كان الممر الضيق داخل الجبل يزداد قسوة مع كل خطوة، وكأن الأرض تدفعهما إلى الأمام بقوة خفية لا يمكن تفسيرها. الرياح تعصف حولهما، وصوتها كان يشبه همسات غير واضحة، كأنها تحاول تحذيرهما من شيء مخيف يقترب. كان إلياس في المقدمة، يحاول أن يضيء المصباح اليدوي الذي يحمله، بينما كانت ليلى تمشي خلفه، عينيها تتسابقان في كل اتجاه، تبحث عن أي حركة غير طبيعية.
"هل أنتِ بخير؟" سأل إلياس وهو يلاحظ أن ليلى قد تراجعت قليلاً عن المسار.
"نعم، فقط... كل شيء يبدو غريبًا جدًا هنا." أجابت ليلى بصوت منخفض، بينما كانت يداها تتلمسان الجدران الباردة للممر.
"لا تقلقي، نحن على وشك اكتشاف شيء كبير." قال إلياس محاولًا أن يطمئنها، رغم أنه لم يكن متأكدًا تمامًا مما كانوا يواجهونه. لكن شعوره بالقلق بدأ يتسلل إلى قلبه. كان هذا المكان غريبًا أكثر مما توقعا.
كان الممر يزداد ضيقًا مع مرور الوقت، والأرض تحت أقدامهما كانت مبللة بالطحالب والرطوبة، مما جعل خطواتهما ثقيلة. في بعض الأماكن، كان السقف المنخفض يضطرهما إلى الانحناء قليلاً حتى لا يصطدم رأسهما بالجدران الرطبة. وفي لحظة، شعر إلياس أن المصباح بدأ يخفت ضوءه، وكأن الظلام نفسه كان يلتهمه شيئًا فشيئًا. نظر إلياس إلى ليلى، ثم أوقف خطواته.
"يجب أن نكون حذرين الآن." قال إلياس، وهو يحاول أن يركز أكثر في محيطه. "هذا المكان غريب جدًا، ويجب أن نكون مستعدين لأي شيء."
لم ترد ليلى، لكنها بدت متوترة أكثر من أي وقت مضى. كانت تحاول أن تسيطر على نفسها، لكنها كانت تشعر بأن هناك شيئًا غير مرئي يراقبها. كانت الظلال تتراقص حولهما، وكأن المكان نفسه كان يحيط بهما بشيء غير مريح. كانت جدران الممر مظلمة وكأنها تتنفس مع كل خطوة، مما جعل المكان يبدو وكأنه حي.
ثم، في لحظة مفاجئة، وصلا إلى نهاية الممر. أمامهما كان مكان مفتوح، أشبه بكهف مظلم عميق. الجدران كانت مغطاة بنقوش غريبة، وكأنها تمثل قصصًا قديمة، مشاهد من زمن بعيد. كانت الأصوات الخفيفة التي سمعوها من قبل تتعالى الآن، تتردد في أذنهما وكأنها قادمة من أعماق هذا المكان الغامض، كأنها صرخات مكتومة عبر العصور.
"هل ترى ذلك؟" قالت ليلى، وهي تشير إلى النقوش على الجدران.
"نعم، تبدو كأنها رسومات قديمة جدًا. ربما تكون هذه هي الإجابة التي نبحث عنها." قال إلياس، وهو يقترب من الجدران بحذر، وهو يشعر بشيء غريب في قلبه. كانت النقوش تمثل مشاهد لآلهة وأشخاص يرتدون ملابس غريبة، مع رموز وصور غير مألوفة. وفي بعض الأجزاء، كان هناك ما يشبه الأعين المراقبة التي تراقبهم من كل زاوية.
بينما كانا يتفحصان النقوش، شعر إلياس بشيء غريب. كانت إحدى النقوش تحتوي على صورة غريبة لشجرة مظلمة، وكان تحتها رمز غريب يشبه مثلثًا مع عين في وسطه. "ما هذا؟" سأل إلياس وهو يشير إلى الرسم.
"إنه مثل عين قديمة... ربما رمز مهم." قالت ليلى، وهي تحاول أن تفسر معنى الرسم. "لكن لماذا الشجرة مظلمة؟ ولماذا العين؟ يبدو أن هنالك شيئًا خفيًا وراء هذه الرموز."
اقترب إلياس أكثر من النقوش، وحاول أن يلمسها، فشعر بشيء غير طبيعي. "إنها حية! كأنها تتحرك." قال وهو يتراجع بسرعة.
وفجأة، اهتزت الأرض تحت أقدامهما، وكأن الكهف نفسه كان يتنفس. تجمدت ليلى في مكانها، وعيناها تراقبان كل حركة، بينما ظل إلياس مشدوهًا أمام الجدران.
"ما الذي يحدث هنا؟" همست ليلى، بينما بدأ الصوت الغريب في التصاعد. كانت الأصوات تبدو الآن وكأنها كلمات قديمة، مشوشة وغير مفهومة، لكنها كانت تناديهما بشكل غريب.
كانت النقوش على الجدران تتوهج الآن، وكأنها تتنفس مع الكهف، وأصبح الصوت أكثر وضوحًا. "هناك شيء ما نحتاج إلى اكتشافه هنا." قال إلياس، وهو يتنفس بصعوبة، لكن فضوله دفعه لمواصلة التحقيق. كان قلبه ينبض بسرعة، وعقله مشوشًا بين ما يشعر به وما كان يتوقعه.
ثم، في لحظة غريبة، بدأت الجدران تفتح تدريجيًا، لتكشف عن ممر آخر أعمق داخل الكهف. كان الضوء ينبعث من هذا الممر، لكنه كان ضعيفًا ومراوغًا، وكأن شيئًا غير مرئي كان يراهن على من يجرؤ على التقدم. كانت الأجواء محملة بالشعور بالخوف، ولكن أيضًا بفضول لا يمكن مقاومته.
"هل نتابع؟" سأل إلياس، وهو ينظر إلى ليلى بعينين مشوبتين بالقلق. "هذا يبدو أكبر مما كنا نتخيله."
ترددت ليلى للحظة، ثم قالت: "نعم، لكن يجب أن نكون مستعدين. هناك شيء غير طبيعي هنا، وأنا لا أستطيع تفسيره." كانت تشعر بأنهما في نقطة فاصلة، قد يغير هذا المكان حياتهما إلى الأبد.
Comments