الطفل الذي اختبأ بين السطور

الطفل الذي اختبأ بين السطور

الصمت والتكوين

"الطفل الذي اختبأ بين السطور"

بقلم امير محمد بلو الحمداني

المقدمة

في طفولتي لم أكن مُنقذًا، كنت فكرةً مشوشة بين نظراتٍ لا تفهمني.

الخذلان لم يبدأ من الآخرين، بل من غياب السؤال عن وجعي.

اكتشفت لاحقًا أن الورق يصغي أكثر من البشر، وأن الكتب تحتضن الصمت.

هذه الرواية ليست سيرة، بل مرآةٌ داخلية تنكسر وتعيد تشكيل ذاتها.

كل فصل هو ظلّ من تلك الطفولة، وكل جملة محاولة نجاة.

الكتابة لم تُشفني، لكنها علّمتني كيف أرى جرحي بوضوحٍ صادق.

إن كنت قد اختبأت بين السطور، فها أنا أخرج منها… لأكتبني وأكتبك.

ظلٌّ في ساحة المدرسة

في الصباح الأول من السنة الدراسية، وقف يونس أمام بوابة المدرسة بيدٍ ترتجف، لا من البرد، بل من فكرة الاجتماع. كان عمره ست سنوات، لكن العالم من حوله بدا وكأنه أكبر من عقله، أسرع من خطواته، وأقسى من قلبه. دخل الساحة وهو ينظر إلى الأرض، لا لأنه خجول، بل لأنه لم يُدرّب على اللقاء.

كانت الساحة مزدحمة بالأطفال، ضحكات، حقائب ملونة، وركضٌ عشوائي مثل الفوضى المنظمة. لم يكن يونس يركض، كان يُراقب. وجهه يحمل ملامح هدوءٍ خادع، وعيناه تبحثان عن مكان لا يسأل فيه أحد عن شكله، عن عينيه المتعبة، أو صمته الدائم.

جلست المعلمة في الزاوية، تعد الأسماء وتُوزّع الدفاتر. حين نادت اسمه، تردّد. لم يُجِب في البداية. لم يكن يعرف هل الصوت الذي ناداه يحمل رغبةً حقيقية في حضوره، أم أنه مجرد إجراء.

ثم نهض، ومشى خطوات قصيرة، كأن الأرض التي تحته تختبر هشاشته.

أخذ دفتره، لكنه لم يأخذه كالبقية. لم يكن هناك ضحكة، ولا تعليقٌ طريف، فقط ورقةٌ بيضاء، وشخصٌ يرتجف أمامها.

في الفصل، جلس وحيدًا في الزاوية. حاول مرةً أن يبتسم لصبيٍ بجانبه، لكن ذلك الصبي نظر إليه بخوفٍ لا يُبرر، وقال بصوتٍ عالٍ:

> "أمي قالت لي لا أقترب من الأطفال المرضى."

تجمّدت ابتسامة يونس، تحولت إلى صمت، ثم إلى سؤالٍ لن يُجاب عليه أبدًا: هل أنا وباء؟

ذلك اليوم، لم يكتب شيئًا في دفتره. كان يُمسك القلم كأنّه خشبة نجاة، لكنه لا يعرف كيف يستخدمها. حين سألته المعلمة:

> "يونس، لماذا لم تكتب؟"

قال دون أن ينظر إليها:

> "الورقة تخاف مني… مثلهم."

في الاستراحة، جلس في زاويةٍ من الساحة، قرب شجرة صغيرة لا تلقي ظلًا، كأنها تشبهه. بدأ يرسم دائرةً في التراب، يُكرّر الرسم دون هدف، فقط كي يخلق لنفسه نمطًا خاصًا، كأن الرسم يمنحه وجودًا ملموسًا وسط الضجيج.

مرّت مجموعة أطفال، ضحك أحدهم وقال:

> "انظروا إليه، يجلس مع التراب… ربما لأنه منبوذ."

ضحكوا، ابتعدوا، وتركوا يونس خلفهم كخلفية لا تهتم بها الصورة.

حين عاد إلى البيت، لم يخبر أمه بشيء. دخل غرفته، أطفأ الضوء، واستلقى على السرير دون أن يغيّر ملابسه. لم يكن يبكي، كان يُفكر:

"هل يمكن أن أكون غير مرئي فعلًا؟ وهل ذلك سيحميني من أذى النظرات؟"

في الليل، كتب أول عبارة له على ورقة صغيرة:

> "أنا لا أريد أن أكون محبوبًا، فقط لا أريد أن أكون مادةً للشفقة."

منذ ذلك اليوم، أصبح يونس يحضر إلى المدرسة كضيفٍ مؤقت في حفلة لا تخصّه. كان يختار الزوايا، لا لأنه يحبها، بل لأنها لا تُراقب. صار يمشي بمحاذاة الجدران، يقرأ العبارات المكتوبة عليها، يجد فيها مَن يشبهه… حتى لو كانت عبارةً بلا معنى مثل "الحياة قاسية"، كان يراها حقيقية أكثر من أي كلمة قالها الآخرون له.

في أحد الأيام، مرّ من أمامه طفلٌ جديد، لا يعرفه، ولا يعرف قصته. جلس بجانبه في الاستراحة، وقال دون مقدّمات:

> "لماذا لا تلعب معنا؟"

أجابه يونس بصوتٍ شبه هامس:

> "أنا ألعب داخليًا، وأحيانًا أفوز."

ضحك الطفل دون سخرية. لم تكن ضحكته مثل الآخرين، كانت تحمل فضولًا لا إدانة. شعر يونس بشيءٍ يشبه الأمل، لكنّه لم يتفاعل. لم يعرف إن كان ذلك الطفل سيبقى أم سيرحل مثل الجميع.

في الفصل، بدأ يونس يكتب. لكنه لم يكن يكتب الدروس، كان يكتب قصصًا قصيرةً من جملٍ غير مترابطة. عن ولد يسكن تحت الأرض ويتكلم مع جذر الشجرة. عن فتاةٍ تصنع من الدموع قلادةً وتحفظها لتذكر خيبتها. لم تكن القصص مفهومة، لكنها كانت صادقة، مثل الطفل الذي اختبأ فيها.

وفي يومٍ من الأيام، وجدت المعلمة إحدى قصصه في الدفتر. قرأتها بصوتٍ منخفض، ثم اقتربت منه وقالت:

> "هل كتبت هذا؟"

قال:

> "نعم، كتبتني."

في تلك اللحظة، أدرك يونس شيئًا بسيطًا لكنه عميق: أنه يمكن أن يوجد بين السطور، حتى لو

📖 جملةٌ لم أفهمها لكنها أوجعتني

كان يونس يجلس قرب باب الصف حين سمع المعلمة تقول لأم أحد الطلاب:

> "نرجو ألا يُجالس ابنك يونس كثيرًا… حالته تُربك الأطفال."

لم يفهم ما تعنيه "تُربك"، لكنه أحس بانقباضٍ في صدره لا علاقة له بالمرض. كأن الكلمة كانت سكينًا لغويًّا صامتًا. جلس في كرسيه ونظر إلى الحائط، لا لأنه مهتم بالدهان الأزرق الباهت، بل لأنه لا يريد أن يرى وجوهًا تُذكّره بأنها تُنكر وجوده.

في ذلك اليوم، بدأ يونس يحصي الكلمات لا الجراح. صار يدوّن في دفتره عبارات يسمعها، دون أن يعرف معناها الكامل… لكنه يشعر بلسعتها:

- "عنده مشكلة."

- "من الأفضل أن يعزل نفسه."

- "أبنائي ليسوا مسؤولين عن حالته."

كل جملة كانت كأنها جدار يبنيه العالم بينه وبين ذاته، وكل كلمة لم يفهمها، كانت تترك أثرًا لا يُمحى.

قال فرويد ذات مرة:

> "الطفل لا ينسى، بل يخزّن المشهد حتى يُعيد تمثيله في ذاته."

وهكذا صار يونس يُعيد تلك الجمل في خياله، لا لينتقم منها… بل ليحاول أن يفهم نفسه من خلالها.

في الاستراحة، سألته فتاة صغيرة:

> "ليش دايم ساكت؟"

أجاب دون تفكير:

> "لأن الكلام عندي يحتاج إذن داخلي."

لم تفهم، لكنه فهم… أنه بدأ يُشيّد لغةً تخصه وحده.

في الليل، كتب على ورقة:

"الجمل التي لا أفهمها أوجعني أكثر من الكلمات التي تؤذيني مباشرةً… لأن الأولى تُشبه الطعن في غياب الضوء."

بدأ يونس يهتم بالكلمات. صار يبحث في المعاني، يقرأ في القاموس المدرسي، يسأل نفسه عن الفرق بين "الشفقة" و"الرحمة"، وعن معنى "غريب" حين يُقال بصوتٍ منخفض. لم يعد الكلام مجرد أصوات… بل معالم لوجوده الغامض.

ثم قرأ اقتباسًا لنيتشه يقول فيه:

> "من ينظر طويلاً إلى الهاوية، فإن الهاوية ستنظر إليه أيضًا."

فضحك في نفسه، وقال: "حتى الكلمات تنظر إليّ، ولكني لا أستطيع أن أُحدّق فيها طويلًا… قد تُسقطني."

وفي أحد الأيام، وجد نفسه يكتب قصةً قصيرةً من جملة واحدة فقط:

> "ذات يوم، جُرِح طفلٌ بكلمة لم يفهمها، فعاش العمر يبحث عن معناها كي يشفى."

📖 مرآةٌ لا تعكسني

كان يونس يقف أمام مرآة صغيرة علّقتها والدته على جدار غرفته منذ سنوات. لم تكن المرآة جديدة، بل مشروخة في زاويتها، كأنها تتذكر ما مرّ على من وقف أمامها. في البداية كان يرى نفسه طفلًا مثل الآخرين، لكنه مع الوقت، بدأ يشعر أن انعكاسه لا يشبهه، وكأن المرآة تعرض صورةً منه لا تحاكي ما يشعر به داخلًا.

ذات مساء، وقف طويلاً أمامها وسألها في نفسه:

"هل ترينني حقًا، أم فقط تنقلين شكلي؟"

لكنها ظلت صامتة، كما تفعل المرايا دائمًا.

كلّما نظر إليها، شعر أن هناك شخصًا آخر في الصورة، طفلٌ لا يعرفه، أو لا يريد أن يعرفه. كانت ملامحه ساكنة، لكن خلف عينيه غضبٌ لم يُترجم، وخوفٌ يسكن في الزوايا.

قال مرة وهو يحدّق في عينيه:

> "أنا أبدو واضحًا، لكن لا أحد يقرأني."

في المدرسة، لاحظ أن الآخرين يرون شكله ولا يُكلفون أنفسهم عناء البحث عما خلفه. إذا ضحك، ظنوا أنه تجاوز حزنه. وإذا سكت، قالوا عنه غريبٌ بلا سبب. لم يعلم يونس أن بعض الأرواح تكتب وجوهها بلغةٍ لا تتقنها المرايا ولا الناس.

قرأ ذات مرة قولًا لفيكتور فرانكل:

> "ليس المهم ما تنتظره الحياة منك، بل ما تنتظره أنت من الحياة."

وهنا أدرك يونس أنه يبحث في المرآة عن معنى، لا عن وجه، وعن رسالةٍ لم تُكتب بعد، بل تنتظر لحظة الفهم.

بدأ يكتب نصًا صغيرًا كلما نظر إلى المرآة.

في إحدى الليالي كتب:

> "وجهي لا يشبهني… لأن الجرح لا يظهر في تفاصيل الوجه، بل ينسكب من بين الكلمات."

حين حاول أمه أن تغيّر مكان المرآة، قال لها:

> "اتركيها حيث هي… فهي الوحيدة التي كانت تصغي دون أن تقاطع."

📖 نداءاتٌ لا يُردّ عليها أحد

في صباحٍ بارد، جلس يونس في الصف الخلفي دون أن يُطل برأسه. كان يعرف أن المعلّمة لا تنظر إليه، وأن صوت اسمه لا يُقال إلا حين تُراجع الغياب. لم يكن يشعر بالنسيان فقط، بل وكأن وجوده لا يحرّك الهواء، كأن وجوده خافتٌ لا يُثير انتباه أحد.

حين رفع يده ليطلب المساعدة في حلّ مسألة حسابية، انتظرت يده أن تُرى. مرت دقيقة، اثنتان، ثم نزلت اليد كما نزلت الثقة التي حملتها.

> "أنا موجود، لكن لا أحد يختبر وجودي."

كتب ذلك لاحقًا على صفحة في دفتره، ثم رسم فوقها نافذة صغيرة مغلقة.

في الاستراحة، وقف قرب الباب، ينظر إلى الأطفال يلعبون. أراد أن يقول شيئًا، أن يطلب مشاركتهم، لكنه تذكّر اليوم الذي تكلم فيه بصوتٍ خافت وقال:

> "هل يمكنني أن ألعب؟"

فجاء الردّ ساخرًا:

> "لعبك مملّ… تشبه الكتب."

أدرك يونس أن الكلمات إذا لم تُحسن التوقيت، تُصبح مصدرًا لخذلانٍ إضافي. صار يسأل نفسه:

> "هل النداء يحتاج إلى من يسمعه؟ أم أنه فعل وجودي حتى لو لم يُجاب؟"

في منزله، كانت والدته مشغولة دائمًا. تُحبّه بلا شك، لكنها تُصارع الحياة أكثر مما تُصغي له. في ليلةٍ شديدة الصمت، اقترب منها وقال بصوتٍ مرتجف:

> "أنا أشعر أني لا أحد."

لم تردّ، فقط ربّتت على رأسه وغادرت الغرفة.

شعر حينها أن النداءات لا تحتاج إلى صدى… بل إلى يد.

وفي أحد الأيام، وهو يقرأ عبارةً في كتاب مدرسي، توقّف عند سطر يقول:

> "الصمت هو لغة الذين لم يجدوا مستمعًا."

ضحك دون صوت، وقال لنفسه: "أفهمها جيدًا."

بدأ يونس يُدوّن نداءاته كل مساء، على أوراق صغيرة، ثم يُخفيها تحت وسادته. كانت تلك الأوراق بوحًا لا يطلب استجابةً… فقط اعترافًا.

ومن بين تلك الورقات، كتب:

> "أنا الطفل الذي لا يُسأل عن رأيه، ولا يُنتظر منه وضوح، لكنني أملك في داخلي فصولًا لو قُرئت، لبكى من لم يستطع يوماً سماعي."

في ذلك الزمن، تعلّم يونس أن أعمق النداءات هي تلك التي لا تحمل كلمات، بل نظرات، ارتجافات، أو حتى دفاتر تُكتب لتُحمي قلبًا هشًا من أن يتفتّت أمام العيون

📖 سرير المرض

في أحد أركان البيت الصغير، وُضع سريرٌ قديمٌ لا يحمل من الراحة سوى اسمه. كانت أمه تقول له إنه مؤقت، لكنه ظلّ "مؤقتًا دائمًا"، كأنّ الجسد وجد بيته في المرض، لا في الحركة.

في السادسة من عمره، بدأ جسد يونس يخونه. حُمّى لا تفسير لها، إرهاقٌ مبكّر، وتعرّقٌ غامض يجعل جلده وكأنّه يحكي قصةً لم تُقرأ بعد. لم يكن يستطيع الجري مثل باقي الأطفال، ولا التسلّق مثل شقيقه، وكان يفضّل الجلوس بصمت في الزوايا التي لا تطلب منه إثباتًا جسديًا.

قال له الطبيب يومًا، بعد معاينة سريعة:

> "حساس جدًا… لكن لا شيء خطير."

وكانت تلك الجملة أولى الصفعات الفلسفية التي تلقّاها: كيف يمكن أن يكون الألم غير خطير؟ وكيف يُقاس الألم حين يسكن في الداخل؟

في سريره، كان يونس يُطالع السقف كأنّه صفحة لا تنتهي. عدّ تشقّقات الجبس، وتخيّل أن كل صدع هو طريقٌ محتمل نحو الخلاص، أو على الأقل نحو تفسير. كان مرضه عابرًا في أعين الآخرين، لكنه مقيمٌ في جسده… كزائرٍ لا يتحدث لكنه يُعيد ترتيب البيت على مزاجه.

كتب على ورقة صغيرة ذات ليلة:

> "هذا الجسد لا يؤلمني فقط… بل يُصوّت ضدي بصمتٍ شديد."

قرأ ذات مرة اقتباسًا لديكارت يقول فيه:

> "أنا أفكر، إذن أنا موجود."

لكن ما يفكر فيه يونس لم يُشعره بالوجود، بل بالعزلة. فبدأ يتساءل إن كانت هويته مرتبطة بالضعف، أم أن المرض مجرد مرحلة اختبار فلسفية.

وفي إحدى جلسات المدرسة، قالت المعلمة بصوتٍ عابر:

> "يونس دائم الغياب، أظنه ضعيفًا."

سمع العبارة كأنها نُطقت في داخله، لا في الخارج.

كتب لاحقًا في دفتره:

> "ليت الضعف يُقاس بالعزيمة، لا بالغيبوبة المؤقتة للجسد."

صار المرض مرآةً يرى فيها نفسه، لكن لا يحب الانعكاس. كانت كل آهة تصدر من صدره دعوةً للفهم، وليس للشفقة. لكنه لم يجد مستجيبًا، فبدأ يبني علاقةً فلسفية مع الألم؛ كأنه معلمٌ غامض يعلّمه الصبر، أو محاورٌ يتكلم بلغة غير منطوقة.

قال نيتشه:

> "الألم ليس في ذاته شيئًا شريرًا، بل هو أداة المعرفة الأكثر دقّة."

وهنا بدأ يونس يدوّن كل ما يمرّ به من ألم، لا بوصفه شكوى، بل كصفحات من وعيٍ ينمو.

في إحدى الليالي، حين اشتدّت عليه الحُمّى، تخيّل نفسه طفلًا صغيرًا في حضن كتاب مفتوح. كل صفحة تحميه أكثر من البطانية، وكل جملة تُربّت على قلبه أكثر من يدٍ غائبة.

كتب حينها:

> "لستُ مريضًا كما يعتقدون… أنا متحوّل، إلى شيءٍ لا يُرى بعد."

وبين السطور، أدرك يونس أن الألم لا يُربك من يفهمه، بل يمنحه عيونًا جديدة لقراءة الحياة. لم تعد الحُمّى خصمًا له، بل مراسلاً داخليًا يرسل إليه رسائل يجب أن تُفكّر، لا تُكتم.

حين قرأ مقولة لفكتور فرانكل:

> "حتى في أسوأ الظروف، يملك الإنسان حرية اختياره لردّة فعله."

ابتسم، وقال لنفسه: "سأختار أن أكتب هذا الجسد، بدل أن أقاتله."

ومنذ ذلك الحين، بدأ يكتب عن مرضه كما لو أنه شخصية ثانوية في روايته. لم يعد يتكلّم عن الحُمّى، بل عن حرارتها الوجودية. لم يعد يشكو التعب، بل يُشخّصه كصديقٍ مرهق. وكان كل سطر يكتبه يُخفّف عنه أكثر من أي دواء.

في النهاية، لم يختفِ المرض، لكنّه تغيّر.

تحوّل من جدارٍ إلى نافذة، ومن قيدٍ إلى قلم، ومن لعنةٍ إلى فصلٍ أول من حكايةٍ لم تُكتب إلا حين فهم الطفل أن جسده ليس ضده… بل يبحث معه عن معنى.

📖 : الطفل الذي لا يُقال اسمه

في قائمة الحضور، كانت كل الأسماء تُقال بسلاسة، عدا اسمه.

"يونس" — اسم قصير، مألوف، لكنه حين يُقال في الصف، يأتي كهمسٍ مشوّش، كأنه لا يريد أن يُسمع.

في كل صباح، تتردّد المعلمة للحظة، تنظر في دفترها، تُبحلق في وجوه الطلاب… ثم تقول:

> "يونس... موجود؟"

لكن صوتها لا يحمل تأكيدًا، بل شكًّا، كأن الاسم ذاته يُثقل النطق.

لم يكن يعرف إن كانت تتعمّد، أم أن اسمه ارتبط بالضعف، فصار يُستدعى بحذر.

كتب في دفتره:

> "اسمي لا يُقال بقوة، بل يُهمَس كأنه اعتذار."

في طفولته، لاحظ أن الآخرين يتذكرون الأحداث لا الأشخاص، يتحدثون عن القصص دون ذكر من عاشها. حتى حين جُرح في ساحة المدرسة، قيل:

> "سقط واحد منهم…"

لم يُقل اسمه، وكأن ذكره يُربك السرد أو يُثقله.

في البيت، كان يسمع والديه يتحدثان عنه أمام الأقارب، لكن يقولون:

> "هو… يعني ابننا الأصغر، حالته مختلفة."

لم يُقال "يونس"، لم يُقال "ابني"، بل تم تسميته بـ "حالة"، كأن الاسم نفسه يُخفي ما لا يُراد مواجهته.

> "الهوية تبدأ بالاعتراف، لا بالوجود الفيزيائي."

> — جان بول سارتر

> "الطفل الذي لا يُسمّى، يتعلّم أن يكون ظلًا لا مرآة."

> — مستلهم من كارل يونغ

> "أن تكون غير مُنادى، يعني أنك خرجت من الحكاية قبل أن تبدأ."

> — تأمل وجودي كتبَه يونس في دفتره.

📖 الرغبة في الاختفاء

كان يونس في الثامنة عندما اكتشف أن الجدران تفهمه أكثر من الأشخاص.

لم تكن الغرفة ضيقة، لكنها أصبحت أصغر كلما كبرت الأسئلة في رأسه.

كان يتمنى أحيانًا لو كان شجرة، لا يُسأل عن مشاعره، ولا يُطالَب بتفسير وجوده.

ذات مساء، بعد يوم مليء بالهمسات والإشارات، دخل غرفته بهدوء شديد، أغلق الباب، وأطفأ المصباح. جلس في الظلام الكامل، وقال بصوتٍ بالكاد يُسمع:

> "كم أودّ أن أختفي، لا هربًا، بل تحررًا من النظرات التي لا تفهمني."

بدأت الفكرة تنمو... الاختفاء ليس موتًا، بل عودة إلى الداخل.

ليس رغبة في الرحيل، بل مقاومة أن يُعرَّف بشيء لا يشبهه.

أدرك يونس أن العالم يطلب منه أن يكون حاضرًا دائمًا، بابتسامة، بجواب، بأداء... بينما هو يبحث عن مساحةٍ لا تُقاس بالحضور، بل بالصمت الآمن.

كتب في دفتره:

> "أريد أن أكون خلف الستارة، أراقب الوجود دون أن أُطالَب بلعب دور لا يُشبهني."

في المدرسة، صار يتجنب الجلوس في الصفوف الأمامية.

في المنزل، لم يعد يردّ على الأسئلة المعتادة: "كيف كان يومك؟"

وفي أحلامه، كان يخلع وجهه كما تُخلع الأقنعة، ليبقى فقط بنبضه، بعينه التي ترى ولا تُرى.

> "الرغبة في الاختفاء لا تعني الهروب، بل أحيانًا تكون أصدق مظاهر الوجود."

> — كارل يونغ

> "نحن لا نغيب عن الآخرين، نحن نعود إلى أنفسنا حين لا نجد مكانًا بينهم."

> — مقتبس وجودي

> "لكي تكون نفسك، عليك أحيانًا أن تصبح غير مرئي للجميع."

> — من كتابات بول تيليتش في الوجود والقلق

في إحدى الليالي، كتب يونس قصة قصيرة من ثلاث جمل فقط:

> *"ولدٌ قرر أن يغيب.

لم يبحث عنه أحد.

فكتب نفسه حتى صار مرئيًا في السطور، لا في العيون."*

وبتلك القصة، بدأ يدرك أن الاختفاء الحقيقي لا يكون بالجسد، بل بالتحوّل من مشهد إلى معنى.

📖 الحائط الذي كتبتُ عليه بدلًا من الصديق

في المدرسة، لم يكن ليونس أصدقاء. كان يرى الأطفال يتجمعون في الزوايا، يتبادلون الضحكات، يسرقون الوقت من بين الحصص كما يسرق الحلم نفسه. لكنه هو، كان يتسلل بصمت إلى حائطٍ خلفيٍّ في الساحة، لا تسكنه رسومات، ولا يقترب منه أحد.

أطلق عليه اسمًا سريًّا: الرفيق الطيني.

لأنه كان ساكنًا، متسخًا، لكنه يصغي دون أن يقاطعه.

كل استراحة، كان يونس يكتب عليه بطباشيره المنكسر: جملة، اسمًا وهميًّا، أو سؤالًا لا ينتظر جوابًا.

> "هل أنا غريب؟"

> "هل هناك من يُشبهني؟"

> "أين يسكن مَن لا يجده أحد؟"

مرّت إحدى المعلمات وسألته:

> "لماذا تكتب على الحائط؟"

أجاب دون تردّد:

> "لأنه الوحيد الذي لا يسخر

> "حين لا يجد الطفل من يسمع عقله، يصادق الجماد كي يُنقذ لغته من الصمت."

> — مقتبس مستلهم من أعمال كارل روجرز

> "المساحة التي تكتب عليها تعني أنك تريد أن تُرى، لا أن تُشرح."

> — جان بول سارتر، في فلسفة الوجود والاعتراف

في إحدى المرات، رسم قلبًا صغيرًا على زاوية الحائط، ثم كتب تحته:

> "هذا هو صديقي الوحيد، يعيش دون لحم، لكن يفهمني."

وحين هطلت الأمطار ذات يوم، عاد إلى الحائط فوجد كل شيء قد مُحي.

وقف أمامه صامتًا، ثم قال:

> "حتى الطين لا يحتفظ بالذاكرة… إذًا سأكتب في داخلي."

في تلك اللحظة، بدأ يونس يُدرك أن الكتابة ليست فقط تعويضًا عن الصديق، بل وسيلة لبناء ذاتٍ مقاومة، تحتضن جراحها بالكلمات.

صارت دفاتره امتدادًا لذلك الحائط، وصار كل نصٍّ يكتبه، محاولةً لإبقاء صداقته مع المعنى حيّة، حتى لو اختفى من حوله كل شيء.

كتب يونس: > "أنا لم أفتقد الناس، بل افتقدت الجدران التي تتّسع لصوتي."

📖 حين خُيّل لي أنها سمعتني

في صباحٍ لا يختلف عن غيره، دخلت الصف فتاةٌ جديدة. لا تحمل ضجيج الآخرين، ولا تجرّ خلفها صداقات مسبقة. جلست بالقرب من يونس، دون أن تنظر إليه مباشرة، لكن عيناها مرّت عليه كما تمرّ يدٌ لطيفة على شقٍ في الجدار.

في الاستراحة، جلس يونس كعادته في الزاوية، يحدّق في الطباشير المكسور الذي لم يعد صالحًا للكتابة. وبينما كان غارقًا في صمته، سمع صوتًا يقول:

> "هل تحب الرسم؟"

رفع رأسه، كانت هي.

لم يجب. الصمت كان طوق نجاته، والكلام كثيرًا ما جرّ عليه الإرباك.

لكنها ابتسمت وقالت:

> "أحيانًا أعجبني الصمت أكثر من الكلام."

شيءٌ في جملتها اخترق الحاجز. كأنها لم تقترب من جسده، بل دخلت إلى صومعته النفسية دون أن تُحدث فوضى.

كتب في دفتره تلك الليلة:

> "صوتها لم يكن عاليًا… لكنه أخذ شكلًا داخليًا يشبه فهمًا لم أختبره من قبل."

> "الفهم أحيانًا لا يحتاج إلى كلمات، بل إلى حضورٍ لا يخاف من هشاشتك."

> — كارل روجرز

> "عندما يشعر الطفل أن أحدًا سمعه فعلاً، يبدأ صوتُه الداخلي بإعادة تشكيل ذاته."

> — مقتبس من العلاج بالارتباط العاطفي

في اليوم التالي، أحضرت دفترًا فارغًا، وقالت ليونس:

> "أكتب لي شيئًا... لا أعرفك، لكني أودّ أن أقرأك."

وكأن طلبها لم يكن مجاملة، بل دعوة إلى الظهور بعد طول اختباء.

كتب لها جملة واحدة:

> "أنا لا أختبئ لأنني ضعيف، بل لأنني أحاول أن لا أفقد ما تبقى منّي."

لم تعلّق، لكنها وضعت الدفتر في حقيبتها كمن احتضن ذاكرة.

في الأيام التالية، صار اللقاء اليومي بينهما يشبه حوارًا لا يُسمع، لكنه يُشعر. لم يتكلّما كثيرًا، لكن وجودها جعله يكتب أكثر، يرسم أكثر، ويشعر بأقل خوف حين يخطئ في جملة أو يرتجف وهو يقرأ بصوت منخفض.

في إحدى الحصص، قرأ يونس قطعة قصيرة كتبها في منزله. حين انتهى، لم يصفّق أحد، ولم يعلّق المعلم. لكن عيناها قالت له كل شيء دون أن تنطق.

كتب بعدها:

> "خُيّل لي أنها سمعتني… حقًا سمعتني. ليس صوتي، بل ارتجافه.

📖 حين خُيّل لي أنها سمعتني

في صباحٍ لا يختلف عن غيره، دخلت الصف فتاةٌ جديدة. لا تحمل ضجيج الآخرين، ولا تجرّ خلفها صداقات مسبقة. جلست بالقرب من يونس، دون أن تنظر إليه مباشرة، لكن عيناها مرّت عليه كما تمرّ يدٌ لطيفة على شقٍ في الجدار.

في الاستراحة، جلس يونس كعادته في الزاوية، يحدّق في الطباشير المكسور الذي لم يعد صالحًا للكتابة. وبينما كان غارقًا في صمته، سمع صوتًا يقول:

> "هل تحب الرسم؟"

رفع رأسه، كانت هي.

لم يجب. الصمت كان طوق نجاته، والكلام كثيرًا ما جرّ عليه الإرباك.

لكنها ابتسمت وقالت:

> "أحيانًا أعجبني الصمت أكثر من الكلام."

شيءٌ في جملتها اخترق الحاجز. كأنها لم تقترب من جسده، بل دخلت إلى صومعته النفسية دون أن تُحدث فوضى.

كتب في دفتره تلك الليلة:

> "صوتها لم يكن عاليًا… لكنه أخذ شكلًا داخليًا يشبه فهمًا لم أختبره من قبل."

> "الفهم أحيانًا لا يحتاج إلى كلمات، بل إلى حضورٍ لا يخاف من هشاشتك."

> — كارل روجرز

> "عندما يشعر الطفل أن أحدًا سمعه فعلاً، يبدأ صوتُه الداخلي بإعادة تشكيل ذاته."

> — مقتبس من العلاج بالارتباط العاطفي

في اليوم التالي، أحضرت دفترًا فارغًا، وقالت ليونس:

> "أكتب لي شيئًا... لا أعرفك، لكني أودّ أن أقرأك."

وكأن طلبها لم يكن مجاملة، بل دعوة إلى الظهور بعد طول اختباء.

كتب لها جملة واحدة:

> "أنا لا أختبئ لأنني ضعيف، بل لأنني أحاول أن لا أفقد ما تبقى منّي."

لم تعلّق، لكنها وضعت الدفتر في حقيبتها كمن احتضن ذاكرة.

في الأيام التالية، صار اللقاء اليومي بينهما يشبه حوارًا لا يُسمع، لكنه يُشعر. لم يتكلّما كثيرًا، لكن وجودها جعله يكتب أكثر، يرسم أكثر، ويشعر بأقل خوف حين يخطئ في جملة أو يرتجف وهو يقرأ بصوت منخفض.

في إحدى الحصص، قرأ يونس قطعة قصيرة كتبها في منزله. حين انتهى، لم يصفّق أحد، ولم يعلّق المعلم. لكن عيناها قالت له كل شيء دون أن تنطق.

كتب بعدها:

> "خُيّل لي أنها سمعتني… حقًا سمعتني. ليس صوتي، بل ارتجافه."

📖 الفصل ١١: كريم… رفيقُ الذاكرة

في الصف الرابع، ظهر "كريم" في حياة يونس كـضيفٍ لطيفٍ في عالمٍ مُغلق. لم يسأله عن مرضه، لم يُحاول تفسير صمته، فقط جلس بجانبه، وشارك معه الدفتر والمساحة.

كريم مرحًا بطريقته، لا يسخر، ولا يبالغ في القرب. وجد فيه يونس شيئًا نادرًا: حضورًا لا يطلب تفسيرًا، لكنه يمنح شعورًا بالاطمئنان.

ذات يوم، نسي يونس قلمه، فقدم له كريم قلمًا جديدًا دون تعليق، ثم قال:

> "الكتابة بدون قلم تشبه التفكير بدون أمل."

ضحك يونس حينها، وكأن الضحكة خرجت من مخزونٍ قديم لم يُستخدم منذ زمن.

🪶 كتب يونس في دفتره تلك الليلة:

> "كريم لا يشبه البقية، لا يحاول إصلاحي، فقط يجلس معي كأن جلوسه ذاته إصلاح."

في الاستراحة، بدأت الأحاديث بينهما تتحول إلى اعترافاتٍ صغيرة:

يونس يتحدث عن ألمه للمرة الأولى، كريم يروي حكايات طفولية ببساطة.

لم يكن بينهما عقدٌ رسمي للصداقة، لكن الحضور اليومي خلق صلة يصعب توصيفها.

> "الصداقة الحقيقية لا تنمو من السؤال عن الجرح، بل من الجلوس قربه دون خوف."

> — مقتبس تأملي مستلهم من أعمال كارل روجرز

> "العلاقة التي لا تطلب تفسيرًا للذات، تمنح مساحةً للشفاء."

> — مقتبس وجودي

> "في الطفولة، الصديق لا يُختار… بل يُكتشف حين يشعر أحدهم أن صمتك جدير بالرفقة."

> — من دفاتر يونس

لكن خلف هذه الراحة، بدأ يونس يلاحظ شيئًا... كريم يتحدث إلى سُهى كثيرًا، يكتب لها بطريقتها، يُضحكها بنفس الكلمات التي سمعها منه.

تسلل الشكّ، لكنه تردّد في مواجهته.

كتب فقط:

> "الصمت لا يخون، لكن الكلمات تُعاد تدويرها أحيانًا في أفواه الآخرين."

وفي حصة التعبير، حين قرأت سُهى فقرة من دفترها، تعرّف يونس على جملة كتبها هو لكريم... لكن بصيغة مختلفة.

شعر أن دفء العلاقة بدأ يبرد، وأن الظل الذي اعتبره مأوىً بدأ يتكثّف بشكلٍ مربك.

هل كانت تلك بداية انكسار جديد؟

أم أنها مجرّد اختبارٌ لمدى عمق الشعور الذي لا يُقال؟

كتب في نهاية الفصل:

> "كريم… لم أكرهك، فقط ظننت أن الذاكرة لا تُستعار، لكنها عندك كانت مشتركة."

📖 رسالةٌ لم أُرسلها

في الليل، حين هرب الجميع إلى نومٍ خفيف، كان يونس يكتب.

لا يعرف كيف يكتب بالضبط، لكنه كان يضع الكلمات كمن ينثر حروفه على ورق لا يطالبه بالإجابات.

كتب مرةً رسالةً طويلة لسُهى، لم يُرد أن يرسلها، بل فقط أراد أن يُلقي حملًا لا يُقال في وجه.

> *"أنا لا أعرف كيف أحب مثلهم. أرتبك حين يُقال اسمي، وأتلعثم حين تُقابلني نظرة.

لكني حين أراكِ، لا أشعر بالخوف، بل وكأنّي قابلت جزءًا من صوتي الداخلي.

أحيانًا، حين أصمت قربك، لا يعني أني عاجز… بل يعني أني أشاركك ما لا يُنطق."*

طيّ الرسالة ووضعها تحت وسادته، لم ينوِ أن يسلّمها، لأن النية نفسها بدت له خيانة للصمت الذي يحبه أكثر من البوح.

في اليوم التالي، كاد أن يعطيها إيّاها، لكن رأى كريم يضحك معها، بنفس الضحكة التي حفظها من أحاديثهم العابرة.

تراجع، وابتلع رغبة كانت على وشك أن تُكتب عليه لا منها.

> "الحب الذي لا يُقال لا يعني أنه غير موجود، بل يعني أنه خُلق ليُحفظ أكثر مما يُشارك."

> — مقتبس من فلسفة الشعور الداخلي

> "البوح ليس دائمًا قوة، وأحيانًا يكون الاحتفاظ بالرسالة فعلًا من الشجاعة."

> — كارل يونغ

> "نكتب لا لنعترف للآخرين، بل لنُعيد لأنفسنا ما لم يسمح به الوقت أو الموقف."

> — تأمل من دفاتر يونس

في منتصف الأسبوع، كتب رسالةً ثانية، أقصر، فيها جملة واحدة:

> "لستُ ضد الحب… لكني لا أريد أن يشبه ما رأيت من الآخرين."

علّقها خلف باب خزانته، كأن الحروف صارت جزءًا من جسده.

لم يبحث عن ردّ، ولم يطلب تأكيدًا. اكتفى بأن يكون في الحبر ما لم تسمح الحياة بقولِه.

في ختام الفصل، كتب في دفتره:

> "أنا لا أكتب لها، بل عني وأنا معها… وهذا يكفيني حتى لو لم تقرأ شيئًا."

📖 الهروب من الطفولة بالحب

يونس لم يكن يطمح في علاقةٍ تُنقذه من ماضيه.

كل ما أراده، ببساطة، هو يد لا تبتعد عندما يرتجف، وعين لا تُفسّر قلقه كغرابة.

ظنّ أن الحب يشبه العبور إلى مكان أكثر دفئًا من الذاكرة، مكان لا يطلب منه تفسيرًا، بل يمنحه اسمًا جديدًا خارج ما سكنه من ضعف وصمت.

بدأ يربط سُهى بمفاهيم أوسع من مجرد الطفولة.

رآها وكأنها تحقّق ما لم تقدّمه له العائلة، ولا الصف، ولا حتى دفاتره.

في كل مرة يتحدث إليها، كانت عيناه تقول أكثر مما يستطيع لسانه.

وكل مرة تبتسم، كانت ذاته تتخفّف من حملٍ قديم.

كتب في دفتره ذات ليلة:

> "أنا لا أحبها كما يحب الأطفال، بل كما يحب من لم يجد طوق نجاة… فظنّ أن قربها هو الماء."

لكن العلاقة لم تكن كاملة، ولا متبادلة بما يكفي.

سُهى لم تكن تعرف أنها صارت رمزًا لفكرة النجاة،

مختارات
مختارات

1تم تحديث

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon