الفصل الثاني

في الليلة التي تلت ذلك اللقاء، استيقظت ليلى على صوت انفجار بعيد. لم يكن في منطقتها، لكنها شعرت به في قلبها. شيء ما أخبرها أن هذا الانفجار ليس مجرد حادث... بل رسالة.

في اليوم التالي، لم يأتِ.

مرّ يوم، اثنان، أسبوع كامل. الزهرة الحمراء لم تظهر، ودفتر ملاحظاتها ظل فارغًا.

ثم، عند منتصف الليل، طرقت باب شقتها طرقة واحدة، هادئة... دقيقة... كما في الأفلام.

فتحت بحذر. لا أحد.

إلا صندوق صغير، أسود.

في داخله، مسدس. غير محشو.

وبطاقة. كُتب عليها:

"إذا طرق بابك أحدهم وسأل عني، قولي أنكِ لا تعرفين رقم ١٧."

ما هو رقم ١٧؟ ولماذا شعرت وكأنها تمسك قطعة من قلبه داخل هذا الصندوق؟

في اليوم الثالث، ظهر رجلان ببدلات رمادية ونظرات ميتة.

"نبحث عن شخص يرتاد هذا المكان كثيرًا. قد يستخدم أسماء متعددة. هل تعرفين أحدًا يُدعى نزار؟ يوسف؟ أو رقم ١٧؟"

تجمدت ليلى.

تذكرت كل لحظة معه. كلماته التي كان يُخفيها داخل الصمت.

لكنها ردّت، بنبرة ثابتة:

"لا أعرف أحدًا... ولا أبيع أرقامًا."

غادرا دون كلمة.

تنهّدت. لكن قبل أن تغلق الباب، سمعت صوتًا مألوفًا من خلف الجدار، صوتًا لم تسمعه إلا مرتين:

"شكراً... لأنك اخترتيني."

استدارت، لم تره. لكن قلبها خفق كما لو عانق ظلًا.

في شقة مظلمة لا تُطل على شيء، جلس "الظل" — أو كما كانوا يسمّونه في الوثائق السرية: الملف ١٧.

كان يشاهد كاميرات مراقبة مرتبطة بمكان واحد فقط: عربة الزهور.

لم يكن يراقبها بدافع الهوس... بل بدافع النجاة.

فكل مرة تظهر فيها، يتأكد أنه ما زال إنسانًا.

لكن الأمور لم تعد كما كانت.

رقم ١٧ هو اسم ملفه الأخير، والأخطر.

كان يحتوي على قائمة بأسماء من خانوه... وأسماء من عرفوا أكثر مما ينبغي.

وكان اسم ليلى قد كُتب فيه — فقط لأنها أحبّته.

كان عليه أن يختار:

أن يحذف اسمها... أو يختفي إلى الأبد.

في اليوم التالي، وجدت ليلى عند عربتها ظرفًا صغيرًا.

في داخله صورة قديمة لرجل شاب، مغطى بالدماء، يجثو على ركبتيه في أرض حرب، عيونه مغمضة وكأنه يدعو، وسطر واحد أسفل الصورة:

"أنا لم أبدأ الحرب... لكني أنهيتها."

في المساء، وجدت رسالة على بابها، مكتوبة بخط يده:

"إذا لم أعد، فتذكّري: كنتُ رجلًا سيئًا... حتى اخترتِ أنتِ أن تريني جيدًا. وهذا أكثر من أيّ غفران."

مرت أيام. ثم أسابيع.

لم يظهر. لا وردة. لا ظل.

ظنّت أنها فقدته. وأن الحب الذي نشأ في الهوامش، مات قبل أن يُكتب.

لكنها كانت مخطئة.

كان الجو خريفيًا، والريح تحمل معها روائح غريبة: غبار، دخان، وشيء يشبه الوداع.

ليلى جلست على مقعدها قرب عربة الزهور، كعادتها، لكن قلبها لم يكن هناك.

هو لم يعد.

ولم يعد أحد يستطيع أن يملأ الفراغ الذي تركه خلفه… حتى هي.

وفي ظهيرة لا تشبه أي ظهيرة قبلها، توقّف رجل عند عربتها. رجل عادي، ببنطال رمادي، وسترة جلدية، يحمل كتابًا بين يديه.

قال دون أن يرفع رأسه:

"هل ما زالت الزهور تتذكّر من حملها؟"

نظرت إليه جيدًا.

الصوت... تعرفه.

العين... تعرفها أكثر من نفسها.

"أنت..."

قالتها ويداها ترتجفان.

هو كان مختلفًا. حلق لحيته. غيّر ملامحه. كأنّه خلق حياة جديدة.

ابتسم بلطف حزين:

"نعم. لم أمت. فقط مسحتُ ماضيّ بما يكفي كي أستحقك."

سألته بصوت شبه مكسور:

"وهل يمكن لماضٍ مثل ماضيك أن يُمحى؟"

أجابها وهو يمدّ يده نحو وردة حمراء:

"لا. لكنه يمكن أن يُعاد كتابته… إن كتبتِه معي."

مدت يدها، وأعطته الوردة. ثم قالت بابتسامة:

"لكن هذه المرة… لا تتركني في الهامش."

ردّ بنبرة هادئة:

"أنتِ... الصفحة الأولى."

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon