تخطت روز عتبة الباب بعد خروج والديها و اتجهت نحو العربة الخلابة.
ـ ابنتي تبدين خلابة....قالت الماركيزة
ـ في الواقع لقد ارتديت ابسط ما لدي بالإضافة لاني لم اصفف شعري
ـ هذا لانك تبدين دائما جميلة عزيزتي
ـ لا يهم....
انتي الان تقولين هذا لا اتذكر ني تمعت منك كلما جميلا لي من قبل...قالت روز في نفسها.
ركب الجميع العربة و اتجهوا الى القصر الملكي...
ضلت روز تتمعن في ما وراء زجاج النافذة تنظر الى السهول الخصبة التي تحيط بمنطقة القصر الملكي و الذي هو نفس اسم العائلة المالكة.
وصلوا الى القصر و استقبلهم الملك شخصيا، لا يبدوا هذا يديها رغم كون روز الان تعتبر خطبة ولي العهد ولا مجرد نبيلة.
انه الملك آرثر فوريست شائب الليحية و اللُّحى له هالة ملكية بحق، طوله طبيعي و ازرق القزحية.
دخلوا الى القصر و قد كانت القاعة الرئيسية مجهزة بالفعل للعشاء البسيط.
القصر من الداخل بدا كمتحف عتيق، يؤلم القزحية من بريقه عند النظر اليه، لا يسعدك سوى أن تحدق بفم مفتوح على مصاريعه عند رأيته...
ـ تفضلوا بالجلوس...قال الملك.
بعد لحضة...يسمع قرع كعب عل على سلالم الطابق الثاني لتظهر شيئا فشيئا امرأة في أواخر الثلاثينات دات شعر اسود قاتم كالليالي الحالكة، خضراء المقلات بيضاء الجلد بملامح حادة و جفون مفتوح على مصاريعها كالبوم،...انها الملكة اوفيليا، يشاع انها ثعلبة، اما قصة كونها ملكة فكما انتشر في سالف هذا العصر و الزمان،...ما هو الا زواج سياسي.
قام الحاضرون لتحية الملكة اوفيليا
ـ تحياتي لقمر المملكة... قال الماركيز
أومأت الملكة رأسها بالايجاب بدون اي تعابير، و جلست في المقعد المقابل لموضع جلوس الملك و قالت:
ـ اين ارنولد؟
ـ لم يصل بعد...قال الملك
بعدها سكت قليلا ثم اردف:
ـ بدا مشغولا هذه الايام.
ـ و كيف لا يكون...قالت الملكة
بدأ الخدم في جلب الصحون و توزيعها حول المقاعد بنتضام يليق بخدم القصر الملكي، فغالبا يكونون من عائلات نبيلة.
ـ اذن يا بنت الماركيز، هل تضنين انك مناسبة للمنصب الذي ستتربعين عليه؟...قالت الملكة
لا تبدوا الغاية من السؤال تابتة، و قد تختلف المقاصد نسبة للرغبة، ربما قصدت الملكة ان تضع روز في موقف متوتر تظهر فيه ضعف بنيتها المعنوية، ام محاولة بائسة تسعى الملكة منها لتحد من آفاق روز...
و لان روز فهمت هذا قررت مجاراتها على نمطها،...لا تريد ان تدخل في صراع الفائز فيه النظام الأرستقراطي، فقالت:
ـ وجهات النظر و الضنون تختلف من شخص لآخر جلالتك، لكن في هذه الحالة، القرار لا يعود الي، بل لجلالتك، ان كنتي تضنين انني ملائمة فأنا كذلك، فكيف أجرؤ ان اقيم بدل سموك...
ـ إجابة جيدة...
قالت الملكة بعد ان لم تجد ما تضيف، فهذا جواب يرضي كبرياءها اكثر مما كانت تريد ان تضع فيه ابنة المركيز.
طغى الصمت قليلا ثم اردفت الملكة قائلة:
ـ هل يجب ان ننتظر الامير ارنولد...
ليطمس الرد قول الخادم الذي أتى مهرولا و انحنى للمجلس:
ـ سمو الامير قد وصل جلالتك
خطى ارنولد داخل الاقصر ليبرز مظهره شيئا فشيئا،...شعر اسود حالك كسواد ليالي الشتاءٍ بلا قمر، أزرق المقلات، طويل القامة بشكل طبيعي يليق برجال هذا العصر و وجه جميل بملامح حادة...
قام الضيوف او بالأحرى عائلة لوس بتحية الامير ثم عادا الى مقاعدهم،...جلس ارنولد على المقعد المقابل لروز، و لم ينطق بشيء.
***
#روز
دخل ما يزعم الآن انه خطيبي، سالما معافى على عكس تمنياتي له بالهلاك،.. و ها هو يجلس امامي كما لو اني اشتهي النظر الى وجهه الانعم من وجوه النساء، حتى ضننته واحدا منهن.
على ما يبدوا ففكرة هذه الخطوبة ليست بجحيم للنفس الى هذه الدرجة، يمكنني استغلال السلطة التى سأكسبها من خلال كوني خطيبة ولي العهد، لكن في المقابل هذا سيخلق لي رهانات كثيرة و عداوات مع سيدات ما يسمى بالمجتمع الراقي القدر، هنا الأمر يعتمد على قدرتي على الهيمنة على الدوائر الاجتماعية،...وقد اشارك في عدة استثمارات بستعمال الاسم، و عند فك الارتباط، سأغادر ماركيزية لويس الكريهة الى السهول الغربية و اعيش مع قطة و دجاجة...
اني افكر كثيرا،...لكن لامر يستحق التجربة.
\*\*\*
سيطر الصمت على المجلس بشكل غير مريح، ليكسر داك الصمت صوت الملك، يتحسس لحيته القصيرة بنظرة غير مفهومة:
ـ آنسة روز ما هو رأيك بالامير؟
لماذا نواياكم كلكم غير مفهومة،..قالت روز في نفسها.
و لتتجنب الوقوع في أي حوار طويل و الذي سيكون بمتابة استجواب لها:
ـ اني يا جلالتك اؤمن بقول الشاعرة
"لو كانت الاجسام معيار هوى
ما ضل بالكتب مشاعر شاعر
ما الجسم الا قالب نحيا به
و طال الإقامة فهو عابر. "
ـ جميل جواب غير متوقع...
تصريح صريح على انه كان يستجوبني...قالت روز في نفسها.
أضاف الملك على قوله:
ـ اذن ما هو معيارك، المبادئ و الاخلاق؟
"وقعت"...قلت روز في قلبها
ـ تسقط المبادئ و الاخلاق الحسنة عند الحاجة، و ايضا تختلف اشكل هذه القيم نسبة لزمان و المكان، لتواكب كل حضارة مع متغيراتها، اي انها غير ثابتة، لذا لا يمكن اعتبارها معيارا.
ـ اذا؟ (قالها و هو ينصت بتمعن و اهتمام)
ـ يقاس الناس نسبة لستخدامهم لادمغتهم، فما هي قيمة امرء سادج لا يصلح حتى ليكون عبدا او جارية،.. و ايضا يقاس الناس لمستوى فائدتهم و مساهمتهم.
ـ و هل تضنين ان هذا المعيار هو الذي يجب أتباعه؟...(اردف الملك بهتمام)
ـ ما هي الا وجهة نظر شخصية جلالتك ،...تختلف آراء الناس تجاه هذه المعيير، لا يوجد مقياس يقاس به البشر الا و به ثغرات، و الثغرة المشتركة بينها، انها لا يمكن ان تنصف كا امرء و تجعلهم متساوون، دائما ستضل تلك التفاوتات، و لا يمكن ان تقضي على هرم المناصب المتحيز.
ـ أجمل بما تقولين! لذيك وجهة نظر مميزة، لم اكن اعلم ان بنات النبلاء يهتمون بالمواضيع التي تمس المجتمع.
"اجل انهم كذلك لا يهتمون بها، فمن الاحمق الذي يعيش في الجنان سيهتم و يحاول الشعور بالمآسي، سيترك القصور و المزهرة و ينظر الى الأزقة المتهالكة و الاكواخ التي تبدوا كعرائن عفاريت، لا يوجد احمق سيفعل،...لطالما آمنت اني مجنونة"...فكرت روز في نفسها
و قبل أن تجيب الملك، إلتف الحظور الى الامير الذي نطق فجأة بعد سكوته الطويل:
ـ من كلامك استنتج انك تقولين انه لا قيمة المبادئ و الاخلاق و لا تؤمنين انها مهمة في حياة إنسيٍّ، هل تقولين اننا يجب أن نتخلى عن القيم التي تمنعنا من الطغيان و الخطيئة؟...(قال بصوت عميق يخترق الالباب)
ـ سموك هل هذه القيم حقيقية على اي حال؟ نحن لا نولد بحس العدالة و المساوات و انما نصقل عليها، الاشياء الحقيقة هي تلك الفطرية فينا، بالإضافة إلى ذلك ليست تلك القيم هي التي تمنعنا من الخطيئة، لو لم تكن ستقضي باقي حياتك وراء القطبان ان سرقت لرأيت الكل يسرق، ولو لا انك ستعدم ان قتلت، لارأيت الناس يتهافتون على لحم البشر، طبعا لكل حالة استثناء لكن المصالح طاغية،...ببساطة الخوف هو الذي يمنعنا من فعل الشنائع،..و على ذلك كيف كنت ستعرف أن السرقة خطيئة لو لم يخبروك ذلك منذ نعومة اضافرك، و هل هي خطيئة اصلا، ام هي مجرد وجهة نظر سليمة ساعدت في تنظيم المجتمع؟ بالإضافة لاني لم اقل انها غير مهمة، لكنها ليست معيارا سليما، الان أحوال القلوب متقلبة.
"لقد تحمست اكثر من الازم"...فكرت روز في قلبها
و قبل أن ينطق احد مرة أخرى، كسرت الملكة جو الحوارات هذا قائل بطوت ناعم و بشاشة مصطنعة:
ـ اضن انه يجب علينا ان نأكل...
تكره نساء المجتمع الراقي ان يكن مطرودات من حوار ما، لذا يحولن إعادة مجرى الحديث إلى ما يستطعن البروز فيه، و هذا ما فعلت الملكة.
ستحضى روز لمحاضرة طويلة عريضة بعد كلامها هذا ، لانها في نظر الماركيزة تركت انطباعا عن كونها بدون اخلاق و لا تحترم القيم و كدا، ربما هكذا ستفهم ان نضرت للحوار بسطحية ، لا تتوقع روز ان تفهم طريقتها بل لا تتوقع شيئا بالأحرى.
بعد الانتهاء من الوليمة التي بدت تليق بالعائلة الملكية من فخامتها المبالغة، بهذف اظهار امكانيات العائلة المالكة،...ولا شك انه من فعل الملكة...
قال الملك:
ـ سيتم الاعلان عن الخطوبة في الحفل الراقص الخريفي.
"تبا لا رجعة"..فكرت روز
اردف الملك:
ـ و لانه لم يعد يفصلنا عن الحفل سوى بضعة أسابيع، ستبدأ التجهيزات قريبا.
ـ يسعدني ان اشارك في المساعدة لتجهيز للحفل جلالتك...قال المركيز
اومأ الملك رأسه بالايجاب عن ما قيل.
حفل الرقص الخريفي هو حدث يقام في القصر الامبراطوري في ثاني يوم من ايام الايام الأربعة لمهرجان الخريف الذي يحتفل به في العاصمة،... تزين الأزقة، و تعتمر بالناس و الباعة، بينما تعلوا الضحكات...اما في الزاوية المظلمة يتكدس الحاشية، لا سائل و لا مكثرت، ترقع المدينة بطابع الزهاء، بينما الواقع ينغر الالباب و يعفنها.
ـ انه ظهورك الأول في العالم الاجتماعي، و ستقدمين كخطيبة ولي العهد، اتمنى ان تتركي طابعا يليق بمكانتك...قالت الملكة بأسلوب فض
ـ لا تقلقي جلالتك...قالت الماركيزة بتودد و تملق مقرف
استمرت الاحاديث القيل و القال تعمر فضاء المجمع بينما غرق كلا من ارنولد و روز في اعماقهما و كأنها ينتضران فقط وقت مغادرت هذا الوسط الذي يملأه النفاق.
انتهت المأدبة و غادر المركيز القصر، و مع و صولهم الى القصر اسرعت روز و هي تهرول الى غرفتها لتغير ملابسها الى منامة مريحة و ترتمي على السرير، لتغط في نوم عميق تتمنى ان لا تستيقظ منه...
***
تخترق أشعة الشمس الذهبية الزجاج الشفاف لتترقع بعشوائية على أركان الغرفة، ترتفع الجفون المرصعة برموش سوداء قاتمة لتظهر مقلتاه الزرقاوتان تتضارب فيهما امواج العدمية، لا هذا ولا ذاك...لا شيء.
تلتف عقارب الزمن بالعكس ليعود بأزرق المقلات شريط الى الماضي، حيث تخبطت اصواتٌ في بعضها في غرفة لا يظهر فيها سوى بصيص نور يكاد لا يرى، مهما لاحقته فقط ستتوسع الفجوة بينكما، و مع هذه الاصوات مجهولة المصدر، يفقد المرء حواسه يتلاشى اتصاله بالواقع، فيصبح غارقا في دوامة من المجهول تقود العقل الى الجنون،...
و وسط هذه الظلمة القاتمة يتربع فتى من حجمه لم يرى من الحياة شيء، معانقا جسمه الصغير النحيف، ماسكا رأسه من هول الاصوات المتخبطة موجاتها في بعضها حتى تفجير طبل الاذن، ...تخترق الحاسة حتى الصم،...
غرفة كجحيم للاحياء...
الا يبدا هذا الطفل مألوفا، شعر اسود ، عينان زرقاوتان، شاحب الوجه،...
ارنولد دي فوريست.
***
«لقد بلغ عدد ضحايا الاختفاء الحد الاقصى الذي يمكننا تجاهله»
«يبدوا انه يجب ان اتعامل معها بنفسي »
«هرجة مهرجان الخريف ستكون الحدث المناب لممارسة الاختطافات بأرياحية، و لم يعد يفصلنا عنه سوى بضعة ايام، نظرا الفوضى سيتلاشى حذر الجاني و يسهل امساكه، انه الوقت المناسب للتحرك.»
«سنبدأ في اول ايام المهرجان، يمكنك المغادرة»
يغلق مساعد ولي العهد الباب خلفه لتغرق الغرفة في السكون، لا حركة سوى حركة اعين ارنولد التي تتفحص السجلات...
.....
قبل شهر من الان بدأت تظهر عدة اختفائات المرج انها حالة اختطاف في الأماكن المهملة التي يعيش بها حاشية الناس، قد كان العدد في البداية لا يقبل التحقيق فيه، لكن نظرا لتمادي الجاني لم يعد هناك مجال لتجاهل القضية، و ان تطورت اكثر فقد تبدأ المساس بالطبقة البرجوازية و هذا سيبسبب اطرابا كبيرا في المملكة...
Comments