وسُمِّيتُ مَرْصُودَةً
"لم أكن يومًا كباقي البشر..."
في أعماقي، كنتُ أعلم أنني لا أنتمي لهذا العالم العادي.
شيء ما في داخلي يهمس لي دومًا بأنني خُلقتُ لعالمٍ آخر، لعالمٍ مخفي عن أعين الناس... عالمٍ لا يراه إلا من كُتبت له الرؤيا.
كلما حاولتُ أن أعيش حياةً طبيعية، تظهر إشارات، أحداث، رؤى، وكأن شيئًا ما يُعيدني بخفة إلى الظلال... إلى مكانٍ بين اليقظة والحلم، بين الواقع والغياب.
أعلم أن هناك شيئًا ينتظرني... شيئًا عظيمًا يختبئ خلف الستار، لكن... متى؟
متى سينكشف هذا الغموض؟
وماذا سيحدث حين تنقلب الحقيقة وتتشابك العوالم?
ليلة27من شهر رمضان المبارك عام2023.في تلك الليلة لم اكن اشعر بالتعب... لكنني نمت. كأن شيء ما اجبرني على ذلك. جلست على سريري لثوان، ثم اختفى العالم. لم اسمع صوت الريح ولاضوضاء الليل، فقط... صمت ثقيل خدر اطرافي. اغمضت عيناي للحظة لكنها لم تفتح من جديد
وحين بدأ الحلم لم يكن حلما عاديا!
هاانا ذا اجد نفسي اقف وسط صحراء شاسعة، السماء فوقها تتلون بالدم والدخان، والارض من تحتها تنبض كقلب عملاق. كل شيء صامت، الا الهواء... كان يهمس باسمي.
من بعيد، تجلت سبعة عروش عظيمة، يعلوها ملوك من دخان وظلال، تتلأ تيجانهم بنيران سوداء، وعيونهم مغطاة لكن نظراتهم تخترقها.
فجأة، تشققت الرمال، وخرجت منها سلاسل سوداء تزحف نحوي، تتجه مباشرة نحو يداي.
صرخ احد الملوك، بصوت جهنمي:
«اربطوها بسرعة قبل ان تتذكر من تكون!»
سرعان ما لامست السلاسل جلدي حتى اشتعلت، وتحولت الى رماد. انفجرت الارض من تحتي بنور متوهج، خرج من باطنها واحاط بي كدرع. تراجع الملوك وبدأت عروشهم تتشقق واحد تلو الآخر.
لم أتحرك، فقط رفعت يدي، فارتجفت السماء وانشق الهواء، وانطفئت نار التيجان، بصوت هادئ قلت:
«انا لست من أقيد.... بل من تقيدون لأجله»
سيطر الغضب على الملوك السبع، وكانت اعينهم تشتعل بالخوف لابلخضوع كانو يريدونني حتما، لكنهم خائفون وفي نفس الوقت غاضبون لما قمت به.
فتحت عيناي فجأة، كما لو انتزعت من أعماق بئر مظلم، كان تنفسي متسرعا، وقطرات العرق تتجمع على جبيني رغم برودة الغرفة. شعري الاسود الطويل كان مبعثرا حول وجهي الشاحب وتتخلله خصلات لاصقة بعرقي، بينما كانت اصابع يدي اليمنى منقبضة على طرف الغطاء بقوة حتى بيضت مفاصلي. شفتاي المرتجفتان فتحتا قليلا، وكأنها تستعد للصراخ، ولكن الصوت خانني وابتلعت ظلال الصمت الثقيلة، جسدي كان مشلولا لوهلة، كأن شيئا من عالم آخر لايزال يمسك بيو، يرفض تركي اعود كاملة لواقعى، لو نظرت في عيناي لوجدتهما يعكسان نظرة غريبة: مزيج من الذعر، الدهشة، الوعي العميق بأن شيئا تغير.... إلى الأبد
اسمي «أمنية» أبلغ الآن 17سنة. قد يبدو اسمي ناعما وبريئا.... لكن قصتي أبعد ما تكون عن البراءة.
سأحكي لكم حكايتي تماما كما عشتها، لتدخلوا عالمي الذي لايشبه عالمكم.
أنظر في المرآة فأكاد لا أعرفني. عيناي بنيتان هادئتان، لكن في لحظات معينة.... تتغيران، يختلط فيها لون آخر، كما لو أن شيئا داخلي يفيق.
شعري أسود، لكنه يحمل خيوطا من الشيب، لاأعرف من أين جاءت... كأن الزمن مر بي مبكرا.
طولي متوسط _حوالي متر وستين_لا ألفت النظر بين الزحام، وهذا يعجبني. أحب الهدوء، أهرب من الضجيج وكأن صخبه يكشف عن ضعفي.
أنا ذكية، اوهكذا يقولون.... لكن الذكاءء لاينفع كثيرا حين تبدأ الجدران بالهمس، والأحلام تصبح أبوابا.
أنا «أمنية»... وسأفتح لكم بابا إلى عالمي، لكن لاتلوموني إن لم تستطيعوا إغلاقه بعد ذلك.
هاقد انتهى شهر رمضان، وحل العيد بأجمل حلة.
البيوت امتلأت بالعطور، الضحكات تصدح من النوافذ، والقلوب ترقص فرحا بلقاء الأهل، بثياب جديدة، بحلوى العيد....
الجميع كان سعيدا.
إلا أنا.
كنت ابتسم مجاملة، أشاركهم التهانب بصوت خافت، لكن شيئا ثقيلا كان يجثم على صدري.
لم أكن أعرف أن تلك الفرحة ستكون الأخيرة.
أن ذلك العيد سيخفي وراءه بداية النهاية.
في اليوم الثالث من العيد، سقطت أرضا بلا سبب.
جسدي تجمد، رأسي يدور وحرارتي اشتعلت فجأة ثم اختفت كأنها نار خبيثة مرت بداخلي.
قالوا إنه إرهاق
لكنني كنت أعلم....
لقد عاد الحلم.
ومنذ تلك اللحظة، بدأت أيامي السوداء
تلك الأيام التي لايميزها ليل عن نهار، وكأن الزمن توقف ليطيل عذابي. كانت الجدران تضيق علي والأصوات من حولي تتحول إلى همسات غامضة تملأ رأسي قلقا. النوم أصبح عدوا. كلما أغلق عيناي زارتني كوابيس لم أفرق فيها بين الخيال والحقيقة. في كل زاوية كنت أشعر بشيء يراقبني، لا أراه لكنه موجود، يزحف في الظل ويتغذى على خوفي. حتى تلك المرآة الصغيرة التي في غرفتي كنت أراها ترتجف كأنها تتنفس، وكأنها تخبئ شيئا خلف سطحها الزجاجي.
الوقت لم يكن يمر، بل كان يتعفن. كل لحظة ثقيلة، وكل ثانية كانت تقرع رأسي كالمطرقة. لم أكن حية ولاميتة، كنت فقط.... موجودة. عالقة في فراغ لايسمع فيه أحد صراخي.
بدأ مستواي الدراسي بالتدهور. عقلي الذي لاينسى شيئا صار يتعثر في أبسط المسائل.
الكتب أصبحت ثقيلة على عيناي، والكلمات تتراقص أمامي بلا معنى، ثم..... توقفت عن الذهاب إلى المدرسة. ففعلا لم أعد قادرة حتى على الكتابة. لارغبة، لاطاقة، لامعنى لأي شيء.
وفي إحدى الليالي، تسللت الكوابيس من بين طيات الظلام مجددا. ها أنا أغرق في النوم لأجد نفسي أقف في ساحة لالون لها. تحت قدمي تراب بارد، وفوق رأسي سماء رمادية تتحرك كأنها تنزف. لاصوت سوى أنفاسي الباردة تتردد، كما لو كنت أتنفس من داخل قبر.
أرى ثلاثة بوابات ضخمة، كل واحدة تفتح عندما أقترب.
-خلف الباب الأول، عجوز تحمل ميزانا، تهمس:
«دمك أرجح من دماء العالم».
-خلف الباب الثاني، شيخ بوجه مخيف تماما، فقط مكون من دخان، لاجسد له، يقرأ من جلد قلب نابض، يقول:«نظرتك كسرت المرايا، إذا أنت لست مجرد بشر.... أنت صدى لشيء أقدم من الخوف، عينك لاتنظر... بل تكشف، ولاتعكس... بل تلعن.
انت... العين التي إذا نظرت، تفضح المستور، وإذا انعكست، انكسر العالم.»
-خلف الباب الثالث... لاشيء!
مهلا لحظة... لقد رأيته.
كيان لايرى... بل يشعر.
ظل ضخم، لايحمل شكلا ثابتا، لكن حضوره ينهش الهواء.
كان واقفا خلف عمود من دخان أسود، يتنفس بثقل كأن الأرض بنفسها تخافه.
قال بصوت لايسمع بل يحدث في داخلي:«أخيرا ظهرت.. يامن حملت النور داخل الظلمة».
اقترب.
الهواء تجمد.
يدي اليمنى بدأت تحترق بنور لايشبه النور.
رفعتها دون أن أقىى. على راحة يدي.... علامة.
ليست نقشا ولاوشما... بل كلمة تنبض... إنه لفظ الجلالة!
فقال:
«هذه ليست علامة... بل سيف، وهذه ليست يدك... بل دواء لكل داء.»
ثم التف حولي، كأن ظله يغفلني.
«تستطيعين أن تكشفي ماخفي،
ان توقظي مانام في الدم،
أن تري من خلف العيون، وتكسري القيود التي لم تصنع بعد.»
اقترب حتى شعرت بأنفاسه في عقلي:
«لكن تذكري...
من يملك هذه العلامات، لايعود كما كان،
والنور الذي في يدك...
يحرق قبل أن يضيئ.»
ثم تلاشى، لكن ظله بقي على الأرض.
استيقظت مذعورة، كاد قلبي يتوقف، أنفاسه متقطعى، ويداي ترتجفان، جسدي كله مبلل بالعرق،شعرت بأن أحدهم كان يقف عند رأسي.. يحدق بي بصمت.
في اليوم التالي، الساعة التاسعة صباحا لم أتحمل الكتمان، فقصصت مارأيته على ابنة خالتي«إلهام»،تلك التي لطالما اعتبرتها أختي الكبرى، كانت الأقرب إلي، عقلانية هادئة. لكن عندما رأت ملامحي وسمعت ما قلته... شحب وجهها، طال صمتها ثم قالت:
«أمنية... هذا ليس مجرد حلم.»
لم تكن آلهام تنوي أن تتفوه بشيء، لكنهت خافت حين رأت شحوب وجهي، وشرود نظراتي، ورعشة يدي..
أدركت إلهام أن ما أحمله بداخلي لم يعد سرا صالحا للكتمان
فقررت أن تخبر أمي...
أمي سلمى...، إمراة قوية الطابع، صارمة أحيانا، لكنها تخفي تحت قسوتها بحرا من الحنان.
بعد ماسمعته من إلهام، بدأ القلق ينهش ملامحها، وصارت نظراتها تراقبني أينما ذهبت.
في الرابعة مساءا، طرقات خفيفة وقعت على الباب، متقطعة كأنها صادرت من يد مرتجفة.
فتحت أمي الباب بحذر، لتجد امرأة مسنة تقف أمامها، مغطاة بثوب داكن رث، وعينان غائرتان تلمعان ببريق لايطمئن. شعرها رمادي متشابك تفوح منها رائحة تراب قديم، وكأنها خرجت من قبر لامن بيت. إنها... العمة عفاف!
هذه العجوز لاتأتي إلى بيت أي أحد إلا في الضرورة، جميع سكان الحي يظنونها غريبة الأطوار، لكنها حقا امرأة طيبة، والعمل بنصائحها يعطي ثمارا جيدة.
حدقت العمة بعيني أمي طويلا دون أن تتفوه بأية كلمة، ثم مالت برأسها قليلا وقالت بصوت خافت ا
أجش:
«أعلم أن أمنية ليست بخير... ليلة العيد رأيت ظلا يحوم حولها... لا ليس ظلا فقط، بل شيء أقدم من الظل.. شيء يبحث عنها!»
شعرت الأم بقشعريرة تزحف على جسدها
«ماذا تقصدين؟»
خطت العمة عفاف خطوة إلى الداخل دون استئذان، كأنها لاترى حرجا أو حاجزا، ثم أشارت نحو غرفتي.
«ابنتك.... ليست كبقية الفتيات، روحها مقيدة بشيء لا يمكنك فهمه. وهذه الكوابيس؟ ليست أحلاما... بل نداءات. حذار، فإن ما بداخلها بدأ يستيقظ.
نظرت الأم بذهول وقلبها يخفق بشدة
«ما الذي تريدين قوله؟! أعلم أن ابنتي ليست مريضة، كل التحاليل الطبية أثبتت أن كل شيء طبيعي، وليس هناك اي مرض».
اومأت العمة ببطء:
«ليست مريضة بل محاطة.»
ثم تقدمت إليها وقالت بصوت أقرب إلى الهمس:
«ظل الطهر....»
ليس كل من يعرف اسمه يجرؤ على طلبه، فهو ليس تعويذة تتلى، بل وعد قديم بين النور ومن يعرفون لغة الخفاء».
ارتجف قلب الأم، لم تفهم ماتعنيه تلك العمة غريبة الأطوار.
اقتربت منها بخوف ممزوج بالفضول، وسألتها بصوت خفيف:
«ماذا تقصدين بظل الطهر؟ هل هذا اسم لعشبة؟ لرقية؟ لم أفهم...؟
ابتسمت العمة ابتسامة جانبية، ثم قالت:
«ظل الطهر...
ليس مجرد زل، بل هو سطور من نور تنسجها السماء على الأرض، سلاح خفي لايرى، لكنه يشعل الحرب على كل خبث مستتر.
هو النور الذي يشق عتمة الأرواح، يلامس الجراح، فيطهرها من شوائب السحر، العين والحسد. حين يتلى، ترتجف الظلال، وتنكشف الحقائق، كأنما كلماته مرايا تعري الكامن في زوايا النفوس.
ظل الطهر لايلامس الجسد فقط، بل يتسلل إلى الأعماق، ينقي القلب، ويغسل الذاكرة من شوائب المس، يعيد ترتيب الأرواح الهاربة من وهج الحياة.
هوا رقية شرعية، لكنها أرقى من أن تختصر بكلمات مألوفة. إنه وعد السماء بالشفاء، حين يعجز الطب وتخذلنا الكلمات.
لهذا فإن أردت شفاء ابنتك، فاسرعي قبل فوات الاوان. لكن ليكن في علمك، الرقية... لن تغلق الأبواب كلها. ستفتح أسرار قريبا، أسرار دفنت مع أمنية منذ ولادتها. وستجر قسرا إلى قدر لايشبه قدر أحد».
اخبرت أمي عمي «مصطفى» بذلك لأنه متفهم لهذه الأشياء، عمي يبلغ من العمر حوالي43سنة، لكن ملامحه بدت وكأنها توقفت في الثلاثين. له وجه بيضوي، حاد القسمات، تحفه لحية مشذبة بعناية تزيده وقارا دون أن تثقل ملامحه، بشرته سمراء بلون القمح المعتق بالشمس وعيناه بنيتان، فيها مسحة دفء تخفف من صرامة نظراته حين يصمت طويلا.
رغم أنه لم يكن يفهم كثيرا في موضوع الرقى ولايعرف كثيرا عن ظل الطهر، لكنه شعر أن ما أمر به ليس عابرا
ذلك النوع من القلق الذي لا يحتاج إلى دليل، ولا إلا تفسير.. شيء في قلبه الأبوي تحرك.
فأحضر المعالج الروحاني_لا لأنه يؤمن، بل لأنه خاف أن يتأخر.
عكس أبي عبدالله تماما... للأسف.
حل الصباح، كما لن يحل من قبل، كل أفراد العائلة قلقون، وينتظرون ماذا سيحدث بعد الرقية أو أثناءها، قرر الجميع عدم إخباري بذلك... لكنني كنت أشعر... شعرت أن شيء ما قادم لأجلي أنا فقط.
وقفت وسط الغرفة، نظراتي معلقة بالسقف، وعروق يداي تنبض بسرعة، كأن مافي داخلي يعرف من قادم.
أحدهم دخل إلى بيتنا.... دون أن يفتح الباب.
الهواء صار أثقل وحين خطى المعالج عتبة المنزل، لم تنبح الكلاب كما تفعل دائما.
صمتت، كأنها خضعت لقوة أقدم من الغريزة.
أردت الهرب.... لكن لسوء حظي امسكتني أمي
اللعنة على هذا الحظ.
أدخلتني غرفة الجلوس غصبا عني، كنت أرتجف... لاأعرف إن كان خوفا أم بردا.
دخل الشيخ بخطاه الواثقة، تلفه هيبة السكينة، وعلى محياه نور... طمأنينة عتيقة، يعلو صوته بآيات الله فتنحني الأرواح خشوعا، كأن ما خرج من بين صفحات المصحف ليرقي القلوب قبل الأجساد.
كنت أضرب رأسي بكفي كمن يحاول إسكات صخب لايسمعه سواه. أعبث بشعري حتى تصاقت خلصلاته بين أصابعي. أرفض أن أسمع تلاوة القرآن كأن في كلماته نارا تمزقني من الداخل... لم أكن أنا لقد كان شخصا آخر يسكنني،يصرخ حين يذكر اسم الله. لم أعد أقاوم بل استسلمت لانهيار يشبه النجاة. صوت أجش غريب النبرة يخرج من حلقي كأن الهواء يختنق فيه.
قال بلسان ليس لساني، وبعيون تحدق في الشيخ الحسين:
«لاتذكره... لاتقرأه.... أكره نوره.... إنه يحرقني!»
المعالج الحسين:
«يامن يسكن جسد هذا الإنسان، حرجت عليك أن تخرج طاعة لله رب العالمين. باسم الله وبكل آياته.... أخرج من هذا المأوى وأعد لنفسك ماخلقك الله له».
_الجني (بصوت غاضب متسلط):
«أظن أنك تظن أنك قادر على إزاحتي؟ لقد تسلطت علي. أجبرتني على الصمت، لكنني لم أرحل، ولن أرحل! أهذا مفهوم ياحضرت الشيخ؟»
-المعالج:
هذا الجسد ليس لك، ولالك فيه سلطان، آيات الله حصنك، وذكره سلاحك. إني لا أطلب منك الرحيل بل آمرك بالعودة إلى حيث أرسلك الله».
-الجني:
«ياشيخ، إن قوي في ضعفك، وإن صمتي في صوتك. لن أغادر فأنا جزء منها... لكنني أتحكم الآن».
-المعالج:
«أنت مخلوق محدود، والله فوق كل شيء. أدعوك إلى السلام والإسلام، فلاجدوى لعدائك. لاتظن أن جبروتك يطغى على قوة الرحمان».
-الجني(بصوت يتراجع قليلا):
«سأقاوم ولكنني أرى قوتك... فهل أنت من ينصر؟»
-المعالج:
«أنا عبدالله، وقلبي عامر بالإيمان. هذه المعركة بين نور الله وظلامك ستنتهي بنصر الحق».
بعدما ختم الراقي رقيته بدعاء الشفاء، عم الصمت وكأن المكان تنفس أخيرا بعد اختناق طويل.
كنت ممدودة، أتنفس ببطء وعيناي نصق مغمضتان، شعري مبعثر ويداي ترتجفان دون وعي. لم أكن أعرف ما أشعر به تماما... لكن كان هناك فراغ غريب في صدري، كأن شيئا ثقيلا قد خرج، وترك خلفه أثرا خفيفا يؤلمني ويريحني في آن واحد.
اقتربت والدتي مني، ووضعت يدها على جبيني وهمست بصوت مرتجف:
«أأنت بخير حبيبتي؟»
لم أجب فقط اومأت برأسي، ودمعة هادئة انسابت على خدي دون مقاومة.
العمة عفاف، التي كانت تراقب من بعيد، تمتمت:
«أحيانا، لايخرج الشر كله من أول مرة... لكن نور الله بدأ يدخل.»
والدي، الذي بدا عليه التوتر طوال الجلسة، جلس على الأريكة وأخفى وجهه بيديه. لم يكن ضعيفا، لكن رؤيته لي في هذه الحالة كسر شيء بداخله.
حتى الجو تغير....
كأن البيت صار أخف، والهواء أنقى، لكن في زوايا الغرفة ظلت بقايا خوف لم يغادر كليا.
Comments