الوجه المتالي

الوجه المتالي

بين جدران لا تفهمني

📖

البداية:

كان الحي الذي أسكنه يشبه صفحةً قديمة من كتابٍ طواه الزمن. المباني رمادية اللون، الأرصفة متشققة، والهواء مثقل برائحة الخبز المحروق وصراخ الجيران. أعيش في شقة صغيرة مع والديّ وأخي الأصغر، لا نملك سوى بعض الأثاث المهترئ، وحلم صغير كنت أخبئه تحت وسادتي كل ليلة.

اسمي هان سوهي، أبلغ من العمر سبعة عشر عامًا. نشأت في هذا الحي الذي لا يحلم أحد فيه سوى بالنجاة. لكنني كنت أختلف عنهم… كنت أحلم بشيء أكبر.

كنت أدرس كثيرًا، ليس لأنني أحب المدرسة، بل لأنني أردت الهروب منها. كنت أهرب من الواقع إلى دفاتر الرياضيات وقصائد اللغة الكورية، إلى الكتب التي كنت أستعيرها من مكتبة المدرسة القديمة. لا أصدقاء لديّ، ولا وقت للثرثرة. الوحدة كانت عالمي، وكانت الكتب أصدقائي الوحيدين.

وفي أحد الأيام، وبينما كنت أراجع دروسي في المكتبة، جاءني خبر غيّر مجرى حياتي بالكامل. ناداني المدير بصوته الجاف

> "هان سوهي، تم قبولك في منحة دراسية كاملة بمدرسة (إليت سكول)، مدرسة النخبة."

صمتُّ. هل هو حلم؟ تلك المدرسة التي يدرس فيها أبناء السياسيين والمشاهير؟ التي تظهر في الصحف، والتي رأيتها مرّة في تقرير على التلفاز؟

لكنها لم تكن مزحة.

عدت إلى البيت أركض، ألهث وأنا أحاول أن أشرح لأمي التي لم تفهم في البداية، ثم حضنتني بقوة، ودموعها تسيل بصمت. كانت تعرف أنني أستحق أكثر من هذا الحي. ولكنها أيضًا كانت تخاف

المدرسة الجديدة:

عندما وصلت لأول مرة إلى مدرسة النخبة، شعرت كأنني دخلت عالمًا افتراضيًا. كل شيء كان أنيقًا، لامعًا، وباردًا. الفتيات يضعن عطورًا باهظة وأحمر شفاه خفيف يلمع في ضوء الصباح. الفتيان كانوا يرتدون معاطف شتوية باهظة الثمن، ويتحدثون عن أسفارهم إلى باريس ونيويورك.

أما أنا... فكنت أرتدي معطفًا مهترئًا استعرتُه من جارتي.

كنت أستشعر نظرات الاحتقار في كل زاوية. أحدهم همس وهو يمر بجانبي:

> "هل هذه هي الطالبة الجديدة؟ تبدو وكأنها خرجت من فيلم حزين."

ضحكت فتاةٌ بخبث، وقالت:

> "أتوقع أنها من برنامج خيري أو شيء كهذا."

لكنني تماسكت. كنت أعلم أنني لا أملك ما يملكونه، لكنني أملك عقلًا وحلمًا وشيئًا في قلبي لا يمكنهم سرقته.

ثم رأيته.

كان يقف في نهاية الرواق، يحمل كتابًا بلغة فرنسية، عيناه لا تنظران إلى أحد، مشيته هادئة وواثقة. سمعتهن يتهامسن:

> "هذا هو لي جونهو... أغنى فتى في المدرسة. وُلد وفي فمه ملعقة من ذهب."

كان مختلفًا. لم يكن يضحك مثل البقية، ولم يكن يسخر مثلهم. كان صامتًا، وكأن شيئًا ما في داخله محطم، لكنه لا يسمح لأحد أن يراه.

أول لقاء:

في اليوم الثالث، وبينما كنت أحمل كومة من الدفاتر، اصطدمت بأحد الطلاب وسقطت الأوراق. ضحك بعضهم، ومشيت بخجل لأجمع أوراقي.

ولكن... يدًا ظهرت فجأة وساعدتني.

رفعت رأسي، فوجدته واقفًا أمامي.

"أنتِ... الطالبة الجديدة؟" سأل بهدوء.

أومأت. لم أستطع الرد.

"هؤلاء... لا يعرفون شيئًا عن الحياة"، قال وهو ينظر إليهم، ثم ابتعد دون أن ينتظر شكري.

منذ ذلك اليوم، بدأت ملاحظتي له تزداد. لم يكن مثلهم. كان يأتي مبكرًا، يقرأ في الساحة الخلفية، لا يتحدث كثيرًا، ولا يبتسم.

ومع الوقت، بدأ يلاحظني أيضًا.

كان يترك لي ملاحظات صغيرة على طاولتي:

> "أحسنتِ في تحليل القصيدة."

"طريقتك في حل المعادلة ذكية."

"هل تناولتِ طعام الغداء؟"

كنت أقرأ تلك العبارات وكأنها رسائل سرية. لم يكن يعترف بشيء، لكنه كان يقترب ببطء، وبهدوء.

الانهيار:

لكن المدرسة كانت قاسية.

بدأوا بنشر الشائعات:

> "هل رأيتم جونهو يتحدث إليها؟ الفتاة الفقيرة؟"

"ربما تخدعه... ربما هي هنا للتسلّق."

الفتيات اللواتي كنّ يضعن عطورًا باهظة، بدأن يكرهنني. يخفين أغراضي، يكتبن تعليقات على مكتبي. حاولت أن أتماسك، لكنني كنت أنهار داخليًا.

في أحد الأيام، ذهبتُ خلف مبنى المدرسة، وبكيت. بكيت كما لم أبكِ من قبل. كنت أتمنى أن أكون غير مرئية.

فجأة، ظهر صوته خلفي.

> "لماذا تبكين هنا وحدك؟"

حاولت إخفاء وجهي. لكنه اقترب، جلس بقربي، وقال:

> "أتعلمين؟ أمي ليست موجودة في حياتي، ووالدي دائم السفر. أنا أعيش في بيت كبير، مع خدم، لكن لا أحد يسألني إن كنت بخير."

نظرت إليه، فتابع:

> "أنتِ أول شخص يراني كإنسان... لا كاسم، لا كثروة، فقط أنا."

مدّ يده نحوي، وقال:

> "لا تختبئي. أنتِ قوية... وتستحقين أن تُحب."

النور:

منذ ذلك اليوم، تغيّر كل شيء.

بدأنا ندرس سويًا، نجلس في المكتبة لساعات. كنت أُريه عالمي، وهو يريني عالمه. ذهبنا مرة إلى حيّنا، وتناول البسطيلة من يد أمي، وقال:

> "هذا ألذ من كل الأطباق الفاخرة التي ذقتها."

أصبحنا معًا رغم كل شيء. تحدينا السخرية، وتجاوزنا الجدران العالية التي تفصل بين الأغنياء والفقراء.

التخرج:

في يوم التخرج، كنت واقفة وحدي، أشاهدهم يلتقطون الصور. شعرت للحظة أنني غريبة، لا أنتمي. لكنّه اقترب، أمسك يدي، وقال بصوت مسموع أمام الجميع:

> "هذه الفتاة غيّرتني. علمتني أن القلوب أجمل من الثروة، وأن الحب لا يعرف الفروق."

وساد الصمت... ثم التصفيق.

نظرت إليه، وأنا أبتسم:

> "هل تصدّق؟ حلمتُ بهذا اليوم كثيرًا... لكنه أجمل مما تخيّلت."

فقال:

> "لأنكِ لستِ وحدكِ بعد الآن

مرت الاشهر ولم تعد نظراتهم تؤذيني.

لأني كنت أملك شيئًا أندر من كل ما لديهم: شخص يرى روحي.

وفي حفل التخرج، وقف "لي جونهو" أمام الجميع.

أمسك بالمايكروفون، وقال أمام الحشد الراقي:

> "هذه الفتاة التي تجاهلتموها، هي التي علّمتني ما لم تعلّمني إياه الكتب... أن الدفء لا يُشترى، وأن النقاء لا يحتاج مالًا. إنها سوهي، صديقتي، نوري، وحياتي القادمة."

لم يصفق أحد في البداية.

ثم بدأ التصفيق، واحدًا تلو الآخر...

أما أنا، فكنت فقط... أبتسم.

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon