في سبيل موتِ الآنسة غرايسون المثالي

في سبيل موتِ الآنسة غرايسون المثالي

الفصل الاول

الابن الثاني لعائلة فينشر يجلب النحس أينما ذهب.

تذكرت راتشيل أشهر إشاعة عن ابن عمها، ثم نظرت إلى صاحب تلك الإشاعة الجالس أمامها. كان ابن عمها، إسحاق فينشر، هو محور تلك الأقاويل التي لا تستند إلى عقل أو منطق، وكان تعبير وجهه يناسب تمامًا تلك السمعة؛ وجه عابس ينظر بصمت إلى الأرض.

فجأة، اهتزت العربة بقوة، واضطرت راتشيل إلى التمسك جيدًا كي لا تسقط. جاء صوت اعتذار سريع من السائق، يبرر أن الطريق أصبح زلقًا بسبب المطر. تمتمت راتشيل شتيمة خافتة وهي تعدل جلستها.

قالت بسخرية “أنظر إلى الجو يا إسحاق. بمجرد أن قررت حضور الحفلة، بدأ المطر يهطل. يا للمسكينة، الآنسة غرايسون.”

كان كلامها تلميحًا واضحًا للإشاعة السخيفة التي تلحق به، لكنه لم يُظهر أي رد فعل تجاه سخريتها.

في الحقيقة، لم يكن يهتم بهذه الحفلة ولا بصاحبتها الآنسة غرايسون. حضوره كان فقط بسبب إصرار جدته.

بل إنه لم يعلم إلا صباح اليوم نفسه أن عليه حضور هذه الحفلة.

أما أنه سيضطر للذهاب بصحبة ابنة عم مزعجة مثله، فقد عرفه أثناء الغداء.

…تبًا لهذا اليوم.

قالت راتشيل مجددًا، وكأنها تشفق على الآنسة غرايسون “إنها المرة الأولى التي تستضيف فيها حفلة، لا بد أنها تعبت كثيرًا في التحضير. والآن، جاء المطر فجأة. يا للمسكينة.”

كانت كلماتها مليئة بالشفقة تجاه الآنسة غرايسون، بينما لم تُظهر أي ذرة من التعاطف تجاه إسحاق.

في تلك اللحظة، تحركت العربة من جديد بعد توقفها القصير، والسائق كان يحث الخيول على السير وسط الطين متجهًا نحو قصر ديلتون، ذلك القصر القديم الكبير الذي ستقام فيه الحفلة.

أخرجت راتشيل مرآة صغيرة من جيبها تتفقد بها شعرها، وتمتمت لنفسها “لحسن الحظ، حضرت حفلات كثيرة فاشلة من قبل. سأخبرها بذلك عندما أراها. ربما يخفف عنها قليلاً. أليس كذلك؟”

لم تكن تنتظر ردًا من إسحاق، ولم يعطها أي رد فعل. كان ينظر بصمت من النافذة.

لكن في داخله، كان يفكر في المرأة التي لا تكف راشيل عن الحديث عنها.

نعم، تلك المرأة الثرية.

بحسب كلام راتشيل، هي النقيض الكامل له. المرأة التي يُفترض أن تكون أسعد شخص في هذا اليوم.

ساشا غرايسون.

ابنة شقيق دوق غرايسون، وابنة عم للفيكونت الشاب. فتاة فقدت والديها في حادث وهي صغيرة، وربّتها جدتها كما تُربى زهرة في بيت زجاجي، تحت رعاية غريبة وشديدة.

لم تتمكن من الخروج إلى المجتمع إلا بعد وفاة جدتها. وربما كان من الأنسب وصف حياتها السابقة بـ”السجن” بدلًا من “البيت الزجاجي”.

قاطعت راتشيل أفكاره بنظرة متفحصة إلى ملابسه وقالت “بالمناسبة، هذا الزي ليس لك، صحيح؟”

نظر إليها إسحاق بصمت قبل أن يجيب “لا.”

شهقت بسخرية “يا إلهي، الأكمام قصيرة والسروال كذلك. ألا تملك بدلة لائقة؟ من أين استعرتها؟”

أجاب دون اهتمام “كانت طلبية من أخي.”

اختفت ابتسامتها الخفيفة بسرعة.

همست وقد أدارَت عينيها “آه… إدموند.”

وأضافت “كان من المفترض أن أكون في هذه العربة مع إدموند بدلًا منك، أليس كذلك؟”

تمتم إسحاق أخيرًا ببرود “…إدموند لم يكن ليقبل أبدًا السفر مع فتاة مثلك يا راتشيل ويكس.”

لأول مرة، ردّ عليها بحدة بعد أن كان يتجاهل كلامها طوال الطريق.

لكنها لم تغضب، بل ابتسمت بسخرية ورفعت حاجبها “حقًا؟ على كل حال، إدموند كان سيترك انطباعًا أفضل منك بكثير. أراهن أن الوريثة كانت ستُعجب به من أول نظرة. أما أنت… فستكون محظوظًا إن لم تسخر منك. ألا تملك بدلة واحدة محترمة؟ هل كل ما تملك من ثياب هو زيك العسكري؟”

سكت إسحاق ولم يرد.

تابعت بلهجة لاذعة “ولن تحتاج هذه الملابس كثيرًا بعد الآن، أليس كذلك؟ الفرقة الرابعة للمشاة؟ صديقتي تقول إنها مليئة بالضباط المتقاعدين أو أمثالك… أولئك الذين فقدوا فرص الترقية بسبب مشكلات مع قادتهم…”

“ويكس.”

توقف سيل كلماتها فجأة عندما سمعته ينطق اسمها الأخير ببرود حاد. رفع نظره إليها بنظرة باردة، جليدية.

أدرك أنها لم تكن تفعل أكثر من تفريغ غضبها عليه. إحراج السفر مع قريب لا تحبه، انزعاجها من الموقف، وربما حتى زلة لسانها حين ذكرت اسم شخص لم يكن من المفترض أن تذكره… وكل ذلك صبّته على رأس إسحاق.

قال ببرود “راتشيل ويكس.”

لم تجبه، بل رمقته بنظرة متحدية.

ساد صمت طويل بينهما، كل منهما يحدق في الآخر.

ثم تحرّك إسحاق أولًا.

نادَى السائق من نافذة العربة، فتوقفت وسط الطريق الموحل.

ثم دفع الباب بقوة وخرج.

“إسحاق!” صرخت راتشيل خلفه بدهشة وهي تراه يغادر العربة.

“هل جننت يا إسحاق فينشر؟!”

لم يلتفت إليها. تقدم في المطر الغزير، حتى اختفت قامته في الضباب والوحل.

تجمدت راتشيل في مكانها، تغلي غيظًا.

“ذلك الأحمق. حتى لو وصل سيرًا إلى القصر، بدون بطاقة الدعوة هو–”

صمتت فجأة، وبدأ الشحوب يتسلل إلى وجهها.

…تبًا.

“إسحاق! عد! أعد لي بطاقة الدعوة!”

المطر لم يتوقف.

بالنسبة لإسحاق، البلل لم يكن أمرًا جديدًا عليه. فقد كان جنديًا متمرّسًا، عايش ظروفًا أسوأ بكثير من هذا.

كان قصر ديلتون ينتصب فوق التل أمامه. مال عن الطريق الموحل وسلك ممرًا جانبيًا تحفه شجيرات كثيفة متشابكة.

وبينما كان يمشي، لمح عدة عربات تعود أدراجها بعدما أنزلت ركابها.

أما عربة راتشيل فلم تكن في أي مكان. لا بد أنها ما زالت تنتظر هناك، تظن أنه سيتراجع ويعود أدراجه.

“ما هذا الهراء؟ أحدهم وصل مشيًا؟”

لكن إسحاق كان عازمًا على الوصول إلى القصر سيرًا على الأقدام.

وبعد نحو عشرين دقيقة من المشي المتواصل، كان قد ابتلّ من رأسه حتى أخمص قدميه. كانت بدلته الرديئة، التي لا تناسبه أصلًا، ملتصقة بجسده وقد غمرها المطر بالكامل.

كان يبدو في حال يرثى لها.

“…يا إلهي، من الأفضل أن نستدعي السيد جيسون.”

الخادم الذي كان يسخر قبل قليل من فكرة وصول ضيف مشيًا على الأقدام، شحب وجهه عندما رأى إسحاق بالفعل. تلعثم في كلماته ثم أسرع يعتذر، قبل أن يركض لاستدعاء مدير القصر.

ترك إسحاق وحده مع أحد الخدم الصغار، الذي رفع نظره إليه بتعبير مليء بالدهشة.

“حقًا مشيت كل هذا الطريق؟”

لم يُجِب إسحاق.

وسرعان ما وصل جيسون، مدير القصر الجديد، برفقة ذلك الخادم. اتسعت عيناه هو الآخر من المفاجأة حين رأى حال إسحاق، لكنه سرعان ما تمالك نفسه وأشار له بالدخول.

كانت الأرض اللامعة التي جرى تنظيفها بعناية استعدادًا للحفلة تتلطخ بالطين مع كل خطوة يخطوها إسحاق.

“عذرًا، سيدي، أحتاج أن أرى بطاقة الدعوة.”

قالها المدير بلطف وحذر، فأخرج إسحاق الدعوة المبتلة من جيبه دون أن ينطق بكلمة.

تفحّص جيسون الورقة المبللة بعناية، بينما همس الخادم بجواره بقلق “سيدي هولتون…”

تبادل الرجلان نظرات ذات مغزى.

“هل هناك مشكلة في الدعوة؟”

سأل إسحاق بصوت منخفض بينما يظللهم بظل قامته الطويلة.

ارتبك الخادم تحت وقع ذلك الصوت، وهز رأسه بسرعة بالنفي.

نظر إلى المدير بنظرة توسل واضحة.

كان يجب أن تسير هذه الحفلة بسلاسة. لقد بذلت سيدتهم جهدًا مضنيًا لتحضير هذا الحدث؛ شهران كاملان من الاستعدادات.

قال جيسون أخيرًا بابتسامة مصطنعة مليئة بالمجاملة الاجتماعية “الدعوة سليمة يا سيدي، لكن…”

ثم تردد لحظة قبل أن يكمل “لكن في حالتك الحالية… دخول قاعة الحفل سيكون… صعبًا.”

نظر إسحاق إلى نفسه.

لم يكن مبتلًا فقط، بل بعدما اجتاز الشجيرات الكثيفة، كان نصف جسده مغطى بالطين.

“لذا… إن سمحت لنا بأن نوفر لك ملابس نظيفة…”

“آه.”

فتح إسحاق فمه فجأة، وكأنه أدرك الأمر لتوه، قاطعًا حديث المدير.

“…يعني لا يمكنني الدخول هكذا؟”

كان صوته منخفضًا وخشنًا، أقرب إلى الخدش. قال كلماته بابتسامة صغيرة.

وكانت تلك ابتسامة حقيقية. لم يستطع أن يمنع نفسه من الضحك، ضحكة ساخرة خرجت صافية من شفتيه. لكن عندما يضحك رجل يحمل ملامح قاتمة بهذا الشكل، لا يمكن إلا أن تبعث القشعريرة في النفوس. الخادم الصغير شحب وجهه أكثر، متشبثًا بكمّ المدير.

لا. تحت أي ظرف، لا يجب أن يدخل هذا الرجل.

“جيسون!”

وفي تلك اللحظة، انفتحت أبواب القاعة البعيدة، وظهرت امرأة ذات حضور قوي وهي تطل برأسها.

“أحضروا المزيد من المناشف الجافة! وبعض الحوامل الإضافية للمظلات—أوه؟ من هذا؟”

قبل أن يتمكن المدير من شرح الموقف، خرجت المرأة واقتربت بخطى ثابتة. كانت شابة، ذات شعر أشقر يميل إلى العسلي، مرفوع بعناية، وفستان فاخر مفصّل بإتقان.

اقتربت، فمال المدير إليها ليهمس بشرح الموقف.

آه… إذن هي.

عرفها إسحاق على الفور؛ ساشا غرايسون. الوريثة الثرية التي لم تتوقف راشيل عن الثرثرة عنها طوال الطريق.

“أوه… إذًا لهذا السبب تركتموه واقفًا هنا؟”

حتى قبل أن ينهي المدير شرحه، قطّبت حاجبيها ونظرت إليه بنظرة تأنيب.

“كان عليكم فورًا أن تطلبوا من أحد الخدم أن يصطحبه إلى غرفة. ماذا تفعلون؟”

“لا يا سيدتي، كنت على وشك أن أفعل—”

“…أعتقد أن حضور الحفل بهذا الشكل سيكون صعبًا.”

قاطع إسحاق كلامهما، وكأنه يعترف بالحقيقة التي كانا يحاولان التحايل عليها.

لكنها التفتت إليه بوجه حازم وقالت “لا يا سيدي.”

ثم تابعت بنبرة ثابتة “أعتذر عن تصرف الخدم. خاصة المدير… لقد تولى منصبه حديثًا وما زال يفتقر إلى الخبرة. سنجهّز لك غرفة فورًا. وسنوفر لك ملابس نظيفة.”

…تبًا.

هذا لم يكن ما كان يفترض أن يحدث.

…لكنه بالطبع لم يستطع قول ذلك صراحة. سمعته الاجتماعية كانت سيئة بما فيه الكفاية، لكنه لا يزال يملك الحد الأدنى من اللباقة كي لا يتفوه بمثل هذا الكلام أمام الناس.

“جيسون، ماذا تنتظر؟ استدعِ أحدهم فورًا!”

وبعد لحظات، وصل اثنان من الخدم.

وقبل أن يتحرّك إسحاق ليتبعهم، فُوجئ بيد صغيرة ترفع نحوه منديلًا.

كانت الآنسة غرايسون واقفة أمامه، تبتسم بلطف، تحمل في تلك الابتسامة مزيجًا غريبًا من المجاملة والمرح الخفيف.

قالت له بهدوء “شكرًا لقدومك في هذا الطقس… سيد فنشر.”

حدق إسحاق في شفتيها وهي تنطق اسمه.

ثم، كمن لمح شيئًا مزعجًا، أدار وجهه عنها بسرعة.

لكن الآنسة غرايسون لم تُظهر أي انزعاج من ذلك. سواء رد عليها أم لا، كانت تكتفي بمراقبته وهو يبتعد.

ثم، كمن يهمس بكلمات تشجيع خافتة، أضافت

“سأكون في انتظارك بالداخل. خذ وقتك في الاستعداد.”

سواء أجابها أو تجاهلها.

“يجب أن تحضر الحفل.”

قالتها مجددًا.

“…أجل. لا بد أن تحضر.”

الجديد

Comments

✨ selya ✨

✨ selya ✨

ممكن تقرئي رواياتي هذه اول روايه اكتبها بليززززززززززززز رئيك 🙏

2025-06-12

2

✨ selya ✨

✨ selya ✨

حبيت ❤️

2025-06-12

1

الكل
مختارات
مختارات

1تم تحديث

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon