أجزاء من رواية ماليديكتا

أجزاء من رواية ماليديكتا

أجزاء رواية ماليديكتا

في صباح يوم مشمس، شديد الحرارة، ابتعدت

شاحنات نقل المعدات الثقيلة حوالي خمسين كيلومترًا عن ولاية سطيف، متجهة إلى مدينة جميلة، المشهورة بآثارها الرومانية والمُحاطة بالجبال والغابات.

كان الهدف هو الانطلاق في بناء المشروع الجديد.

استغرقت الشاحنات حوالي خمسين دقيقة للوصول، وما إن وصلت حتى عجّ شمال منطقة جميلة بالبنّائين والمهندسين، وبدأ صوت الأدوات الحديثة يملأ المكان دون توقف.

صرخ المهندس يوسف:

– "هيا، انطلقوا في الحفر! يجب أن نُكمل العمل قبل الظهر."

أسرع جميع البنّائين إلى أخذ أدواتهم وبدأوا العمل الشاق.

كان سعيد أحد هؤلاء البنائين. حمل حفّار الأنفاق، ثم رفع رأسه عاليًا، ومسح العرق المتجمّع في جبهته، وقال بصوت خافت:

– "بسم الله..."

ثم بدأ عمله بجدٍّ واجتهاد.

لكن بعد دقائق قليلة، لاحظ أن حفّار الأنفاق بدأ يتثاقل، كأن شيئًا ما يمنعه من التقدّم.

أوقف سعيد الآلة، التقط المجرفة بيديه، وأسرع في الحفر.

تمتم لنفسه مبتسمًا: – "ما عساه يكون؟ كنز عظيم؟ أم صخرة تجعلني أحلم؟"

ثم ضحك بشدة، لكنه لم يتوقف.

اقترب شيئًا فشيئًا من الشيء المجهول، جلس على الأرض وتابع الحفر بيديه النحيفتين.

شيء معدني بدأ يظهر، قطعة حديدية مغطاة بالتراب.

حاول رفعها... لكنها كانت ثقيلة.

همس لقلبه : "هل أضيّع وقتي من أجل لا شيء؟ أظنها مجرد قطعة حديد لا قيمة لها ..."

لكن الإرهاق بدأ يشتد عليه، فصرخ بأعلى صوته:

– "تعالوا ساعدوني! أظن أنني وجدت شيئًا ذا قيمة!"

أقبل البنّاؤون بسرعة، وبدأوا الحفر معًا، حتى كشفوا عن صندوق قديم، محاط بتراب القرون من كل جانب.

عانق سعيد الصندوق ثم قال وعيناه تظهر الطمع :

– "أظنه مليئًا بالذهب والمجوهرات... دعونا نأخذه ونتقاسم ما في داخله!"

لكن شابًا يُدعى سيف الدين، كان معروفًا بصرامته وحكمته ، صرخ غاضبًا:

– "كيف تقول ذلك يا سعيد؟ أنت أكبرنا سنًّا، وكان عليك أن تكون أعقلنا! هذا بالتأكيد من الآثار الرومانية. هذه سرقة! ألا تعلم قول الله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا؟"

ثم التفت إلى الجميع، وقال بحزم: "ساعدوني في حمله إلى المهندس يوسف، هو أدرى بما يجب فعله."

وبينما انصرف الجميع، ركل أحدهم التراب باتجاه سعيد ساخرًا: – "أيها المغفّل السارق!"

وصلوا إلى مكتب المهندس يوسف، ووضعوا الصندوق أمامه.

قال سيف الدين:

– "سيدي، لقد وجدنا هذا الصندوق مدفونًا تحت الأرض."

ردّ يوسف بهدوء: "أحسنتم، ضعوه هنا وتابعوا عملكم."

وضع البنّاؤون الصندوق وغادروا.

اقترب يوسف منه، وسكب قليلًا من الماء، ثم مسح غبار الزمن عنه

بدأ الصندوق الحديدي يكشف عن جماله: زخرفات رومانية دقيقة، ونقوش غامضة تحكي للناظر عن عراقتها وتاريخها

حاول فتحه... لكنه كان مغلقًا بإحكام.

قال في نفسه:

– "ما الذي يخفيه هذا الصندوق؟"

جلس، وحاول من جديد لمدّة خمس عشرة دقيقة، لكن دون جدوى...

ثم لمح شيئًا صغيرًا معلقًا بجانبه: مفتاحان صدئان.

ابتسم وقال: – "أحيانًا نلجأ للقوة، وننسى أنه يجب استعمال عقلنا قبل كل شيء لانه الاقوى."

أدخل المفتاح، وأداره ببطء...

فتح الصندوق، والدهشة تملأ وجهه.

في داخله كان هناك كتاب متوسط الحجم، بجانبه قلادة رائعة الجمال.

أمسك بالكتاب، ونفض الغبار عن غلافه، وقرأ:

> "ماليديكتا... نعمة ونقمة في آنٍ واحد على الممالك الرومانية.

اقرأ أسطري، وعش قصتنا بكل أحاسيس الجمال.

تأمّل كلماتي، وابحث عن حل للغزي.

أنا هدريانا، شاهدة على قصة ماريسا وموريس.

وسرّ هذا الكتاب لم يبدأ بعد...

أنت، يا حامل كتابي، مُكلّف برعايته بكل قواك ."

توقف يوسف لحظة، وهو يحدّق في الغلاف، وبدأت أسئلة كثيرة تدور في راسه: ماهو لغز هذا الكتاب، وكيف لي رعاية كتاب مثل هذا؟

حدّق في القلادة اللامعة لوهلة ثم استرسى في قراءة الكتاب بصوت عال

الاميرة ماريسا.

في اخر ايام السنة ولدت الاميرة ماريسا اول مولودة للملك اونطونيوس

كان الملك ينتظرها بفارغ الصبر فقد كان يحس بالوحشة فرزقه الله ماريسا فتذوق معنى الابوة،

عاش معها لحظة بلحظة اول يوم من مولدها،لحظة مشيها،لحضات ضحكها.

كان يخرج مسرعا من مجلس الوزراء ويأجل بعض الاعمال ليسرع إليها ويعانقها ويشم رائحتها الزكية ويبدا في مداعبتها بيدية الرقيقتين المليئتين بالعطف والحنان

وريثة العرش بيضاء البشرة ،تحمل عينان بنيتان تميلان الى الخضراء، شفاه صغيرة ذو لون وردي ووجنتين شديدتا الجمال والاحمرار وشعر ناعم

كان الملك يحملها على كتفيه قرابة ساعات لاكن لايتألم ولايتعب.

تبدا نساء مملكة رومانيسا في النظر خلف النافذة وتسارعن لنداء كل من يعرفن ليرو جمال المنظر المليء بالاحاسيس الابوية

كبرت ماريسا واخفت شعرها الطويل شديد السواد وراء رداء طويل وفستان مزركش بالالوان الجميلة يصل حتى الارض

اميرةالقصر ذكية،تعمل بجد واجتهاد لتحقيق اهدافها وشديدة الاخلاص لأصدقائها وعائلتها.

شديدة الملاحظة فهي تهتم بالتفاصيل الصغيرة وتحلل كل شيء من حولها،

لايوجد في الكون شخص كامل فلكل شخص منا صفات سلبية تؤثر في علاقاته مع الاخرين.

فهي معرضة للتفكير الزائد والقلق والتورط والضغط يحمل لسانها انتقادات لاذعة سواءا للاخرين او لنفسها في حال غضبها

،تحمل صفات عاطفية حساسة في قلبها على رغم من مظهرها الخارجي القوي الذي لايسمح للاخرين برأية حزنها او غضبها فهي حساسة جدا وعاطفية

اذا احبت اخلصت واذا خذلت تبتعد بهدوء .

دائما مارددت بداخلها: لا أمن بالحب لأنه في الغالب كذبة مغلفة بالمشاعر الزائفة انا اؤمن بالعقل،المحبة ، بالصدق... اما الحب: فغالبا ما يخلف الخذلان

الأميرات الثلاث

رُزق الملك أونطونيوس أميرة تليق بعرشه «ماريسا» وثلاث أميرات أخريات

الأميرة سيليا – البنت الثانية في عائلة الملك.

حين رأى وجهها للمرة الأولى، رأى وجهًا مضيئًا، فإمتلأ قلبه بالسعادة وقال في نفسه:

"إنها ابنة مباركة."

وهي أنيسة لاختها، تبلغ من العمر 15 سنة.

سيليا فتاة تميل إلى الهدوء والجدية، تحب النظام وتتحمل المسؤولية منذ صغرها. تحب أن ترى الأمور واقعية، وتكره الفوضى. قلبها قوي، لكنها تخفي في داخلها حنانًا لا يوصف، وتفكر قبل أن تتكلم.

الأميرة هادريانا – البنت الثالثة.

في يوم مولدها، قررت الملكة الذهاب إلى عائلتها، وفي منتصف الطريق انحرفت إحدى العجلات وخرجت من مكانها، مما أدى إلى فقدان العربة توازنها، وسقطت بعد ذلك

لاحظ احد الرعايا العربة الملكية واسرع لمناداة حراس القصر

وعند وصول الطبيب، قال إن أحدهما سيفارق الحياة.

فذهب لسؤال الملكة وهي على فراش الولادة:

"سيدتي، لمن تريدين النجاة؟ لنفسك أم لابنتك؟"

قالت وبصوت خافت حزين:

"أنت من سيُجيب… الشخص الذي تستطيع مدّ له يد العون وإنقاذه بسهولة، سارع لمساعدته، ولا تنتظر الرد… فأنا لن أجيب."

ثم صمتت المملكة

وبعد ساعات، خرج الطبيب وبيده المولودة الجديدة.

في تلك اللحظة، ظن الملك أن ملكة قلبه قد فارقت الحياة، فأراد فقدان صوابه.

لكن الطبيب ابتسم بإطمأنان ثم قال:

"الملكة بخير… معجزة نزلت من السماء!"

،ضم ابنته إلى صدره ودخل غرفة الولادة.

بعد أيام، أخبرهم الطبيب أنه يجب معالجة رجلها، فحملها الملك وطاف بها إلى أشهر الأطباء، وبعد مرور الأيام تيقّن أنها سليمة، فعاش هنيء البال.

هادريانا أصغر من أختها سيليا بعام

هادريانا فتاة طيبة وحنونة وخيالية، تملك قلبًا حساسًا كنسمة ربيع. تحب الأحلام وتعيش بالمشاعر، تكتب الخواطر وتراقب الغيوم، لكنها تملك قوة داخلية حين تحزن أو تُظلم.

الأميرة مارسيلا – سُكّرة البيت.

مرّ على مولدها عشر سنوات.

حين ولدتها الملكة، بكت بشدة، فقد تاق قلبها إلى الولد.

فتجه الملك إليها وقال:

"ما بالك تبكين؟ أنا ابنتي هذه أفضل مليون مرة من أي ولد.

ثم ابتسم وخرج من الغرفة.

وكانت تعادل مكانة الأميرة ماريسا في قلبه، فقد كانت بلسم أحزانه ومالئة وقت فراغه.

ماسة هي فتاة قوية الشخصية، محبوبة، مرحة وقيادية بطبعها.

تتقدم دائمًا بخطوة، تملك طاقة إيجابية تشع من ابتسامتها، ولا تخاف من قول الحقيقة مهما كانت.

إذا حزنت، لا يظهر ذلك على ملامحها لكنها تصبح صامتة جدًا.

امتلأ قصر الملك وشكّل أحلى عائلة.

لكل أميرة في القصر مكانتها، وشخصيتها الفريدة، وجمالها الذي يُميزها عن الأخريات، وكلهن شريكات في الذكاء والأخلاق العالية.

فرح في مملكة رومانيسا

فوق مملكة رومانيسا، كانت السماء صافية تبعث الراحة في نفوس الناظرين، والشمس الساطعة تتجه نحو الباب الذهبي الأكبر للمملكة.

في القصر، كان النشاط يدبّ في كل زاوية، فحركات الخدم والحراس لا تفارق أروقة المكان.

ركضت الأميرة ماريسا نحو غرفة والدتها، وخطواتها كانت تسير فوق جمر من القلق والخوف.

ماريسا (منادية):

أمي! أمي! أين أنتِ؟

الملكة (خرجت من الغرفة ووقفت عند حافة الباب):

نعم أميرتي، ماذا يحدث؟

ماريسا:

اليوم هو يوم مسابقة الخيول!

الملكة (بابتسامة):

نعم، أعلم ذلك. وكيف لي أن أنسى هذا الحدث الرائع؟ ستجعلينني فخورة بكِ، صحيح؟

ماريسا:

نعم، سأفعل. لقد درّبني والدي جيدًا، وقد وعدته بالفوز.

تقدّمت الملكة من ماريسا، أمسكت بيدها وقادتها إلى داخل الغرفة.

جلست الملكة، ووضعت ماريسا في حجرها قائلة:

لا يهمني فوزك أو خسارتك، المهم أنكِ حاولتِ وتعبتِ لتتقني ركوب الخيل. مهما كانت مرتبتك، افرحي بها، واعلمي أن الجميع سيكون فخورًا بوريثة عرش مملكة رومانيسا الحسناء.

ماريسا (ناظرة إليها):

آسفة، لكن مرتبتي تهمني. لقد كرّست وقتي كله هذا العام من أجل هذه اللحظة، فكيف لي أن أقنع عقلي الآن بأن الخسارة أمر عادي؟ بالطبع لن أتقبله.

الملكة (بلطف):

لم أقصد ذلك يا ماريسا. لقد شهدت لحظات تدريبك، وبالطبع تستحقين الفوز. لكن ضعي دائمًا احتمال الخسارة بين يديكِ.

(ابتسمت ثم أكملت)

أنا أعلم أنك ستفوزين، لذلك أقول لكِ هذا الكلام.

تذكّرت شيئًا… لقد جهز لكِ والدك هدية رائعة، وأوصاني أن أقدّمها لكِ فور انتهاء الاحتفالات.

ماريسا (بحماس):

أتوق لرؤية هديته!

نهضت ماريسا من حجر والدتها، قبلتها، ثم وضعت قدميها خارج الغرفة وهي تفكر بكلام أمها الذي رأته مليئًا بالطاقة السلبية دون توقف.

يُعد يوم مسابقة الخيول يومًا حافلًا بالفرح، فكلّ أهل البلدة ينتظرونه ليشاهدوا ثمرة تعليم أبنائهم ركوب الخيل، ويعرفوا من هو الأجدر بحمل لقب فارس أو فارسة مملكة رومانيسا لهذا العام.

القصر بأكمله كان يثق بسمو الأميرة ماريسا وقدرتها على الفوز بالمركز الأول.

أرسلت الملكة في طلب جميع طباخي القصر، وحين وقفوا أمامها وانحنوا لها، قالت:

الملكة:

املأوا ساحة القصر بعطر الحلوى، وافرشوها ببهجة الفرح.

في تلك الأنحاء، كانت ماريسا في غرفتها تتخيل أحداث الاحتفال، حتى سمعت صوت الأحصنة يقترب من القصر.

استيقظت من سريرها بسرعة، واتجهت نحو النافذة، أزاحت الستار، فلاحظت جميع الأميرات والأمراء يتجهون بخيولهم نحو الساحة، حيث الكراسي والطاولات التي امتلأت بشتى أنواع الحلوى.

فتحت ماريسا صندوق ملابسها وأخرجت منه:

سروالًا أسود اللون،

قميصًا أبيض قصيرًا،

رداءً أحمر يغطي بعض شعرها،

وبعض الإكسسوارات ليدها ورقبتها.

ثم خرجت من الغرفة بسرعة.

أسرعت نحو خيلها "إكليبس"، عانقته بشدة وقالت:

لا تخذلني… دعنا نفز على الجميع… أرجوك، لا تدع كلام أمي يتحقق!

ألبسته سرجه، ثم ركبت على ظهره وتوجهت نحو الساحة، وقد تركت قلقها وخوفها خلفها، و رسمت على وجهها ابتسامة رائعة تُظهر جمالها.

وصلت إلى الساحة، واصطفت بجانب الفرسان الآخرين.

بدأ الحفل، وبعد دقائق دوّت الطبول، وبدأت تصفيقات الجماهير تملأ المكان.

الحارس:

عندما تسمعون صوت البوق… انطلقوا!

ثم انطلق صوت البوق، واندفعت الخيول بأقصى سرعتها.

صوت احتكاك أقدام الخيول بأرض الساحة الفسيحة لم يفارق المكان.

كان على وجه ماريسا إصرار وحزم، بدأت تتقدّم شيئًا فشيئًا نحو المرتبة الأولى،

لكن فجأة، ركض خمسة فرسان بخيولهم إلى الأمام، وبقيت ماريسا في المرتبة الأخيرة.

أثار الوضع اشمئزازها، فحدثت إكليبس:

هيا! أظهر قوتك! أسرع! لا تدع أحدًا يسرق اللقب منا. يجب أن أكون أنا… لقد وعدت الجميع!

أحس إكليبس بإرادة ماريسا الشديدة في الفوز، فانطلق بأقصى سرعته، واقترب من صاحبة المرتبة الأولى… ثم استولى على مكانها!

فاجأت ماريسا الجميع، وهتف كل الحضور باسمها:

"ماريسا! فارسة مملكة رومانيسا!"

التفتت ماريسا على ظهر إكليبس نحو الجماهير، ثم نزلت من فوقه، وقالت:

ثقتكم بي أشعلت نار إرادتي.

فانحنى لها جميع الحضور.

عندما رفعت رأسها، وقعت نظراتها على فتى واقف في المدرج، يحدّق بها بنظرات حادة صارمة.

كانت بشرته حنطية متوسطة، وشعره كثيفًا يليق بعينيه البنيتين، طويل القامة… ظلّت تحدق به، وهو يبادرها نفس النظرة.

قاطعت الملكة نظراتها بعناق شديد وقالت:

ألف مبروك! علمتُ ذلك… أنتِ أميرتي التي أعرفها!

استمرت الإحتفالات حنى غروب الشمس وتوجت ماريشا بلقب فارسة مملكة رومانيسا

في الليل، ساد الهدوء وخلد الجميع للنوم.

وقفت ماريسا عند النافذة، ترتدي فستان النوم الوردي وفوقه رداء أسود.

