تبنيت جنية

تبنيت جنية

التي لم ترزق بولد

في صمت الليل البارد

في صمت الليل البارد، وأصوات المطر التي ترتطم بالأرض كما لو أنها تعزف لحنًا شجيًا، وقفت "إليزابيث" على شرفتها. أطفأت جميع أضواء المدينة، لم يتبقَ منها سوى بعض المصابيح الخافتة التي تقاوم العتمة، وذلك المتشرد الذي كان يقف تحت المطر، مادًا يده كأنه يرجو من السماء أن تهطل عليه نقودًا بدل الماء.

كان ضوء الشرفة ينساب بهدوء من خلفها، يلقي وهجه على الأرض، كأن الضوضاء في غرفتها ماتت جميعها، وكأنها قد انقطعت عن العالم. كانت تحدق في القمر الذي اكتمل هذه الليلة، صامتة، تقرأ في نوره أسرارًا لا تُقال، وخبايا لا تُكشف.

كانت رغبتها في أن تُصبح أمًا تزداد يومًا بعد يوم. سنوات طويلة مرّت، والانتظار يأكل من روحها ما لم تأكله الأيام. كل من كانت تعرفهم – رجالًا ونساءً – رزقوا بالأطفال، إلا هي، بقيت وحيدة. وحيدة مع زوجها، الذي تحدّت العالم لأجله، وواجهت رفض أهلها، فقط لتكون معه.

ارتديا الخواتم معًا، كرمزٍ للوحدة، للحب، لكن لم يخبرها يومًا بأنه نادم لأنه تزوج امرأة عاجزة عن الإنجاب. لم يُرزقا بأطفال من لحمهم ودمهم، لكن الله رزقها بأجمل طفلة... ليست من رحمها، لكنها من قلبها.

رغم كل شيء، كان زوجها عطوفًا، حنونًا. لم يتغيّر حبه لها طوال سبع سنوات. كان سندها في كل مرة شعرت فيها بالعجز، كل لحظة تحطمت فيها حلول الطب والعلاج. كانت تظن في صغرها أن إنجاب الأطفال أمر بسيط، لكنها لم تكن تعلم أن الحلم سيصبح وجعًا دائمًا.

كانوا يدعونها لحفلات الأطفال، لأعياد الميلاد، لحفلات كشف جنس الجنين، وكل مرة يُقال لها بابتسامة:

"متى يأتي دورك؟"

لكنها من الداخل، كانت مدمرة. كانت تبتسم فقط لأنهم أصدقاؤها، أما لو لم يكونوا كذلك، لبقيت في البيت تواسي وحدتها.

حتى عندما تشرق الشمس، تشعر بالوحدة. وعندما تغيب، تبقى الوحدة ترافقها.

حلمها بالأطفال لم يعد حلمًا، بل كابوسًا. كابوس يتكرر حتى فقد طعمه.

تحلم دومًا بالجميع من حولها، وطفلها في حضنها، تقبّله، ترضعه، يشبّ بين يديها، وزوجها يقول:

"أخيرًا، رُزقنا بولد!"

تشعر حينها أنها تملك الحياة، وتملك الكون بما فيه.

لكن حتى هذا الكابوس أصبح مملًا...

هي وزوجها سافرا العالم، زارا الحدائق، والأماكن الجميلة... لكن كل شيء بات بلا طعم.

حتى كلماته التي كانت تبعث فيها الأمل، لم تعد تكفي.

الوحدة باتت تلتهمها، تنهش في روحها.

تلك هي حياتها: امرأة عاجزة عن الإنجاب، حالمة بالأمومة.

عملت سابقًا كمربية أطفال، وكانت ترى في كل طفلٍ تربيه ولدها، كانت ابتساماتهم تأخذ روحها، وبراءتهم تطهّر قلبها الحزين.

لكنها توقفت عن العمل.

لم تعد قادرة

نسيت أن أعرّفكم بنفسي.

أنا "إليزابيث"، أبلغ من العمر ثلاثين عامًا. وزوجي "مارك"، في الرابعة والثلاثين من عمره. أعيش في مدينة صغيرة قريبة من الجبل، في المكان ذاته الذي ترعرع فيه زوجي.

تخليت عن كل شيء لأكون معه. تركت أملاكي، قصوري، وضجيج أولاد إخوتي. فأنا الفتاة الوحيدة في عائلة ملكية أرستقراطية، لم يكن من المفترض أن أتزوج رجلاً بسيطًا مثل مارك.

لكني فعلتها...

تزوجته رغم رفض أمي وأبي.

قالوا إنه لا ينتمي إلينا... لا يناسبني.

لكن قلبي اختاره.

وفي يوم زفافي، وبين دموعي، ووداعي لغرفتي الوردية التي كانت كالكابوس، أدركت أنني بدأت طريقًا لا عودة فيه.

وكأن دموعي يومها كانت تقودني إلى هذه الوحدة.

منذ ثلاث سنوات، وأنا أعيش وحدي تقريبًا.

مارك يعمل بجد، افتتح مشروع مصنعه الخاص، يغادر المنزل عند السابعة صباحًا، ويعود فقط عند منتصف الليل.

حتى نومي الخفيف لا يكفي لأشعر به إلى جانبي.

بعد وفاة والدي، انقطع حبل الودّ بيني وبين أمي.

باتت ترسل لي رسالة واحدة فقط في الشهر، تسألني فيها عن حالي، وتواسيني بكلمات قليلة عن إعاقتي في الإنجاب.

أصبحت أيامنا كأننا نعيش في بُعدين مختلفين.

أطبخ القليل لنفسي، لم نعد نأكل معًا.

أقضي وقتي بين كتابة مذكراتي، ومحاولة الانشغال بالخياطة.

هكذا أصبحت حياتي... أيام تمر كنسخة مكررة من بعضها.

لكن هذه الليلة...

أعادني المطر، والرياح، وضوء القمر، إلى ماضٍ عزيز، وأعاد لي شعورًا خفته:

أن أُقدم على خطوة جريئة...

ربما تغيّر مجرى حياتي

مختارات
مختارات

1تم تحديث

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon