الفصل الثاني: حين لامست الأرض الجديدة

التاريخ: 28 ديسمبر

الساعة: العاشرة والنصف صباحًا (بتوقيت تايوان)

المكان: مطار تاويوان الدولي – تايبيه

حين وطأت قدماي أرض المطار، كان كل شيء يبدو أكبر منّي.

المكان يعجّ بالحركة، لافتات بلغات متعدّدة، رائحة القهوة والحقائب الثقيلة تتنقل بجانب الناس كأنها ترافقهم منذ ولادتهم.

كنت أحمل حقيبتي على ظهري، وقلبي ما زال في مكانٍ ما بين مقعد الطائرة والمطار.

استجمعت أنفاسي، ومددت عنقي أبحث عن لافتة تشير إلى مكان استلام الأمتعة.

كل شيء بدا غريبًا… حتى وجهي في زجاج النوافذ.

أنا التي كانت تبكي قبل ساعة، الآن تسير وسط الحشود كأنها تعرف الطريق.

توقفت قليلًا لأتنفّس.

أخرجتُ هاتفي… لا توجد إشعارات، لكن الساعة أظهرت فرق التوقيت:

تايبيه 10:30 صباحًا – هوي آن 9:30 صباحًا.

كأن العالم انزلق بي خطوة إلى الأمام، بينما أنا أحاول اللحاق.

**

بعد دقائق من التردد، وصلت إلى المكان المخصّص للطلاب الجدد.

كانت هناك موظفة شابة ترفع لافتة كتب عليها بخط أنيق:

"طلاب برنامج التبادل - جامعة تايبيه الدولية"

تقدّمت بخطوات حذرة.

"آه، هاي! أنتِ ماي لين؟"

رفعت نظري، كانت فتاة في مثل عمري تقريبًا، شعرها بني مائل للحمرة، وربطته كعكة مرتفعة.

ملامحها فيها شيء من "البيت"، لكن بلهجة مختلفة.

أجبت بتردد: "نعم… أنا ماي لين."

ابتسمت، ومدّت يدها:

"أنا تشاو تشاو، مسؤولة عن استقبالك… نقدر نقول منسقة سكن مؤقتًا."

صافحتها… يدها دافئة، ونظرتها مستقرة.

"تشرفت."

ردّت ضاحكة: "أنا بعد… لا تخافي، ما راح نخطفك، فقط سنأخذك إلى السكن، ونعطيك بطاقة الجامعة، وبعدين… نرميك في وسط الغابة."

رفعت حاجبي بدهشة، فقالت بسرعة:

"أمزح! بس كثير هنا يحسون الجامعة غابة أول أسبوع."

ضحكتُ رغم توتري، ولم أعرف كيف أردّ…

فاكتفيتُ بهز رأسي.

**

خرجنا من بوابة المطار، وكان الهواء مختلفًا تمامًا…

أبرد قليلًا، لكنه نظيف.

تشاو تشاو كانت تقود سيارة صغيرة بيضاء من نوع فان.

ركبتُ بجانبها في المقعد الأمامي، وربطت الحزام.

"أول مرة تيجين لتايوان؟"

أومأت برأسي: "نعم… أول مرة أخرج من فيتنام أساسًا."

"واو، شجاعة بصراحة."

ثم أضافت: "أنا أصلاً وُلدت هنا، بس زرت فيتنام مرتين. الأكل عندكم خرافي."

ابتسمت، فتابعت:

"بس الكاري سبايسي زيادة عن اللزوم."

"هاه؟ بس الكاري مش فيتنامي!"

"صح!؟ شفتيني وش قلت! كنت أقصد نودلز الشارع عندكم، رهيب… بس مرّة حرّاق."

ضحكتُ أخيرًا من قلبي.

كانت تحاول كسر الجليد بأسلوبها… ولم يكن سيئًا.

**

الطريق من المطار إلى الجامعة استغرق قرابة الساعة.

شوارع تايبيه منظمة، خضراء، والمباني طويلة بشكل يذكّرني بأحلامي حين كنت طفلة.

خلال الطريق، سألتني تشاو تشاو:

"وش تخصصك؟"

"أدب إنجليزي… وأنتِ؟"

"أنا خلصت بكالوريوس ترجمة، والحين أشتغل مع قسم العلاقات الدولية."

ثم نظرت إليّ بفضول:

"ليش اخترتِ تايوان؟ مو كثير من الفيتناميين يختارونا."

أجبتُ بصوت هادئ:

"لأن جدتي كانت تذكرها كثير… كانت تقول: ’فيها جبال صافية، وناس خجولين، مثلنا.‘"

ابتسمت تشاو، ولم تعقّب.

**

وصلنا إلى الحرم الجامعي أخيرًا.

كان شاسعًا، والأشجار تملأ الممرات.

دخلنا أحد المباني المخصصة للسكن الجامعي، وصعدنا بالمصعد إلى الطابق الرابع.

"غرفتك 407. مشتركة مع طالبة ثانية، بس للحين ما وصلت."

"من أي بلد؟"

"صينية، بس هادئة جدًا… ما راح تزعجك."

فتحت لي الباب، ووقفت جانبًا:

"ادخلي، وخذي راحتك. عندك نصف يوم ترتاحين. وبعد الغد، تبدأ الورش التعريفية."

نظرت إلى الداخل…

الغرفة بسيطة، سريران، مكتبان، نافذة تطلّ على الأشجار، وخزانة خشبية صغيرة.

"شكرًا لك، تشاو تشاو."

"لا تشكريني… إحنا نحب الطلبة الجدد، يجون وهم ضايعين، وبعد كم أسبوع يصيرون يعرفون الجامعة أحسن منّي."

ضحكتُ، فقالت بنبرة مازحة:

"بس لا تنامين طول اليوم… الشمس تغيب بدري هنا، وراح تحسي الليل طويل."

أومأت بابتسامة.

ثم خرجت، وأغلقت الباب خلفها.

**

خلعت معطفي، ووضعت حقيبتي على السرير.

جلست، ثم نظرت إلى يديّ المرتجفتين…

هذا هو. وصلت.

بدأت رحلتي.

ولا أدري إن كنتُ قد بدأت للتوّ… أم أنني وصلت متأخرة على شيء كنت أبحث عنه طوال عمري.

 

> "أحيانًا، لا نحتاج إلى بداية عظيمة… فقط إلى غرفة هادئة، ونافذة تطلّ على شيء جديد."

نهاية الفصل الثاني.

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon