الأميرة الهاربة

الأميرة الهاربة

المجلد الأول

"ماتتِ؟"

كنتُ مستلقية على الأرض الباردة وعيناي مغمضتان.

صوت مليء بالبراءة والحيوية لامس أذني.

ابتسمتُ ابتسامة خفيفة وباردة وأنا ما زلتُ مغمضة العينين.

"يا إلهي!، إنها تبتسم!"

"انظروا، إنها تبتسم!"

صاح الأطفال الملتفون حولي بخوف.

نهضت ببطء، كان رأسي ينبض من الألم حيث ضُربت.

"ألم أقل لكم أننا نريدها ميتة!"

عندما نهضت، صرخ أحد الأطفال بخوف.

"لا يجوز قتلها حقًا!، سيغضب أبي علينا!"

تنهدت بعمق وأمسكت برأسي الذي كان ينبض بالألم.

الاستماع إلى صراخهم من جانبي زاد من الألم في رأسي.

لكي أتخلص منهم، استخدمت آخر وسيلة متاحة.

"هل أذهب وأخبر أبي بما فعلتموه؟"

هز الأطفال رؤوسهم بشدة وابتعدوا.

نقرتُ لساني بخفة.

ثم صرخ طفل بعيد، وعيناه مليئتان بالخوف وهو ينظر إلي.

"أبي لن يستمع لكِ!"

نفضتُ العشب الذي علق على ملابسي.

ثم ابتسمت ابتسامة خفيفة وقلت:

"أنا الابنة الأولى للإمبراطور، وسأصبح ولية العهد في المستقبل."

حتى أبي لا يستطيع أن يتجاهلني.

يبدو أن كلامي كان منطقيًا إلى حدٍ ما، حيث بدأ الأطفال يراقبونني بحذر قبل أن يبتعدوا ببطء.

أخفيت الكلمات القاسية التي كانت على وشك الخروج من فمي وتنهدت.

هذه العائلة ستنهار.

***

لقد تجسدت في هذه الشخصية.

عندما كان عمر هذا الجسد خمس سنوات.

وعندما كانت روحي في الثانية والعشرين.

عندما نظرت إلى المرآة لأول مرة بعد تجسدي...

كدت أسقط إلى الخلف من شدة المفاجأة.

جسد صغير ونحيل جدًا، لدرجة لا يمكن أن تصدق أنه لطفل في الخامسة من عمره.

لم يكن نظيفًا، بل متسخًا، وعلى جسدها آثار سوء المعاملة في أماكن متفرقة.

طفلة في الخامسة فقط، ومع ذلك كانت مهملة تمامًا من قبل العائلة الإمبراطورية.

لم أستطع فهم السبب.

كيف يمكنهم إهمال الابنة الكبرى للإمبراطور، التي من المفترض أن تصبح الإمبراطورة في المستقبل؟.

ولكن عندما خرجت للخارج، سرعان ما اكتشفت السبب.

"انظروا إليها، شعرها فضي!، وعيناها زرقاوان، إنها مختلفة تمامًا عنا"

"تبدو وكأنهم وجدوا الطفلة وجلبوها"

"ألوانها تمامًا مثل الدوق ديزموند من الشمال، أليس كذلك؟"

"إنها مشؤومة، أتمنى لو يتخلصون منها"

"ماذا لو أخبرنا أبي أن يرميها؟، إنها تجلب الحظ السيئ"

كنت أملك مظهرًا مختلفًا تمامًا عن عائلتي، عائلة هيكيوريا الإمبراطورية.

ملامحي كانت تشبه بشكل كبير الدوق ديزموند من الشمال، الذي كانت العائلة الإمبراطورية تكرهه بشدة.

كانوا ينفرون مني بسبب مظهري، معتقدين أنه نذير شؤم.

ولكن، لم أكن من النوع الذي يستسلم بسهولة.

منذ أن تجسدت في هذا الجسد، تغيرت الظروف تمامًا.

إهمال طفلة في الخامسة من عمرها بهذا الشكل هو إساءة معاملة للأطفال.

على الرغم من أنني كنت دائمًا غير مبالية، إلا أن هذا الوضع كان غير مقبول حتى بالنسبة لي.

بغضب، طالبتُ بحياة لائقة داخل القصر الإمبراطوري، لكن الرد الذي تلقيته كان رفضًا قاسيًا.

وبعد ذلك، بينما كنت ما أزال أعيش في ظروف سيئة، أنقذني طفل.

"إيزابيلا، سأساعدكِ."

"…… ما اسمك؟"

"إيان هيكيوريا"

كان هذا إيان هيكيوريا، أخي الشقيق من نفس الأم.

على الرغم من أنه كان أخي الشقيق، إلا أنه كان يملك مظهرًا مختلفًا تمامًا عني، وكان الأهم أنه كان في نفس عمري.

"إيزابيلا"

"نعم؟"

"....."

"إيان، لماذا تناديني ولا تتحدث؟"

"آه، آسف"

"...."

"إيزابيلا، ألا تشعرين بالجوع؟"

كنت مستلقية في العلية الضيقة أسترجع ذكرياتي، حين سمعَت أذني سؤال إيان، فقفزت من مكاني على الفور.

بمجرد أن سمعت كلامه، شعرت بالجوع.

"إيان، انتظر هنا، سأذهب وأحضر لنا بعض الطعام من الأسفل"

"انتظري!، سأذهب أنا!، إيزابيلا!"

أمسك إيان بي بينما كنت أهرول نحو السلم.

توقفت وأعطيته ضربة خفيفة على جبينه.

"كيف تمسك بشخص وهو ينزل الدرج بهذه الطريقة؟"

"آسف... لم أقصد ذلك."

هززت رأسي وضربت بلطف على ظهره.

"فقط ابقَ هنا وانتظر بهدوء.، في المرة الماضية قبضوا عليك وعاقبوك، وكنت خائفًا لدرجة أنك بكيت"

عند سماع كلماتي، ارتجف إيان بشكل واضح.

ابتسمت ابتسامة خفيفة وطمأنته بلطف.

"سأذهب وأحضر الطعام، لذا انتظرني هنا في العلية، حسنًا؟"

قبل أن يتمكن إيان من الإمساك بي، أسرعت بالنزول على الدرج وأغلقت الباب خلفي بعنف.

سمعت صوت تنهد إيان الرفيع من خلف الباب.

أخذت أخطو بخفة وأنا أغني.

هذا المكان كان القصر الذي كانت تسكنه الإمبراطورة الراحلة، الآن تسكنه بعض المحظيات.

على أي حال، كان القصر كبيرًا جدًا، نزلت الدرج بحذر، خطوة بخطوة.

كنت أعيش في العلية في الطابق الثالث، أما المطبخ فكان في الطابق الأول.

"يجب أن لا أتعرض لإحدى المحظيات..."

عندما وصلت إلى الطابق الأول، توقفت عن الغناء وأخذت أتفحص المكان بحذر وأنا أخطو ببطء.

بما أن الوقت كان في المساء، لم يكن هناك أحد في الممرات.

بهدوء تام، دخلت المطبخ وبدأت أبحث في الخزانة.

كنت متأكدة من أنهم تركوا بعض الخبز هنا من قبل.

كنت منهمكة جدًا في البحث لدرجة أنني لم أسمع خطوات ثقيلة تقترب من خلفي.

"إيزابيلا هيكيوريا، يا سمو الأميرة"

كان صوتًا مألوفًا.

أدرت رأسي ببطء. تلك اللحظة، رغم أنها لم تكن طويلة، بدت لي وكأنها تستمر إلى الأبد.

كنت أتمنى ألا يكون هو، ألا يكون الشخص الذي أفكر فيه.

لكن عندما نظرت بعيني إلى الرجل الواقف خلفي، تأكدت.

"إذًا، كنتِ أنتِ"

"ر-رئيس الخدم..."

نفثت أنفاسي المحتبسة فجأة.

"كنت أتساءل من كان يسرق الخبز"

الرجل الواقف خلفي كان رئيس خدم القصر الرئيسي حيث يعيش والدي، الإمبراطور.

"إيزابيلا، ألم يُخبركِ جلالته أن السرقة ممنوعة؟"

"... لا أتذكر سماع مثل هذا الكلام"

انحنى رئيس الخدم وجثا على ركبتيه، ناظرًا إلي من الأسفل.

"ولماذا لا تتذكرين ذلك؟"

ابتسم وهو يربت على رأسي بلطف.

"هل تحتاجين أن أُذكركِ مرة أخرى؟"

***

"آه! يا له من حقير!"

جلس إيان بجانبي في الغرفة وارتجف قليلًا عندما صرخت.

كنت أتنفس بصعوبة، وألوح بقبضتي في الهواء.

كانت قبضتي الصغيرة والنحيلة تلامس الفراغ بلا قوة.

"مع كل هذا المال الذي يملكونه!، هل يهمهم لو سُرق منهم قطعة خبز واحدة؟!، إنهم بخلاء!"

صرخت بغضب وحقد، فغطى إيان أذنيه وعبس.

"لا تستخدمي الألفاظ السيئة!"

"إيان، هذا الإمبراطور يستحق أن يُشتم"

ألا يستطيع إعطاء قطعة خبز واحدة لطفل ينمو؟.

بدلًا من قول "خذ، كُل"، كانوا يرفضون حتى إعطائي هذا.

اشتعل غضبي مرة أخرى بعد أن كنت على وشك أن أهدأ.

"إنه حقير حقًا!"

"إي-إيزابيلا..."

أمسك إيان بأكمام ملابسي الرثة بإحكام.

عندما رأيت وجهه الشاحب من الخوف، توقفت عن الكلام.

كان يبدو وكأنه على وشك البكاء.

أدركت بسرعة خطأي، وبدأت أهدئه بخوف.

"آسفة، إيان، هل أخفتك كثيرًا؟، حقًا أنا آسفة، هل أنت بخير؟"

إيان يخاف من الأصوات العالية، ربما كان ذلك بسبب ذلك الإمبراطور اللعين.

آه، تذكرت ذلك مرة أخرى، وهذا يثير غضبي.

"ذلك المجنون يستحق أن يُشتم—"

"توقفي عن الشتم!"

صرخ إيان وهو يغلق عينيه بإحكام، عندما رأيت الدموع تتجمع في عينيه، توقفت عن الكلام.

"... أنا آسفة، حقًا آسفة، إيان، هل أخفتك كثيرًا؟، أنا آسفة، أنا شخص سيء. آسفة، إيان"

عندما بدأت أتكلم بلطف، انفجر إيان بالبكاء بعد أن كان على وشك أن يسيطر على دموعه.

"أنتِ لستِ شخصًا سيئًا، إيزابيلا!"

بوضعي الغريب، احتضنت إيان بشدة.

لقد جعلته يبكي، يا للمصيبة، ماذا سأفعل الآن؟

"لا تبكِ، من فضلك"

بدأت أربت على ظهره لأهدئه.

رد إيان بصوت صغير بعد فترة من الهدوء.

"لن أبكي، أنا بخير."

"هل أنت بخير الآن؟"

أومأ برأسه عدة مرات.

رغم أنه بكى قليلًا، إلا أن عينيه أصبحتا حمراوين.

ربتت بلطف على عينيه وأنا أقول:

"عيناك منتفختان، لا بد أنه يؤلم"

"لا، لا يؤلمني"

ابتسم إيان بخفة، بلعت أنفاسي ونظرت بعيدًا.

رغم أنه كان وقت الظهيرة، كانت السماء مظلمة وكأن الثلج على وشك أن يبدأ في التساقط.

"يبدو أن الشتاء قادم."

"الشتاء قادم الآن."

"نعم، سيكون الجو باردًا."

"غرفة العلية باردة جدًا."

"سأحضر لكِ ملابس ثقيلة."

"صغيري العزيز، انتظر أختك، ستفعل اختك كل شيء."

قلت ذلك بابتسامة، فاحمرّت عينا إيان مجددًا.

"أنا لستُ أخاكِ الصغير، إيزابيلا!"

أهذا شيء يجعلك تبكي؟

"حسنًا، حسنًا، لستَ أخي الصغير، أنت توأمي"

عند سماع كلامي، بدأ إيان يفرك عينيه بقوة ويصرخ :

"لستُ توأمكِ!"

نظرت إليه بدهشة.

إذًا، من تكون؟.

بعد أن التقى نظري بنظره، بدأ إيان يتلعثم في الرد.

"أنا... سأكون صديق إيزابيلا"

ثم عانقني إيان بشدة، ضحكت واحتضنته بلطف وربتّ على ظهره.

"إيان."

"نعم؟"

"لنكن أصدقاء إلى الأبد."

"نعم!"

ابتسم إيان بسعادة غامرة، بينما ارتسمت ابتسامة هادئة على وجهي.

بعد قليل، جلست أنا وإيان بجانب النافذة.

كان إيان قد نام على كتفي، وشعرت بوزن رأسه وصوت أنفاسه المنتظمة، كان ذلك شعورًا لطيفًا.

نظرت إلى الحديقة الخلفية حيث كانت الثلوج تتساقط وتغطي الأرض.

كان إخوتي غير الأشقاء يلعبون هناك، يركضون ويلهون معًا وسط الثلوج المتراكمة.

كلهم كانوا يمتلكون عيونًا حمراء وشعرًا أسود.

رغم أنهم وُلدوا من أمهات مختلفات، إلا أن دم الإمبراطور كان قويًا لدرجة أن ملامحهم كانت متشابهة تمامًا.

حتى إيان، الذي يُفترض أنه أخي الشقيق، كان يمتلك عيونًا حمراء وشعرًا أسود حالك.

ولكن هناك شخص واحد فقط...

"أنا الوحيدة ذات الشعر الفضي والعينين الزرقاوين بين هؤلاء الأطفال"

تمتمت وأنا أعبس بشفتي.

"إن التمييز بسبب المظهر أمر غير عادل"

لا شيء أسوأ من الحكم على شخص فقط بسبب مظهره.

"حقًا، إنه غير عادل..."

بينما كنت أحدق من النافذة، استندت برأسي على كتف إيان.

"هل نهرب؟"

خرجت الكلمات من فمي دون وعي.

نظرت ببطء إلى إيان، ووجدت وجهه غارقًا في النوم العميق، غير مدرك للعالم من حوله.

"هل نهرب من هنا؟"

كنت مترددة في ترك إيان هنا وحده، فهو لا يزال صغيرًا.

لكن في المستقبل، في المستقبل القريب جدًا، سيصبح إيان الإمبراطور.

الإمبراطور الذي سيقتل والده الإمبراطور، وإخوته غير الأشقاء الذين أساؤوا إليه، وحتى أنا.

ثم سيقع في حب البطلة الجميلة ويعيش بقية حياته في سعادة.

سيكون إيان بخير، سيتجاوز كل شيء وينجح في حياته.

لذا، ربما لا بأس إذا تركته.

"إيان، أنا سأهرب"

أخذت أصابع إيان وبدأت ألعب بها بلطف.

ظل نَفَسه الهادئ والمستمر يداعب أذني، بينما كان يغفو بسلام.

أغمضت عيني ببطء.

شعرت وكأن الوعي يبتعد عني.

وكأن أحدًا كان يربت على رأسي بلطف.

***

بعد اتخاذي قرار الهروب، بدأت أخطط بشكل تدريجي اعتباراً من اليوم التالي، أول ما كان علي فعله هو تحديد تاريخ الهروب، بشكل غير متوقع، تم اتخاذ القرار بشأن التاريخ بسرعة.

"الي أين تذهبين يا صاحبة السمو؟"

ابتسمت عندما كنت أحاول التسلل إلى الباحة الخلفية النائية التي لا يوجد بها طريق.

"أذهب للتنزه، فقط للتنزه" 

"لكن طريق التنزه هناك" 

"أحياناً لا يكون من السيئ سلك طريق مختلف، أليس كذلك؟" 

"لكن لا يوجد طريق هنا." 

كان الحراس، الذين يحافظون على حراسة مشددة، يعيدونني إلى القصر بمجرد أن أظهر أي نية مشبوهة، بهذه الطريقة، ليس فقط الهروب مستحيلاً، بل حتى التنزه. 

"الأطفال عادةً ما يكون لديهم روح مغامرة قوية، إنهم يستكشفون العوالم المجهولة" 

"لقد رأيتك هنا للمرة الخامسة." 

لم أجد ما أرد به، فقلت بامتعاض وأنا أعقد شفتي قليلاً. 

"لا تخبر والدي..." 

ابتسم الفارس ابتسامة خفيفة وسألني : 

"هل تشعرين بالملل يا صاحبة السمو؟" 

"قليلاً." 

"ماذا عن الأمير إيان؟" 

"إيان نائم الآن." 

"وأنتِ؟" 

"لم أستطع النوم، لذلك خرجت." 

نظر إلي الفارس لبرهة قبل أن يمد يده ويسأل : "هل تريدين أن أحملكِ؟" 

"نعم." 

قفزت بسرعة على ظهر الفارس، قال إنه سيحملني حتى القصر، وإذا رفضت سأكون ساذجة. 

"أيها الفارس، أشعر بالملل، ألا يمكنك أن تروي لي قصة؟" 

"أي قصة تريدين سماعها؟" 

"ممم، ماذا يفعل والدي هذه الأيام؟" 

"نفس الشيء كالمعتاد." 

لكن ما هو الشيء المعتاد؟ 

"ما هو الشيء المعتاد؟" 

"يصب غضبه يومياً." 

"على من؟" 

"بالطبع، على الدوق ديزموند من الشمال..." 

توقف الفارس عن الكلام فجأة ونظر إلي، وضعت رأسي على كتفه وسألت :

 

"هل يكره الدوق ديزموند لأنه يشبهني؟" 

"لا أعلم، لا يمكنني معرفة نوايا جلالته." 

"إذن، ماذا عن الأمور الأخرى؟" 

سألت بصوت مرح مزيف، وبعد لحظة من الصمت، أجاب الفارس : 

"قريباً سيكون عيد ميلاد الإمبراطور." 

"حقاً؟" 

"نعم، الجميع مشغولون بالتحضير لحفل عيد الميلاد، وأنا كذلك مشغول." 

"لماذا أنت مشغول؟" 

"في يوم الحفل، سيتم تعيين معظم الحراس في القصر المركزي، وأنا أيضاً سأكون هناك."

 

"آه، هكذا إذن...؟" 

"نعم." 

شعرت بأن فكرة ما بدأت تتضح في ذهني، أخفيت ابتسامتي بوضع وجهي على كتف الفارس، لقد توصلت إلى طريقة لاختراق هذه الحراسة المشددة، إضافةً إلى ذلك، عرفت متى يجب أن أهرب.

في يوم حفل عيد ميلاد الإمبراطور،

حيث ستتركز الحراسة في القصر المركزي، ما يعني أن الحراسة في هذا القصر النائي ستصبح أكثر تساهلاً.

* * *

مر الوقت سريعاً حتى وصلنا إلى يوم حفل عيد ميلاد الإمبراطور.

"إيان، ما بك؟، ماذا حدث؟" 

"لا شيء، لا شيء على الإطلاق." 

في يوم الحفل، كان تصرف إيان غير عادي، كانت عيناه تنضحان بقلق لا يمكن إخفاؤه، وكان يفتح فمه وكأنه يود أن يقول شيئاً من حين لآخر، حولت نظري من النافذة المغطاة بالثلوج إلى إيان وقلت له بهدوء : 

"لا بأس، أنا هنا" 

"ليس لدي أحد غيركِ يا إيزابيلا" 

"هذا كلام لطيف منك" 

لكن حتى بعد تلك الكلمات المطمئنة، لم يختف القلق من عيني إيان، ولا حركة شفتيه المستمرة. 

"إيان، هل لديك شيء تريد قوله لي؟" 

"لا، لا شيء." 

"إذاً هل أنت مريض؟" 

"لا، لا، لست مريضاً." 

"حسناً..." 

سيبدأ حفل عيد ميلاد الإمبراطور في وقت متأخر من المساء، كان كل من في القصر مشغولاً طوال اليوم بالتحضير للحفل، وكانت محظيات الإمبراطور مشغولات بالتزيين أيضاً،

لم ندعُ أنا وإيان إلى الحفل، لذلك لم يكن هناك حاجة للتحضير، قضيت اليوم ألعب مع إيان. 

"إيان، بعد حفل عيد الميلاد، يبدو أن هناك اجتماعاً للنبلاء." 

"واو، إيزابيلا!، هل سيأتي الدوق ديزموند أيضاً؟" 

"لا، لقد قال إنه سيحضر بعد خمس سنوات" 

إيان، الذي تعلم القراءة مؤخراً، صاح بحماس، أعطيته الصحيفة واستلقيت على ظهري.

 

"اقرأ لي، أشعر بالكسل." 

"يقولون إن الدوق ديزموند أصدر بياناً رسمياً انه سيحضر بعد خمس سنوات، إيزابيلا، ما هو البيان الرسمي؟" 

"يعني أن الدوق صرح بالحقيقة بنفسه" 

"آه، فهمت." 

بعد اللعب مع إيان لفترة، بدأت أشعر بالجوع، فنظرت من النافذة، كان الظلام قد حل تماماً، الآن هو الوقت المناسب. 

"إيان." 

"نعم؟" 

"ابق هنا، سأخرج لفترة قصيرة." 

"إيزابيلا؟، إلى أين تذهبين؟" 

"للتنزه، سأخرج للتنزه لفترة قصيرة." 

"لماذا؟" 

"... لأرى الثلج، أنت لا تحب الثلج، لذا ابق هنا، إذا شعرت بالجوع، كل بمفردك" 

"حسناً، عودي قريباً" 

تردد إيان قليلاً قبل أن يلوح لي بيده، ابتسمت له وأنا أغادر الغرفة، شعرت بشيء غريب عندما فكرت أنني قد لا أرى إيان مرة أخرى بعد هذه اللحظة، لكن هذا الشعور سرعان ما طغى عليه التوتر. 

نزلت بسرعة إلى الطابق الأول وركضت عبر الحديقة الخلفية  أصبت بخدوش وجروح هنا وهناك، لكن لم يكن لدي وقت للتوقف، إذا توقفت، قد يتم اكتشافي، ركضت حتى شعرت أن أنفاسي تكاد تنقطع، ووصلت إلى البوابة الخلفية للقصر، اختبأت بجانب البوابة المفتوحة. 

'يا إلهي، سأموت من التعب' 

لم أستطع حتى التنفس بصوت عالٍ خوفاً من أن أُكشف، أخذت نفساً ضئيلاً وأنا أنظر حولي، سمعت أن هناك فتحة سرية في الجدار كان إخوتي غير الأشقاء قد حاولوا العبث بها قبل أن يتم اكتشافهم. 

"وجدتها" 

تحت ضوء القمر الساطع، رأيت جدار القصر يتألق بجوهرة لامعة، اقتربت منها بهدوء، بدا وكأن هذه الجوهرة جذابة بشكل غريب، كأنها تجذب الناس نحوها، مددت يدي بحذر ولمست الجوهرة برفق. 

"تشينغ!" 

"أوه!" 

بمجرد لمسي للجوهرة، تحطمت، رغم تحطم الجوهرة، لم يحدث أي تغيير في الجدار، قلبي هبط إلى قدمي. 

"يا إلهي، ما الذي فعلته؟" 

لقد ارتكبت خطأً فادحاً، يا لها من كارثة... 

"أوه؟" 

رفعت يدي لأمسك رأسي، لكن توقفت فجأة، كانت يدي تتوهج بشفافية، بل ليس فقط يدي، بل جسدي كله بدأ يختفي ويضيء بشفافية. 

"ماذا؟ ماذا يحدث؟" 

هل سأموت الآن؟، حقاً؟، هل سأنتهي هكذا ببساطة؟، هل سأختفي هكذا؟، الآن فهمت لماذا تعرض إخوتي غير الأشقاء للعقاب عندما حاولوا العبث بهذا المكان، لو كنت أعلم أن هذا الفخ موجود، لما اقتربت منه أبداً! 

رفعت نظري نحو السماء بتعبير مليء بالدهشة، هل سأموت حقاً؟، يا لها من حياة... أغمضت عيني مستسلمة. 

* * *

"آه، الجو بارد! بارد جداً...!" 

هل أشعر بالبرد؟ 

"كيف أشعر بأي شيء؟" 

"عما تتحدثين؟" 

بينما كنت مستلقية على الأرض، ظهر فجأة أمامي وجه فتى صغير، حدقت بشعره الأشقر البلاتيني الذي كان ينسجم بشكل رائع مع السماء الزرقاء، وقلت بذهول : 

"وسيم جداً..." 

"ماذا؟" 

"لا شيء، أين أنا؟" 

"نحن في العاصمة، عاصمة هيكوريا، قومي بالوقوف الآن" 

كان الفتى يحدق بي بتعجب قبل أن يمد يده لي، أخذت أفكر قليلاً، إذا لم أكن قد مت، وتمكنت من الهروب بفضل تلك الجوهرة، فهذا يعني أنني نجوت!، بالتأكيد لن أموت بتلك السهولة، السماء صافية، يبدو أن الشمس قد أشرقت. 

بينما كنت أفكر في كل ذلك، لم أكن قد أمسكت بيده بعد، مما جعله يهز يده بخفة ليدعوني للوقوف. 

"قفي، سأوصلك إلى منزلكِ، ستصابين بالبرد إن بقيتِ هنا." 

"لا، لن أعود للمنزل، لدي مكان يجب أن أذهب إليه." 

أمسكت بيده ونهضت، بينما كان الفتى ينظر إلي بحيرة ويسأل : 

"أنتِ وحدكِ؟، إلى أين ستذهبين؟" 

"إلى الشمال." 

عندما أجبت، رأيت الفتى يرتجف قليلاً، شعرت بشيء مريب. 

"ما الأمر؟ هل هناك شيء خطير في الشمال؟"

"لا، ليس هناك شيء،  لكن... هل تعرفين الطريق إلى الشمال؟" 

حاول الفتى تغيير الموضوع بطريقة واضحة، فأجبته بنبرة هادئة بعد أن حدقت به لفترة وجيزة. 

"لا، لا أعرف الطريق، لكن يمكنني أن أسأل الناس." 

"ألا تعرفين ما هو الشمال؟" 

"الشمال؟، إنه المكان الذي يعيش فيه الدوق ديزموند." 

تردد الفتى قليلاً قبل أن يسأل: 

"هل ستذهبين لمقابلة الدوق ديزموند؟" 

"نعم، سأقابله بالتأكيد." 

"لماذا؟" 

"سأجعله يربيني" 

كشفت عن هدفي الذي لم أخبر به أحداً من قبل. 

فتح الفتى عينيه بدهشة وسأل : 

"هل أنتِ ابنة الدوق؟" 

"لست كذلك الآن، لكن قريباً." 

نظرات الفتى المرتبكة كانت تتجه نحوي، لكنني لم أكن مهتمة بذلك وأمسكت بذراعه.

"هل تعرف الطريق إلى الشمال؟" 

"نعم، أعرف" 

"رائع! إذن خذني معك!" 

نظر الفتى إلي بنظرة غريبة، ابتسمت له ابتسامة كبيرة، محاولة تهدئته، أردت أن أوضح له أنني شخص طيب ولن أؤذيه. 

"أنا مجرد شخص من العامة، لا أستطيع أن آخذكِ معي بهذه البساطة" 

ابتسمت له مرة أخرى، من الواضح أن ملابسه كانت مصنوعة من أقمشة لا يستطيع حتى النبلاء الأغنياء الحصول عليها بسهولة، بدا وكأنه ابن لعائلة نبيلة رفيعة، شعره البلاتيني... تذكرت أن هناك عائلات تمتلك هذا اللون، لكنني قررت التوقف عن التفكير في ذلك. 

"لا بأس، طالما أنني قلت إنني بخير، فلن يستطيع أحد فعل أي شيء." 

ظل الفتى ينظر إلي لبعض الوقت قبل أن يقترح : 

"إذاً، سأذهب معكِ إلى الشمال، كنت سأذهب إلى هناك على أي حال." 

"حقاً؟، هذا رائع! لنذهب معاً." 

لم أسأله لماذا كان سيذهب إلى الشمال مددت يدي له، الفتى نظر إلى يدي بتمعن، وكأنه يتعلق بحبل نجاة، ثم أمسك بها بقوة. 

"ما اسمك؟"

"... ريان" 

"أوه، ليس لديك لقب... آه، صحيح، أنت قلت أنك من العامة، آسفة." 

"لا بأس." 

اسم "ريان" ذكرني بالشخص الذي تركته في القصر، عندما فكرت في إيان الذي قد يكون الآن وحيداً ويبكي، شعرت بالحزن، ربما كان علي ألا أتركه. 

كان الفتى ينظر إلي باستغراب، لكنني دفعت شعور الحزن جانباً.

إيان ذكي ويعرف كيف يتصرف، سيكون بخير.

 

"اسمي إيزابيلا، فقط نادني إيزابيلا." 

تخلصت من أفكارها بشأن إيان وابتسمت برقة، على أي حال، إيان سيصبح الإمبراطور بعد بضع سنوات، وأنا هربت لأعيش. 

"لنذهب بسرعة، أنا مشغولة، قدني" 

كان علي الهروب قبل أن يمسك بي الإمبراطور، بما أن هذا هو اليوم التالي لهروبي، فمن المؤكد أن الإمبراطور قد علم، أسرعت في خطواتي، ولم يسألني الطفل شيئاً، ولم أسأله بدوري أي شيء، من اللحظة التي التقينا فيها، قررنا أن نذهب معاً إلى البوابة المؤدية إلى الشمال بصمت.

* * *

بعد انتهاء حفلة عيد الميلاد، دخل الإمبراطور إلى مكتبه وجلس، زفر تنهيدة طويلة، معبرة عن الإرهاق الذي كان يشعر به. 

"التعامل مع النبلاء أمر مرهق دائماً" 

ابتسم المستشار بخفة وهو يدخل لتقديم تقريره. 

"لحسن الحظ، لم يكن الأمراء والأميرات موجودين اليوم." 

قال المستشار وهو يتذكر تصريحات النبلاء اللاذعة المخفية باللباقة، لو كانت الأميرة إيزابيلا الذكية حاضرة، ربما كانت الأمور ستصبح أكثر تعقيداً. 

"نعم، صحيح." 

لكن الإمبراطور كان يفكر بطريقة مختلفة قليلاً، فكرة أن أطفاله الصغار، الذين لا يزالون صغاراً ولا يعلمون شيئاً، قد يكونون سمعوا تلك الكلمات، جعلته يشعر بعدم الارتياح. 

مسح وجهه بيديه الجافتين وأصدر أمراً بشكل جاف: 

"ابدأ في التقرير" 

كان يتلقى تقارير يومية عن تحركات إيان وإيزابيلا، بينما كان ينتظر التقرير كالمعتاد، لاحظ أن المستشار كان يتردد عدة مرات. فبادر الإمبراطور بالسؤال : 

"هل حدث شيء ما؟" 

"الجوهرة الموجودة في الحديقة الخلفية للقصر حيث تقيم المحظيات قد تحطمت، ولم يُعثر على أي أثر لها" 

سأل الإمبراطور وهو يضرب مكتبه بخفة بأصابعه، مستغرقاً في التفكير : 

"من الجاني؟" 

هز المستشار رأسه نافياً، فاستفسر الإمبراطور مرة أخرى : 

"هل تشك في أحد؟" 

"لا، لم يكن هناك أحد في ذلك المكان، لذا لم يكن هناك شهود" 

ساد الصمت في المكتب للحظة، وكان المستشار يعض شفتيه بتوتر، قطع صوت النقر على الباب هذا الصمت المميت. 

"جلالتك، هناك أمر طارئ." 

"ادخل." 

كان الشخص الذي دخل هو قائد فرسان القصر الملكي. 

"الأميرة إيزابيلا اختفت." 

أعلن القائد بلهجة هادئة، أدار الإمبراطور رأسه ببطء لينظر إلى المستشار، وكأن نظراته تقول :

"أنت المسؤول عن مراقبة إيزابيلا وإيان، كيف لم تعلم بذلك؟" 

هز المستشار رأسه بخفة، وأوضح :  

"عندما كنت أقوم بتجهيز التقارير، لم أكن أعلم بذلك" 

"أنا أيضاً علمت بالأمر للتو، جلالتك، هذا حدث خلال حفلة عيد الميلاد." 

تنهد الإمبراطور بتعب، ثم سأل : 

"هل تعرف أين ذهبت؟" 

"عذراً، لا نعرف بعد" 

انحنى قائد الفرسان، فأشار الإمبراطور بيده قائلاً : 

"لا بأس، ابدأوا بتفتيش القصر أولاً، وإذا لم نعثر عليها بحلول الصباح، نبدأ في البحث في العاصمة." 

"نعم، جلالتك." 

تألقت عيون الإمبراطور بحذر وأضاف : 

"إذا عثرتم عليها خارج العاصمة، بلغوني على الفور." 

"نعم، جلالتك." 

ابتسم الإمبراطور ابتسامة مريبة وقال :

 

"يبدو أن عليّ الذهاب بنفسي لأحضر ابنتي التي أحبها كثيراً." 

تردد صدى ضحكته المنخفضة في أرجاء الغرفة، أغلق المستشار عينيه للحظة قبل أن يفتحهما مجدداً، بعد أن ألقى قائد الفرسان نظرة خاطفة على المستشار، غادر المكتب بعدما حيا الإمبراطور. 

بقي الإمبراطور والمستشار وحدهما، وكان المستشار يعض شفتيه بتوتر، لكنه سرعان ما أخفى تعابير وجهه عندما التقى بنظرات الإمبراطور وقال : 

"سأبدأ بالتقرير، جلالتك" 

أومأ الإمبراطور برأسه وهو يقلب الجوهرة التي كانت تلمع بين يديه، كانت هناك نقطة صغيرة تتحرك على سطح الجوهرة، بينما بدأ المستشار بتقديم تقريره.

"الأمير إيان قضى يومه كله في غرفته..."

***

كان الطريق إلى الشمال هادئًا للغاية، أو بالأحرى، كان الهدوء بيننا فقط، لأن البيئة المحيطة كانت مليئة بالأصوات، لم أستطع تحمل الصمت، فبدأت الحديث أولاً. 

"ريان، ألا يوجد شيء تود معرفته عني؟" 

بمجرد أن طرحت سؤالي، كأنه كان ينتظر ذلك، سألني ريان : 

"لماذا قررت الذهاب إلى الشمال بالذات؟" 

"هل هذا ما يشغل بالك؟" 

"نعم." 

"هذا غريب."

"حسنًا، إذاً ماذا كنتِ تتوقعين أن أسأل؟" 

ابتسم ريان بابتسامة غامضة، فرفعت كتفيّ وأجبت : 

"توقعت أن تسأل عن وضعي العائلي أو لماذا كنت مستلقية وحدي، أشياء من هذا القبيل." 

هز ريان رأسه بابتسامة دافئة وقال : 

"بالنسبة لي، السؤال الأكثر أهمية هو لماذا تذهبين إلى الشمال." 

استغرقت قليلاً في التفكير للرد على ريان، مسترجعة الماضي. 

‘شعر فضي وعيون زرقاء!، تشبهين دوق الشمال!’ 

‘مرحبًا، لماذا لا تذهبين إلى الشمال؟’ 

‘هذا مزعج حقًا، عائلة الدوق من الشمال تسببت في الكثير من المتاعب، والآن أنتِ تزعجينني أيضاً.’ 

‘الناس يتحدثون عن الشبه بينكِ وبين الدوق، ويبدو أن الدوق يتعرض للنقد بسبب ذلك.’ 

لم أكن قادرة على الاندماج مع بقية أفراد العائلة الإمبراطورية بسبب مظهري المختلف، ورغم أنني لم أكن في هذا الجسد سوى لأقل من عام، إلا أن الإهانة والاحتقار الذي تعرضت له يفوق الوصف، كان من العجيب كيف أن هذه الطفلة الصغيرة استطاعت تحمل كل هذا، حتى أنا، بروحي البالغة، وجدت صعوبة في تحمله، ولم أعد أملك القوة الكافية للصمود. 

لهذا قررت الذهاب إلى الشمال، على أمل أن يعاملوني بشكل أفضل، لأنني أشبههم.

"فقط، لأنني أحب الشمال، أليس هذا كافيًا؟" 

لكنني لم أستطع أن أخبر هذا الطفل البريء بكل هذه التفاصيل المعقدة، ابتسم ريان لي برقة. 

"الشمال قاسٍ، بارد طوال العام، عدد سكانه قليل، وبالأخص يحكمه الدوق الجليدي الصارم، ومع ذلك ترغبين في الذهاب؟" 

"نعم." 

"أفهم." 

أملت رأسي قليلاً وسألته : "إذاً، لماذا تريد الذهاب إلى الشمال؟" 

"لأن المكان الذي كنت أعيش فيه كان أكثر قسوة وسوءاً من الشمال" 

أجاب ريان بارتباك، وفي تلك اللحظة تأكدت من شكوكي، ليان كان على الأرجح نبيلًا من عائلة رفيعة المستوى هرب متخفيًا، فهو لا يزال في السابعة من عمره تقريبًا، ولا يستخدم الأطفال في هذا العمر كلمات مثل "قاسٍ"، "جليدي"، "صارم"، ما لم يكن قد تلقى تعليمًا رفيعًا. قد يكون تلقى تعليماً أكثر من الذي حصلت عليه أنا أو إيان. 

قررت عدم الضغط عليه لمعرفة المزيد، فلابد أن لديه أسباباً لإخفاء هويته، ابتسمت وغيرت الموضوع.

"أنا ذاهبة إلى دوقية ديزموند، هل سبق لك أن قابلت دوق ديزموند؟" 

"لا، سمعت أنه لم يظهر للعامة منذ خمس سنوات، لم أره من قبل" 

"لماذا يبقى في قلعته؟، الدوق عادة ما يكون له الكثير من الالتزامات الخارجية." 

"يبدو أنه سيبدأ بالظهور قريبًا، سمعت أنه سيحضر الاجتماع الكبير بعد خمس سنوات" 

أجاب ريان بجدية، حاولت جاهدة منع نفسي من الابتسام، من أين حصل على هذه المعلومات؟، إنه طفل ذكي ولطيف حقًا. 

أثناء حديثنا، وصلنا إلى مبنى كبير.

"يمكنكِ الدخول عبر هذه الدائرة السحرية، هذه الدائرة تؤدي إلى بوابة أمام قصر الدوق." 

أشار ريان بإصبعه إلى دائرة سحرية كبيرة، الثالثة من اليسار.

حفظتُ مكان الدائرة السحرية في ذاكرتي، كنت على وشك أن أطلب من ريان أن يدخل معي، لكنه انحنى قليلاً وأدار ظهره لي، نظرت إليه بتساؤل وأمسكت بذراعه. 

"ريان، ألا تريد استخدام هذه الدائرة؟" 

"سأستخدم تلك." 

وأشار ريان إلى دائرة سحرية تؤدي إلى مدخل الشمال، أومأت برأسي واقتربت من الدائرة السحرية. 

"آه، الأطفال الصغار لا يمكنهم دخولها وحدهم" 

اعترض طريقي الفرسان الذين يحرسون الدائرة السحرية، رفعت رأسي نحوهم بابتسامة صغيرة. 

"تراجعوا." 

"أيتها الصغيرة، لا يجوز أن تخاطبِ الكبار بهذه الطريقة..." 

"صحيح، الأطفال لا يمكنهم استخدام الدوائر السحرية وحدهم." 

فجأة سمعت صوتاً بارداً خلفي، جسدي تجمد في مكانه، رغبت في الهروب فوراً، لكنني لم أستطع التحرك، ببطء، استدرت نحو الصوت، آملاً ألا يكون الشخص الذي في ذهني. 

"جلالة الإمبراطور!" 

انحنى الجميع حولي، شعرت بجسدي يلف في معطف كبير، وكان قلبي يغرق.

"إيزابيلا." 

استدرت ببطء، عندما التقت عيناي بعينيه الحمراء الكبيرتين، شعرت بالخوف يتسلل إلى داخلي،  الإمبراطور، الذي كان ينظر إليّ ببرود، قال بصوت هادئ: 

"الأطفال لا يخرجون من المنزل دون إذن من البالغين، إيزابيلا." 

"...كنت فقط أتجول، لم يأخذني والدي لرؤية العاصمة من قبل، لذا كنت فضولية، أنا آسفة." 

حاولت أن أبقى هادئة بينما كان قلبي ينبض بقوة، لكن يدي كانت ترتعش بشكل لا يمكن إخفاؤه، لاحظ الإمبراطور ذلك بذكاء، وبدون تردد حملني بين ذراعيه، ابتسم ابتسامة صغيرة وقال : 

"أعتذر، إيزابيلا، كان عليّ أن أكون أكثر اهتماماً، لا ينبغي أن أتركك تخرجين وحدك وأنتِ مريضة." 

عضضت على أسناني بقوة، كان يكره أن يعلم الناس أنني أخاف منه، فالإمبراطور الذي يعرفه الجميع هو أب عطوف، غير متحيز، رومانسي، الرجل الذي لا يزال يحب زوجته الراحلة بعد سنوات من وفاتها، والذي يعتني بأطفاله المرضى بحب كبير، هذه هي الصورة العامة عن الإمبراطور، أن تخاف ابنته منه، فهذا لا يتماشى مع تلك الصورة. 

خارج القصر، كان يظهر أمام الجميع بصورة الأب الحنون، إنه نفاق بحت. 

بينما كان يمرر يده على شعري بلطف، قال بصوت دافئ : 

"سأجعلكِ تتجولين في العاصمة متى شئتِ، والآن، لنعد إلى المنزل يا إيزابيلا، فالبقاء في الخارج خطر." 

عضضت شفتي بقوة، الآن سأكون محبوسة في القصر إلى الأبد، لن يسمح لي الإمبراطور بالخروج بعد الآن، لن أتمكن من الهروب مرة أخرى، وفي النهاية سأُقتل على يد إيان الذي سيصبح الإمبراطور. 

بينما كنت أغرق في اليأس، سمعت صوتاً يقول : 

"انتظر لحظة!" 

كان ريان من ناداني، بطريقة ما، غير ريان مظهره واقترب بشجاعة من الإمبراطور ممسكاً بطرف ثوبه. 

"أريد أن أودع إيزابيلا، أنا صديقها" 

ابتسم ريان ببراعة، نظر الإمبراطور إليّ بتساؤل، وكأنه ينتظر مني اتخاذ قرار، أجبت ببطء : 

"...أريد أن أقول وداعاً." 

"حسناً." 

أنزلني الإمبراطور بهدوء، بمجرد أن لامست قدماي الأرض، عانقني ريان بقوة، ثم أمسك بيدي بإحكام، ابتسمت له بخفة.

"إيزابيلا، إلى اللقاء، نلتقي مرة أخرى." 

كان الأمر طبيعيًا تمامًا، فقد استخدم صيغة غير رسمية وكأنه بالفعل صديق، وضعت رأسي قليلاً على كتفه وأجبت : 

"نعم، نلتقي مرة أخرى... حتماً" 

ابتعدت عن ريان، وما إن ابتعدت حتى حملني الإمبراطور مجدداً، تجنبت النظر في عينيه وأنا أعض شفتي. 

"إلى القصر." 

"نعم." 

نظر إلي الإمبراطور بازدراء، وصوته الجاف وهو يعطي الأوامر للفرسان جعلني أشد قبضتي، كان في يدي اليسرى قطعة ورق صغيرة دسها ريان في يدي. 

***

بمجرد عودتنا إلى القصر، سجنني الإمبراطور في زنزانة، كان تصرفه مختلفاً تماماً عن ذلك الذي أظهره خارج القصر، ضحكت بسخرية من هذا الوجه المزدوج، سيحبسني هنا، ثم سيخبر الآخرين أنني ضعيفة الجسد وأقضي وقتي في غرفتي فقط.

جلست على السرير الصلب ونظرت إلى الإمبراطور بهدوء. 

"احرموها من الطعام، واحبسوها لأسبوع"

لن أنسى أبداً عينيه الحمراوين البارقتين عندما قال ذلك، أسبوع، فترة قد تكون طويلة أو قصيرة، ولكن خلال ذلك الأسبوع، كان هناك شخص واحد جاء إلي باستمرار.

"إيان، قلت لك لا تأتي، إنه خطر." 

"إيزابيلا، هل أنتِ بخير؟" 

إيان هيكوريا. 

جاء فور أن سمع أنني سجنت في الزنزان، كنت أحذره دائماً من القدوم لأنه قد يكون في خطر، لكنه لم يكن يستمع أبداً. 

لم أستطع إخفاء شعوري بالذنب كلما جاء إيان لرؤيتي. 

لم يسألني أبداً لماذا خرجت أو لماذا تركته، بدلاً من ذلك، كان يأتي كل يوم ويجلس عند باب الزنزانة، يتحدث معي بلطف كعادته. 

"إيزابيلا، ماذا سنأكل عندما نخرج من هنا؟"

 

"... هل سنخرج حقاً؟" 

"بالطبع، إذا مر الأسبوع ولم تخرجي، فسأخرجك بنفسي، اتركي الأمر لي." 

كان يبتسم ببراءة، وكان يبدو جميلاً جداً، لم أكن أستطيع تصديق أن هذا الطفل سيصبح في المستقبل شخصاً مظلماً ويدمر هذا القصر كله. 

"إيزابيلا، أود أن أبقى بجانبك طوال اليوم."

"مستحيل، عليك أن تذهب الآن." 

كانت الأوقات التي يزورني فيها إيان أقل من الأوقات التي كنت فيها وحيدة في الزنزانة، خلال ذلك الوقت، كنت أفكر ملياً. 

هل سأكون قادرة على الموت إذا حاول إيان قتلي؟.

"سيكون ذلك محزناً جداً، لكن..." 

أعتقد أنني قد أتمكن من فعل ذلك. 

رغم أنني هربت من القصر وتركت إيان وحيداً، إلا أنه لم يظهر أي اضطراب، بدا هادئاً تماماً، وهذا جعلني أشعر بأسف أكبر. 

كنت أشعر بالذنب كل يوم لأنني لاحظت أن عيون إيان كانت حمراء ومتورمة قليلاً بسبب البكاء. 

مهما كان السبب، لا يمكن إنكار أنني جعلت إيان يبكي، عشت طوال الأسبوع محاصرة بالشعور بالذنب، وفي النهاية شعرت بالغضب تجاه الإمبراطور الذي جعلنا نصل إلى هذا الحال. 

"إنه حقاً إنسان ذو وجهين."

"ماذا؟" 

"لا شيء." 

عندما أخرج من هذه الزنزانة، سأجعل الإمبراطور يندم بالتأكيد، وهكذا، مر الأسبوع ببطء شديد، وفي نهاية الأمر، تمكنت من الخروج من الزنزانة بعد أسبوع.

***

"إيزابيلا، هل أنتِ مشغولة؟" سألني إيان بينما فتح الباب بهدوء ودخل الغرفة.

هززت رأسي وقلت : "لا، لست مشغولة، ما الأمر؟" 

"أردت إخبارك بأخبار جديدة." 

"أخبار؟، هل حدث شيء آخر في الخارج؟" 

أسرع إيان نحو السرير الناعم واستلقى عليه بارتياح، عبثت بشعره وأنا أبتسم برضا، يبدو أن تهديدي للإمبراطور فور خروجي من الزنزانة للحصول على غرفة جيدة وخدم كان قرارًا صائبًا.

"يبدو أن شخصًا قد جاء، لكن أبي يبدو في مزاج جيد للغاية"

"الإمبراطور؟، لماذا؟" 

هل زارنا أحد النبلاء المتملقين من أحد الأقاليم؟.

"همم، أعتقد أن أحد النبلاء جاء، لكن لا أستطيع تذكر اسمه" 

وضعت الكتاب الذي كنت أقرأه وسألت: "ألا تتذكر أي حرف منه؟" 

"همم، أعتقد أنه يبدأ بحرف 'د'." 

"ديزموند؟" 

"لا، بالتأكيد ليس ديزموند." 

هز إيان رأسه بعنف، وأنا وافقته بإيماءة. 

"نعم، لو كان دوق ديزموند قد جاء إلى القصر، لما كانت الأمور بهذا الهدوء." 

من المؤكد أن الخدم كانوا سيحدثون ضجة منذ الصباح. 

"إذن من يكون؟، إيان، هل رأيتهم بنفسك؟" 

"نعم! رأيتهم أثناء تجولي في الحديقة الخلفية!" 

"هل كانوا في الحديقة الخلفية؟" 

"نعم، كانوا يتمشون." 

"كيف كان يبد؟، أخبرني." 

وضع إيان يده على ذقنه وأصدر صوت تفكير، وجنتاه المستديرتان بدت عليهما آثار الطفولة البريئة. 

حاولت أن أحتفظ بضحكتي وبدأت أغرز إصبعي في وجنته بينما كنت أنتظر بصبر. 

"كان لون شعره فاتحًا، أفتح قليلاً من الأشقر" 

توقفت عن العبث بوجنته وتجمدت في مكاني. 

شعر بلاتيني؟.

بينما كنت أرتجف بصمت، مال إيان برأسه وسأل: "إيزابيلا؟" 

"إيان، لحظة فقط." 

قفزت من السرير وبدأت أبحث في مكتبي،

"ها هي" 

فتحت ورقة صغيرة بعناية، كانت مكتوبة بخط يد منظم ولا تحتوي سوى على كلمتين.

"إيان، هل يمكن أن يكون النبيل من هذه العائلة...؟" 

عرضت الورقة على إيان الذي فتح عينيه على اتساعهما وهز رأسه بحماس. 

أمسكت بيده وسحبته معي. 

"دعنا نخرج، عليّ مقابلته" 

"هاه؟، هل يمكننا رؤيته بمجرد الخروج؟" 

"نعم." 

أجبت بثقة : "أنا أميرة، إذا طلبت، فلا بد أن يأتي." 

ظل إيان صامتاً وتبعني دون أن ينبس ببنت شفة. 

عندما خرجنا إلى الحديقة الخلفية، تركت يد إيان وبدأت أنظر حولي. 

إذا كان شعره بلاتينيًا، فإنه سيكون من السهل ملاحظته من بعيد، خاصة وسط هذه المساحات الخضراء. 

وبالفعل، لم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى رأيته. 

"ها هو!" 

في الأفق، رأيت رجلاً طويل القامة بشعر بلاتيني يمشي بجانب فتى صغير.

 

اتجهت نحوهما دون تردد.

"إيزابيلا! انتظريني!" صرخ إيان وقد اتسعت عيناه دهشة. 

ربما سمع الرجل والطفل صوت إيان، لأنهما استدارا باتجاهنا. 

توقفت فجأة عن المشي. 

كان إيان يلهث وهو يقول بانزعاج :

"لماذا تركتني؟، خذنِي معكِ... أوه؟" 

أمسك إيان بيدي برفق وقد بدت عليه الدهشة. 

ربتُ على يده بلطف لتهدئته. 

تحدث الرجل ذو الشعر البلاتيني أولاً، انه المستشار.

"سمو الأميرة إيزابيلا، سمو الأمير إيان، ما الذي أتى بكما إلى هنا؟" 

سحبت إيان خلفي ونظرت نحوه بهدوء، كان يبتسم بابتسامة بريئة وهادئة،

ابتسمت بجرأة وقلت : "جئت لرؤيتك"

"أنا؟" فتح عينيه بدهشة وسأل مجددًا. 

"أيمكننا التحدث قليلاً؟" 

بدلاً من الرد، حولت نظري إلى الصبي الذي كان يقف بجوار المستشار. 

أحمر وجه الفتى بشدة وأدار رأسه بعيدًا. 

اقترح الرجل بنبرة هادئة : "ما رأيك أن نذهب إلى مكان آخر؟" 

"نعم، لنتحدث هناك" 

بدأ المستشار والفتى في المشي أمامنا، بينما تبعناه انا وإيان. 

ألقى إيان علي نظرة وكأنه يطلب توضيحاً، لكنني تجاهلته وواصلت المشي. 

بمجرد أن وصلنا إلى مكتب المستشار، توجهت مباشرة نحو الفتى وسألته : "أيها الصغير، أوه، أعني، ما اسمك يا أصغر أبناء عائلة إدوارد؟"

"……أدريان إدوارد"

قال الطفل الذي كان يراقبني بعمق، وكأن الاسم قد خرج منه دفعة واحدة، هززت رأسي عدة مرات، ظهرت لمحة من القلق في عينيه، ثم اختفت سريعًا، كنت أراقب عينيه دون أن أنطق بكلمة، فجأة، تذكرت الفتى ذي الشعر البلاتيني الذي رأيته قبل فترة خارج القصر، كان يقدم نفسه باسم "ريان"، كان لديه شعر وعينان مشابهتان لأدريان، وكان بنية جسمه أيضًا متشابهة، حتى صوته...

شعرت بصدمة وبدأت أراقب أدريان عن كثب مرة أخرى، كأن أدريان أدرك أنني أراقبه، فتوجه بنظره إلي، ابتسمت بخفة وأشرت بفمي بسؤال. "هل التقينا من قبل؟" تجمد أدريا، للحظة، كنت نصف متأكدة أن ريان الذي قابلته خارج القصر هو نفس أدريان.

* * *

"يا معالي المستشار، ألا يمكننا اللعب معًا غدًا أيضًا؟" نظرت إليه بعينين لامعتين، خلال فترة شاي بعد الظهر، اكتشفت أن المستشار ضعيف أمام الأطفال، أظهرت له ابتسامة مليئة بالبراءة وطلبت.

"العب معي غدًا أيضًا."

بدا المستشار مترددًا قليلاً وعبس، بدأت أزيل ابتسامتي ببطء وأظهر علامات الحزن، كنت أرغب في جمع بعض المعلومات عن الإمبراطور، لكن يبدو أن المستشار كان سريع الإدراك.

"أخي."

"نعم؟" جذب أدريان طرف قميص المستشار، التفت المستشار نحو أدريان، ابتسم أدريان ابتسامة عريضة وقال.

"سألعب مع الأميرة والأمير غدًا أيضًا."

مع ابتسامة أخيه الصغيرة والمحبة، وقع المستشار في حب ابتسامة أدريان.

"الأميرة، الأمير، تعالوا غدًا."

قدم لي بطاقة دخول مكتبه بنفسه، تلقيت البطاقة وأنا أخفي ابتسامة مليئة بالمصلحة.

"إذًا، أراك غدًا، معالي المستشار، أدريان."

"باي باي" هز إيان يده بحماس، وسحبت إيان معي إلى الغرفة، كان القصر مظلماً وبارداً قليلاً مع غروب الشمس، كنت أفرك ذراعي الباردتين بينما كنت أحث إيان على الإسراع.

"لنذهب لتناول العشاء بسرعة، أنا جائعة."

"إيزابيلا، هناك..."

أمسك إيان بيدي بإحكام ووقف بي، توقفت بشكل غير مرتاح ونظرت إلى المكان الذي أشار إليه إيان، كان المستشار يتحدث بابتسامة مع زوجته المحبوبة، كان أدريان في أحضان رجل يشبهه تمامًا، قلت بلا مبالاة. "إنها عائلة الدوق إدوارد، لماذا؟" هز إيان رأسه رافضًا واختبأ خلفي قليلًا. "إنه غريب."

"ماذا تقصد؟"

"فقط إنه غريب..." بدأت أراقب الدوق إدوارد وزوجته عن كثب، كان الدوق يبتسم بابتسامة واسعة وهو يحمل ابنه، و...

"يا إلهي." تنهدت بشكل قصير، كانت دوقة إدوارد تنظر إلينا بنظرة حادة، وكأنها تعرفنا، كان من الغريب ألا ألاحظها على الفور، مسحت تعابيري ووجهت إشارة بيدي.

"سأذهب إلى غرفتي."

كأن دوقة إدوارد فهمتني، فأومأت برأسها قليلًا.

سحبت إيان بسرعة إلى الغرفة، سألني إيان بحيرة. "لماذا تتعجلين؟"

"يجب أن نستقبل الضيوف"

"أوه؟"

"دوقة إدوارد تريد مقابلتي بشكل خاص."

"ولماذا؟"

عندما نظرت إليه، كانت تعابيره تسأل عن العلاقة بين ذلك والغرفة، ابتسمت مجددًا وأجبت.

"يجب على الشخصيات الرفيعة أن تحدد مكان اللقاء، أليس كذلك؟"

أرسلت الدوقة زوجها وأولادها بعد إنهاء حديث ممتع معهم، بحجة أنها ترغب في التنزه بمفردها، اتجهت ببطء نحو الحديقة، كانت أفكارها مليئة بصورة الأميرة الصغيرة التي رآتها سابقًا، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي ترى فيها الأميرة إيزابيلا، فقد التقت بها منذ عدة سنوات عندما كانت الأميرة لا تستطيع المشي بشكل جيد، بعد ذلك اللقاء الذي انتهى بالدموع، كانت إيزابيلا قد كبرت كثيرًا، كانت تبدو ناضجة جدًا، لدرجة أنه لم يكن بالإمكان تصديق أنها في الخامسة من عمرها، بل كانت تعتني بالأمير إيان الذي في مثل سنها، شعرت الدوقة بالأسى، واعتقدت أن ذلك كان نتيجة لتصرفاتها وتصرفات زوجها، لو أنها بذلت جهدًا أكبر في لقائها الأول مع الأميرة، لما كانت إيزابيلا تعاني كما هي الآن.

عندما وصلت إلى الحديقة وهي تفكر في مصير إيزابيلا المؤلم، رأت غرفة مضاءة في أحد أركان القصر، كان هناك ظل فتاة صغيرة يتراقص عند نافذة الغرفة، عندما دخلت الحديقة، اختفى الظل في الداخل، يبدو أن الأميرة الصغيرة كانت تنتظرها، ابتسمت الدوقة وهي تتجه نحو غرفة إيزابيلا.

* * *

"لا أعتقد أنها رأتني؟" همست وأنا أقفز على السرير وأتنفس بعمق، عندما دخلت الدوقة إلى الحديقة، كانت تعلم تمامًا أنني هنا، لم يكن يهمني إذا اكتشفت أنني كنت أراقبها، ولم يكن هناك أي عواقب لذلك، لكن كرامتي كانت هي المشكلة، كيف يمكن للأميرة الكبرى أن تجلس عند النافذة تنتظر الدوقة بقلق؟، هذا لم يكن سلوكًا يتسم بالعظمة.

بينما كنت أفكر في تلك الأمور، التفت برأسي نحو الجانب، على الطاولة بجانب السرير، كان هناك ورقة مطوية بعناية، كانت هي نفس الورقة التي ألقيتها بعد أن عرضتها علي إيان، التقطتها مجددًا، وبدأت أفهم لماذا أعطاني أدريان، لا ريان، هذه الورقة [الجنوب، إدوارد.] كان أدريان يريد أن يعرفني بأنه ابن دوق إدوارد في الجنوب، انفجرت في ضحكة صغيرة، يبدو أنه لا يستطيع الاستمرار في الكذب، يا له من طفل لطيف.

"أميرة، إنها أنا"

حينها، دخل صوت أنيق مع دق على الباب، قمت بدفع الورقة بسرعة تحت الوسادة ونزلت من السرير.

"تفضلي بالدخول."

دخلت الدوقة الغرفة، توجهت بسرعة إلى الأريكة وجلست، وسألت : "تفضلي بالجلوس، يا دوقة، هل حدث شيء غير عادي في طريقك هنا؟"

ابتسمت الدوقة بابتسامة خفيفة وهزت رأسها.

"لم يحدث شيء، لقد كبرت كثيرًا، يا أميرة، هل كانت لديك أي مشاكل في هذه الأثناء؟"

"نعم، أنا..."

كنت أريد أن أقول إنني بخير، لكن شعرت أن هناك شيئًا غريبًا، كان سلوكها كما لو أننا التقينا من قبل.

"هل التقينا من قبل؟"

اتسعت عينا الدوقة بصدمة ثم استرخت مجددًا.

"نعم، التقينا عندما كنتِ صغيرة جدًا"

"متى؟"

انتقلت الدوقة لتجلس بجواري، وشعرت بيدها تمسح برفق على شعري، سألت مرة أخرى: "كم كان عمري؟"

"كنتِ اقل من عام، لم تتمكني بعد من الكلام أو المشي، كنتِ طفلة صغيرة جدًا"

"أوه، لا أستطيع تذكر ذلك، كنت صغيرة جدًا."

"لكن لدي قصة أود أن أخبركِ بها من ذلك الوقت، هل تودين الاستماع إليها؟"

"قصة؟"

التفتت نحو الدوقة باهتمام، كانت تبتسم بلطف وهي تمسح شعري برفق.

"عندما كنتِ صغيرة جدًا..."

"..."

"منذ ذلك الحين، كنت أعتقد أنكِ صغيرة جدًا على أن أخبركِ بكل شيء."

"..."

"لكن اليوم، أرى أنكِ قد نضجتِ"

"نعم، صحيح، أنا الآن كبيرة"

لكنني أكبر من مجرد خمسة أعوام، انا في جسد طفلة في الخامسة، لكني أشعر كأني في العشرين، إذا كان ما ستقوله الدوقة يتعلق بسر ولادتي، فأنا مستعدة، قلت بعزم : "قولي لي."

ابتسمت الدوقة بابتسامة أكثر لطفًا مما كانت عليه من قبل، وقالت : "في الواقع، أنتِ لست ابنة الإمبراطور"

… ماذا؟

* * *

زقزقة.

غردت العصافير، نهضت بذهول.

"هل جننت أخيرًا… هل أسمع أصواتًا وهمية؟"

ما الذي يدفع العصافير للغناء في هذا الشتاء… يبدو أن الصدمة كانت كبيرة جدًا… بينما كنت غارقة في ذهولي، سمعت صوت إيان.

"إيزابيلا!، هل استيقظت؟، يمكنني الدخول؟"

فركت وجهي الجاف بيدي، وصحت : "سأعود للنوم!، تعال لاحقًا!"

"حسنا، فهمت!"

تلاشى صوت إيان وهو يركض، غطيت وجهي بالوسادة، لم أنم، لم أنم على الإطلاق، قضيت الليل مستيقظة.

"أنا... لست ابنة الإمبراطور..."

ركلت اللحاف ونهضت.

"هذا جيد جدًا..."

لا يبدو أنني يمكن أن أكون ابنة ذلك الإمبراطور المجنون، لكن هذا لا يعني أن إيان، ابن الإمبراطور، هو شخص سيء، إنه لطيف بشكل لا يُصدق، كما أنه طيب جدًا.

"لكن..."

عندما ابتسمت وأنا أفكر في إيان، عدت فجأة إلى الواقع، تذكرت ما قالته الدوقة البارحة.

"أنت ابنة الدوق دزموند."

"ماذا…؟"

"ألا يتضح كل شيء من مظهركِ؟، لقد كان من المدهش أن الآخرين لم يشكوا في ذلك"

"لكنني كنت أشك..."

"لم يكن ذلك شكًا، بل كان هناك خطط لإقحامك انتِ والدوق دزموند في شائعات سيئة."

"ماذا…؟"

"هل أستدعي الدوق؟، هل تودين إجراء اختبار ابوة؟"

"لا! لا! الإمبراطور لن يتجاهل ذلك!"

"حسنًا، الآن، فكري جيدًا، أميرة، هل ستبقين هنا، أم ستنطلقي لتعودي إلى والدك البيولوجي؟"

"...."

"دوقية إدوارد تدعمك تمامًا"

"لماذا تدعمني؟"

"… ليس هناك سبب عظيم، لأنني كنت صديقة والدتك"

استلقيت على السرير أنظر إلى السقف بذهول، لماذا أعيش كأميرة هنا، وأنا لست ابنة الإمبراطور؟، لا أستطيع أن أتخيل أن وجودي هنا جاء لسبب جيد، ربما تخلت عني عائلة دزموند أو أن الإمبراطور تبناني قسراً، أو ربما وجدوني في الشارع، منذ عدة أيام، كنت آمل أن يُعاملوني بلطف إذا كنت أشبههم، لكنني لم أستطع تأكيد هذا الأمل، عائلتي، رغم كل شيء، هي عائلتي، شعرت بشعور غريب، وضغطت على اللحاف بقوة.

ماذا لو ذهبت إلى الدوق وقلت له إنني ابنته؟ هل سيرحب بي؟، لا أدري، أغمضت عيني مجددًا. لم أرغب في التفكير في الأمر.

"إيزابيلا!، هل استيقظت؟"

فتحت عيني ببطء وزفرة، يبدو أن هذا الطفل يعاني من قلق شديد…

"نعم، استيقظت، تفضل بالدخول، ماذا هناك؟"

"إيزابيلا، لقد قررنا اللعب مع أدريان اليوم!"

فتح إيان الباب بسرعة وهو يصرخ، استعدت جسدي بتثاقل وعبّرت عن تذمري. "إيان، إنها التاسعة صباحًا!"

ربما بدأ المستشار عمله الآن؟.

"أدريان في انتظاركِ"

تمتم إيان وهو يعبس، لم أكن متأكدة مما إذا كان ذلك الصغير سيستيقظ بهذه السرعة، لكنني هززت رأسي.

"حسنًا، سأذهب، سأستحم وأغير ملابسي أولًا."

"حسنًا! سأنتظركِ في غرفتي!"

"حسنًا."

بعد أن تخلصت من إيان، دخلت الحمام وحدي، لم أستدعِ الخادمات، لم أكن أرغب في رؤيتهن اليوم، كنت في مزاج سيئ، ولم أرغب في رؤية الخادمات اللواتي أرسلهن الإمبراطور، كنت أعلم أن هذا تصرف غير مبرر، لكنني شعرت بالاشمئزاز.

غسلت نفسي وحضرت ملابسي، كان فستانًا بنفسجي فاتحًا قد أهدته لي الدوقة، بعد أن سرحت شعري، خرجت من غرفتي وطرقت باب إيان.

"إيان، لنخرج!"

"نعم!"

كما لو كان ينتظر ذلك، خرج إيان من غرفته، وأمسكت بيده وسرنا معًا.

كان الطريق إلى مكتب المستشار سهلا، باستخدام البطاقة التي منحني إياها المستشار، دخلت بسرعة، وجلست مع إيان، بعد حوالي 30 دقيقة من الدردشة، طلبت لقاءً منفردًا مع المستشار.

"هل هناك شيء، أميرة؟"

"أه، ايها المستشار، استمع جيدًا."

أخذت أعبث بكوب الشاي أمامي في صمت، لم يتحدث المستشار، نظرت سريعًا إلى الغرفة التي يجلس فيها الفتيان، ثم بادرت.

"قالوا إنني ابنة دوق دزموند."

"……."

سقط صمت ثقيل في الغرفة، شعرت بالحرج وقلت : "ايها المستشار، قل شيئًا، لقد بدأت الحديث، وهذا يحرجني."

"… أعتذر، لم أتوقع أن تعرفي هذا في مثل سنكِ"

نظر إلي المستشار بنظرة حائرة.

"لا بأس، إذاً، هل تعرف أي شيء آخر؟"

"ماذا تقصدين؟"

"لماذا أعيش هنا، مثلًا."

"كل ما أعرفه هو أنكِ ابنة الدوق دزموند."

"أوه، إذًا لا تعرف شيئًا."

تراجعت إلى الوراء على الأريكة، لم يكن هناك شيء أكثر تأكيدًا من سؤال الشخص المعني مباشرة، سألت المستشار بلا تفكير : "هل يجب أن أذهب وأسأله؟"

"لا تفكري في ذلك"

جاءت ردة الفعل فورًا.

"حسنًا، قد لا يكون ذلك مناسبًا..."

إذا علم الإمبراطور أنني أعرف هذا السر، فلن يتركني وشأني، لن يؤذيني فقط، بل سيضر بالآخرين المعنيين أيضًا، عضضت على شفتاي.

"ايها المستشار، هل تعرف الدوق ديزموند؟"

"… ليس بيننا صداقة وثيقة، لكنني أعرفه"

"حقًا؟، كيف؟"

"كان زميلي في الأكاديمية، على الرغم من أنه ترك الدراسة في وقت مبكر، على أي حال، أعتقد أنه أكبر مني بخمس سنوات"

فوجئت، أخ الدوق أصغر مني بسنة واحدة، ويبدو أنني أحتاج إلى التفكير في الأمر.

"لماذا تسألين ذلك؟"

سأل المستشار بينما يضع كوب الشاي على الطاولة.

"أفكر في زيارته"

كنت أنوي الذهاب إلى الدوق، سقط كوب الشاي من يد المستشار.

مختارات
مختارات

1تم تحديث

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon