...ما إن دخل إدوارد إلى ساحة التدريب، حتى شعر بهالةٍ حادة وقوية جعلته يتنهد مرة أخرى....
...وحين وقعت عيناه على إيلين، لم يستطع إخفاء تعبير الدهشة عن وجهه....
...كانت تبدو هادئة، وكأنها لم تشعر أبدًا بهالة طلاب قسم المبارزة....
...هل يمكن أن يكون هذا ممكنًا؟ لا أحد من عامة الناس يمكنه تحمّل هالة الفرسان المتدربين، تمامًا كما تخاف الحيوانات العاشبة من المفترسة....
...'يا لها من غرابة.'...
...لكن إدوارد لم يُعر ذلك الإحساس الغريب اهتمامًا كبيرًا، فقد يكون جسد إيلين ببساطة أقل حساسيةً من غيرها....
...أقنع نفسه بذلك، وتقدم بخطاه إلى وسط ساحة التدريب. ثم شعر بأن أنظار الطلاب كلها موجهةٌ نحوه....
..."صباح الخير."...
...حياهم إدوارد تحيةً قصيرة....
...رغم أن بعض الطلاب كانوا من طبقةٍ أعلى منه منزلة، إلا أن ذلك لم يكن له أي اعتبارٌ داخل الأكاديمية....
...وقد شعر بأن التوتر الحاد الذي كان يملأ المكان بدأ يهدأ قليلًا....
..."يبدو أنكم ارتحتم جيدًا، وجوهكم تبدو مشرقة."...
...قال وهو ذلك يُلقي نظرةً على الطلاب....
...كان جميع طلاب قسم المبارزة في أكاديمية أتينس من العباقرة بحق....
...خصوصًا إذا لم يكونوا من الإمبراطورية بل من إحدى الممالك، فعندها يجب أن يكون الطالب ضمن الثلاثة الأوائل في بلاده حتى يُمنح حق الالتحاق بالقسم....
...بمعنى آخر، أي شخصٍ يطمح لأن يصبح فارسًا، كان يتمنى المجيء إلى هذا المكان....
...باستثناء شخصٍ واحد فقط....
...نظر إدوارد إلى إيلين الواقفة أمامه. ذات شعر بنيٍ محمرٍ كثيف وبشرة بيضاء كأنها لم تلامس الشمس يومًا....
...'يبدو أنها لا تستطيع حتى حمل السيف بشكل صحيح.'...
...كان حكمه سريعًا....
..."سنبدأ اليوم الأول بتقييمٍ خفيف للمبارزة."...
...قال إدوارد ذلك وهو يشير إلى أحد الطلاب....
...وهكذا بدأ تقييم المبارزة....
...***...
...فيليب من مملكة إدوين، بيانكا من مملكة لياموند، هومر من مملكة راسيل......
...كانت إيلين تنتظر بهدوء حتى ينتهي دور بقية الطلاب....
...كانت تعرف الترتيب الذي ينادي به إدوارد جيدًا....
...في أول يوم من دروس المبارزة، يحضر طلاب المستوى المتقدم والمستوى المبتدئ الدرس معًا بشكل استثنائي....
...'إنه يُنادي حسب قوة كل شخص.'...
...كان فريدين وديريك من المستوى المتقدم قد أنهيا تقييمهما وغادرا ساحة التدريب منذ فترة....
...كان سيف فريدين متزنًا وموزونًا، أما سيف ديريك فكان حادًا وقاطعًا....
...وبقوة هالتهما التي فاقت توقعاتها، لمع بريقٌ مختلف في عيني إيلين....
...كانت إيلين تراقب سيوف الذين يخضعون لتقييم المبارزة، ولم تغفل عن أي حركة....
...ثم اقترب منها شخصٌ واحد....
...عرفت إيلين من هو. كان فيليب من مملكة إدوين، الذي أنهى للتو تقييم المبارزة....
...'كان يكرهني.'...
...كان فيليب أكثر الناس فخرًا لكونه طالبًا في قسم المبارزة في أكاديمية أتينس....
...وكان هو من أكثر الناس الذين احتقروا إيلين داخل قسم المبارزة....
..."هل تعتقدين أن شيئًا سيتغير إذا نظرتِ إلينا هكذا؟"...
...بدلاً من الإجابة، رفعت إيلين نظرها إليه....
...كان فيليب طويل القامة جدًا، لدرجة أن إيلين، التي كانت أقصر، كان عليها أن ترفع رأسها لتتمكن من رؤية وجهه....
...بمظهره الغاضب، بدأ فيليب يتحدث إليها....
..."هل تريدن أن أخبركِ بما سيحدث لكِ لاحقًا؟ و كم ستتعرضين للحرج؟"...
..."هل لديكَ قدرةٌ على التنبؤ بالمستقبل؟"...
..."ماذا؟"...
...دُهش فيليب من رد إيلين، فلم يكن يتوقعهُ منها. كان ينوي أن يجعلها تمر بمواقف محرجة....
...كان فيليب يعرف جيدًا كم أن حجمه الكبير يشكل ضغطًا على الآخرين. فقد كان جسده ممتلئاً بالعضلات لدرجة لا يُقارن بها حتى أمام الفرسان ذوي البنية القوية....
...فكر فيليب بأن مجرد وقوفه أمامها لا بد أن يشكل ضغطاً نفسياً هائلاً. ولكن أن تجيب بكل هدوء؟ بل ولم تبدُ عليها أي علامات توتر؟...
...بل على العكس، عندما التقت عيناها بعينيه، شعر وكأن أنفاسه تنقطع....
...كانت مجرد إنسانةٍ عادية صغيرة الحجم لا تعرف شيئاً عن السيف، فلماذا إذاً؟...
...بعيداً عن شعوره بالغرابة، لم يستطع فيليب أن يزيح عينيه عن إيلين....
...فتح فمه بكل ما أوتي من قوة ليتكلم، لكن الغريب أن العرق البارد لم يتوقف عن الانهمار من جبينه....
..."وأنتِ لستِ حتى فارسة....."...
...بالنسبة لإيلين، كان وقع هذه الكلمات مألوفاً ومؤثراً في آنٍ معاً، لأنها كانت كلمات اعتادت سماعها من فيليب في الماضي....
...وفي ذلك الحين، لم تكن تملك وسيلةً لنفي كلامه...
...فكما قال، لم تكن حتى فارسةً متدربة....
...من يعترف بإنسانة لا تستطيع حتى أن تمسك السيف كطالبةٍ في قسم السيف؟...
...لكن لو أُتيحت لها فرصةُ الاختيار في الماضي، لاختارت أن تصبح فارسةً دون تردد، ولهذا لم يعد هناك أي سبب لتتحمل إهانته بعد الآن....
...بدأت إيلين تفك الضماد الملفوف حول يدها، و قطّب فيليب حاجبيه وهو يراقب تصرفها الغريب....
...كان قد لاحظ الضماد الملفوف على يد إيلين وفكر بسخرية أنه مجرد تمثيل....
...بلا شك، لا بد أن يكون ذلك أيضاً تظاهراً بالمرض....
...تذكر فيليب الشائعات التي سمعها....
..."إيلين ليسيروس تعرّضت لهجومٍ من وحوش! لولا تدخل السيد راكن، لكانت في ورطةٍ حقيقية! لقد نالت عقاب السماء، لا شك!"...
...لكن إن كانت قد واجهت وحوشاً فعلاً، فلم تكن هناك أي إصابة ظاهرة سوى الضماد على يدها....
...'إذًا لقد لفّت يدها فقط لتثير الشفقة، كما توقعت.'...
...لكن ما إن بدأت يد إيلين تنكشف تدريجياً حتى سكت فيليب تماماً....
...كانت يدها مليئةً بالجروح، ولم يكن من الممكن لفيليب ألا يعرف ما تعنيه تلك الجروح. فقد رأى مثلها عشرات المرات منذ أن كان طفلاً....
...كفّ ناعم تَمزّق وسال منه الدم، ثم بدأ يتكوّن عليه الجلد الخشن. كانت تلك هي الجروح التي تظهر عند الإمساك بالسيف للمرة الأولى....
...يد إيلين كانت تقول بوضوح أنها تتدرّب على استخدام السيف....
...عندها تذكر فيليب شائعةً أخرى....
..."سمعت أيضاً إشاعةً تقول إن إيلين ليسيروس قد هزمت قطيعاً من الوحوش، يا لها من خرافةٍ مسلية فعلاً."...
...سقط الضماد الذي فكّته إيلين ببطء حتى لامس قدم فيليب، لكن ذلك القماش البسيط الذي استقر على قدمه شعر به وكأنه يحمل وزناً ثقيلاً....
..."راقبني من مكانك."...
..."......."...
..."وشاهد بنفسكَ، واحكم إن كنت فارسةً حقيقية أم لا."...
...وما إن أنهت إيلين كلامها حتى نادى عليها إدوارد....
..."إيلين ليسيروس."...
...وفي لحظة، التفتت أنظار باقي الطلاب نحوها. نظراتٌ مليئة بالشك، والاحتقار، وخاليةٌ تماماً من أي توقع أو أمل....
...تلقّت تلك النظرات دون أن تتردد، وبدأت تسير بخطى بطيئة....
...***...
...كان ذراع إييين يرتجف وهي ترفع السيف، فقد كانت غير قادرة على تحمل وزن السيف المعدني....
..."هه!"...
...وصل إلى أذنها صوت ضحكةٍ ساخرة من أحدهم....
...لم يجرؤ أحد على انتقادها بصوتٍ عالٍ بسبب نظرات إدوارد الباردة التي كانت تراقبهم، لكنهم جميعا كانوا مستعدّين للاستمتاع بمأساة إيلين أكثر من أي أحد آخر....
...في الماضي، كانت إيلين تبكي على هذه الساحة لمجرد سماع ضحكاتهم الساخرة....
..."يا لها من فتاةٍ بائسة لا تُحتمل."...
..."كنت أعلم أنها ستفشل، ليتها تدركُ مكانها وتنسحب من تلقاء نفسها."...
...ترددت تلك الكلمات في أذنيها وكأنها همساتٌ قديمة....
...لم يشعر أحد في ذلك الوقت بالشفقة نحوها، حتى إيلين لم تشفق على نفسها، و لم تدرك الحقيقة إلا بعد أن عاشت ثلاث حيوات....
...أن الحزن وحده لا يكفي، وأن البكاء وحدكَ لا يجلب لك أي اهتمام. إذا شعرت بالقهر والظلم، فلا بد أن تصبح أقوى....
...ولهذا السبب بذلت كل ما في وسعها، حتى الموت...
...والآن، أصبحت إيلين تعرف كيف تمسح دموعها بنفسها....
...سرعان ما توقّف ارتجاف ذراعها....
...ظهر وجود طاقة المانا الضعيفة داخل جسدها، بالكاد يمكن الإحساس بها، لكنها أمدّتها بالقوة....
...كانت كمية مانا يملكها أي إنسانٍ حي، لكن بالنسبة للناس العاديين، فإن هذه الكمية بالكاد تُستخدم في شيء....
...أما هي، فلم تكن إنسانةً عادية....
...مدّت إيلين ذراعها للأمام بثبات. على عكس أول مرة أمسكت فيها السيف، لم يكن في حركتها أي ارتجاف....
...أسلوب سيافة ليسيروس كان يرتكز أساساً على أن يُشعر السيف بقوةٍ هائلة، ولهذا السبب كان الناس يقولون إن أسلوب ليسيروس لا يناسب النساء....
..."كلامٌ فارغ."...
...بكلمة واحدة، كانت إيلين تسخر من كل ما قيل...
...فهي كانت الوحيدة القادرة على إتقان أسلوب ليسيروس بشكلٍ مثالي....
...وبما أن الماركيز ليسيررس لم ينجح في أن يصبح "سيد سيف"، فقد كان الجميع يظن أن كارون هو من سيصل إلى تلك المرتبة....
...وحتى إيلين في الماضي كانت تظن ذلك....
...لكن في جيلهم، لم يظهر أي سيد سيف في عائلة ليسيروس، فقد فشل كارون في أن يصبح سيداً....
...كان ذلك أمراً لم يتوقعه أحد، لكنها الآن كانت تعرف السبب أكثر من أي أحد آخر....
...'أنا من اختارني السيف!'...
...تحرك جسد إيلين المعزّز بالمانا، و السيف في يدها أصدر صوتاً ثقيلاً وهو يهتز....
...كانت سيافة ليسيروس المثالية تنبع من يدها. في كل ضربة من ضرباتها كانت ترسم مساراً صافياً ثابتاً في الهواء. وفي كل مرة، كان صوت شق الهواء الحاد يتردّد من حولها....
...لم يكن من الممكن تصديق أن تلك السيافة المتقنة تعود لإيلين ليسيروس التي تحدّثت عنها الشائعات....
...قبل لحظاتٍ فقط، كانت ذراعاها النحيلتان ترتجفان وهي ترفع السيف الحديدي....
...من كان ليتوقع هذه المهارة المتمرسة منها؟...
...وحين أنهت إيلين عرضها القصير، خيّم على المكان صمتٌ تام و كأن على رؤوسهم الطير....
...وفي ذلك السكون، فتح المدرب فمه،...
..."مذهل.....إنها سيافةٌ مذهلة."...
...وما إن أنهى إدوارد كلماته حتى أعادت إيلين سيفها إلى غمده....
...لم يحاول إدوارد حتى إخفاء ملامح الدهشة عن وجهه...
...و راح يفتح فمه ويغلقه مراراً كمن فقد كلماته....
...يبدو أن الصدمة كانت شديدةً لدرجة أنه لم يستطع أن يقول شيئاً آخر....
...كان العرق يتساقط من جبين إيلين، وراح الدم يبلل قبضتها المتشققة....
...ورغم كل الأصوات التي ملأت ساحة التدريب من قبل، ظل الصمت مخيماً. و الأنظار التي كانت تراقبها قد تغيّرت تماماً....
...كانت يد إيلين ترتجف بخفة، وشعورٌ صغير من الحماس تصاعد من أطراف أصابعها....
...لقد غيّرت الماضي....
...____________________...
...مدري ليه بس جتني الصيحه ...
...كوريليا الزفت ذي الله ياخذها لو اصيدس بس...
...ودي كارون شافها😭 وبعد عسا فريدين شافها ...
...شف زوجتك ترقص بالسيف عرضة...
...Dana...
Comments