نظرت إلى السماء وحدثت نفسها قائلة :

من يكون يا تُرى؟

أشعر أنني أعرفه… لكن لماذا؟

هل رأيته في حلم؟

أم أنني التقيت به في حياة أخرى…؟

يقال إن الأرواح قد تتلاقى قبل أن نولد، ربما روحي تذكره، بينما أنا لا أزال أبحث عن أجوبة لأسئلة

ثم ضحكت وقالت: بماذا أفكر إنها مجرد خرافة توارثتها الأجيال السابقة.

ثم خلدت للنوم

حوار قصير

في مملكة رومانيسا توجد مدرسة تعليم ركوب الخيل ، مدخلها شديد الجمال، مصنوع من الذهب النقي إستحق لقب أجمل باب في جميع ممالك رومانيا.

وتضم فارسين وفارسات من الطبقة الغنية. وتحمل اسم السرج الذهبي.

في كل عام، تتجه الملكة مع الأميرات إلى مدرسة السرج الذهبي لتقديم الهدايا القيّمة لجميع الفرسان والفارسات، تتويجًا لمجهوداتهم طوال العام، وشكرا على مشاركتهم في الحفل

في صباح يوم الأربعاء، اتجهت الملكة مع الأميرات الأربع للقيام بمراسيم الاحتفال المدرسية.

اتجهت العربة نحو مدرسة السرج الذهبي، توقفت العربة، ووضعت الأميرة رجليها على عتبة الباب الذهبي.

دفعت الباب بيدها اليمنى ودخلت.

اتبعتها خطوات والدتها وأخواتها.

دخلوا إلى قاعة الاحتفال الكبيرة، ثم شرعوا في الحفل.

استمرت الاحتفالات لفترة، لم يفارق قرع الطبول والتصفيقات القاعة.

كانت ماريسا تكره مثل هذه الاحتفالات، لأنها تراها مضيعة للوقت ولا تجني منها إلى ألم في الرأس

الملكة: ماريسا، تعالي وساعديني في تقديم الهدايا.

حملت الملكة والأميرة بعض الهدايا وبدأتا في تقديمها للجميع.

قدّمت ماريسا الهدية لأحد الأشخاص ثم قالت:

ماريسا: أتمنى أن تواصل اجتهادك...

لكن عندما رفعت رأسها، وجدته ذلك الفتى.

توقفت عن الكلام، وأسرعت إلى أمها.

وظلت مختبئة وراء ظهرها، حتى جاءت صديقتها المقرّبة نيراتيا.

نيراتيا: تعالي، أريد أن أعرّفك بأحد الفرسان.

ماريسا: حسنًا، انتظري، سأسأل أمي.

ذهبت ماريسا لسؤال أمها، فكان جوابها:

الملكة: نعم، لا مانع لدي.

توجهت ماريسا مع نيراتيا إلى الأمام.

نيراتيا (تنادي الفتى): موريس! موريس! أنظر!

التفت موريس إلى نيراتيا قائلًا:

موريس: نعم، ها أنا ذا.

تفاجأ كل من ماريسا وموريس، وقال كل منهما في داخله:

"إنها هي!"، "إنه هو!"

نيراتيا: ماريسا، إنه موريس.

موريس، إنها ماريسا.

ظلّا ينظران إلى بعضهما لفترة قصيرة،

ثم قالا في نفس الوقت:

تشرفت بكِ.

تشرفت بكْ.

ثم ودّعت نيراتيا موريس بإبتسامة بريئة.

وتمسكت بيد الأميرة، وأخذتها إلى الإسطبل

كان الإسطبل المليء بالأحصنة الرائعة مختلفة الألوان

وقفت ماريسا ونيراتيا داخل الإسطبل وحملت كل منهما علف الأحصنة وبدأتا تقدمان إلى الأحصنة

ماريسا (والدهشة بادية على وجهها): من هو؟ هل تعرفينه؟ وكيف تعرفتِ عليه؟

نيراتيا: نعم، أعرفه حق المعرفة. إنه الابن الثاني للملك إميليوس في مملكة مهرونيسا.

أما بالنسبة لكيف تعرفنا، فهي صدفة... أنت تعلمين أنني درست في مدرسة تعلم الخيول بمملكة مهرونيسا هذا العام.

كنا نتعلم ركوب الخيل عند نفس المدرب، وبدأنا نتقرب من بعضنا البعض.

تخيّلي، كنا نلعب أحيانًا معًا، وننطلق بخيولنا إلى المرج...

إلى أن قررتُ الدراسة في مدرسة السرج الذهبي.

ثم بادرت نيراتيا بالسؤال، والتطفل بادٍ على وجهها:

نيراتيا: ولماذا تسألين؟

ماريسا: أردت فقط السماع عن الشخص الذي تعرفتِ عليه.

لكن كيف جاء إلى هنا؟ أليس هذا ممنوعًا في مملكتنا؟

نيراتيا: سأخبرك القصة...

كان والد إميليوس عادلًا طيب القلب، وكثيرًا ما تبرّع من ماله لمساعدة الفقراء.

لكن ابنه إميليوس أشد من الصخر. لا يعرف معنى الرحمة أو الشفقة، وهو أظلم ملك عرفته مملكة مهرونيسا.

فمنذ حكمه، انتشر الجوع، وزاد عدد الأميين، حتى إن مدرستنا لتعلم الخيل أغلقها، وأغلق معها ذكرياتي الرائعة مع موريس.

حتى أنه بعمله هذا، فرّق بيني وبين موريس...

تخيّلي! بادر إلى غلقها، ومنع كل من يفتح موضوعها.

لكن، مع إصرار موريس على دخول مدرسة تعليم ركوب الخيل،

طلب الملك إميليوس من والدك أن يسمح لإبنه بالتعلم في مدرسة السرج الذهبي، لأن موريس رفض كل المدرسين الذين أحضرهم له والده.

هل تعلمين؟ يوجد كثير من الملوك يفكرون في أنفسهم لا في مشاعر الآخرين،

يضحّون بكثير من الأرواح من أجل نجاحات تافهة.

وهذه المقولة تنطبق على والده تمامًا...

ماريسا: وكيف علاقتك الآن مع موريس؟

نيراتيا: أصدقاء فقط... فقد نسي أنني كنت أقرب فتاة إليه...

انزعجت ماريسا من كلام نيراتيا، فودّعتها وغادرت الإسطبل.

في طريقها، شعرت بالغضب، وحدثت نفسها قائلة:

"إذن نيراتيا هي أقرب فتاة إليه؟"

ثم سألت نفسها:

"وما علاقتي بالموضوع؟ تعرفتُ عليه الآن فقط..."

هدأت قليلًا، وردّت على نفسها الغاضبة:

"لماذا الغضب؟ أنا فعلاً غيبة كيف أسمح لنفسي في التفكير بهذا الشخص

أقنعت نفسها بقول: أبوه ظالم وبالتالي سيكون إبنه مثله.

القلادة

عند عودة العربة الملكية إلى القصر، صعدت ماريسا الدرج ودخلت غرفتها.

أغلقت الباب، ثم رمت جسدها على السرير وبدأت تفكر في أحداث هذا اليوم.

نهضت من سريرها، ثم أخرجت من خزانتها دفترًا صغيرًا مع الريشة والحبر، وبدأت تكتب عن يومها.

ختمت كلامها بـ:

"لا أعلم إن كان هذا اليوم من أفضل الأيام أو أسوئها... يا ترى، ماذا سيحدث بعد تعارفنا هذا؟"

أعادت دفترها إلى مكانه، وعندما جلست، وقفت الملكة تحاول فتح الباب، لكنها وجدته مغلقًا، فبدأت تناديها.

الملكة: ماريسا، افتحي الباب.

همّت ماريسا إلى الباب وفتحته.

دخلت الملكة، ثم قالت: ما سبب إغلاقك الباب؟ لم تعتادي على غلقه، صحيح؟

ماريسا: أجل، لم أعتد على ذلك... لقد أخطأت.

الملكة: تفضلي، هذه هي هدية والدك. مع أنه طلب مني تقديمها لك فور الانتهاء، إلا أنني تأخرت… آسفة.

وضعت ماريسا يدها على الهدية، ثم ضمّتها إليها وبدأت في فتحها.

كانت قلادة مذهلة الجمال، تحمل في وسطها حجرًا كريمًا.

ماريسا: أمي، أرجوكِ ساعديني على ارتدائها.

ساعدتها الملكة، ثم اندفعت ماريسا إلى المرآة، وظلّت تنظر إلى نفسها لدقائق، ثم قالت:

"لقد أعجبتني... أشعر بالحنان، كأنها سرقت حنانكِ."

ضحكت الملكة قائلة: إذًا، دعيها تعانقك وتقبّلك بدلًا عني.

ماريسا: لا... ستبقى ماريسا تفضّل قبلاتكِ، لأنها الأفضل. فعندما تقبّلينني، أشعر بأن قلبكِ يهمس لي ويقول: "أنتِ أميرة قلبي."

الملكة: الآن، اذهبي وخلّدي إلى النوم... تصبحين على خير، يا جميلتي.

وبقيت ماريسا بمفردها، بين أربعة جدران.

حدثت الملكة نفسها في طريق العودة إلى غرفتها قائلة:

"كيف عرفت ماريسا ما أقوله في قلبي؟ أظنها مجرد مصادفة..."

كانت الملكة تحمل نفس اسم وضفات والدتها، نيرينا كأنها نسخة منها

امرأة هادئة في ظاهرها، لكنها تملك قلبًا قويًا، وحكمة لا تُكتسب بسهولة. كانت تؤمن بالعدل وتكره الظلم، وحدسها نادرًا ما يُخطئ. غالبًا ما تُخفي مشاعرها خلف ابتسامة دافئة، تحب النظام، وتُجيد احتواء من حولها. لكن إذا خُذلت، أصبح صمتها أشدّ من الغضب.

في تلك الليلة، لم تنعم ماريسا بنوم هادئ، فقد طاردتها كوابيس مزعجة.

رأت رجلًا مقيّد اليدين داخل سجن مظلم، كان يضرب الباب بقبضتيه ويصرخ بصوت يملؤه الحزن

"أنا مظلوم! لم أسرق! لم أسرق! لست بسارق، أنا مجوهراتي أنا من كلفت بصنع القلادة، دعوني أذهب"

ثم جلس على الأرض الباردة،شابك يديه ثم بدأ يتمتم بكلمات غير مفهومة، كأنها تعاويذ رومانية

بعد ذلك، رأت امرأة تضع قلادتها على رقبتها، وقبل أن تبتسم وتشكر الرجل الذي بجانبها سقطت أرضا دون حراك

اقترب منها الرجل بسرعة، حملها بين ذراعيه وهو ينادي اسمها بصوت مبحوح.

كلما أرادت ماريسا سماع إسم المرأة يتلاشى صوت الملك.

ثم شاهدت جنازتها... الأرض مبتلة بدموع الحاضرين، ثم بكت السماء على موت هذه المرأة

ورأت الملك، واقفًا أمام القبر، يخرج القلادة بيده المرتجفة من جيبه وعندما أخرجها ب كانت دموعه تنزل عليها ببطء.

دمعة… ثم أخرى، مسح دموعه حمل المطرقة بيده وبدأ في كسرها ثم ردد جملة لم تستطع ماريسا سماعها

فجأة، صرخت ماريسا بأعلى صوتها، ثم استيقظت.

فتحت عينيها لتجد الملكة وجميع الأميرات يحطن بها.

الملكة: ما بكِ؟ هل تشعرين بأي ألم؟

هدريانا: لقد أخفتِنا...

ماريسا: كان مجرد كابوس مخيف… آسفة لجعلكم تقلقون. أنا بخير، لا تخافوا… يمكنكم العودة للنوم.

خرج الجميع من الغرفة، وبقيت ماريسا بمفردها مرة أخرى.

جلست على الكرسي، ووجّهت نظراتها إلى النافذة، تفكر في ذلك الكابوس الغريب.

ثم حملت القلادة وهمست:

"ما هي قصتكِ؟ هل صُنعتِ لي أم لغيري؟"

بعد لحظات، عادت إلى سريرها، لكن الحلم تسلل إلى نومها من جديد.

نفس الوجوه، نفس الدموع، نفس الكلمات... وكأن رسالة ما يريد الحلم إيصلها لها.

استيقظت فجأة، ثم خلعت القلادة.

لفّتها في منديل وردي، وأحكمت إغلاقه، ثم خبأته داخل ردائها الأحمر.

وأكملت نومها.

ولم ترَ الكابوس مرة أخرى، ثم نامت بسلام.

عودة الملك أنطونيوس

وصلت صباح يوم الإثنين رسالة من الملك أنطونيوس، يخبرهم فيها أنه سيعود بعد ثلاث أيام.

مرّت الأيام بسرعة، وها هي عربته تصل إلى القصر.

ظلت الملكة مع أميراتها تنتظره بلهفة داخل غرفة الاستقبال.

دقّ الأب باب الغرفة، ثم دخل.

أسرعت بناته إليه وقبّلن يديه الساخنتين من الحر.

ثم جلس الملك أنطونيوس وقال: كيف حالكم؟

ردّ الجميع: نحن بخير.

علا صوت ضحك العائلة لفترة،

ها هو الفرح يدخل إلى القصر مرة أخرى.

ثم عمّ الصمت لدقائق.

ثم قال الملك: ما رأيكِ في هديتي يا ماريسا؟

ردّت قائلة: إنها جميلة، شكرًا لك.

ثم ذهبت إليه وقبّلته، وسألته: من أين اشتريتها؟

قال: وجدت شيخًا كبيرًا كان يبيعها ويقول:

"إنها آخر مرة أعرضها للبيع، إنها الفرصة الأخيرة لتغيير الماضي.

إنها قلادة تربط عالمنا بعالم الخيال."

وعندما تقدّمت لشرائها، قال لي: "لا، ليست من مستواك.

يبدو على وجهك السعادة، فلا تشتريها."

لكن عندما حملتها بين يدي، وجدتها لائقة برقبة أميرتي الصغيرة… فاشتريتها لك.

قالت ماريسا: وما قصتها؟

ردّ الملك: قصة ماذا؟

تهرّبت ماريسا من الجواب ، ثم ذهبت إلى غرفتها، وتبعتها الأميرات الثلاث.

أخرجت القلادة من ردائها، ثم وضعتها على رقبتها، وحدثت نفسها قائلة:

"لقد كان كابوسًا فقط... كيف أحجب جمالك؟ تعالي وكوني جزءًا مني."

عمّ السكوت في قاعة الاستقبال، وتوقّف الضحك بعد مغادرة الأميرات الأربع.

ثم قال الملك أنطونيوس لزوجته: أمرٌ غريب في هذه القلادة...

ثم سكت وقال: دعكِ من الأمر.

وتوجّه إلى غرفة نومه، ثم غطّ في نوم عميق.

خرجت ماريسا من غرفتها وتخطّت الدرج.

فتحت باب القصر، ثم جلست في الحديقة.

ظلت تسمع أصوات العصافير وهي تغني،

والأشجار تتمايل يمينًا ويسارًا بسبب الرياح.

ثم قالت لنفسها:

"أنا متأكدة من شيء واحد... هو أن لهذه القلادة قصة."

خرجت هدريانا من القصر، ثم جلست بجانب ماريسا.

هدريانا: بماذا تفكرين؟ أخبريني.

ماريسا: هنالك أشياء تزعجني...

وضعت هدريانا يدها على كتف ماريسا، ووجهت نظراتها إليها) ثم قالت: وماذا يزعجك؟

ماريسا (بصوت يملؤه الحزن والخيبة): أولًا هذه القلادة، فعندما وضعتها، راودتني كوابيس... وكأنني أعيش قصتها أو أتقمص دورها.

والأمر الثاني... لا أستطيع الإفصاح عنه، لأنه خاص.

هدريانا: لا بأس... إنها كوابيس عابرة، وكيف يكون لقلادة مثل هذه توريطك بالكوابيس.

أما بالنسبة للأمر الثاني، فمتى ارتاح ضميرك وسمح لك بالإفصاح، فأنا هنا.

ثم نهضت هدريانا ودخلت القصر.

وضعت ماريسا يدها على قلبها وقالت:

"ما بالك يا فؤادي؟ أرجوك ارتح لهذه القلادة، فلا شيء يخيفك… إنها قلادة عادية."

السرج الذهبي

انتهت الأميرات من دروسهن وتوجهن جميعًا نحو غرفتهن.

حملت سيليا كتابًا للأدب، واتجهت هدريانا نحو النافذة، وضعت بين يديها مذكرتها وحملت قلمها، ثم قالت:

"أحمل الآن قلمًا يطيع أوامري، ودفترًا يأوي كلماتي."

وبدأت تتأمل السماء الصافية وتخط بعض الأسطر عن يومها ومشاعرها.

حملت ماريسا قلادتها، ووضعتها بين يديها، وبدأت تتأمل جمالها وكأنها تخاطبها بصمت.

وضعت إصبعها في وسط القلادة، وقامت بمسح الغبار المتراكم على الألماسة الكبيرة الذي حجب جمالها عن الناظرين.

بعد فترة وجيزة، توهّجت القلادة بضوء خافت أخضر اللون.

تفاجأت ماريسا، ثم نادت جميع أخواتها:

ماريسا: "هدريانا، سيليا، مارسيلا! تعالين، انظرن!"

اتجهن إليها جميعًا، ثم سألنها:

"ماذا يحدث؟"

ماريسا: "ألا ترين ضوءًا أخضر خافتًا؟"

بدأن بالضحك، ثم قالت سيليا:

"ما بك؟ هل أنتِ محمومة؟ دعيني أتفقد حرارتك."

وضعت سيليا يدها على جبهة ماريسا، ثم قالت:

"لا، لستِ محمومة، فقط تخيلتِ ذلك."

ابتعد الجميع عن ماريسا، وعادت كل واحدة منهن إلى عملها.

لكن هدريانا كتبت في كراسها:

"لقد رأيتُه، لكن لا يمكنني إخبارها."

ارتدت ماريسا ملابسها للذهاب إلى التدريب في مدرسة السرج الذهبي.

صعدت العربة، ووجهت عينيها إلى النافذة الزجاجية الصغيرة وهي تفكر في سبب ذلك الضوء، ثم قالت:

"لم أتخيل، لقد توهجت حقًا..."

تتكون مدرسة السرج الذهبي من ثلاث طوابق:

الطابق الأول للمبتدئين وحديثي التعلم.

الطابق الثاني للمتوسطين.

الطابق الأخير للمحترفين، ويستغرق الحصول على ورقة "الفارس العظيم" فيه ثلاث سنوات كاملة.

في هذا اليوم، انتقلت ماريسا إلى الطابق الثاني، وذلك بعد فوزها بالمركز الأول في المسابقة.

وصلت بعد دقائق، وكانت متحمسة للتعرف على المتدربين الجدد.

دخلت الإسطبل وبدأت في تجهيز حصانها "إكليبس". كانت أول الحاضرين.

ثم جلست، وضعت رجلها اليمنى فوق اليسرى، وأسندت خدها إلى يدها، تنتظر الجميع.

بدأ الفرسان والفارسات بالدخول، ثم دخل مدربهم الجديد:

رجل طويل القامة، بشرته سمراء دافئة، عيناه سوداوان، شعره بني قصير.

التفت إلى ماريسا، وقال:

"هل أنتِ الحاصلة على المركز الأول في مسابقة ركوب الخيل؟"

ماريسا: "نعم، أنا هي."

المدرب: "أتمنى أن تصلي إلى الطابق الثالث وأنتِ راضية عن تدريبي."

ثم ابتسم ابتسامة خفيفة، وبدأ تدريب اليوم.

كانت تظن أن هذا اليوم سيكون حافلًا بالأفراح والتعرف على أشخاص جدد، لكن عكس ما تخيلت.

شعرت بتغيّر كل شيء في حياتها، وراودها الحزن والضيق لفراق طابقها الأول.

توجهت نحو الطابق الثاني، واليأس يغمر قلبها، وبدأت عيناها تذرفان الدموع، ثم خاطبت نفسها:

"لقد اشتقتُ إلى طابق المبتدئين، ليتني بقيت هناك طوال فترة تدريبي... لماذا فزتُ بالمركز الأول؟ بماذا كنتُ أفكر لحظة المسابقة؟ لماذا أمرتُ إكليبس بالإسراع؟"

ثم توجهت إلى العربة وعادت بها إلى القصر.

أحيانًا ننتظر أيامًا معينة بفارغ الصبر، ونظنها حافلة بالأفراح، لكنها تخذلنا، وتكون عادية أو أسوأ مما توقعنا.

فنُصاب بخيبة أمل كبيرة عندما لا يتحقق ما كنا نأمل فيه.

وهذا يعود إلى التفاوت بين التوقعات والواقع.

ويجب أن نتذكر دائمًا أن الحياة ليست كما نتمناها في كل مرة…

القلادة المكتملة

دقّت الخادمة ثلاث دقات على باب غرفة الأميرة ماريسا في الصباح الباكر، ثم دخلت.

فتحت النافذة الكبيرة وأزاحت الستار عنها، ثم أحضرت الماء والمنشفة ووضعتهما على الطاولة.

الخادمة، بأعلى صوت:

– هيا استيقظي يا أميرتي!

فتحت ماريسا عينيها، غسلت وجهها، ثم قالت:

– هل ينتظرونني في الأسفل؟

الخادمة:

– لقد أيقظتهم منذ قليل، جهزي نفسك واذهبي إلى غرفة الأكل.

جهزت ماريسا نفسها بسرعة، ونزلت من الدرج متجهة إلى غرفة الأكل.

جلست لحظة تنتظر والديها.

وبعد فترة وجيزة، خرجا معًا.

جلست الملكة على الجهة اليمنى، والملك على الجهة اليسرى.

الملك:

– كيف حالك مع الطابق الثاني؟

ماريسا:

– أشعر بالملل، لقد كنت أفضل حالًا في الطابق الأول.

ضحك الأب، ثم نظر إليها بنظرات مخيفة:

– امتنعي عن قول هذا، فكل من في المملكة يحلم بما أنتِ فيه.

سكتت ماريسا، ونظرت إلى والدتها بنظرات يائسة، ثم بدأت في تناول الطعام.

ظل الجميع صامتين لفترة، ثم قال الملك:

– هل يوجد متدربون مجتهدون في قاعتك الحالية؟

ماريسا:

– نعم، يوجد فارس.

نهض الملك عن الطاولة وسألها:

– هل ستذهبين الآن؟

ماريسا:

– نعم، يجب أن أذهب.

الملك:

– هيا، لنذهب معًا.

في طريقهما، تحدثت ماريسا مع والدها عن طابقها والفارس الجديد.

ثم توقفت العربة.

ودعت ماريسا والدها، ثم دخلت إلى القاعة.

عندما دخلت قاعتها، وجدت جميع الفرسان والفارسات موجودين، ما عدا ذلك الفارس.

بدأت في الحديث مع صديقاتها، ثم سألتهم عنه.

إحدى الصديقات:

– هل تقصدين موريس؟

ماريسا:

– لا أعرف اسمه، لكن علمت أنه ابن الملك الظالم.

بدأ الجميع في الضحك.

صديقتها الأخرى:

– ربما منعه والده من الحضور. لقد أُرغم الملك على إحضاره هنا ، طلب من والدك السماح له بالتدرب هنا.

أحسّت ماريسا ببعض الحزن لغيابه، ثم قالت في نفسها:

"ولماذا أحزن على ذهابه؟ أنا لا أعرفه حتى..."

طاردت ماريسا أسئلتها، ثم أعادت ابتسامتها البريئة إلى وجهها.

بعد انتهاء الحصة، ركبت حصانها "إكليبس" وعادت إلى القصر.

توقف "إكليبس" عند باب القصر، نزلت ماريسا، ربطت اللجام بين يديها، وغدت تتمشى وخطوات إكليبس تتبعها.

فتحت باب الإسطبل، أدخلته، وضعت له بعض القمح، ثم أغلقت الباب بإحكام.

صعدت درجات القصر، والخيبة ما زالت بادية على وجهها.

فتحت باب غرفتها، تمددت على الفراش وأغمضت عينيها.

دُقّ باب الغرفة، نهضت ماريسا ثم فتحته.

الخادمة:

– صديقتك نيراتيا في الأسفل.

ارتدت ماريسا ثوبًا ورديًا مليئًا بالزهور، ثم نزلت.

عانقت نيراتيا ماريسا بشدة.

ماريسا:

– كيف حالك؟ آسفة، لقد خرجت مسرعة، لذلك لم أنتظرك.

نيراتيا:

– لا بأس، لكن أشك أن أمرًا ما يزعجك، أليس كذلك؟

ماريسا:

– لا إطلاقًا، فقط أشعر بالنعاس.

نيراتيا:

– هل سمعتِ الخبر؟

ماريسا بلهفة:

– لا، لم أسمع أي خبر.

نيراتيا:

– موريس غادر المدرسة، ويظن الجميع أن الملك منعه من الذهاب.

ماريسا:

– أيضًا، غادر فارس قاعتي وإسمه موريس

(ثم نظرت إليها بدهشة)

– هل الفتى الذي يدرس معي هو..

نيراتيا:

– نعم، إنه هو! ما بك؟ لقد عرفتكِ عليه في يوم الاحتفال. كيف يمكنك نسيانه؟ لقد حدثتك عنه وعن قصتي معه.

شعرت ماريسا بالغضب والفرح في آنٍ واحد، ثم قالت:

– مرّ على ذلك اليوم العديد من الشهور، فكيف لي أن أتذكر؟ أما عن قصتك، فأتذكرها... وأنا جدُّ تعيسة لنهايتها الحزينة.

نيراتيا:

– نعم، أنت على حق... أظن أن الشمس أوشكت على الغروب، يجب علي الذهاب الآن.

ماريسا:

– حسنًا، مع السلامة.

عادت ماريسا إلى غرفتها، وقد طاردت الحزن والحسرة، لكن الفرح والسرور غمرا قلبها.

جلست على الكرسي وسألت نفسها بهدوء:

– ما سبب هذا الفرح؟ ما شأني إن غادر مدرستي؟

ثم قالت بيأس:

– ذهب ولن يعود. لقد منعه والده من الذهاب إلى مدرستنا... البارحة كان آخر يوم أراه فيه.

في صباح يوم الأربعاء، اتجهت ماريسا مع إكليبس إلى مدرسة "السرج الذهبي".

صادفت جميع صديقاتها، ثم اتجهن معًا نحو قاعة التدريب.

ألقى المدرب عليهن التحية، ثم صعد حصانه.

أمر بقرع الطبول، فصعد الجميع ظهور أحصنتهم، وبدأ بمناداة الحاضرين.

المدرب:

– ماريسا؟

ماريسا:

– حاضرة!

المدرب:

– موريس؟

انتظرت ماريسا سماع "غائب"...

لكن فجأة، رد صوت من الخلف:

– حاضر.

اندهشت ماريسا، والتفتت دون إرادتها نحو الصوت.

قالت في نفسها:

"إنه هو... لقد عاد."

ابتسمت ابتسامة خفيفة ثم أخفتها بسرعة.

انتهى وقت التدريب الصباحي.

المدرب:

– وقت استراحة!

نادت نيراتيا بصوت عالٍ:

– ماريسا! ماريسا!

توقفت ماريسا مكانها.

نيراتيا:

– لقد وجدت الخادمة أمام الباب، وطلبت مني إعطاءك طعامك، لقد نسيته.

وقفتا وسط الساحة الكبيرة، ثم جلستا على الكرسي وتشاركتا الطعام والكلام.

نظرت نيراتيا إلى موريس، ثم قالت:

– سأذهب لإلقاء التحية عليه، هل تأتين معي؟

ماريسا:

– لا، سأبقى هنا... أنتِ تعلمين أني لا أحب الوقوف مع الأولاد.

نيراتيا:

– سنلقي التحية فقط!

وبعد إلحاح طويل من نيراتيا، وافقت ماريسا.

نادت نيراتيا:

– موريس! مرحبًا، كيف حالك؟

موريس:

– بخير، وأنتِ؟

نيراتيا:

– بخير!

ظلت ماريسا تستمع لتبادلهما الكلام، وقالت في نفسها:

"هل جئت إلى هنا لسماع حديثهما؟ ما شأني؟ سأغادر بعد قليل..."

ثم التفت موريس نحوها وقال:

– مرحبًا، كيف حالك؟ أظن أننا تعارفنا من قبل، صحيح؟

ماريسا:

– مرحبًا، نعم، لقد تعارفنا من قبل.

لاحظ موريس ضوءًا أخضر خافتًا ينبعث من رقبتها.

قال في نفسه:

"هل يُعقل أنها هي؟"

ثم ابتسم.

ماريسا باستغراب:

– لماذا تبتسم؟

موريس:

– سعيد بمعرفتك.

ثم قُرع الطبل من جديد.

فارقته نيراتيا، وتوجهت ماريسا مع موريس نحو قاعة تدريبهما.

في تلك اللحظة، قال موريس:

– أريد أن أسألك شيئًا، لكن لا تسيئي فهمي... هل ترتدين قلادة الآن؟

ماريسا:

– نعم، لكن ما سبب سؤالك؟

موريس:

– أعتذر على طلبي، أعلم أنكِ ستتفاجئين... لكن هل أستطيع رؤيتها؟

ماريسا:

– أدر وجهك ولا تلتفت إليّ.

موريس:

– حسنًا، أعدك بذلك.

رفعت ماريسا رداءها الأحمر قليلًا، ثم نزعت القلادة من رقبتها وناولتْها له.

موريس:

– شكرًا... ستبقى لدي بعض الوقت، ليس لديك مانع

ماريسا: لا لا أملك مانع

أسرعت ماريسا إلى قاعة التدريب.

أخرج موريس دائرة صغيرة،من جيبه مليئة بالمجوهرات الرائعة، تحمل نقشًا صغيرًا على شكل قلبين متشابكين.

وضعها فوق قلادة ماريسا، ثم قال بهدوء:

– وجدتها أخيرًا... لقد اكتملت الآن بفضلها.

قصة القلادة

في الصباح الباكر، فتحت ماريسا عينيها، ثم فتحت النافذة وبدأت تتأمل السماء الصافية. كانت العصافير تزقزق، وصوت الرياح يملأ الغرفة.

في تلك اللحظة، لاحظت ماريسا حمامة بيضاء تقف على نافذتها.

مدّت ماريسا يدها إلى الحمامة، فوقفت فوق إصبعها الناعم.

بدأت تلمسها بلطافة، ثم توجهت عيناها إلى رجل الحمامة، فوجدت رسالة معلقة بها.

ماريسا (بتساؤل): من عساه يرسل هذه الرسالة؟ وهل هي موجهة لي؟

فتحتها، فوجدت ما يلي:

> "مرحبًا، أنا موريس. آسف على تجرّئي، لكنني احتجت فقط لرؤيتك بسرعة. إنه أمر في غاية الأهمية. يجب أن نتقابل عند مدرسة السرج الذهبي."

وضعت ماريسا يدها على قلبها، وبدأت تشعر بدقاته تتسارع.

دخلت هدريانا:

هدريانا: ما بك؟

ماريسا: أريد أن أخبرك، لكن عديني أولًا أنك ستذهبين معي.

هدريانا: أعدكِ بذلك.

ماريسا: حاليًا، يتدرّب معي شخص اسمه موريس، يبدو مغرورًا جدًا، لكنني تفاجأت برسالة منه الآن، أنظري.

أخذت هدريانا الرسالة وقرأتها بتمعن ثم قالت

هدريانا: ماريسا، هل ستذهبين؟

ماريسا: نعم، وأنتِ من سترافقينني.

لم يكن من عادة ماريسا مقابلة الفتيان، فقد تربّت على هذه المبادئ وتشبّعت بها، والآن لأول مرة، تقرر كسر هذا المبدأ، وهدريانا معها.

جهّزت ماريسا نفسها بسرعة.

وضعت شالًا أسود على شعرها، وارتدت فستانًا طويلًا بلون السماء الهادئة. ثم حملت رداءها الأحمر ولبسته في آخر درجة من درجات السلم.

ركبت ماريسا وهدريانا على ظهر "إكليبس" وغادرتا القصر.

عندما تخطى "إكليبس" آخر خطواته بهما، توقف، فنزلتا.

بدأ المطر يهطل بغزارة، وكأن السماء تبكي على مخالفة ماريسا لعادتها.

ماريسا (تخاطب نفسها): ماذا يريد مني؟ لماذا لم ينتظر حتى الغد؟

هل سأجبر نفسي على الكذب على والدي؟

اشتد المطر، فرفعت ماريسا يدها عن رقبة إكليبس، وقالت:

ماهي القصة، ماذا حدث؟؟

هدريانا: الموضوع مهم، لا أشك في ذلك.

وصلتا إلى المكان المحدد.

خرج موريس بمعطفه الأسود الخفيف، وسروال بنفس لونه، وقميص أبيض يظهر من منتصف معطفه.

نزلت ماريسا من ظهر إكليبس، أغلقت رداءها الأحمر، وتقدمت نحو موريس، تاركة مسافة طويلة بينهما.

كان المطر قد بلل ملابسهما تمامًا.

بدأ موريس الكلام:

موريس: آسف على الموعد، لكنك تعلمين، لو لم يكن الأمر مهمًا لما استدعيتك.

بدت على وجهه علامات القلق، كأن شيئًا يطارده أو يخيفه.

ماريسا: اختصر الكلام، لا أريد التأخر.

أخرج موريس قلادة من جيبه، وتقدم إليها.

موريس: تفضّلي، قلادتك.

ماريسا: هل هذا كل شيء؟

موريس: لا، هذا مجرد تمهيد... سأروي لك قصة قلادتك.

نظرت ماريسا إليها:

ماريسا: وهل لهذه القلادة قصة؟

موريس: اسمعيني فقط...

"في زمن بعيد، استدعى ملكٌ أشهر صنّاع الجواهر إلى قصره، ثم اختار أحدهم لصناعة قلادة لزوجته.

بدأ المجوهراتي عمله، لكنه اتُّهم بسرقة تاج الملك، وبعد أن وُجد التاج في أغراضه، طُرد من القصر.

استدعى الملك صانعًا آخر ليُكمل العمل. في آخر ليلة من الصنع، زُعم أن المجوهراتي الأول ألقى تعويذة على القلادة.

كانت القلادة هدية للملكة، اعترافًا بمجهوداتها. وعندما وضعتها، شعرت باختناق شديد، ثم سقطت أرضًا.

بعد وفاتها، حطم الملك القلادة وأحرقها.

بعد أيام، اندلع حريق في القصر، ومات الجميع.

انتشرت شائعات بأن القلادة ملعونة، تصيب الملوك بالموت، لكنها تجلب الحظ للفقراء.

لكن ما أريد معرفته... كيف وصلت إليكِ؟"

تذكر ماريسا الكوابيس التي راودتها ووجدتها مطابقة للقصة التي رأتها

ماريسا: والدي قدّمها لي كهدية لفوزي بالمركز الأول. من يهتم بهذه الشائعات؟، لكن هنالك أمر مهم فقد حلمت بهذه القصة عندما قدمها لي والدي

موريس: لا أصدقها أنا أيضا، ولكن حلمك بدأ يغير شكوكي

ثم قال: أنظري إلى هذه

أخرج الدائرة الصغيرة من جيبه، ووضعها على القلادة.

صعدت ماريسا إكليبس ونادت هدرسانا في تلك الأونة توهّجت القلادة بضوء أخضر خافت، بدأ يزداد شيئًا فشيئًا.

موريس (ينادي): ماريسا! ماريسا!

ماريسا: ما هذا؟!

حاولت نزع القلادة، لكنها لم تستطع.

ركض موريس نحوها. وعندما اقترب، ظهر رمز قلبين متشابكين على رقبتها.

قال في نفسه:

موريس: أنا بجانبك، ولن أفارقك.

نظرت إليه ماريسا وابتسمت كأنها سمعت صوته في قلبها.

تشبّث موريس بيدها.

هدريانا، وصرخت:

هدريانا: ماريسا! ماريسا!وكأن الرياح ستسحبكما إلى داخل القلادة!

تمسكت هدريانا بيد ماريسا وهي تقول في في نفسها: لن أتركها معه مهما حدث.

هرب إكليبس إلى القصر بأقصى سرعة.

غطى الضوء الأخضر كلًا من ماريسا، موريس وهدريانا

ثم إختفوا من المكان.

وصل إكليبس إلى القصر، وبدأ يدور ويصهل بجنون.

فتحت الخادمة نافذة المطبخ بعد أن سمعت صهيله.

لاحظته يدور دون توقف.

صعدت إلى غرفة الأميرات، فلم تجد ماريسا وهدريانا.

الخادمة : أين ماريسا وهدريانا؟

سيليا: لا أعلم، خرجت ماريسا لتتجول مع إكليبس، أما بنسبة لهدريانا فلا أعلم.

الخادمة: لقد عاد إكليبس وحده... دون ماريسا!

ركضت الخادمة إلى الملك، تنقل له الخبر.

ساد القصر الحزن والدهشة. ظنوا أن ماريسا سقطت من ظهر الحصان، وبدأ الجميع بالبحث بأمر من الملك.

خرج الملك من باب القصر، وقال بصوت مختنق:

"يا وريثة عرشي...

يا من سميتكِ ماريسا...

كيف استطعتِ مفارقة قلبي الآن؟"

العالم الجديد

فتحت ماريسا جفونها، أطلقت بصرها نحو المكان.

أدارت رأسها إلى اليمين، فوجدت هدريانا تمسك يدها اليمنى بشدة.

نهضت من على الأرض.

إنه بستان مليء بالزهور، رائحة الزهور المتنوعة تعانق ماريسا وهدريانا، الفراشات في كل مكان والأرض الخضراء تبعث الراحة في نفس الناظرين.

عانقت ماريسا هنادي، ثم رفعتها إلى حجرها وبدأت تمسح رأسها.

ذرفت ماريسا بعض دموعها على رأس هنادي.

ثم مسحتها، وتشجعت وبدأت توقظها، وقالت بأعلى صوتها:

– "ليس وقت البكاء والنحيب، يجب أن أتشجع، وأوقظها."

أدارت ماريسا رأسها يمينًا ويسارًا تبحث عن موريس،

لكن للأسف... موريس ليس هنا.

ظلّت ماريسا لفترة طويلة تحاول إيقاظها، لكن دون جدوى، لم تستيقظ أبدًا.

نزعت رداءها ووضعته على الأرض، ثم وضعت هدريانا عليه واستلقت ماريسا، وهي تقول في نفسها:

– "لماذا وافقت على المجيء؟ ليتني بقيت في القصر... لماذا أجبرت نفسي على مقابلته؟ والآن موريس ليس موجودًا... تركني أنا وهدريانا وحدنا، لاشك أنه الأن في قصره يتسلى"

وغفت ماريسا.

نهض موريس من على الأرض، ثم فتح عينيه ليجد نفسه في أرض خالية.

دار حول المكان للحظات،

بدأ في استرجاع الأحداث لحظة بلحظة، ثم حمل قدميه ووجّههما إلى الأمام.

وقال:

– "لن أسامح نفسي إن حدث مكروه لها... أنا متيقن من أنها هنا، لأنها مفتاح هذا العالم."

واصل السير وهو يفكر في ماريسا.

في تلك الأنحاء، استيقظت ماريسا.

حملت هدريانا، وبدأت تبحث عن قرية قريبة.

تركت رداءها الأحمر على الأرض كعلامة لتوجيه موريس إليها إن كان موجودًا في هذا المكان.

استمر موريس في التقدم، وبعد مدة قصيرة لاحظ رداء ماريسا.

جلس على الأرض، حمله بيديه، وقال:

– "ماريسا هنا... كنت أعلم."

استلقى على الأرض وقال:

– "أين هي يا ترى؟ أين ذهبت؟ يجب أن أجدها قبل أن يحدث مكروه لها."

وقف من جديد، وحدق إلى جميع الاتجاهات، ثم وجد طريق ذهاب ماريسا بسبب آثار أقدامها المتجهة نحو الجنوب.

حلّ الليل، وموريس يمشي دون توقف، ثم قال في أعماقه:

– "أين أنتِ؟ انتظري أرجوكِ..."

في تلك اللحظة، لم تكن كلماته مجرد صوت، بل شعرت بها ماريسا وهي تتقدم دون توقف.

مرت تلك الكلمات في قلبها، وبدأت تتردد بداخلها، كما لو أن شيئًا بداخلها سرق كلماته قبل أن ينطق بها.

جلست ماريسا على الأرض،

وضعت هدريانا على الأرض وقالت:

– "إن كان هنا، سيرى ردائي ويأتي لينقذنا. أتمنى أن يشاركنا قسوة هذا المكان. أنا متأكدة من ذلك، فهو لا يشبه والده الظالم."

رفعت ماريسا رأسها، وظلت تتأمل السماء السوداء، المليئة بالنجوم المتوهجة والقمر المكتمل المضيء.

يقال إن تخاطر الأرواح هو تواصل خفي بين روحين نقيين، ويحدث ذلك حين تتصل وتتشابك الأرواح ببعضها البعض بمشاعر صادقة وبريئة.

وحين تتحدث المشاعر بلغة لا تُرى، لا تُسمع ولا تُفقه، لكن القلب الآخر يراها، يسمعها، يفقهها ويحس بها.

وهذا لأن التخاطر لا يحتاج إلى كلمات، بل يكتفي بنقل الأحاسيس والمشاعر من القلب النقي إلى القلب النقي...

كأن الأرواح تتحدث في صمت.

لذلك لا يسمعه إلا شبيه القلب في الداخل.

عندما نامت ماريسا، اقترب منها رجل عجوز مخيف يرتدي ملابس سوداء، ثم مدّ يده إلى القلادة ليأخذها من رقبتها.

استيقظت بسرعة ثم صرخت بأعلى صوتها.

نظر إليها ذلك العجوز، ثم قال:

– "آسف لإخافتك، لا تصرخي أرجوكِ، توقفي."

توقفت ماريسا عن الصراخ، ثم قالت:

– "لا تتأسف، أنا من يجب عليها الاعتذار... آسفة."

قال العجوز:

– "أظن أنكِ وهذه الفتاة تحتاجان إلى المساعدة، وعلى ما يبدو أنتما تائهتان."

ردّت ماريسا:

– "نعم، صحيح."

قال العجوز:

– "منزلي قريب من هنا، تعاليا معي."

بدأت تفكر ماريسا في كلامه ثم سألت نفسها: هل أذهب معه، ربما يأتي موريس ولا يجدني، وماذا إن كان ليس هنا فاكون الخاسرة، انه رجل العجوز يريد مساعدتنا سأوافق.

رمقته ماريسا بنظر خائفة: حسنا أنا موافقة، شكرا لك

نطق العجوز:

– "حسنًا، هيا لنذهب."

توجّهت ماريسا وهدريانا مع ذلك العجوز.

ظل الرجل العجوز يسأل ماريسا، وكانت تجيبه بكل صدق، وبعد بضع خطوات، وصلوا إلى بيته.

أخرج العجوز مفتاح المنزل من جيبه، ثم فتحه وقال:

– "مرحبًا بكما في منزلي."

دخلت ماريسا إلى المنزل، ثم همست:

– "شكرًا لك، لقد حملت أختي طول الطريق، هل يمكنك إحضار طبيب لها؟ أنا أستسمحك عذرًا..."

قاطعها العجوز ثم قال:

– "لا داعي للشكر، هذا واجبي. سأحضر الطبيب، تفضلي بالدخول، استريحي هنا."

دخلت ماريسا، ثم أسندت هدريانا على الأريكة.

كان المنزل مهترئًا جدًا، والغريب فيه هو عدم احتوائه على نوافذ، فقد كان شبيهًا بالسجن.

ظلّت ماريسا تنتظر عودته،

وبعد مرور وقت طويل، دخل الرجل العجوز ومعه الطبيب.

فرحت ماريسا، ثم قالت:

– "شكرًا لك، يا جدي."

فاحمر وجه العجوز، وقال بفرح:

– "لا تشكريني مرة أخرى، أنتِ بمثابة ابنتي."

تقدّم الطبيب من هدريانا، وبدأ يتفحصها، ثم طمأنهم قائلا:

– "أظن أنها سقطت بقوة على رأسها، لذلك هي فاقدة الوعي.

ستستيقظ بعد شمّها لهذا البخور."

أشعل البخور، وقربه من أنف هدريانا.

فتحت عينيها ثم قالت:

– "أين أنا؟"

أسرعت ماريسا إليها، ثم ردت ودموع الفرح ملأت عيناها ساحرتا الجمال:

– "معي، أنا ماريسا."

أحضر الجد الطعام إليهما، ثم قال:

– "هيا، تفضلا للأكل."

نزعت ماريسا شالها الأسود، وبدأت تأكل هي وهدريانا بشراهة.

ظلّ الجد ينظر إلى ماريسا.

أحسّت بنظراته، وعندما نظرت إليه، شاهدت عينيه تتجهان إلى قلادتها، فأخفتها عنه بسرعة.

خاطب العجوز نفسه قائلا: يبدوا عليها الغنا وقلادتها تلك تأكد كلامي، سأخذها منها رغما عنها.

نهض الجد بعدها تقدّم منها ، و هتف بنظرات مخيفة وابتسامة شريرة:

– "لماذا أخفيتها عني؟ أريد أن أراها."

وضحك ضحكة خبيثة شريرة.

ظلت ماريسا تنظر إليه، ثم قالت بصوت يملأه الخوف:

– "ما بك؟ ابتعد عني!"

رفعت ماريسا يدها لدفعه عنها،

فأمسك الجد بيديها، وقال:

– "ما أنعمهما... يداكِ تخبرانني أنكِ من السادة، وقلادتك وضحت لي ذلك."

حملت هدريانا صحنًا من المائدة، وأرادت ضربه به،

فإذا به يترك يدَي ماريسا، ويصفعها صفعة قوية.

سقطت هدريانا أرضًا، تجمعت الدموع في عينيها، وقالت:

– "أين هو؟ أليس هو السبب؟ لماذا تركنا؟ يا للظلم!"

توقف موريس عن المشي بسبب توقف آثار أقدام ماريسا،

ثم صرخ بأعلى صوته:

– "ماريسا! ماريسا! أين أنتِ؟ أين ذهبتِ؟"

جلس موريس، ثم قال بداخله:

– "أنا السبب، لم أحذرها من القلادة... كان يجب عليّ إخبارها بأن في أي لحظة ستُسرق مني."

ظل موريس يعاتب نفسه لفترة، ثم نهض، وقال:

– "يجب أن أبحث عنها، لا أقف مكتوف الأيدي هكذا."

بدأ موريس في البحث عنها، وبعد فترة لاحظ أن آثار الأقدام ظهرت مرة أخرى،

لكن كان عددها أكبر.

تساءل بداخله:

– "هل ذهبت ماريسا مع شخص ما؟"

ظل يتتبعها، حتى قادته إلى بيت العجوز.

دق موريس الباب، ثم صرخ بأعلى صوته:

– "هل يوجد شخص ما هنا؟"

سمع جميع من في البيت صراخه.

نظرت ماريسا إلى هدريانا، وهزّت رأسها كعلامة على أن المتكلم هو موريس.

ابتسمت ماريسا.

نظر الجد إليها، ثم قال:

– "إنه من معارفكِ، صحيح؟ جاء بحثًا عنكما... لن يراكِ مرة أخرى لأنني سأخفي هذا الجمال داخل منزلي."

ظل موريس يدق الباب بكل قوته.

تنهدت ماريسا قائلة: ناديتك جدي أليس كذلك، كنت طيبا معنا وماذا حدث لك الأن، بالتأكيد الطمع غطى قلبك وحرمه من المشاعر الإنسانية، قلت أنني بمثابة إبنتك، هل هكذا تعامل إبنتك أيها الكاذب، لا يشرفني أن أكون إبنة عجوز مثلك. "

أجاب العجوز: كلماتي الجميلة تلك كانت تمهيدا لثروة عظيمة. "

رفع يده وحمل رأس ماريسا بيده: ماذا يحزنك أكثر، رأيت ذلك الشاب مقتولا أم مشاهدة أختك تباع في السوق. أجيبي هيا.

وجهت ماريسا إلى وجهه صفعة قوية

ولزمت الصمت.

نهضت هدريانا من على الأرض وتقدمت منه قائلة: هيا إفتح الباب نحن لا نتحمل رأيتك تهان، لم نتعلم في القصر مواجهة عجوز فاسد مثلك. "

أمسك العجوز بهدريانا وأغلق فمها ثم ربط يديها ورجليها بقطعة قماش طويلة وبعد الإنتهاء فعل نفس الشيء مع ماريسا.

قال: "شكرا لإخباري، إذا ستزيد ثروتي صحيح"

خرج من الغرفة وأغلقها بإحكام.

ظلت ماريسا وهدريانا ينظران إلى بعضهما ثم بدأت هدريانا بالبكاء

قالت في أعماقها: أنا أشعر بالخوف لا أريد الموت في هذا المنزل القذر.

بينما تمتم ماريسا: سننجوا، لن نبقى هنا طويلا.

سإم موريس من دق الباب وعندما قرر الذهاب فتح العجوز الباب.

رحب العجوز بموريس والقلق باد على وجهه قائلا : "تفضل بالدخول، سيدي."

دخل موريس ثم بادره بالسؤال:

– "قادتني أثار أقدام فتاة أعرفها إلى هنا"

رد الجد:

– "آسف، لكن لم أرَ أي فتاة. أنا أعيش هنا وحيدًا."

قال موريس:

– "حسنًا، آسف على الإزعاج:"

رد العجوز بلطف: لا لم تزعجني قط تفضل واسترح قليلا.

قال موريس: "شكرا، أنا في عجلة من أمري"

كانت ماريسا وهدريانا تسمعان حديث الجد وموريس،

وما إن علمتا أن موريس ذاهب، قامت ماريسا بضرب رجلها على الحائط، ثم شاركتها هدريانا، وظلّتا تفعلان ذلك.

سمع موريس ذلك الصوت، فنظر إلى الشيخ، قائلًا:

– "ماهذا الصوت'

قال الجد:

– "لا أعلم سأتفقد ذلك ربما فأران"

ظهر كل التوتر على وجه العحوز ثم قال بداخله: سألقنهما درسا .

دخل موريس المنزل مرة أخرى، فتوقف الصوت.

حدق موريس بالعجوز مليا

ثم واصلت ماريسا وهدريانا ضرب الحائط.

قال موريس:

–"أتحتجزها أيها العجوز السافل ؟"

تتبع موريس الصوت، ثم فتح إحدى الغرف، ووجد ماريسا وهدريانا.

غمر قلب موريس سعادة لا توصف عند رأيت ماريسا.

في تلك الأنحاء أحضر العجوز خنجرًا، واقترب من موريس قائلًا:

– "كان يجب عليك الذهاب ، ستندم على عودتك، وعلى مناداتي بالعجوز السافل ، ستظلان هنا معي أنا بينما تكون جثة وجدت السلام في الأرض.

نظر موريس إليه، ثم حمله من ذراعه وأسقطه أرضًا.

قائلا بنظرات حادة" لن أجد السلام بجانبك "

تقدم موريس من ماريسا وهدريانا،بعدها ساعدهما على فتح وتاقهما.

خرج موريس، كانت هدريانا وراءه وظلت ماريسا أخر من يخرج

نهض العجوز وإندفع إلى ماريسا.

وجّه خنجره إليها،

وصرخ قائلًا:

– "أيها الشاب! انظر إلى حبيبتك... ستتألم بسببك"

أعاد موريس نظره إلى العجوز، فإذا به يرى ماريسا بين يديه.

صاح موريس:

– "أيها النذل! أتركها، وإلا..."

ضحك العجوز ضحكة شريرة بأعلى صوته ، ورد:

– "وإلا ماذا؟ ها؟ ستُقتل على يدي وبين ذراعي أنا ،تفضل وشاهد اللحظة التي لن تنساها !"

وبدأ يضغط على رقبة ماريسا.

قال موريس بأعلى صوته:

– "ماريسا! تتذكرين تلك الحركة السحرية، صحيح؟"

قالت هدريانا:

– "أسرع إليها يا موريس، أختي ستموت !"

قال موريس:

– "ماريسا ستنقذ نفسها بنفسها، انتظري."

رفعت هدريانا رأسها، ثم قالت بتساؤل:

– "الحركة السحرية؟ ما عساها تكون؟"

همست ماريسا إلى قلبها قائلة: حسنا سأجربها الأن.

رفعت ماريسا رجلها، ثم وجهتها إلى وجه العجوز، فسقط أرضًا.

أسرع موريس إليه، ثم أفقده وعيه.

ركضت هدريانا إلى أحضان أختها، ثم قالت:

– "سعيدة لسلامتك."

تقدّم موريس إليهما، ثم قال:

– "هيا بنا."

قالت هدريانا وماريسا:

– "شكرًا على قدومك في الوقت المناسب."

رد موريس:

– "العفو."

كانت السعادة تغمر قلب كل واحد منهم.

ثم تقدّمت ماريسا من موريس، وقالت:

– "لماذا لم تحاول مساعدتي عندما كان العجوز يمسك بي ؟"

قال موريس:

– "لأنني أؤمن بقوتك وشجاعتك."

احمرّ وجه ماريسا، ثم قالت له:

– "هذا الكلام لا يبرر فعلك، لكن كل ما أعلمه هو أنك لا تهتم بي."

شعر موريس بالغضب، ثم قال:

– "بل أفهمك أكثر مما تظنين، تفضل رداءك"

تراجعت ماريسا وهي تضحك ثم لبست رداءها.

وبقيت بجانب هدريانا.

سألتها هدريانا:

– "ماريسا، أين تعلمت تلك الحركة؟"

قالت ماريسا:

– "عندما كنت في مدرسة السرج الذهبي، لاحظت موريس يتشاجر مع أحدهم، وعندما قام ذلك الفتى بالضغط على رقبته، قام موريس بهذه الحركة."

وفي أحد الأيام أخبرني أن لدية حركة سحرية، وبفضل تحليلاتي علم أنها الحركة التي رأيتها."

قالت هدريانا كيف شعرت عندما قال العجوز "أنك حبيبته."

ظهرت علامات الخجل على ماريسا ثم همست في أذن هدريانا:لقد أخطأ التقدير،لست أنا.

ضحكت هدريانا، ثم خاطبت نفسها قائلة:

– "الآن بدأت القصة... وأبطالها ماريسا وموريس."

مختارات
مختارات

1تم تحديث

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon