همسات النائمين
في غضون الساعة الثالثة إلا ربع مساءا ، في قسم العناية المركزة ، وقفت سكار (سكارليت) بجانب النافذة تحمل في يدها فنجان قهوتها المعتادة ، ترمي نظرات خاطفة بين المجال الباهت خارج النافذة و المصباح المعلق في طرف الغرفة ، الذي اكتسى الغبار جوانبه
لا شيء يسمع سوى صوت الأجهزة نصدر نبضاتها المنتظمة و كأنها تعم بالحياة بدل أجساد المرضى الهامدة
كانت يدا سكار مرتجفتين ، عيناها مجهدتان ، و ذهنها ينهشه الارق منذ أسابيع ، أدارت رأسها نحو السرير رقم 5 ... المريض المستلقي على الفراش رجل خمسيني ، بلا هوية معروفة حاليا ، كان في غيبوبة منذ اكثر من شهر ، حالته مستقرة لكن سكار لم تكن مرتاحة لتواجدها حوله ، كأنه يبعث على مؤشر غير طبيعي في المكان بجانبه
خطت بضع خطوات نحو السرير ، راقبت الاجهزة الكثيرة المتموقعة بجانب المريض ، التي تراقب مؤشرلته الحيوية ، فإذا بها تسمع همسا خافتا : "لا تدعيهم يعرفون ، سكار"
تجمدت في مكانها ، كانت الهمسة خشنة ، من فم نصف مفتوح ، لم تتحرك شفاه الرجل ، لكن ليس في الإمكان أن يكون لذلك الصوت. مصدر آخر غيره
أخذت خطوة مرتعشة للوراء و راقبت الشاشة التي تظهر أن نشاط الدماغ كان صفريا
بدأت دقات قلبها تتسارع ، عادت للأمام علها كانت تتوهم ماسمعته بسبب الجهد المبذول
"تحت الأرض ... الباب الأحمر "
هذه المرة دوت الهمسة في أذنها بصوت عال
خرجت من الغرفة مسرعة نحو غرفة المراقبة ، بمجرد فتح الباب و جهت الكلام لكريس (الشخص المسؤول عن غرفة المراقبة ) :" كريس ! قم بتفقد التسجيل الصوتي للغرفة 3 في الجناح C "
"هدئي من روعك يا سكارليت ... لكن لماذا تريدين سماع التسجيل ؟"
- "انا كنت ... لا يهم ، فقط أرني التسجيل"
تردت كلمات المريض في أذنيها " لا تدعيهم يعرفون ..." مما جعل خوفها يتفاقم ، و أجبرها على كتم السبب الحقيقي للزيارة
-"حسنا ، كما تريدين يا سكار .. تعالي إلى هنا "
قامت بالإقتراب و شاهدت تسجيل الغرفة ، لكن لا همسة و لا صوت يصدر بإستثناء الضجيج المستمر من الآلات و صوت تحريكها لكوب القهرة
-"أمتأكدة انك بخير يا سكارليت ، ربما يجدر بك اخذ المزيد من فترات الراحة ، أصبح إهتمامك بهذا المريض يسبب إهمالك لنفسك"
رغم ان ما قاله كريس صحيح ، إلا ان سكار انكرت و هزت رأسها بالنفي
- "لا اعتقد ذلك ، أنا بأفضل حالة ، على اي حال يشدر بي العودة للغرفة ، وإلا من سيراقب المريض"
في طريق خروجها و سيرها في الردهة ، أصبح ذهنها فارغا ، لا فكرة موجودة غير عدة مخاوف و هواجيس تتنقل في ذهنها ... أيعقل أنني حقا أهلوس ؟ لا مستحيل ، بدا الامر حقيقيا ... اكثر من اللازم ، لو كانت هواجيس كنت لأشعر بذلك ، الإحساس لا يأتي عبثا ، لكن ماذا لو كنت أهلوس حقا ؟
عادت لغرفة المريض رقم 5 ، جلست على كرسي خشبي مقابل للمريض ، قامت بتأمله ، و تلقي بين الحين و الآخر نظرات نحو الأجهزة الحديثة
كان كل تفكيرها منتصبا على كلام المريض ، لم يكن جديدا او نادرا ان ينطق الناس أثناء الغيبوبة ، لكن نظرا لأن جهاز مراقبة الدماغ يشير إلى ان النشاط كان صفريا ، جعل للأمر جانبا غامضا و محيرا
استجمعت سكار شجاعتها و اقتربت من السرير ، همست بصوت يكاد يكون مسموعا عن قرب
-"من أنت ؟ و كيف تعرف إسمي ايضا ؟
لم تتلقى جوابا فعادت للمقعد خائبة الضن ، لكن لنكن في جانب المنطقة ، كان على سكار حقا الراحة و الإسترخاء ، لربما كان الصوت مجرد هلوسات لكن من يدري حقا ؟...
Comments