وريث الظلال – ملحمة القوة والمصير
جلس أينر في زاوية غرفته المضاءة بضوء شمعة واهية، يقلب صفحات كتاب قديم مغبر وجده في مكتبة البلدة. كان الكتاب يتحدث عن جوهرة العنكبوت الزرقاء، كنز أسطوري مخبأ في أعماق معبد مهجور، يُقال إنه يمنح صاحبه قوة لا حدود لها، لكنه يحمل أيضًا لعنة قاتلة.
بينما كان يقرأ، انغمس في الكلمات حتى كأنه يعيش الأحداث بنفسه، تخيّل المغامرين الذين حاولوا الوصول إلى الجوهرة ولم يعودوا أبدًا. لكنه لم يكن يخشى التحديات، بل شعر بشيء يشدّه نحو تلك الأسطورة، وكأن الجوهرة تناديه من بين السطور.
أغلق الكتاب ببطء، والتفت إلى صديقه مازو الذي كان جالسًا بجواره، مستندًا إلى الجدار.
"ما رأيك، مازو؟ هل تعتقد أن هذه مجرد أسطورة؟" سأله أينر بنبرة يملؤها الفضول.
ابتسم مازو، وعيناه تتلألآن بالحماس: "إذا كانت أسطورة، فلن يخسر أحد شيئًا... لكن إن كانت حقيقية، فهذه مغامرة لن تُنسى."
لم يكن أينر بحاجة إلى المزيد من الإقناع. نظر إلى الكتاب مرة أخرى، ثم نهض بحماس.
"إذاً، لنكتشف الحقيقة بأنفسنا." قال أينر بحزم.
بعد لحظات، دخل أينر إلى المطبخ ليعد بعض الطعام. وبينما كان يقطع الخضار، انزلقت السكين من يده وسقطت على قدمه. لكنه لم يشعر بأي ألم. نظر إلى أسفل ورأى أن النصل لم يخترق جلده، بل ارتد وكأنه اصطدم بصخرة. حدّق في قدمه للحظة، ثم أدرك الحقيقة: لقد فعل مهارة الدرع المتحجر دون أن يقصد!
بينما كان لا يزال يفكر في الأمر، شعر بحرارة غريبة تتصاعد من يده. نظر إليها بقلق، وفجأة، اندلعت منها شعلة سوداء مائلة إلى الأزرق، تلتهم الهواء من حولها دون أن تحرقه.
"ماذا...؟!" همس بدهشة، متراجعًا خطوة إلى الخلف.
كانت تلك نار الفناء، مهارة أخرى لم يكن يعلم أنه قادر على استخدامها. وقف في ذهول، يشاهد اللهب يلتف حول أصابعه دون أن يؤذيه. لكنه سرعان ما أدرك أن عليه السيطرة عليها قبل أن تتسبب في كارثة.
وقف مذهولًا، يحاول استيعاب ما حدث.
"مازو... أعتقد أنني اكتشفت شيئًا غريبًا للتو
في ليلة مظلمة، حيث لم يكن القمر سوى شبح باهت في السماء، كان أينر ومازو يشقان طريقهما عبر الغابة الكثيفة. الأشجار العتيقة تنحني وكأنها تحاول إخفاء السر الذي يكمن في أعماقها، والهواء كان مشبعًا برائحة العفن والدم.
قال مازو وهو يتوقف ليلتقط أنفاسه:
"أينر، هل تعتقد أننا سنعود أحياء؟"
ابتسم أينر بثقة، ممسكًا بسيفه الذي يعكس بريقًا فضيًا خافتًا:
"لا مجال للشك... سنعود، ومعنا الجوهرة."
كان الهدف جوهرة العنكبوت الزرقاء، كنز أسطوري يقال إنه يمنح صاحبه قوة لا حدود لها. لكن الأساطير تتحدث عن لعنة تحيط بها، وحارس أبدي يقف لمنع أي شخص من امتلاكها.
كان الاثنان يسيران في الغابة المحرمة، وكلما تقدما، كلما زاد الظلام كثافة. الأشجار العتيقة كانت تعلو بشكل غير طبيعي، وكان كل شيء من حولهم مليئًا بالرموز والنقوش التي لم يفهموها. كانت الغابة أكثر من مجرد مكان مهجور، كانت كائنًا حيًا، يحمل في طياته تهديدًا لا يمكن التنبؤ به.
وصل الاثنان إلى بوابة المعبد، عملاقة سوداء منحوتة عليها رموز متشابكة. كانت محاطة بالكثير من العناكب الضخمة التي تتسلق الجدران، والهواء كان ثقيلًا، مليئًا برائحة الخوف والخراب.
قال أينر وهو يتقدم بخطوات واثقة:
"هذه هي البوابة، مازو. الجوهرة داخل هذا المعبد."
مازو نظر حوله بقلق، لكنه كان متحمسًا في الوقت ذاته:
"كل شيء هنا يبدو غريبًا، هل نحن متأكدين من أننا نريد دخول هذا المكان؟"
ابتسم أينر وهو يربت على كتف صديقه:
"لا مجال للتراجع الآن. هذا هو مصيرنا."
عندما لمس أينر البوابة، اندلعت صرخة مشؤومة من مكان ما في الظلام، وكأن المعبد كان يستجيب لمسه. بدأ الجدار يهتز ببطء، ثم بدأت الحجارة تتحرك، كاشفة عن ممر مظلم في الداخل.
"تأكد من أنك مستعد، لا مجال للأخطاء." قال أينر وهو يدخل أولًا.
مازو تردد للحظة، لكن سرعان ما اتبعه، ودخل المعبد.
مع كل خطوة داخل المعبد، كان الصوت يزداد ضجيجًا. كأن الأرض نفسها كانت تئن من العذاب. سادت الظلمة العميقة، ولا شيء سوى صدى خطواتهم كان يسمع. بدا وكأن الزمن قد توقف هنا، حيث كان كل شيء ساكنًا، لكن الشعور بالتهديد كان يزداد.
وبينما هما في الطريق، سمعا فجأة همسات غريبة تتنقل عبر الجدران. لم يكن الصوت واضحًا تمامًا، لكنه كان يشبه حديثًا قديمًا، لغة كانت تشبه الطلاسم. بدأ الشك يتسلل إلى قلب مازو، بينما كان أينر يبدو أكثر عزيمة.
"ماذا لو كانت هذه اللعنة حقيقية؟" قال مازو بصوت مرتجف.
لكن أينر أصر على التقدم للأمام:
"لن نعرف إلا إذا اكتشفنا ذلك بأنفسنا. نحن على وشك أن نكتشف الحقيقة."
كما أنه كان يشعر بشيء غريب في قلبه، قوة غير مفهومة كانت تزداد كلما اقتربوا من قلب المعبد. كان يبدو وكأن الجوهرة تناديه، تنادي الجميع.
ومع مرور الوقت، توقفا أمام باب عملاق منحوت عليه شكل عنكبوت أسود ضخم، وأعينه تتوهج بأضواء خافتة.
قال أينر وهو يحدق في الباب:
"ها هي، يجب أن تكون الجوهرة وراء هذا الباب."
فجأة، انفتح الباب بمفرده، وكأن المعبد قد اختار السماح لهما بالدخول.
Comments