بعد ولادة داركان، الوريث القادم للعرش، عمّت الفرحة أرجاء المملكة، فالناس شعروا بالاطمئنان لأن السلالة الملكية لا تزال قائمة.
وبعيدًا عن القصر الملكي، في قرية صغيرة، كان كوخ فلاح بسيط ممتلئًا بالأقارب والجيران، إذ أقام الرجل مأدبة صغيرة احتفالًا بأول ابن له بعد بنتين. كان سعيدًا أيّما سعادة، وسمّى مولوده "هيس".
مرت خمس سنوات…
في القصر الملكي كانت الاحتفالات قائمة بمناسبة عيد ميلاد داركان الخامس، حيث بدأ تدريبه وتعليمه ليحمل مستقبل المملكة على كتفيه. كانت العاصمة الإدارية والسياسية "فالدير" تموج بالحياة، فهي مقر القصر الملكي ومجلس الحرب، ودعامة مملكة كيشان.
وفي القرية الصغيرة، كان هيس يساعد والده في الحقول الزراعية. كان نشيطًا لا يهدأ، وحين انتهيا من العمل قال لوالده:
– أبي، هل أستطيع الذهاب إلى الغابة لقطف الفطر؟ أمي ستعده للعشاء.
ابتسم الأب وقال:
– حسنًا، لكن لا تتأخر في العودة.
انطلق هيس فرحًا، يركض بكل طاقته حتى وصل إلى الغابة ذات الأشجار الكثيفة. كانت الرياح تحرك أغصانها وأوراقها، فيصدر منها صوت يشبه الهمس. بدأ هيس يبحث عن الفطر ويجمعه في طيات ثوبه، لكنه توغل أكثر فأكثر في الغابة.
هناك… شعر بأن أحدًا يلاحقه. توقف فجأة، وأخذ يمشي بحذر، ثم اختبأ خلف شجرة وأخذ يختلس النظر، لكن لم يرَ أحدًا. فجأة، سمع عواء ذئب قريب، فاستدار ببطء، فإذا بالذئب يقف خلفه، عينيه تتلألآن ونظراته حادة.
تجمد هيس في مكانه، يتصبب عرقًا والخوف يسيطر عليه، فيما الذئب يقترب بخطوات ثابتة. استجمع شجاعته فجأة، وصرخ بكل ما أوتي من قوة:
– اسمع أيها الذئب! أنا هيس… ولقبي هو الأسد!
تجمد هيس في مكانه، ثم التقط حفنة من الفطر ورماها بكل قوته نحو وجه الذئب، قبل أن يستدير ويركض بين الأشجار بأقصى سرعة. لكن لم يكد يبتعد حتى اكتشف أن هناك أكثر من ذئب يطارده. كان قلبه يخفق بسرعة وأفكاره مشوشة، لا يعرف طريق العودة.
اندفع يمينًا ويسارًا بين الأشجار الكثيفة، وفجأة انقض عليه أحد الذئاب، فجرحه في كتفه الأيمن، مما أسقطه أرضًا. تكاثرت الذئاب حوله، محاصرة إياه من كل الجهات، لا مهرب. بدأ يتراجع وهو جالس على الأرض، حتى شعر بظهره يلامس صخرة بارزة، كأنه في زاوية مغلقة.
استجمع أنفاسه، ونهض ببطء رغم الألم، ثم صرخ متحديًا:
– اسمعوا! لن آكَل أبدًا… لست لقمة سائغة لكم!
تراجع خطوة إلى الوراء، لكن قدمه انزلقت، فتدحرج على منحدر، تتقاذفه الأغصان والأعشاب، حتى وجد نفسه معلقًا بين فروع شجرة فوق هاوية.
مد بصره إلى الأسفل، فرأى ساحة واسعة ممتدة، تعج بالجنود. كانت معركة دائرة بين قوات الجنرال دراغوس فالكر، القائد العظيم لمملكة كيشان، وجيش مملكة كينهان.
رايات كينهان الزرقاء كانت ترفرف في مواجهة الرايات الحمراء لمملكة كيشان، التي ترمز للقوة والعزة. دوّى صوت الطبول من كلا الجانبين، فتعالت صيحات الجنود وهم يندفعون بخيولهم نحو بعضهم، يتصاعد الغبار والدخان في الأفق.
اندهش هيس من المشهد، وعاد إلى ذاكرته كلام والده: "هناك رجال يدافعون عن وطنهم من أجل حياة سعيدة، من أجل إخوانهم."
تشبث بالأغصان بكل قوته، ثم تسلق عائدًا نحو الحافة. حين وقف أخيرًا على الأرض، أخذ يتأمل المعركة من الأعلى، كانت المرة الأولى في حياته التي يرى فيها جيشين يتواجهان. شعور غريب من الحماس اجتاحه… حلم بأن يصبح يومًا ما جنديًا قويًا، يتقدم الصفوف، وسط معركة عظيمة كهذه.
انشغل هيس بمشاهدة المعركة حتى نسي تمامًا عودته إلى المنزل. كانت الشمس قد بدأت تغيب، وحين انتبه إلى ذلك أصابه الفزع؛ إذ يعلم أن أمه ستوبخه بشدة إن تأخر. نهض مسرعًا، واتجه نحو طريق الغابة، يركض وهو ما يزال سعيدًا بما رآه.
في المنزل، كانت أم هيس تقف عند الباب، القلق ينهش قلبها. تأخر ابنها كثيرًا، ولم يعد بعد. قررت أختاه أن تخرجا للبحث عنه، لكن والده منعهما وقال:
– أنا سأذهب للبحث عنه، فالليل أوشك على النزول.
وقبل أن يخطو خطوة، صاحت أخته الثانية:
– أبي! انظر… إنه هيس!
ركضت الأم بكل ما أوتيت من سرعة نحو ابنها، والقلق والغضب يتناوبان على ملامحها. توقف هيس في منتصف الطريق مصدومًا، وحين رأى وجه أمه الغاضب صرخ:
– وحش!
ثم استدار محاولًا الهرب. لكن أمه أمسكت به بسرعة، وضربته على مؤخرته قائلة:
– من هو الوحش يا قليل الأدب؟!
ركع هيس على ركبتيه متوسلًا:
– أمي، أرجوك، لن أكرر ما فعلت!
لكن ملامحها تحولت من الغضب إلى الذهول، فقد لاحظت أن ملابسه متسخة، ووجهه مليء بالخدوش، وكتفه الأيمن يحمل جرحًا مغطى بالتراب. قالت بقلق:
– ماذا حدث لك يا هيس؟ من أين جاء هذا الجرح والخدوش؟
تجمد هيس لحظة، ثم أجاب باستغراب:
– من الذي جرح، يا أمي؟
صفعته أمه على رأسه حتى صرخ، وقالت:
– أيها الغبي!
ثم أمسكت بكتفه الأيمن، فصرخ من الألم، بينما والده وأختاه يراقبون المشهد. تابعت الأم بحدة:
– متى جرحت؟ هل تتألم الآن؟ يا لك من طفل مهمل!
صرخ هيس:
– كفى أمي، إنه… مألم… لقد نسيت أنني جرحت!
اقترب والده ليفحص الجرح، وفوجئ بأنه يحمل آثار مخالب ذئب. سأله بجدية:
– هل هاجمك ذئب؟
أومأ هيس برأسه بفخر:
– نعم، أبي… لكنني هربت منهم بشجاعة! لكن… الفطر سقط مني، سحقًا لهم… أنا جائع!
لم تكد الكلمات تخرج من فمه حتى تلقى صفعة جديدة من أمه، بينما انفجر والده وأختاه ضاحكين عليه.
Comments
idari manga
هذه سلسلة الجديدة بها عدة أجزاء إذا أعجبتك أكمل كتابتها
2025-08-16
1