الفصل الأول : سباق تحت المطر

المطر يهطل بغزارةٍ كأنه يحاول غسلَ خطايا المدينة، يضرب الأرض بعنفٍ بينما تشق قطراتُه طريقَها عبر الظلام. أنوار النيون الباهتة تنعكس على الأرصفة المبتلة، مُطلقةً وهجًا شاحبًا يلفُّ المكانَ بهالةٍ غامضة. في زقاقٍ مهجور، تزأر محركاتُ السيارات كوحوشٍ مستعدةٍ للانقضاض، بينما يتجمهر حشدٌ صغيرٌ حول مضمار السباق غير القانوني، تهتف أصواتهم بحماسٍ يذوب في ضجيج المطر.

.

.

.

كلوي جالسةٌ خلف مقود سيارتها الرياضية السوداء المخططة باللون الأحمر، تمسك بعجلة القيادة بقوةٍ بينما عيناها الباردتان تحدقان في الطريق.

القفازات الجلدية السوداء وقبعة البيسبول المنخفضة تخفي ملامحها جزئيًا، كأنها تنسج حول نفسها ستارًا من الغموض في هذا العالم الذي لا يرحم.

مجرد سباق آخر... خطوةٌ أخرى نحو الحرية.

.

.

.

هكذا همست في نفسها، بينما قلبها ينبض بنظامٍ يناقض الفوضى المحيطة. نظرت إلى السيارات المنافسة، كلٌّ منها يمثل جزءًا من صراعٍ أكبر. أحد السائقين ألقى عليها نظرةً تحدٍّ، لكنها تجاهلته. لم يعرف أحدٌ هويتها الحقيقية، وهذا بالضبط ما أرادته.

.

.

جاهزون؟!

صاح أحد المنظمين، رافعًا يده إيذانًا ببدء السباق.

.

.....

انفجر زئير المحركات، وضغطت كلوي على دواسة البنزين بقوة. انطلقت السيارات كالرصاصات، تنثر الماء والوحل خلفها. الطريق ضيقٌ ومليء بالمنعطفات الحادة، لكنها تقدمت ببراعة، تتحكم في سيارتها كما لو كانت امتدادًا لجسدها. هذا السباق لم يكن مجرّد تسليةٍ بالنسبة لها، بل معركةٌ في حربٍ خفية بين عصابات المدينة.

لكن فجأةً...

.

.

.

.

اخترقَ هديرُ محركٍ غريب ضجيجَ المطر. سيارةٌ سوداء لامعة، أسرع من البقية، اندفعت من الخلف تقتربُ منها بسرعة. نظرت كلوي في المرآة الخلفية، فشاهدت جونغكوك — الرجل الذي لم تلتقِ به من قبل، لكن نظراته الثاقبة اخترقتها كسهمٍ في الظلام. عيناه كقطعتين من الليل، تحملان أسرارًا لا تُفكَّ. كان يطاردها، ليس في السباق فحسب، بل وكأنه يبحث عن شيءٍ ما... شيءٌ يتعلق بها .

.

.

.

مَن هذا؟ ولماذا يبدو وكأنه يعرفني؟

ضغطت على الدواسة بقوةٍ أكبر، لكنه ظل يلاحقها كظلٍّ لا يُهزَم

.

انزلقت سيارتها على الطريق الزلق، وفقدت السيطرة للحظةٍ حرجة عند منعطفٍ حادّ. اصطدم الجناح الأمامي بالرصيف، وصدح صوتُ المعدنِ وهو يتشوه. توقفت فجأةً، بينما استمر المطر في الهطول حولها كستارةٍ ثقيلة.

قبل أن تتمالك نفسها، توقفت السيارة السوداء بجانبها. فتح بابها، وخرج جونغكوك بهدوءٍ غريب، كأن المطر لا يمسّه. نظر إليها بتلك العينين اللتين لا تُقرآن، ثم سأل بصوتٍ منخفضٍ يحملُ شيئًا من القلق المكبوت:

أنتِ بخير؟

حدقت فيه، عاجزةً عن الكلام. كان في صوته شيءٌ مألوف، وكأنه يعرفها منذ زمنٍ بعيد، رغم أنها متأكدةٌ أنها لم تره من قبل. بدأ الحشد يتجمع، لكنها لم تعد تسمع شيئًا سوى دقات قلبها.

كانت الأسئلة تتزاحم في رأسها، لكن حقيقةً واحدةً أصبحت واضحةً كضوء النيون المنعكس على الأرض الرطبة:

هذا الرجل ليس مجرّد سائقٍ عادي....

انحنى جونغكوك قليلًا، محاولًا التقاط أي رد فعل في عينيها الغامضتين. المطر يتساقط على وجهه، لكنه لم يرمش، وكأنه يخفي تحته عاصفةً لا تراها إلا هي.

"يبدو أنكِ لا تذكرينني..." همس، وكلماته تذوب في صوت المطر.

كلوي شعرت بقطرة ماء باردة تنزلق على ظهرها. شيء ما في نبرته جعل ذاكرتها تتوغل في الماضي البعيد، حيث ظلال طفولة ضائعة. لكن الصورة غير واضحة، كحلمٍ مزقته اليقظة.

من أنت؟ سألت أخيرًا، محاولةً إخفاء ارتعاش صوتها.

ابتسم جونغكوك ابتسامةً لا تصل إلى عينيه. ربما حان الوقت لتعرفي الحقيقة... قبل أن يجدك الآخرون.

أحسست بيده تلامس كتفها برفق، وكأنه يحمل تحذيرًا وخيطًا من الأمل معًا. في تلك اللحظة، سمعت صفارات الإنذار تقترب، وأضواء زرقاء تخترق الضباب.

ليس هنا... ليس الآن. قال وهو يفتح باب سيارته لها. "إذا أردتِ الإجابات، فقراركِ يجب أن يكون سريعًا.

نظرت كلوي إلى السيارة المحطمة، ثم إلى عينيه الغامضتين. شيء داخلها صرخ بأن هذه اللحظة قد لا تتكرر...

*** قم بتنزيل NovelToon للاستمتاع بتجربة قراءة أفضل!***