...•...
...كانت الساعة تشير إلى السابعة صباحًا حين فتحت عينيها، ...
...لكن النور لم يزعجها — لأنه لم يكن هناك نور اساسًا....
...في تلك الغرفة الصغيرة، ذات الجدران المطلية بلون رمادي باهت، ...
...بدى كل شيء ساكنًا، كأن الزمن نفسه قد قرر أن يأخذ استراحة....
...سورا، بعيونها الخضراء الحادة، نظرت إلى السقف كما لو كانت تتحداه أن ينهار فوقها....
...ثم زفرت......
...الزفرة ذاتها، التي اعتادت إخراجها كل صباح، كأنها توقيع صامت على بداية يوم جديد لا تريده....
...على السرير المجاور، كانت إيلا تغطّ في نوم عميق، صوت تنفسها خافت، كأنها تنتمي لعالم آخر....
...سورا لم تحسدها على نومها، بل على قدرتها أن تصدّق أن هذا العالم يستحق الاستمرار به....
...**...
...في الخارج، كان الطريق المؤدي إلى الجامعة مزدحمًا بالعابرين،...
...وجوه متشابهة، تعابير محفوظة....
...ارتدت سترتها البنية الخفيفة، وشدّت حقيبتها على كتفها، ثم مشت بخطى ثابتة ...
...— ليست بطيئة، ولا متسرعة، لكنها كأنها تبحث عن شيء ما....
...السماء كانت رمادية رغم سطوع الشمس، و كان بداخل سورا شعور يُشبه الطقس تمامًا....
..."لو كان هذا حلمًا، لتمنيت ألا أستيقظ"،...
...تمتمت لنفسها بابتسامة صغيرة، ساخرة، ...
...وهي تزيح خصلة من شعرها البني عن وجهها....
...**...
...في الكلية، لم يكن اليوم مختلفًا عن سابقيه....
...المحاضرات، الأصوات، الضحك المزيّف، الوجوه التي تُدير ظهرها حالما تمرّ، والأسئلة التي لا أحد يجيب عنها بصدق....
...لكن شيئًا ما كسر الرتابة....
...في طريقها بين المبنيين، بينما كانت غارقة في أفكارها، اصطدمت بشخص....
...حركة سريعة، كتفان تلامسا، صمت قصير....
...نظرت نحوه بسرعة، رأته — لكن ملامحه لم تثبت في ذاكرتها....
...شاب أطول منها قليلًا، بشرته ناصعة، شعره بني يميل للذهبي، وعيناه... لحظة واحدة فقط، لمحة من الأزرق، ثم ...
...اختفى بين الزحام دون كلمة....
...هي أيضًا لم تقل شيئًا، فقط أكملت طريقها، كأن شيئًا لم يحدث....
...لكن قلبها ارتجف....
...ليس لأنها خجلت، بل لأن ذلك الشعور عاد — شعور أن العالم هشّ، ...
...وأن هناك شيئًا، أو شخصًا، يختبئ بين تفاصيله....
...**...
...في تلك الليلة، عادت مبكرًا. ...
...إيلا (صديقة سورا) كانت مشغولة في مكالمة، تضحك بصوت عالٍ، وسورا دخلت غرفتها، أغلقت الباب، وأسندت رأسها للحائط....
...هناك صوت خافت بداخلها، لم يعد صامتًا كما كان....
..."أنتِ لا تنتمين إلى هنا."...
...**...
...نامت دون أن تدرك....
...**...
......ثم بدأت ترى الحلم....
...ضباب....
...موسيقى لا تُشبه شيئًا سمعته من قبل، كأنها نبض قلب يتحول إلى لحن....
...ثم ظهر — نفس الشاب....
...لكنه لم يكن كما رأته في الجامعة، بل أكثر... ضوءًا، أكثر وضوحًا....
...وجهه بدا كأن أحدهم رسمه من نغمة بيانو حزينة....
...اقترب....
...وعيناه الزرقاوان نظرتا إليها، نظرة لا يقدر أحد أن يفسرها....
...لكن قبل أن يتكلم، حدث ما يحدث دائمًا....
...مات....
...نفس الطريقة....
...صرخة، ضوء، دم، ظلام....
...وسورا... استيقظت....
...لكن هذه المرة، لم تكن مرتعبة....
...بل كانت غاضبة....
..."أنا لا أريد أن أستيقظ بعد الآن."...
...~الهاربون من النور...
...في الصباح، لم تفتح سورا عينيها فورًا....
...ظلت مستلقية، تتظاهر بأنها ما زالت نائمة، كأنها تعاقب الواقع على إعادتها إليه....
...كان الدفء في السرير يشبه الحلم... لكن البرودة في صدرها أخبرتها بالحقيقة:...
...لقد استيقظت....
..."حلم آخر... نفس النهاية، نفس الوجه، نفس الموت." ~...
...وضعت يدها على جبهتها، محاولة أن تتذكر كل تفصيل في الحلم....
...الضوء، الصوت، نظراته....
..."من أنت بحق الجحيم؟" ~...
...قالتها بصوت خافت، ثم جلست، تتأمل الفراغ أمامها....
...**...
...في المطبخ، إيلا كانت تُحضّر القهوة بوجه مليء بالحياة....
...فتاة طويلة، شقراء، مرحة بشكل يثير الأعصاب في بعض الأيام....
...لكنها كانت صديقة وفية، وإن لم تفهم عالم سورا المقلوب....
..."أوه صباحك قهوة وحلم منتهي؟"...
...قالت وهي تضحك....
..."صباحي... كئيب كالمعتاد."...
...سورا جلست على الطاولة، تضع ذقنها على كفها....
..."ليلة أخرى من الصراخ والغموض؟"...
..."نفسه... الشاب... يموت مجددًا."...
...نظرت نحو فنجان القهوة، ثم تمتمت: ...
..."وكأن قلبي يُدفن معه كل مرة."...
...إيلا توقفت عن المزاح، وبدت عليها الجدية....
..."هل تعتقدين أن هذا له معنى؟ تكرار الحلم، نفس الشخص؟"...
...سورا أطلقت ضحكة صغيرة، ساخرة....
..."الحلم؟ هذا الواقع يا إيلا... العالم اللي نعيش فيه هو الحلم الحقيقي."...
...**...
...في الجهة الأخرى من المدينة،...
...في بيت قديم بحديقة مهملة، استيقظ آزار....
...عيناه الزرقاوان ثبتتا على سقف متهالك،...
...وصوته كان أجشًا حين تمتم:...
..."..نفسها مجددًا." ~...
...قام من السرير كأن جسده أثقل مما ينبغي،...
...وغسل وجهه بماء بارد أيقظه أكثر مما أراد....
...**...
...الجدة كانت في المطبخ، تقطع التفاح ببطء....
..."نهضت باكرًا اليوم."...
...قالت بنبرة حيادية....
..."لم أنم أصلًا."...
...رد بهدوء، ثم جلس على الكرسي المقابل....
...كانت الجدة صامتة أغلب الوقت، لكن ملامحها لم تكن خالية من الحنان....
...عرفت منذ زمن أن حفيدها يحمل شيئًا لا يُقال، فتركت له الصمت....
..."حلمت بها مرة أخرى؟"...
...هزّ رأسه، نظر إلى النافذة....
..."كل ليلة، نفس النظرة... ثم أختفي." ~...
...**...
...آزار لم يكن يحب الجامعة، رغم أنه يذهب إليها بانتظام....
...كان ذكيًا، ملاحظًا، لكنه لا يشارك كثيرًا....
...الأساتذة يصفونه بالهادئ، وزملاؤه لا يذكرونه إلا إذا احتاجوا شيئًا....
...في ذلك اليوم، لم يكن مختلفًا....
...جلس في الحديقة الصغيرة الخلفية للحرم، يراقب الأشجار،...
...ويفكر في تلك النظرة الخضراء التي تطارده حتى وهو مستيقظ....
...**...
...في الجهة الأخرى من المبنى،...
...كانت سورا تمشي نحو مكتبة القسم....
...في يدها دفتر، وفي عينيها ضجر لا يُخفى....
...توقفت لحظة، تنظر إلى انعكاسها في الزجاج....
..."هذا ليس وجهي... ليس تمامًا." ~...
...ثم تابعت السير....
...**...
...في الطريق، توقفت فجأة....
...رأته....
...هو....
...يمشي وحده، يحمل كتابًا، عيناه شاردتان....
...لم ينظر نحوها، لم يشعر بها....
...لكن قلبها فعل....
..."أنت حقيقي...؟" ~...
...لم تقترب....
...لم تنادِه....
...لم تبتسم حتى....
...فقط أدارت ظهرها، ومشت كأن شيئًا لم يكن....
...لكن في أعماقها، كان الحلم يتمدد، يبتلع الحدود بين الواقع واللاواقع....
...**...
...وفي تلك الليلة،...
...حين أغمضت عينيها......
...كان ينتظرها هناك....
...لكن هذه المرة، لم يكن وجهه حزينًا....
...كان غاضبًا....
...~ نصف وجه في المرايا...
...كان الليل يمسك بأنفاسه، كأن السماء تخشى أن تُحدث ضجة توقظ الحالمين....
...وحين أغمضت سورا عينيها، لم تنتقل تدريجيًا إلى الحلم كعادتها......
...بل سقطت فيه....
...السقوط لم يكن مؤلمًا، بل هادئًا، كما لو أن الهواء ذاته يتعاطف معها....
...ثم فتحت عينيها على غابة رمادية، لا شجر فيها ولا طيور، فقط ضباب يتحرك وكأنه حيّ....
...وهناك، بين الضباب، كان هو....
...آزار، واقفًا بصمت، مرتديًا قميصًا أسود طويل الأكمام، عيناه الزرقاوان تلمعان كأنهما تحاولان تذكّر شيء ما....
...سارت نحوه بخطى مترددة،...
..."أنت هنا مجددًا؟"...
...نظر إليها، ببرود لا يخلو من الحزن....
..."لا أعرف إن كنتِ أنتِ من تأتي، أم أنا من لا يرحل." ~...
...سكتت، ثم تمتمت:...
..."لماذا تموت كل مرة؟"...
...أجاب دون أن يرمش:...
..."لأنني لم أتعلم كيف أعيش هنا بعد." ~...
...**...
...في اليوم التالي، كانت في القاعة المزدحمة....
...لم تكن تنوي ملاحظة أحد، لكن الحديث من الفتيات خلفها جرّها....
..."آزار جلس في المقدمة اليوم! تخيلي! أول مرة اراه من قريب!"...
..."عينيه؟ زرقاء زرقاء! مثل البحر قبل ان يغضب!"...
..."و ما المشكلة؟.. انه غريب، لكن هذا يزيده وسامة، صحيح؟"...
...سورا تجمدت....
..."آزار؟" ~...
...التفتت بخفة، رأته من بعيد، لا يضحك، لا يتكلم، ينظر من النافذة وكأنه ينتظر أن ينتهي هذا العالم....
..."لا يمكن أن يكون هو نفسه... هو بالحلم مختلف، أعمق... أكثر حزنًا، أقل واقعية." ~...
...ثم ضحكت داخليًا، ساخرة من نفسها:...
..."وكأن الحلم هو الواقع." ~...
...**...
...في ساحة الكلية، كانت إيلا تثرثر عن مشروع ما، وسورا كانت تائهة في التفكير....
..."سمعتِني؟ قلت لكِ إن آزار دخل مجموعتنا في البحث!"...
...قالت إيلا بحماسة....
..."ها؟ من؟"...
...رفعت سورا حاجبيها....
..."آزار! الولد الغريب الذي تسخرين من الفتيات بسببه، اصبح معنا!"...
..."مستحيل..." ~...
...**...
...وفي الوقت نفسه، آزار كان يمر بجانبهن....
...لم ينظر إليها....
...لكن في داخله، شيء ارتجف....
..."هي..." ~...
...ولم يُكمل الفكرة....
...**...
...ليلة أخرى....
...بحلم آخر: ...
...هذه المرة، لم يكن يقف منتظرًا....
...بل كان جالسًا على سلم حجري، ينحت شيئًا على الأرض بعصا....
...سورا اقتربت بهدوء....
..."هل هذا... أنت؟"...
...أومأ برأسه دون أن يرفع عينيه....
..."أحاول ألا أنساكِ."...
..."لكننا لا نعرف بعضنا."...
...همست وهي تجلس أمامه....
..."ربما، لكنّ روحي تتذكرك." ~...
...**...
...تلك الليلة، استيقظت وهي تضع يدها على صدرها....
...لم تكن تبكي....
...لكن شيئًا فيها انكسر....
..."هذا أكثر من مجرد حلم..." ~...
...إليك الجزء الرابع من الفصل الأول: لا أحد يستيقظ هنا، ونبدأ بالتعمق أكثر في الغموض، الأحلام، وتآكل الحدود بين الواقع واللاواقع:...
...---...
...~الباب الذي لا يُفتح...
...في الليلة التالية، لم تكن سورا نائمة فحسب......
...بل كانت تسبح في عالم لا يخضع للمنطق....
...هذه المرة، لم يكن الحلم يبدأ بضباب، ولا بسقوط....
