًا لمسرحية لم يشهد مثلها من قبل.
الناس لو رأوا ذلك، لصرخوا، لارتجفوا، لركضوا بعيدًا، أما هو… فقد اكتفى بابتسامة خافتة ارتسمت على شفتيه، ابتسامة لا هي ساخرة ولا حزينة، بل مزيج غريب من النشوة والإعجاب. كأن روحه المظلمة وجدت في هذا الهبوط نوعًا جديدًا من الجمال.
كان القمر أمامه، كبيرًا، ساطعًا، يغمر المشهد بضياء فضيّ باهر. انعكست أشعة القمر على وجوه الهابطين، فبدوا ككائنات أسطورية تسقط من السماء لا كأجساد بشرية. عندها شعر قلبه يخفق، لا خوفًا… بل انبهارًا. كان يشاهد سقوطًا بدا له أجمل من أي طيران.
أحس أن كل ارتطام يترك صدى في داخله، يهز جدار قلبه الذي اعتاد البرود، كأنه أيقظه من سباته الطويل. لحظة واحدة شعر فيها أن الظلام الذي عاش فيه سنوات، امتلأ فجأة بنور غريب، نور لم يصنعه الحب ولا الرحمة، بل صنعه العنف ممتزجًا بروعة المشهد.
ظلّ واقفًا هناك، صامتًا، مهيبًا كتمثال، يدخّن ببرود، وكأن الكون كله يؤدي أمامه عرضًا خاصًا. وفي داخله، همس صوت لم يسمعه من قبل:
"حتى القمر يشهد… أنني لم أعد مجرد سفاح."
في تلك الليلة، وبين الهبوط العنيف وضوء القمر، لم يكن السفاح مجرد قاتل أو متفرّج… بل كان رجلًا يرى الجمال في قلب الفوضى، ويعانق نشوة لا يعرفها إلا هو.
بعدها انطفأت السيجارة، رفع سام عينيه إلى السماء المظلمة وقال ببرود:
سام: "غريب… أن الليل هادئ الليلة."
ثم غادر السطح، يسير بخطوات واثقة في الشوارع الخالية. وأثناء سيره، مرّت من جانبه فتاة في السابعة عشرة من عمرها، جميلة الملامح، بنفس عمره تقريبًا. تبادلا نظرة سريعة، لكنها أكملت طريقها، دون أن تدري أنها ستكون البطلة التي ستتشابك حياتها بحياته فيما بعد.
حين عاد سام إلى منزله، رنّ هاتفه برقم مجهول. فتح الخط وقال:
سام: "أهلًا."
الشخص المجهول: "لدي لك ضحية جديدة… والسعر هذه المرة مرتفع، أيها السفاح."
سام: "أرسل التفاصيل. وبعد أن أنهي العمل سترى صورة الضحية جثة هامدة."
الشخص المجهول: "هذا ما أحب سماعه."
لم يمر وقت طويل حتى وصله الملف. الضحية: رجل يبلغ من العمر ثلاثين عامًا. دون تردّد، ارتدى سام معطفه الأسود، وأخذ أدواته الحادة المفضلة، وغادر منزله.
وقف أمام بيت الضحية يتأمله بهدوء، ارتسمت على شفتيه ابتسامة خافتة وهو يتمتم:
سام: "ليس سيئًا هذا المنزل… لكن لن يدوم طويلًا."
بخفة ظل تسلل إلى الداخل، خطواته لا تُسمع. وبينما كان يتفحص المكان، ظهر الرجل فجأة أمامه بذهول.
الرجل (مرتبكًا): "مَن أنت؟"
سام (بابتسامة باردة): "من سينهي حياتك."
في لحظة خاطفة، أخرج سام خنجرًا أسود يلمع تحت ضوء القمر. اندفع نحو الرجل بسرعة مدهشة، وضع يده على فمه ليمنعه من الصراخ، ثم غرس الخنجر بقوة في صدره، في النقطة التي يعرف أنها ستوقف قلبه فورًا.
ارتجف جسد الرجل، عيناه اتسعتا، والدم بدأ يتدفّق بغزارة على الأرضية. تراجع سام نصف خطوة، ينظر إلى الضحية وهي تسقط ببطء، ثم مسح نصل خنجره بمنديله الأبيض وكأن شيئًا لم يحدث.
أخرج هاتفه، التقط صورة للجثة، وأرسلها مباشرة للرقم المجهول.
سام: "العمل انتهى… الجمال في الصمت، أليس كذلك؟"
ثم غادر المنزل بخطوات هادئة كما دخل، تاركًا خلفه بيتًا غارقًا بالدم، ورجلًا ميتًا لن يسمع صوته أحد مجددًا.
في الصباح
مرّ بعض الوقت، حتى وصل إلى سام المبلغ المتفق عليه… مبلغ ضخم قُدِّر بمليوني دولار. نظر إلى شاشة هاتفه بابتسامة باهتة، ثم تمتم ساخرًا:
سام: "ليس سيئًا… مكافأة صغيرة على ليلة هادئة."
وقف من مقعده، مدّ ذراعيه بتكاسل وكأنه لم ينهِ لتوه جريمة قتل، ثم التفت إلى المرآة يعدّل ربطة عنقه.
سام (ببرود): "حان وقت المدرسة… وإن لم يطلب أحد منّي قتل المعلّمين، فسأفعلها تطوّعًا مني."
ارتسمت على شفتيه ابتسامة خبيثة، بينما أخذ حقيبته المدرسية بهدوء وخرج، كأنّه مجرد طالب عادي يستعد ليوم دراسي جديد. لكن الحقيقة كانت أعمق… وراء تلك الملامح الوسيمة، كان يختبئ سفّاح لا يعرف الرحمة.
Comments