^^^ما زلت أذكر تلك الليلة جيدًا…^^^
^^^كانت أمي قد صنعت كوبين من الشاي، تركتهما على الطاولة الصغيرة، وخرجت مع والدي في جولة قصيرة إلى مركز الشرطة، حيث استُدعوا بشكل مفاجئ بخصوص أمر “يتعلّق بكيفن”.^^^
^^^قالت لي بهدوء:^^^
^^^“لن نتأخر، فقط استرخي وارتاحي…^^^
^^^جلست على الأريكة أنتظر…!^^^
^^^أحتضن الكوب الذي سرعان ما برد، ولم يعودا.^^^
^^^ظلّ الهاتف صامتًا طويلًا، إلى أن كسره صوت رقم غريب بعد منتصف الليل.^^^
^^^رفعت السماعة، وكان كل شيء بعد تلك اللحظة… مختلفًا.^^^
^^^قال الصوت بجمود:^^^
^^^“نأسف لإبلاغك أن والديك تعرضا لحادث مروري… ولم ينجُ أحد.”^^^
^^^كل شيء تجمّد.^^^
^^^أنا، الكوب، الساعة، حتى أنفاسي.^^^
^^^تمنيت أن يكون هذا الحزن حلمًا، لكنه لم يكن كذلك.^^^
^^^والأكثر من ذلك… أن السبب كان كيفن.^^^
^^^أخي الذي لم نكن نعلم أنه غارق في عالم لا يشبه عالمنا.^^^
^^^المخدرات، السرقة ، والوجوه التي لا نعرفها.^^^
^^^صدمتهم حين عرفوا الحقيقة، كانت أثقل من أن تُحتمل.^^^
^^^وربما… لم يحتملوها.^^^
✨✨✨✨
...----------------...
..." غرفة لا أحد يعود إليها "✨...
^^^مرت ثلاثة أيام على الحادث، والزمن لم يتحرك.^^^
^^^المنزل أصبح قبرًا مفتوحًا.^^^
^^^كل شيء في مكانه، كأنهم سيعودون الآن…!^^^
^^^لكن لا أحد يعود.^^^
^^^في اليوم الرابع، دخل كيفن.^^^
^^^صامتًا، منكسرًا، باهت الروح.^^^
^^^“أنا آسف…” قالها وكأنه لا يعرف كم ثقيلة.^^^
^^^كشف لي أنه كان يتعاطى نوعًا جديدًا من المخدرات، مخفي عن الجميع.^^^
^^^وأن والديّ عرفا ذلك لحظة تسلّمهما نتائج تحليل من المركز.^^^
^^^ثم بدأت المشادة…^^^
^^^ثم الرحيل.^^^
!✨……
^^^لم تمضِ أيام حتى تم القبض عليه.^^^
^^^كُشفت كل علاقاته، وتفاصيل لم أكن أتخيل أن تكون جزءًا من أخي.^^^
^^^ودخل السجن.^^^
^^^أما أنا، فبقيت وحدي.^^^
^^^أحمل الحزن، والصمت، وذاكرة لا تطفئها الدموع.^^^
^^^انتقلت للعيش مع عمتي، امرأة طيبة لكنها لا تشبه أمي، ولا تعرف كيف تلمس حزني دون أن تؤلمني أكثر.^^^
^^^وفي أحد الأيام، وأنا أراجع هاتف والدتي… وجدت رسالة واحدة، قديمة، من رقم مجهول:^^^
^^^“إذا لم تبتعدو عن القضية، الكل سيدفع الثمن.”^^^
^^^هل كان ما حدث… حادثًا؟^^^
^^^أم أن هناك سرًا غرق في دماء عائلتي؟^^^
✨✨✨✨
...----------------...
..." ذلك الذي لا يُروى"✨...
^^^كنت أهرب من كل شيء…^^^
^^^إلى المكتبة.^^^
^^^الرائحة القديمة، الرفوف المتعبة، العناوين المنسية…^^^
^^^كلها كانت تحضنني بطريقة لم يعد أحد يفعلها.^^^
^^^وفي يومٍ هادئ، دخل هو.^^^
^^^وجه جديد، خطوات واثقة، وملامح لا أعرفها… لكن شعرت أنني أعرفه منذ زمن.^^^
^^^لم يتحدث، ولم أتحدث.^^^
^^^لكننا التقينا في صمت الكتب.^^^
^^^في كل يوم يمر، أراه من بعيد، يجلس ويقرأ، ويصمت.^^^
^^^حتى جاء اليوم الذي سقط فيه كتابي، فحمله لي وقال بابتسامة:^^^
^^^“يبدو أن الكتاب كان يهرب أيضًا.”^^^
^^^ابتسمت… ولأول مرة منذ زمن، شعرت أنني ما زلت أعيش.^^^
^^^اسمه كان آدم.^^^
^^^قادم من مدينة أخرى، وقلبه لا يقل وجعًا عن قلبي.^^^
^^^لم أقل له شيئًا عن الماضي، لكنني كنت أتكئ على حضوره بصمت.^^^
^^^وفي آخر يوم من الأسبوع، جلس إلى جانبي وقال:^^^
^^^“تعرفين… بعض الكتب ما نكملها لأننا تعبنا، ليس لأنها ما كانت تستحق النهاية.”^^^
^^^نظرت إليه، دون أن أرد.^^^
^^^كنت أتمنى أن أقول له:^^^
^^^“وأنا، هل أنا قصة لم تكتمل؟”^^^
^^^لكنني فقط ابتسمت…^^^
^^^وتركت الإجابة للصفحة التالية.^^^
✨✨✨✨
...----------------...
^^^ " حين همس الغريب "✨^^^
^^^لم يكن آدم مجرد شابٍ قابلته في المكتبة…^^^
^^^كان يشبه الصفحة البيضاء التي كنت أحتاجها، لأكتب من جديد… بدون ألم.^^^
^^^في مساء رمادي، جلستُ وحدي في زاويتي المعتادة، أراقب الخارج عبر زجاج النافذة، والداخل عبر صدري.^^^
^^^اقترب بصمت كعادته، جلس على الطاولة المقابلة، ووضع كتابه، ثم نظر إليّ، وقال بهدوء:^^^
^^^“هل تظنين أن الحزن يزول… أم أننا فقط نتعلم كيف نختبئ خلفه؟”^^^
^^^سؤاله اخترقني.^^^
^^^"لم أكن أعرف إن كنت أعيش حزني… أم أنه من يعيشني."^^^
^^^نظرت إليه طويلًا، ثم همست:^^^
^^^“أعتقد أن الحزن لا يرحل… لكنه يتعلّم أن يجلس بعيدًا حين لا نريده أن يقترب.”^^^
^^^ابتسم، وأخفض نظره نحو الكتاب، كأن كلماتي كانت أكثر صدقًا مما يجب.^^^
✨✨✨
^^^مرّت الأيام، وأصبحنا نتبادل الكتب، والكلمات، وحتى الصمت.^^^
^^^كان يهمس لي بين حين وآخر عبارات لا يقولها أحد… كأن قلبه يتحدث إلى قلبي، لا إلى أذني.^^^
^^^“أحيانًا، نلتقي بشخص لا يعيد لنا ما خسرناه… بل يجعلنا نُدرك أننا ما زلنا نستحق أن نُحب.”^^^
^^^قالها وهو يناولني كتابًا في أحد الأيام.^^^
^^^وفجأة، لم أعد أفكر بكم خسرت… بل بكم يمكن أن أستعيد.^^^
✨✨✨
^^^في اليوم التالي، لم أذهب مباشرة إلى المكتبة.^^^
^^^ذهبت أولًا إلى المقهى الصغير حيث اعتدتُ لقاء لين — صديقة كيفن منذ الطفولة، وواحدة من القلائل الذين بقوا معي بعد كل ماحدث.^^^
^^^كانت تجلس كعادتها، تكتب شيئًا في دفتر صغير، وعندما رأتني، ابتسمت بتلك الطريقة التي تشبه نظرات الأخت أكثر من أي شيء آخر.^^^
^^^“أخيرًا قررتِ الحديث؟”^^^
^^^قالتها وهي تُشير لي بالجلوس.^^^
^^^جلستُ، وتنهدتُ، ثم قلت:^^^
^^^“هل تتذكرين لما كنتِ تقولين إن الإنسان يمكنه أن يُحب رغم الوجع؟”^^^
^^^أومأت دون أن تتكلم.^^^
^^^أكملت:^^^
^^^“أعتقد أنني بدأت أفهمك. هناك … شاب اسمه آدم.”^^^
^^^رفعت حاجبيها باهتمام، وقالت:^^^
^^^“إذن، حان وقت القصص، أليس كذلك؟”^^^
^^^ضحكتُ، ولأول مرة منذ شهور شعرت أن هناك شيء يستحق أن يُروى.^^^
^^^حدثتها عن لقائنا الأول، عن الكتب، عن الكلمات القليلة التي قالها، عن نظراته التي تشبه سكون الليل.^^^
^^^كنت أتكلم… وهي تستمع.^^^
^^^وعيناها كانت تحكي حنينها لِكيفن…!^^^
^^^“أتعتقدين أن آدم يمكن أن يكون مختلفًا؟” — سألتها.^^^
^^^“الناس لا يكونون مختلفين دومًا… لكننا نكون نحن مختلفين حين نكون مستعدين لمنحهم فرصة.”^^^
^^^قالتها لين، ثم أمسكت بيدي:^^^
^^^“فقط احمي قلبك يا أرينا. لا أريد أن أخسرك كما خسرنا كيفن.”^^^
✨✨✨
^^^ذهبت بعدها إلى المكتبة، وكان هناك… ينتظرني.^^^
^^^ابتسم فور أن رآني، ورفع ورقة صغيرة بين أصابعه.^^^
^^^“جاهزة؟”^^^
^^^“لِماذا؟” — سألته وأنا أحاول قراءة عينيه.^^^
^^^“سأريك شيئًا عني، لم أُرِه لأحد من قبل.”^^^
^^^قالها بصوت هادئ، لكن نظراته كانت مليئة بالقلق و الخوف،^^^
^^^خرجنا معًا، ومررنا بشوارع أعرفها وأخرى لا.^^^
^^^وصلنا إلى بيت قديم في أطراف المدينة، بدا وكأن الزمن نسيه منذ سنوات.^^^
^^^فتح الباب بصمت، ودخلنا.^^^
^^^أشار إلى صندوق خشبي على الرف، وقال:^^^
^^^“كلنا نكتب قصصًا… لكن بعضها لا نجرؤ على نشرها”^^^
^^^ثم سحب الصندوق ببطء…^^^
^^^لم يفتحه مباشرة. فقط وضع يده عليه، وقال:^^^
^^^“ما بداخله… قد يغير كل شيء.”^^^
✨✨✨✨
...----------------...
Comments