بدأ نادر فكرته بالحديث مع جيرانه وسؤالهم عن أسماء اى منتجين أو مزارعين يريدون بيع منتجاتهم ليشتريها منهم ويتاجر بها ، ودله الجيران على عجوز طيب اسمه رشيد و زوجته ناديا يدير هو وأسرته مزرعة وبها الكثير من المحاصيل عاليه الجوده و البيض و منتجات الألبان .
بخطى واثقه -أو هكذا ظن- تقدم نادر نحو العجوز رشيد داخل مزرعته ،الذى كان يحمل شوال بطاطس وكأنه رافعه بناء متخفيه فى جسد إنسان!
-"سيدى العزيز! صباح الخير! ،لدى فكره ستجعلنا مليونيرات! " ،بدأ نادر بحماس.
رفع العجوز حاجبه الأيسر فقط
-"هل ستخترع آله تحول البطاطس إلى ذهب؟ لأن هذا هو الشئ الوحيد الذى سيجعلنى أثق بك!"
-"أفضل من ذلك! سأفتح المتجر المهجور وابيع منتجاتك... لكننى سأحتاج بعض البطاطس ،و اشياء اخرى كـ... إعانة مؤقته!" ،قال نادر ببراءة.
-"إعانه؟! أنت تقصد 'سرقه فى وضح النهار' ولكن بصيغه قانونيه!" ، ضحك العجوز حتى سعل، ثم أضاف
-"حسنا أيها الشاب فالنرى ما لديك... لكن بشرط ان تدفع لى بجسدك"
-"ب...بجسدى؟!!"
-"تعمل معى فى المزرعه ،تحصد ،تزرع ،تنظف روث البقر... وبعدها ربما -فقط ربما - أعطيك ما تريد!"
وهكذا بدأت حياه نادر الجديده: مزارعٌ نهاراً، تجهيز وتأثيث المتجر ليلا كتاجر مبتدئ ، وفأر تجارب لكل كتب 'اصنعها بنفسك' التى أخذها من عند جده!
فى صباح اليوم الأول، اكتشف أن 'حرث الأرض' ليس مجرد رسم خطوط جميله بالتراب، بل معركه مع دوده عنيده رفضت مغادره حذائه، ومطارده تلك العنزة التى كانت تمضغ قبعته.
وفى المساء بينما كان يحاول طلاء متجره، تحول إلى لوحه فنيه بشريه بعد أن سقطت عليه العلبه بالكامل!
أما الكتب التى يقرأها للتعلم من أجل متجره فقد علمته أن:
1. صناعه الجبن أسهل نظريا من الواقع (انتهى به الأمر بجبنه تشبه الحجر الصخرى!).
2. الخياطه و الحياكه ليست للرجال -حسب زعمه- بعد أن علق إبره فى سرواله وكاد يحول نفسه إلى دميه!
3. الخَبز وصناعه الحلويات كانت ما أعاد له الأمل من جديد ،لمهارته فى الطبخ منذ صغره.
لكن رغم كل هذا، ظل العجوز رشيد يوميا يرمقه بنظرة عجوزٍ خبير وهو يقول:
-"اعجبتنى أيها الشاب ،قد احتاجك فى المزيد من العمل... لأنك الوحيد الذي يستطيع إشعال الأجواء مثلى! هياهاهاها"
فى يوم بارد منتصف فصل الصيف كان نادر يشعر بالنسيم البارد ، وارتدى معطف لكى يدفئه ،واتجه لمزرعه العجوز رشيد كالمعتاد ،لكن بنشاط اكبر، لانه اول يوم له فى حصاد البطاطس ، وسيساعد فى الحصاد من الصباح الباكر حتى الغروب .
بعد حصاد جميع محاصيل البطاطس كان نادر ينقل آخر شوال ويحمله للمخزن ، ثم وقف لدقائق يلتقط أنفاسه ويمسح عرقه بمنشفته ،و كاد أن يلتقط زجاجه المياه خاصته ويشرب إذ به يسقط زجاجه المياه من يده حين رأى شئ لامع غريب يطير عاليا جدا وبسرعه كبيره فى السماء !!
هل هذا طائر؟
أو طائره؟! لا هذا أشبه ب...شهاب!!
كان نادر متفاجئ و متعجب ،كيف أن يظهر شهاب فى مثل هذا الوقت ،وقت الغروب، و يكون بهذا الوضوح فى السماء ؟
ثم تذكر تلك اللافته التى رآها فى أول يوم أتى فيه للقريه وسأل جيرانه عنها ، ووضحو له أن قريتهم تشتهر بكثره ظهور تساقط الشهب فى سماء القريه ، وتظهر فى أوقات عشوائيه غير محدده.
يسمونها 'التساقط'
لشكلها الذى يشبه تساقط النيازك على الأرض لكنها شهب بالفعل
تلك الشهب تستمر فقط بالظهور فى سماء [قريه وادى الغيوم] لا غير.
كانت تلك المره الأولى التى يشْهد فيها هذه الظاهره.
كان مشهداً يخطف الأبصار بحق!
كان شهاب واحدا فقط ، يطير مقسم السماء بلمعان ارجوانى غير اعتيادى ، كان يشبه صاروخ العاب ناريه لكن لم يكتمل انفجاره.
أعاد نادر انتباهه لأعماله، بعد عناء طويل من تعذيب البطاطس (او حصادها لا فرق!) ، انتهى شقاءه لهذا اليوم فى المزرعه ويترجل إلى بيته.
لم تمر سوى ٢٠ دقيقه منذ رؤيه الشهاب
لكن فجأه... كرراش
صوت انفجار مدوً كأن سياره اصطدمت بجدار!
-"أهذا صوت انفجار شوال خضار فوق رأس أحد ما؟" ،تسائل وهو يركض نحو مصدر الصوت.
لكن ما وجده لم يكن أى تحطم أو انفجار
بل كان أغرب من خياله: شابٌ وسيمٌ -أو هكذا كان قبل أن تبتلعه بركه الطين- يتدحرج فى الوحل كبطاطس مأساويه!
-"هل انت بخير؟" ، سأل نادر وهو يحاول كتم ضحكه مُتيبسه.
نظر الشاب إليه كأنه مجرد حشرةٍ ثرثارة، تجاهله، ثم حاول النهوض... وانزلق مرةً أخرى كحذاء على موزة.
-"حسنا يبدو أنك تفضل الاستحمام بالطين... لكن خذ منشفة!" ،مد نادر منشفته وكأنه يقدم هديةً لملكٍ غاضب.
لكن الشاب ألقى عليها نظرةً كأنها منشفه مفخخة، ثم أخذها ببطءٍ شديد -كأنه يخشى أن تتحول إلى ثعبان!
ومازالت النظره المشكِكه العدوانية لم ترحل من على وجهه ،جعلت نادر يعتقد انه هو من كان السبب فى ما حدث للشاب الوسيم لينتهى به الحال بهذا الشكل!
Comments