...بل استيقظت فيه واقفة أمام باب خشبي، مائل، تتسلل من تحته خيوط ضوء كأنها تتنفس....
...لم يكن هناك شيء سوى ذلك الباب، والصمت....
...أرادت أن تفتحه....
...مدت يدها....
...لكن الأصابع لم تلمسه....
..."لا يمكنكِ الدخول بعد."...
...صوته أتى من خلفها....
...استدارت ببطء، ووجدته....
...آزار... بوجه مختلف قليلاً. أكثر صفاءً. عينيه لم تكونا حزينتين هذه المرة، بل حذرتين، كمن يعرف أكثر مما يقول....
..."ما الذي خلفه؟"...
...سألت بصوت منخفض، كأن الهواء نفسه يرهف السمع....
..."ذكريات لم تحدث بعد."...
...اقترب منها، حتى كادت تشعر بأنفاسه، لكنها لم تبتعد....
..."وهل هذا المكان..."...
...ترددت، ثم أكملت:...
..."هل هو حقيقي؟"...
...أجاب دون أن يرمش:...
..."كل ما لا يحدث في الواقع... يحدث هنا." ~...
...**...
...حين استيقظت، كان قلبها ينبض بعنف غريب....
...لم يكن حلماً عادياً، ولا مجرد خيال....
...لقد شعرت بشيء... محسوس....
...وجوده. صوته. عينيه....
...كأنها لم تغادر المكان فعلاً....
...**...
...في اليوم التالي، دخلت الكلية متأخرة....
...مرت بالقرب من الساحة، ورأته جالسًا على المقعد البعيد....
...لكنها لم تلتفت إليه....
..."إنه ليس هو." ~...
...قالت في داخلها، محاولة إقناع ذاتها....
..."ذاك الذي رأيته... لم يكن يشبهه تمامًا. هناك شيء مختلف." ~...
...**...
...كان هو يراها أيضًا....
...نظرة خاطفة فقط، لم تدم....
...ثم همس في داخله:...
..."ليست هي..." ~...
..."ذاك الكيان النابض بالحياة... لا يمكن أن يكون مجرد طالبة تمشي بين الباقين." ~...
...**...
...بعد المحاضرة، دخلت المكتبة، وجلست قرب النافذة....
...بين يديها كتاب لا تقرأه....
...وفجأة، أُغلق جفنها وحده للحظة، كأن شيئًا ثقيلًا نزل عليه....
...وعندما رفعته، وجدت نفسها هناك....
...**...
...الحلم لم ينتظرها هذه المرة....
...كانت في ممر طويل، مزخرف بنقوشٍ تشبه لغات لم تُخترع بعد....
...والأرضية تلمع كالماء، لكنها لم تكن مبتلة....
...آزار كان ينتظر، مرتديًا قناعًا نصف شفاف....
..."أين نحن؟"...
..."في المكان الذي ترفضين تصديقه."...
...رد وهو يتقدم نحوها....
..."لماذا أشعر بأنني أعرفك منذ زمن؟"...
...أجاب بصوت هامس:...
..."لأن أجزاءنا تتقاطع كل ليلة... قبل أن نفترق عند الضوء." ~...
...اقتربت، وهمست:...
..."إنني... أراك أحيانًا في الواقع."...
...سكت....
...ثم قال بهدوء:...
..."وأنا كذلك. ولكن... يبدو لي أننا لسنا نفس الأشخاص هناك." ~...
...**...
...استيقظت فزعة، هذه المرة....
...النافذة نصف مفتوحة، والهواء بارد، ووجهها مبلل بالعرق....
...نهضت، ذهبت إلى المرآة....
...نظرت إلى عينيها الخضراوين....
...لم ترَ نفسها تمامًا....
..."من أنا... عندما أنام؟" ~...
...---...
...~ وجوه لا تنتمي...
...في صباح اليوم التالي، جلست سورا في قاعة المحاضرات، شاردة كالعادة....
...كل من حولها يكتبون، يتكلمون، يتحركون…...
...وهي فقط تحاول أن تفهم:...
..."هل هو موجود هنا؟ أم هناك فقط؟" ~...
...نظرت إلى الصفوف البعيدة، ورأته....
...يجلس وحده، رأسه منخفض، يكتب شيئًا في دفتره، لا يلتفت لأحد....
..."لو كان هو نفسه… لماذا لا ينظر إليّ؟" ~...
...ثم، جاءت إيلا من الخلف وجلست قربها، تهمس بمرح:...
..."هل سمعتِ أن آزار رفض الانضمام لأي نادٍ؟ مدير النشاط جن جنونه!"...
...سورا تمتمت دون أن تنظر:...
..."ألم تكن لهجته باردة؟"...
..."دائمًا باردة! كأن الناس لا وجود لهم أصلاً في نظره."...
..."أجل، كأنه لا ينتمي هنا." ~...
...ثم سكتت....
...كان ذلك التعبير مألوفًا بشكل غريب....
...**...
...في تلك الليلة، لم تحاول النوم....
...لكن النوم وجدها....
...استيقظت على صوت شيء يتحطم....
...لم يكن حلمًا لطيفًا، بل عالمًا يتصدع....
...الجدران من حولها تتكسر، والسماء تمطر دخانًا أسود....
...تركض، تركض في المجهول، حتى تصل إلى قاعة مهجورة، بلا سقف، تتساقط منها الكلمات كالرماد....
...وهناك… يقف آزار، ظهره إليها....
..."آزار!"...
...لم يجب....
..."أنا هنا…"...
...استدار ببطء، وجهه شاحب، عيناه زرقاوان تتوهجان كأنهما من نار....
..."لماذا تأخرتِ؟"...
...اقتربت منه، قلبها يخفق....
..."لم أكن أعلم أنني مدعوّة."...
...أمسك يدها، كان بردها كالثلج....
..."أنتِ لا تزورينني… بل تهربين إليّ." ~...
..."وهل تمانع؟"...
...ابتسم، ابتسامة عابرة....
..."أنا أيضًا أهرب إليكِ." ~...
...ثم، سحبها بلطف إلى منتصف القاعة، حيث الوقت لا يتحرك....
..."هل تصدقين أنني… أعرفكِ قبل أن نلتقي؟"...
..."وكأنك كنتَ تحلم بي أنت أيضًا؟"...
..."أجل. لكنني لم أكن أعلم أن الحلم… سيأخذ شكلكِ الحقيقي."...
...سكت كلاهما....
...ثم همست:...
..."هل تشعر… أن حياتك ليست حقيقية تمامًا؟"...
...رد ببطء:...
..."كل شيء هنا يبدو أوضح من هناك."...
..."أتساءل أحيانًا… أي العالمين هو الحلم؟"...
..."ربما الاثنين." ~...
...حين فتحت عينيها، كانت في سريرها....
...السماء لازالت مظلمة، وأذناها تسمعان شيئًا غريبًا… كأن أحدًا همس لها قبل لحظة فقط....
...ذهبت إلى الحمام، وقفت أمام المرآة....
...نظرت إلى عينيها، بعمق....
...ثم ارتجفت فجأة....
...ورأت شيئًا....
...وجه… خلفها....
...لكن حين التفتت، لم يكن هناك أحد....
..."هل بدأ الحلم يغزو الواقع؟" ~...
...~آثار بين العوالم...
...في صباح اليوم التالي، جلست سورا على حافة سريرها، تحدّق بيديها....
...هناك شيء غريب....
...علامة رفيعة على معصمها، كأن أحدهم ضغط عليها بشدة أثناء نومها....
..."ألم يكن... مجرد حلم؟" ~...
...لامست الأثر بأطراف أصابعها، فارتجف جسدها لحظة، وكأن ذكرى لم تُستوعب بعد تسلّلت إلى ذهنها....
...ثم سحبت يدها سريعًا، ونهضت....
...**...
...في الكلية، كان الجو ممطرًا والسماء رمادية تمامًا....
...الطلاب يتراكضون داخل الأروقة، بعضهم يضحك، البعض يشتكي من البرد، لكنها…...
...لم تكن تنتمي لأي من تلك المشاعر....
...رأته مرة أخرى....
...جالسًا وحده تحت المظلة الخشبية قرب الحديقة الجانبية، يتأمل السماء....
...اقتربت… لكنها لم تتوقف....
...مرّت بجانبه دون أن تنظر....
...وهو أيضًا… لم يرفع رأسه....
...كأنها مجرد ظل....
...لكن في اللحظة التي ابتعدت فيها بخطوات، همس في داخله:...
..."رائحتها... هي ذاتها." ~...
..."لكن لماذا لا تتحدث؟" ~...
...وفي داخله، اشتعلت فكرة صغيرة، تزداد اشتعالًا كل ليلة:...
..."أيمكن أن تكون هي؟" ~...
...**...
...في المساء، جلست سورا تقلب دفتر ملاحظاتها....
...ورقة طارت منه وسقطت أرضًا....
...عندما انحنت لتلتقطها، تجمدت عيناها....
...الورقة… لم تكن من دفترها....
...كانت ورقة غريبة، عليها رموز تشبه تلك التي رأتها في الممر الحلمي الطويل....
..."من أين جاءت هذه؟!" ~...
...حدّقت فيها طويلاً، قلبها ينبض بعنف....
...كُتب أسفل الرموز بخط يدوي أنيق:...
..."الباب لا يُفتح إلا إن كنت قد أغلقته من قبل."...
..."هذا... لم أكتبه." ~...
...رفعت رأسها ببطء، وعيونها تتوسع....
..."أنا... بدأت أُجن، أليس كذلك؟" ~...
...**...
...في الحلم التالي، لم تكن وحدها....
...كانت في قاعة طويلة، فيها مئات المرايا، وكل مرآة تعرض مشهدًا مختلفًا... من حياتها....
...في بعضها، كانت تبتسم… وفي بعضها الآخر، كانت تبكي، وفي مرآة واحدة فقط…...
...رأت آزار، يكتب في دفتر، بنفس وضعه تمامًا الذي رأته به صباحًا في الكلية....
...اقتربت من تلك المرآة، وهمست:...
..."هل تراني؟"...
...فرفع رأسه....
...نعم… رفعه ببطء، ونظر في عينيها، مباشرة من خلال المرآة....
..."أنتِ لستِ خيالاً."...
...قال بصوت منخفض....
..."وأنت لستَ غريبًا." ~...
...ثم انكسر الزجاج بينهما فجأة، وابتلعت الظلمة كل شيء....
...**...
...استيقظت وهي تلهث، ووجهها مبلل بالعرق....
...نظرت إلى ساعة هاتفها:...
...الساعة 3:33 فجراً....
...وفجأة، أضاءت شاشة الهاتف من تلقاء نفسها، رغم أنها لم تلمسها....
...كانت هناك رسالة....
...لكنها لم تُرسل من رقم....
...فقط كلمات واحدة:...
..."لا تنسي الباب."...
...…...
...~هل تلمسني إن كنت تحلم؟...
...كان الليل أكثر سكونًا من المعتاد....
...لا أصوات، لا صرير في النوافذ، لا حركة في الشارع....
...كأن العالم قرر أن يتوقف عن التنفس....
...استلقت سورا في فراشها، عيناها تحدقان في سقف الغرفة....
..."هل يعقل أن يكون الحلم... أكثر واقعية من اليقظة؟" ~...
..."أشعر أنني أختفي ببطء حين أستيقظ… وكأنني أكون حقًا هناك." ~...
...**...
...لم تكن بحاجة لإغماض عينيها هذه المرة....
...لم تشعر حتى بانتقال…...
...فقط، فجأة، وجدت نفسها واقفة وسط غابة غارقة بالضباب، يمر فيها ضوء القمر كالسكاكين....
...كانت ترتجف قليلاً، رغم أن الهواء لا يحمل برودة واضحة....
...وفجأة…...
...سمعت خطى خلفها....
...ثقيلة، هادئة، واثقة....
...استدارت ببطء....
...آزار....
...نفس الملامح....
...نفس النظرة التي لا تنتمي لهذا العالم....
...لكن عينيه كانتا هذه المرة أكثر ظلامًا… وأكثر وهجًا....
..."أنتِ… عدتِ."...
...قال بصوته العميق....
..."وهل سبق أن غادرتُ؟" ~...
...اقترب خطوة....
..."هذا العالم لا يفتح بابه إلا إن اشتاق."...
...اقتربت خطوة أيضًا، حتى صارت المسافة بينهما كافية لأن تشعر بحرارة أنفاسه....
..."هل اشتقتَ؟"...
...ابتسم بخفة، لكن عينيه لم تبتسما....
...بدتا متعبتين، وكأنهما تحملان ألف حلم مكسور....
..."أنا لا أعرف كيف يبدو الشوق… إلا حين أراكِ تختفين." ~...
...مدّ يده نحو وجهها… لكنها لم تهرب....
...أصابعه لامست وجنتها بخفة، كأن اللمس نفسه يشك في وجوده....
..."هل تشعر بي؟" همست....
..."كأنني ألمس شيئًا خلقته روحي قبل أن تولد." ~...
...أغلقت عينيها للحظة....
...ثم فتحتها، فوجدته أقرب....
...قال بصوت منخفض، حارق كهمس الليل:...
..."لماذا أنتِ مألوفة لهذا الحد؟"...
..."وأنتَ كأنك حلم حلمته ألف مرة ولم أتذكره إلا الآن."...
...ثم... ساد صمت....
...لكنها شعرت فجأة بشيء يُسحب من داخلها، كأن الهواء تغيّر....
...نظر إلى يدها، ثم إلى عنقها، وقال بهدوء:...
..."هل تأذيتِ؟"...
..."ماذا؟"...
...رفع أصبعه إلى رقبتها....
..."هناك… علامة صغيرة. لم تكن هناك من قبل."...
...شهقت....
...استيقظت فجأة، تجلس في سريرها، تتنفس بسرعة، يدها على رقبتها....
...تحسست المكان…...
...وكانت هناك، بالفعل....
...علامة دقيقة، كأن أحدهم لمسها بشفاهه أو أنامل خفية....
..."ما هذا… بحق الجحيم؟" ~...
...نهضت فورًا، ذهبت إلى المرآة....
...نظرت إلى العلامة....
...صغيرة....
...حمراء....
...واضحة....
..."لا يمكن أن يكون حلماً." ~...
...**...
...في الجانب الآخر من المدينة، كان آزار جالسًا في غرفته....
...الضوء خافت، والجو ساكن....
...نزع وشاحًا خفيفًا كان يلف عنقه....
...ونظر إلى المرآة....
...تمامًا عند عظمة الترقوة…...
...علامة صغيرة....
...نفس الشكل....
...نفس الموقع....
...صمت طويلاً....
...ثم ابتسم بسخرية:...
..."رائع… حتى الحلم أصبح يترك بصماته." ~...
...ثم رفع نظره للمرآة وقال، وكأنه لا يخاطب انعكاسه بل شخصًا خلف الزجاج:...
..."أخبريني، سورا… ما الذي نعيشه؟"...
...---...
...~ هناك مَن يراقب الحُلم...
...في صباح اليوم التالي، لم تستطع سورا النظر في المرآة....
...كلما حاولت، شعرت وكأن هناك من ينظر إليها… لا من خلالها....
...جلست على طرف سريرها، ترفع شعرها من على رقبتها، تتأمل تلك العلامة....
...ليست مجرد بقعة....
...إنها تشبه بصمة… صغيرة، مستديرة، وكأنها ختم أحلام....
..."من أنت، يا من تزورني كل ليلة وتتركني أقلّ يقيناً؟" ~...
...**...
...في الكلية، جلست في قاعة المحاضرة قرب النافذة....
...كانت تغمز لها الذكريات بشكل عشوائي — أصوات، صور، رائحة التراب الرطب، لمسة يدٍ باردة…...
...وصوت....
...صوت رجل....
..."سورا…"...
...لم يكن همساً....
...كان واضحاً، في أذنها مباشرة....
...استدارت بسرعة نحو مقعدها الخلفي....
...لا أحد ناداها....
...نظرت إلى الباب…...
...فوقه كاميرا مراقبة صغيرة حمراء الضوء....
..."أنا فقط… أتخيل." ~...
..."أو ربما لا." ~...
...**...
...في الطرف الآخر من المدينة، كانت عينا آزار مسمرتين في ورقة قديمة استخرجها من درج الطاولة بجانب سرير جدته....
...كانت تحمل رموزاً تشبه تلك التي رآها في أحد أحلامه....
...دوائر داخل مربعات… وحرف "S" منحني كأنما كُتب بيد خائفة....
..."سورا؟"...
...همس الكلمة كأنها قديمة في ذاكرته، وكأنها اسم يعرفه من قبل أن يولد....
...سمع صوت جدته من المطبخ:...
..."هل عدتَ إلى تلك الأوراق؟"...
...قال دون أن يلتفت:...
..."هل كنتِ تعرفين فتاة اسمها سورا؟"...
...سكتت الجدة قليلاً، ثم أجابت بهدوء حذر:...
..."كان هناك اسم كهذا… في دفتر والدتك القديم."...
...التفت سريعاً....
..."دفترها؟"...
..."نعم. كانت تكتب عن فتاة تراها في أحلامها… قالت إنها لا تعيش هنا، بل بين العوالم."...
..."وأنتِ؟ هل رأيتِ هذا الدفتر؟"...
...أومأت الجدة برأسها بالرفض....
..."لقد اختفى… بعد أن رحلت أمك."...
...**...
...في تلك الليلة…...
...سورا لم تكن خائفة من النوم....
...بل كانت تنتظره كما ينتظر العاشق لقاءً سريًا....
...وعندما دخلت الحلم، لم تجد الأرض....
...كانت تطفو في فضاء داكن، فيه نوافذ تفتح وتغلق تلقائياً، وكل نافذة تُظهر ذكرى من حياتها أو من شيء لم تعشه بعد....
...وفجأة…...
...سمعت صوته خلفها:...
..."أخبريني… هل لمستِ الضوء؟"...
...استدارت....
...كان آزار أقرب من أي مرة سابقة....
..."أشعر بكَ حتى عندما أكون مستيقظة." ~...
...اقترب حتى أصبحت أنفاسه تختلط بأنفاسها....
..."وأنا… أسمع صوتك أحياناً وأنا بين الناس."...
..."كأنكِ تهمسين في أعماقي ولا يسمعك سواي." ~...
...اقترب أكثر....
...لكن في اللحظة التي كادت فيها شفاهه تلامس جبهتها…...
...اهتز العالم....
...كل شيء حولهما تشقق....
...أرض الحلم بدأت تنهار، النوافذ تنغلق بصوت صاخب، والهواء يُسحب من رئتيها كأنها تُغرق....
..."آزار!"...
...صرخت وهي تتمسك بقميصه....
...لكنه قال بصوت عميق:...
..."استيقظي… قبل أن يروننا."...
..."من هم؟!"...
...لم يجب....
...فقد اختفى....
...وسقطت....
...**...
...استفاقت سورا على صوت شيء يرتطم بزجاج نافذتها....
...رأت طيراً صغيراً ميتاً....
...عيناه مفتوحتان تمامًا… وجسده بجوار ورقة صغيرة، كأنها سقطت معه من السماء....
...فتحت النافذة والتقطتها....
...ورقة عليها نفس الرمز القديم الذي كان في الحلم....
...وتحت الرمز، كُتبت جملة بخط رجولي:...
..."لا تثقي بالأبواب المفتوحة."...
...---...
...ممتاز! سنبدأ الآن من جديد الجزء التاسع من الفصل الأول: لا أحد يستيقظ حقًا مع أخذ جميع ملاحظاتك بعين الاعتبار:...
...الحوار باللغة العربية الفصحى فقط....
...تقليل اللقاءات في الواقع بين سورا وآزار، وإن حدثت فلا يعترفا بها بسهولة أو ينكراها....
...جعل الأحلام أكثر إثارة وغموضًا....
...إدخال الحراس المتخفيين، دون أن تشعر بهم سورا، كشخصيات طبيعية....
...المحافظة على الطول والأسلوب العميق، الغامض، الجاذب للمشاعر....
...---...
...~ لا أحد يستيقظ حقًا...
...لم تكن متأكدة إن كانت قد غفت فعلًا… أم أن النوم اختطفها كما تفعل الكوابيس حين تستغل لحظة الضعف الأخيرة....
...كانت السماء في حلمها سوداء، لكن النجوم فيها تتحرك....
...ليست نجومًا....
...كانت عيونًا… تراقب، تُلاحق، تُدوّن شيئًا لا يُفهم....
..."ما هذه العيون؟" ~...
..."ولماذا لا تُحدّق بي بل تخترقني؟" ~...
...الريح تلف شعرها، والأرض تحت قدميها ناعمة… لا عشب، لا تراب، فقط ملمس يُشبه جلد الكتاب القديم....
...ثم سمعته....
...كان صوته يأتي من خلفها، مجروحًا لكن ثابتًا:...
..."لماذا لا تستيقظين يا سورا؟"...
...استدارت ببطء....
...آزار واقف… لكنه لا ينظر إليها....
...كان يُحدّق في الأفق، كأن شيئًا ما قادم، شيء ليس من هذا العالم....
..."أنتَ هنا؟"...
...لم يجب....
...اقتربت منه، بخطى مترددة....
...كلما اقتربت، ازداد الهواء برودة....
..."آزار… أنا لا أفهم… من نكون في هذا المكان؟" ~...
...أخفض رأسه وقال بصوت كمن يقرأ وصية:...
..."نحن انعكاسات، لسنا سوى ضوء مرَّ من بابٍ لم يكن يجب أن يُفتح." ~...
...رفعت يدها لتلمس كتفه....
...لكنه ابتعد فجأة وقال بصوت حاد:...
..."لا تلمسي الحقيقة… ستحترقين."...
..."ولكنني…"...
...توقفت....
...فجأة، شعرت أن هناك أحدًا يراقبهما....
...استدارت…...
...كان رجلٌ يقف بعيدًا، نصف جسده غارق في الظل، والنصف الآخر تحت ضوءٍ لا مصدر له....
...يرتدي معطفًا رماديًا طويلًا، وعلى عينه اليمنى نظارة صغيرة دائرية....
...لا يتحرك. لا يتكلم. فقط… يراقب....
..."من هذا؟!" ~...
...آزار لم ينظر إليه....
...قال بهدوء قاتل:...
..."أحد الذين لا يجب أن نراهم."...
...ثم أضاف:...
..."إذا رأيته، ستنسين. إذا لم تريه… ستتذكرين."...
...صوت الأرض يهتز....
...شيء ما بدأ ينهار في المكان....
...ركضت سورا نحو آزار، أمسكت بيده، همست:...
..."ابقَ… لا تتركني!" ~...
...لكنه نظر إلى يده، ثم إلى عينيها، وقال:...
..."حين تستيقظين… ابحثي عن الساعة المكسورة."...
...ثم اختفى....
...**...
...استفاقت سورا على صوت منبه هاتفها....
...كانت ممددة على السرير، قلبها يخفق بعنف....
...نظرت إلى يدها…...
...وكأنها لا تزال تمسك بشيء....
...نهضت، تمشي ببطء نحو المرآة، تتأمل عينيها…...
...هل كانت تبكي في الحلم؟...
...أم الآن فقط؟...
...في المطبخ، كانت إيلا تعد القهوة، وقد فتحت الراديو....
..."أوه، أخيرًا استيقظتِ. لقد تأخرتِ كثيرًا، كنت سأوقظك بنفسي."...
...سورا لم تجب مباشرة....
...نظرت إلى يدها مجددًا....
..."هل مرّت عليكِ كلمة… الساعة المكسورة؟"...
...إيلا توقفت لحظة، ثم قالت:...
..."آه، تذكرت! هناك محل قديم في شارع لويس بهذا الاسم. صاحبه رجل عجيب… يُصلح الساعات لكنه لا يبيعها. لا أحد يعرف لماذا."...
...**...
...ذهبت في ذلك اليوم وحدها....
...شارع لويس… كان ضيقًا، والضباب فيه أكثر مما يجب....
...المحل كان صغيرًا، واجهته خشبية، وعليها لافتة مكتوب عليها:...
..."الساعة المكسورة – إصلاح ما لا يُعاد."...
...دخلت بخطوات حذرة....
...رائحة الخشب القديم والمعدن أرهقتها لحظة....
...خلف الطاولة، وقف رجل مسنّ، أصلع تمامًا، لكنه يرتدي نظارة دائرية صغيرة على عينه اليمنى....
...شعرت بشيء بارد في صدرها…...
...نفس النظارة التي رأتها في الحلم....
...لكنها لم تتذكر الحلم....
...فقط شعور… أن شيئًا هنا ليس كما يبدو....
...قال الرجل بهدوء:...
..."مرحبًا، آنسة سورا."...
...تجمدت....
..."كيف تعرف اسمي؟"...
...ابتسم بلطف....
..."أحيانًا تُصلح الساعات نفسها… وتكشف الأسماء التي لم تُكتب بعد."...
...شعرت بقشعريرة....
..."هل… التقينا من قبل؟"...
..."ربما… في زمن لم يكن واقعًا ولا حلمًا."...
...**...
...خرجت من المحل مرتبكة....
...لم تُدرك كيف انتهى الحديث، ولا كم من الوقت قضته هناك....
...لكنها حين نظرت إلى هاتفها… وجدت الساعة لا تتحرك....
...كانت قد توقفت…...
...عند الدقيقة نفسها التي التقت فيها عينيها بعين الرجل خلف الطاولة....
...**...
...في الليل، وحين نامت…...
...لم يكن الحلم ينتظرها....
...بل كان هناك مسبقًا، يُحاكي ملامحها…...
...كما لو أنه اشتاق لها قبل أن تصل....
...---...
...~ بين اللحظة واللازمن...
...عندما نام آزار تلك الليلة، لم يكن متأكدًا إن كان قد استسلم للنوم… أم استدرجه شيء داخله لمكان ليس له قرار....
...لم يكن الحلم كما اعتاده....
...لم تكن هناك ساحة ولا ضوء باهت ولا ظلال مشوشة....
...بل كانت هناك نافذة....
...نافذة واحدة، تُطلّ على بحرٍ لا نهاية له، وأمواج تتكسر بصمت....
...اقترب منها، والهواء كان ساكنًا بشكل مزعج....
...ثم سمع الصوت…...
...أنثوي، هادئ، لكنه مكسور من الداخل:...
..."هل تأخرت؟"...
...استدار....
...لكن الغرفة كانت فارغة....
..."أتعرف أنني أراك قبل أن تراني؟"...
...كان الصوت من الخلف، لكنه لم يرَ أحدًا....
...قال بصوت منخفض:...
..."أين أنتِ؟"...
..."أنا هنا… في اللحظة بين الحلم والاستيقاظ." ~...
...---...
...في مكان آخر من هذا الحلم، كانت سورا تجلس على حافة قارب قديم، في بحيرة لا يتحرك فيها الماء، كأنها مجمدة بلعنة قديمة....
...كانت تحمل بين يديها ساعة صغيرة دون عقارب....
..."أين ذهب الوقت؟" ~...
..."وكيف وصلتُ إلى هنا؟" ~...
...ثم رأت ظلًا يعبر الضفة الأخرى....
...صوت خطواته لم يُسمع، لكنه كان واضحًا… يراقب، يتردد، يقترب....
...لم يكن آزار… لكنها شعرت بشيء مألوف في عينيه....
..."من أنت؟"...
...لم يجب....
..."أجبني!"...
...اقترب منها بهدوء....
...وحين أصبح على بعد خطوات، نظر إليها، ثم إلى الساعة في يدها، وقال:...
..."لا تبحثي عن الوقت… بل عن من سرقه."...
...قالها ثم اختفى، كأنه لم يكن....
...---...
...«اول رؤية قبل الاحلام» ...
...في المدرسة، صباحًا، كانت سورا تتحدث مع إيلا عن درس الأدب، لكنها لم تكن تتابع كلماتها....
...عينها علِقت بتلك الزاوية من الساحة… حيث يقف شاب بشعرٍ بني مشقر، يرتدي سترة داكنة ويحمل كتابًا لم تلمح عنوانه....
..."ذلك الشاب…"...
..."من؟" سألت إيلا....
..."الذي هناك… أعتقد أنني رأيته في الحلم." ~...
...إيلا ابتسمت:...
..."أوه، هذا آزار. إنه في السنة الثانية، كل الفتيات مهووسات به تقريبًا، لكنه لا يبدو مهتمًا بأي أحد."...
...سورا عقدت حاجبيها....
..."آزار…"...
...ثم قالت:...
..."لا، مستحيل. الذي رأيته في الحلم كان… شخصًا آخر. يشبهه، نعم… لكن ليس هو." ~...
...---...
...في الممر، عبرت سورا بجانب آزار، دون أن تلتفت، لكنه رفع عينيه للحظة، ثم تمتم في نفسه:...
..."هي…؟" ~...
..."لا، مستحيل. ذلك مجرد حلم." ~...
...ثم تابع سيره، لكن خطواته أصبحت أثقل، كأن شيئًا استيقظ داخله فجأة، ولم يعد يريده أن ينام....
...---...
...في الطرف الآخر من المدينة، كان شاب يجلس على سطح مبنى مهجور، يطالع مفكرة صغيرة....
...على غلافها مكتوب: "الحالم السادس: ناثانيال"...
...وكان يكتب:...
..."الحدود بين الأحلام والواقع تضعف. أحدنا بدأ يتذكر أكثر مما يجب. أظن أن المراقب يتدخل من جديد."...
...أغلق المفكرة، نظر للسماء وقال:...
..."من منّا سيُكشف أولًا؟" ~...
...---...
...~ انعكاسات مشوشة...
...في اليوم التالي، جلست سورا على السور الحجري المطل على الساحة الخلفية للكلية، تقضم طرف قلمها، شاردة الفكر....
..."ذلك الفتى..." ~...
..."كلما رأيته، أشعر أن الهواء من حوله يتبدل. لكن لماذا يتصرف وكأنني لا أُوجد؟" ~...
...رأته يعبر من الممر، بخطوات ثابتة، نظرة باردة، عيناه لا تبحثان عن شيء… أو لعلها تبحث عن شيء لا يراه سواه....
...مرت بجانبه، وتعمدت أن لا تبتسم… لكنها كانت تراقب، في لحظة خاطفة، ما إذا كان سيتوقف....
...لم يفعل....
...بل ألقى نظرة جانبية، عابرة، كأنها مجرد ظل مرّ من جانبه لا أكثر، ثم واصل طريقه وكأنه لا يعرفها....
..."أهو يتجاهلني؟ أم أنه… لا يعرفني حقًا؟" ~...
...---...
..."أنتِ تحدقين فيه مجددًا."...
...قالتها إيلا، وهي تضع علبة العصير بجانبها، وتجلس بجانب سورا على العشب....
..."لا أحد يحدق." ردت سورا بحدة خفيفة....
..."أوه بلى، بل أنتِ تفعلين، وهذه رابع مرة هذا الأسبوع."...
...ثم أردفت بمكر:...
..."ولم ينظر إليك ولا مرة واحدة. رائع!"...
...سورا لم ترد، لكنها قبضت على أطراف سترتها بشيء من الغيظ المكتوم....
..."هو ذاته من الحلم... لكن تصرفاته مختلفة. في الحلم يحدق بي كأنني معنى، أما هنا... كأنني لا شيء." ~...
...في الحصة التالية، جلست سورا على مقعدها، وإذا بفتاة جديدة تدخل الصف....
...شعرها أشقر كالذهب المحترق، عيناها بلون الخزامى الباهت، وابتسامة مصقولة أكثر من اللازم....
..."مرحبًا، أيمكنني الجلوس هنا؟"...
...أومأت سورا بفتور، وجلست الفتاة بجانبها....
..."اسمي ماريان."...
..."سورا."...
..."آه، اسم جميل. على فكرة... رأيتك تتحدثين مرة مع آزار."...
...تجمدت سورا....
..."لم أتحدث إليه."...
...ماريان ضحكت بخفة مصطنعة....
...---...
..."غريب، ظننت أنني رأيتكما تلتقيان عند المكتبة في أحد الأيام. على كل حال، لا بد أنه لاحظك، صحيح؟"...
..."لم يُبدِ أي اهتمام." ~...
...ماريان نظرت بعيدًا، ثم قالت بصوت منخفض وكأنها تشارك سرًا:...
..."آزار لا يتحدث مع أحد تقريبًا، لكنه... مختلف، أليس كذلك؟"...
...ابتسمت سورا بسخرية خفيفة....
..."ربما في الأحلام."...
..."ماذا؟"...
..."لا شيء." ~...
...---...
...في الطرف الآخر من القاعة، كان آزار يجلس بقرب النافذة، شاردًا....
...سمع صوت الضحك الخافت من ماريان، فرأى الفتاة الجديدة تتحدث مع سورا....
...ثم نظر إلى سورا مطولًا… دون أن تراه....
...*"تبدو مثلها، لكنها لا تشبهها في شيء." ~...
...*"نظراتها مختلفة. صوتها... متردد، ليس كما أذكره." ~...
..."إن لم تكن هي… فمن تكون؟ ولماذا أشعر أنني أعرفها أكثر مما أعرف نفسي؟" ~...
...---...
...ذلك الليل، نامت سورا مجددًا… ووجدت نفسها تركض في ممر ضيق، جدرانه مغطاة بمرايا....
...في كل مرآة… انعكاس مختلف لها....
...واحدة تبتسم، وأخرى تبكي، وثالثة... تنظر لها بعيون ليست عيونها....
...ثم ظهر وجهه، من خلف الزجاج… آزار....
..."أنتِ لستِ أنتِ." قال بصوت متهدج....
...اقتربت من الزجاج، طرقته بيدها، "آزار؟!"...
...لكنه لم يفتح فمه....
...ثم همس صوت خلفها:...
..."المرايا لا تكذب… لكنها لا تقول الحقيقة كلها."...
...استدارت… وكان هناك رجل يرتدي معطفًا رماديًا، ساعته في يده اليسرى مكسورة، وعقاربها تدور للخلف....
...قال:...
..."اسألي نفسك... إن كنتِ هي، فمن تكونين الآن؟" ~...
...---...
...استيقظت سورا فجأة، تنفست بصعوبة، قلبها يطرق صدرها كطبول الحرب....
...حدّقت في السقف....
..."ما معنى هذا؟" ~...
..."لماذا يقول إنني لست أنا؟" ~...
..."ومن ذلك الرجل؟"...
...---...
...في ذات الوقت، جلس آزار على فراشه، يتصفح كتابًا صغيرًا وجده تحت وسادته، لم يتذكر أنه كان هناك....
...على غلافه لا توجد كلمات… فقط رمز الساعة المكسورة....
...فتح الصفحة الأولى، فوجد جملة واحدة:...
..."الحلم لا يكذب... لكن الحقيقة قد تُخلق فيه."...
...---...
...ثم سمع رسالة على هاتفه، من رقم مجهول:...
..."لا تثق بالتي تحمل اللونين... فهي نصف ظل، ونصف يقظة."...
...حدّق في الرسالة، قلبه ينقبض....
...*"اللونين؟... أهي عيناها؟" ~...
...*"ماذا تعني هذه الرسالة؟ ومن أرسلها؟" ~...
...---...
...وهنا تبدأ خيوط الحقيقة بالتشابك أكثر…...
...(ختام الفصل الأول): غريبان بين المرايا...
...••...
...في اليوم التالي، ساد جو غريب بالكلية. كان الهواء ساكنًا على غير العادة، والطلاب يتحركون بنمط بطيء كأن الزمن فقد اهتمامه بالجري....
...سورا جلست قرب نافذة المكتبة، عيناها تجولان في وجوه العابرين، تبحث عن وجه بعينه... لا تدري لماذا....
..."إن لم يكن هو، لماذا يراودني شعور بالذنب؟ وإن كان هو... لماذا ينكرني؟" ~...
...ثم شعرت بنظرات تخترقها....
...رفعت رأسها ببطء، لتلتقي عيناها بعينيه....
...آزار كان هناك، واقفًا عند الرف البعيد، ينظر إليها مباشرة، ببرود قاتل....
...لكن عينيه… لم تكن باردة كعادته، بل كأنها تتوسلها أن تقول شيئًا....
...نهضت ببطء، كأن قدميها تتحركان من تلقاء نفسيهما، واقتربت منه....
..."أتعرفني؟"...
...لم يجب....
...ثم قال بهدوء، دون أن ينظر لها:...
..."لا، لكنني أحلم بك كثيرًا."...
...تجمدت الكلمات في حلقها....
..."قالها... قالها أخيرًا!" ~...
...وقبل أن تفتح فمها، اقتربت ماريان، وضعت يدها على كتف آزار برقة مصطنعة....
..."ها أنت! كنت أبحث عنك."...
...ألقى آزار عليها نظرة مقتضبة، ثم عاد بنظره لسورا… لكنه لم يقل شيئًا....
...استدار وغادر مع ماريان، تاركًا سورا متجمدة مكانها....
...ليلة ذلك اليوم بالحلم، وجدت سورا نفسها داخل غرفة دائرية، تغمرها أضواء زرقاء باهتة، وكل شيء فيها كان يدور ببطء....
...أصوات هامسة ملأت المكان، بالكاد تُفهم....
..."ليست هي..."...
..."لكنه يعرفها..."...
..."الساعة اقتربت من الانكسار..."...
..."الحالمون السبعة... واحدهم بدأ يتشقق."...
...ثم ظهرت مرآة أمامها، لكنها لم تعكس وجهها، بل انعكست صورة آزار فيها....
...كان واقفًا، يحدق مباشرة في عينيها من خلف الزجاج....
...همس:...
..."لستِ من تظنين أنكِ."...
..."ولا أنا كذلك."...
...ثم ارتفعت المرآة ببطء، كأنها باب يُفتح… وخرج منها آزار، لكنه لم يكن كما تعرفه....
...كانت عيناه سوداوان بالكامل… وصوته مشوّه....
..."الهروب من الواقع لا يمنحك الحقيقة... بل يقربك من الحلم الذي يبتلعك."...
...تراجعت سورا إلى الخلف، فصوت خلفها قال:...
..."الاختيار قادم. بين أن تكوني حارسة… أو فريسة."...
...استدارت، لترى ستة ظلال واقفة، لكلٍ منهم ملامح غير واضحة… عدا واحدٍ في المنتصف....
...كان ذلك الرجل صاحب الساعة المكسورة....
...نظر إليها، ثم أشار إلى معصمه....
..."دقيقة واحدة فقط... وستستيقظين."...
..."لكن تذكري، يا سورا..."...
..."ليس كل من تراه في الحلم... سينجو حين تستيقظين."...
...استفاقت سورا وهي تلهث، قلبها يكاد يثقب صدرها من الرعب....
...نظرت إلى هاتفها....
...رسالة جديدة....
..."أهلاً بك في الحلم الحقيقي، سورا. لقد بدأت اللعبة،ستقودين لهلاكه بنفسك."...
...سؤال الفصل:...
...1)هل ستضحي بالحب؟ أم من أجله؟...
Comments