إمبراطورية أنتيكا: هدهد الليل الجزء الأول

إمبراطورية أنتيكا: هدهد الليل الجزء الأول

بداية الغموض

كان الوقت غروبًا، حين التقت الشمس بالأفق البعيد، ذلك الذي يحدّق فيه الملك أوريون من شرفته الواسعة، بصمتٍ عميق لا يقطعه سوى ضجيج المدينة الباهت في الأسفل.

بين يديه، فنجان من شرابه الملكي المفضل: الشاي الأسود المستخلص من زهرة الأنتيكا، تلك الزهرة الأسطورية التي لا تُزهر إلا مرة كل نصف قرن، في مملكةٍ تحمل اسمها. زهرة نادرة، تناقلها الملوك عبر العصور كسرٍّ مقدس من أسرار القوة.

الشرفة التي جلس فيها كانت تحفة معمارية مزخرفة بالفضة والحجارة العريقة، شاهدةً على قرون من الحكم والدماء. وفي عيني الملك نظرة هادئة، غامضة... يصعب أن تقرأها. أهي فرحٌ ساكن؟ أم حزنٌ قديم؟ أم ربما... نية قتل؟

قطع ذلك الهدوء ثلاث طرقات خفيفة على الباب، تبعها صوت انفتاحٍ ناعم.

دخل المستشار الوفي أدليم، وانحنى احترامًا، ثم قال:

"سيدي، لقد وصلت رسالة من فيلق الاستطلاع... لقد رصدنا مكانها بالفعل. نحتاج فقط إلى أمرك."

لم يتحرّك الملك، لكن صوته خرج واضحًا:

"جهّز لي عربتي الفاخرة... وسيفي المفضل."

تردد المستشار قليلًا، ثم قال:

"لكن سيدي، ألا يجدر بك أن تنظر في الأمر؟ قد يكون من الأفضل أن—"

"لقد قررت." قاطعه الملك ببرود. "عليك فقط بالتنفيذ. هل تفهم؟"

"أمرك."

تعالى صوت حوافر الخيل عند أبواب القصر، ترافقه هالة من الغبار الذهبي. كانت عربة بيضاء فاخرة تنتظر هناك، مرصعة بحجارة ملكية نادرة، تجرّها أربعة أحصنة بيضاء بشعور شقراء ناعمة، تُشع بهدوء ملكي.

نزل الملك أوريون بخطوات رزينة، يلفّ خصره سيف أحمر كلون الدم، محاط بغمد رمادي يعكس لون عينيه الباردتين.

دخل العربة مع مستشاره أدليم. كانت العربة فسيحة من الداخل، مصممة لملك لا يهوى الزينة، لكن يحترم الفخامة.

عند الباب، وقفت لميا، كبيرة الخدم، تنتظر بنظرة احترام صامتة.

"سيدي..." همست بهدوء. "أمرك؟"

ردّ الملك بصوت هادئ ونظرة ثقيلة تحمل طبقات من المعنى:

"اعتني بالإمبراطورة جيدًا... الولادة قريبة يا لميا. قد يطول غيابي لأيام. وإن قامت الملكة في غيابي، فطمئنيها."

انحنت لميا بتواضع: "أمرك، سيدي."

أوحى الملك بإشارة خفيفة إلى أدليم، الذي فهم المعنى على الفور.

"أيها السائق... انطلق."

بدأت العربة البيضاء تتحرك بهدوء، تبتلعها ممرات القصر الواسعة شيئًا فشيئًا.

وقفت لميا مكانها، تراقب العربة تختفي، وعيناها مليئتان بالحيرة.

لم تكن تعلم إن كانوا حقًا سيعودون.

لكن السؤال الذي ظلّ يضغط على صدرها هو:

"ماذا يخفي الملك؟"

توقفت العربة البيضاء أمام بيت متهالك، كأن الزمن نفسه خاض حربًا هنا... وخرج منتصرًا.

الخشب القديم كان مشقوقًا، الجدران متآكلة، والسقف مائلٌ كمن تعب من الوقوف.

نزل الملك أوريون بهدوء، وتبعه المستشار أدليم، وقد بدت علامات الإرهاق واضحة في عيونهما، لا من الرحلة فقط… بل من ما ينتظرهما.

توقف الملك لحظة، نظر إلى البيت طويلًا، ثم قال بصوت خافت لكن مشحون:

"هنا... تختبئ إذاً."

بدا في نبرته خليطٌ من الندم والكره، كأن الماضي يقف خلف الباب.

ردّ أدليم بثقة:

"بلا شك، سيدي."

وقف الملك أمام البيت المتهالك، يتأمل أركانه بصمت، كأن شيئًا ما ينتظره في الداخل… شيء يعرفه جيدًا.

تقدّم نحو الباب، وطرقه ثلاث طرقات خفيفة. لم يكن يتوقع ردًا، بل كان غارقًا في أفكاره، ينظر إلى الأرض، يتأمل صراعًا داخليًا لا يسمعه أحد.

"سيدي، ألن تدخل؟"

قاطعه أدليم بحماسة.

نظر إليه الملك، ثم قال مترددًا:

"بلى… لكن أشعر أنني يجب أن—"

صمت لحظة، ثم طرد الفكرة بإيماءة. "أوه، انسَ الأمر. هيا بنا."

ن

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon