رسائل إلى القمر Letters To The Moon
...{شـجـن}...
"عندما يستصعب المرئ شيءً، يلجأ لما هو أسهل..."
قال (شَجَنْ) بصوت واهن ذاق من الحياة ما لا يحسده عليه من ذاقوا معنى الغبطة و غاصوا في بُلْهَنِيَةْ...فَرَدَّ عليه (وَرْشَاْنْ) خِلُّهُ الأنيس، و على الرغم من ذلك...فإنه هو الآخر تبقى لديه بعض الإنسانية رغم ترف عيشه و سخائه:
"و هل يستحق هؤلاء التبرير؟"
"ليسوا بحاجة له..." صمت (شَجَنْ) للحظة متأملًا القمر خلال النافذة، ثم أردف: "كانت أمي تلجأ معظم الأحيان إلى ما هو أسهل، كانت تلجأ إلى الكذب...و أنا ممتن لذلك"، يبتسم (شَجَنْ) لـ (وَرْشَآنْ) إبتسامة العارف، ثم يردف: "لأن التعســـاء يـــصدقون أجمـــل الكذبـــات"
... "عندما لا تكون هي في الجوار...أستطيع سماعها تطلب مني أن أصدق أكآذيبها، محاولةً الحفاظ على برآئتي"...شعر (وَرْشَآنْ) بإضطراب بسبب ما سمعه، سأل بلمحة من القلق:
-" 'عندما لا تكون هي فالجوار؟' "
-"إنها موجودة،" أشار (شَجَنْ) إلى القمر خلال النافذة، و أردف:
-"خلف القمر..."
...----------------...
الجميع يعلم لماذا يعاني الأنقياء... الحياة تخلق ملائكة في جهة، و في الجهة الأُخرى تخلق شياطين...و بعد الأخلاق في المرتبة الثانية، لا يحدد ذلك سوى الوعي البشري،،
فيما مضى...{قبل سنوات}
عائِد إلى أرضه من عمله مع المرتزقه، و على جسده وصمة العار التي وصمها أصحاب القرار...إبتداءً من خدوشه حتى أطرافه المُزْرَقَّه من شدة البرد، شعره أشعث، ملابسه تالفه، بشرته شاحبة، ذا عينين عميقتين يخيل لناظرها بأنها المجرة بنجومها، كان مظهر هذا الطفل الذي لم يتجاوز الـخامسة عشر يعكس أسمه ((شـَـجـَـنْ))...
يوجد نزل قريب من محطة القطار أشبه بالكوخ حيث تقطن به والدته التي حرص على إرسال مبالغ من المال لها خلال إنقطاعه عن المنزل...لربما لم يخيل له أن يرى والدته خارج شقتها...أو أن يسمع صوت الحارس و هو يأمر بإخراج جميع متملكاتها و التي هي عبارة عن شال صوفي لم تنتهي هي من حياكته، و صندوق أدوات خياطة صغير،،
لم يخيل له أن يرى والدته مستلقية وسط الثلج، على يقين تام بأن لا وجود للغد الذي طالما إبتغته يوماً...
" أُمَّاه! " هرع إليها مسرعاً، بوجه مذعور، شعر بالمنية و هي تخطف آخر ما عمل لأجله، و أقسى ما يمكن للأم سماعه هو عويل إبنها الذي لطالما إحتضنته في كنفها خائفة من فقدانه، فلم يكن من حولها سوى إخبار إبنها:
"هل تسائلتَ أين تذهب الأرواح النقية؟" رفعت الأُم يدها إلى القمر في حركة متثاقلة مشيرةً إليه، ثم أردفت: "في الجانب الآخر من سماء العالم الآخر...يبتسم القمر بِحُنُوّ للأرواح النقية،، كما تبتسم الأُم لقرة عينيها،، بينما يبقى آخرون أسفل أقدام تحت الأرض، لا أحد يبكي على موتهم، ولا أحد يتذكر ما صنعوه قبلها...
هل تدرك يا ((شَجَنْ)) كم رغبت في أن أحتويك بكل الطرق؟ لكن القدر لا يعرف ذوينا، و ليته كان يعرف...
هل تمنيت أن أُسْتَبْدَلْ باْمرأة أُخرى،، تحتويك في منزل دافئ، تعبث بشعرك، تحكي لك الحكايات، و تُعِدُّ لك كوب كاكاو دافئ؟
أُمُّك لا تستحق أن يغتفر لها،...أُمُّك كانت -و لطالما- كانت كاذبة، و ليتها لم تَكُن كذلك...لكن أجبني، هل أستحق أن أتوارى خلف القمر؟"
"نَعَم...!" بالكاد إستطاع ((شجن)) أن يرد من بين نحيبه...إبتسمت والدته، إبتسامة الأنقياء، و أخذت تهمهم أغنية إعتادت أن تغنيها لمحبوبها...
حتى لفظت آخر نفس لها، و حينها، كان ((شَجَنْ)) مجهشَّا في بشدة البكاء حتى أدركه التعب...
Comments