في اليوم التالي، استيقظت ليلى في وقت مبكر، كما اعتادت دائمًا. لكنها كانت تشعر بشيء مختلف في داخلها، شيء يشبه الاضطراب الذي لا يمكن تجاهله. كان حديثها مع يلو لا يزال يتردد في أذنيها، كلماتها وكلماته، كل ما تم تبادله بينهما في تلك اللحظة في مكتبه. كان هناك شيء عميق يحدث، شيء كانت تحاول فهمه، لكنها لم تكن قادرة على إيجاد كلمات تشرح به إحساسها.
خرجت إلى الحديقة لتمشي قليلاً، لكن هذا اليوم كان باردًا بعض الشيء، وكانت السماء ملبدة بالغيوم، كما لو أن الطبيعة نفسها كانت تعكس المشاعر التي تعصف بها. كانت تسير بخطوات مترددة بين الأشجار، تتنفس الهواء البارد، لكن قلبها كان في مكان آخر.
بينما كانت تسترجع أفكارها، شعرت فجأة بوجوده. كان يلو يقف على بعد خطوات قليلة منها، يراقبها بهدوء. تلك المرة، لم يشعرها وجوده بالخوف أو الارتباك كما كان يحدث في السابق. بل على العكس، كانت هناك نوع من الألفة بينهما، نوع من الفهم الصامت.
"لم أكن أظن أنك ستكون هنا." قالت ليلى، محاولًا أن تكون هادئة بينما نظرت إليه.
"أنا دائمًا هنا، ليلى." رد يلو، بابتسامة هادئة، بينما كان يقترب منها. "أنتِ فقط لم تلاحظيني."
كان يلو في تلك اللحظة مختلفًا. لم يكن الشخص الغامض الذي اعتادت أن تراه، بل كان أكثر هدوءًا، وأكثر وضوحًا. كانت تلك المرة الأولى التي تشعر فيها بأنهما ليسا غريبين عن بعضهما البعض.
"أريد أن أتحدث معك عن شيء مهم." قال يلو، وهو ينظر في عينيها. كانت الكلمات بينهما أعمق الآن، أكثر من مجرد حديث عابر.
"ماذا هناك؟" سألته ليلى، وقد بدأت تشعر بأن هناك شيئًا جديدًا على وشك أن يُقال.
"عنّا." قال يلو، بنبرة جادة. "عن علاقتنا، وعن ما قد يحدث في المستقبل."
لم تتمكن ليلى من الرد على الفور. كانت الكلمات التي قالها ثقيلة، كما لو كانت هناك عبء ثقيل يسحبها إلى عمق أفكارها. كانت تشعر بأن كل شيء كان يقترب من نقطة فارقة.
"أنا لا أريد أن أكون الشخص الذي يعقد الأمور، ليلى." أضاف يلو، وهو يراقب رد فعلها. "لكنني بحاجة إلى أن أعرف إذا كنتِ مستعدة لما هو قادم. لأنني لا أستطيع أن أكون نصف شخص في هذه العلاقة."
كانت ليلى تنظر إليه بصمت، بينما كانت الأفكار تتدفق في ذهنها بسرعة. "وأنتِ؟ هل أنتِ مستعدة؟" سألته.
"لا أعلم." أجاب يلو بصراحة، وقد كانت عيونه مليئة بالتردد. "لكنني لا أستطيع أن أستمر في العيش في الظل. في الغموض. أريد أن أكون معك، ليلى. ولكن ليس بطريقة يمكن أن تضر بنا."
كانت نظراتهما تلتقيان بعمق، كما لو كانا يتفحصان بعضهما البعض في محاولة لفهم ما وراء الكلمات. في تلك اللحظة، كانت ليلى تشعر بأن كل شيء يمكن أن يتغير فجأة. كانت تلك اللحظة الحاسمة التي قد تحدد مسار حياتها المقبلة.
**في القصر – مساءً**
في تلك الليلة، كانت ليلى في غرفتها، تحدق في نافذتها، حيث كان الظلام يغلف العالم من حولها. كل شيء كان ساكنًا، لكنه كان ساكنًا بطريقة غير مريحة. كانت تسأل نفسها إذا كانت مستعدة للمخاطرة بكل شيء، وإذا كانت قادرة على أن تكون جزءًا من حياة يلو المعقدة.
كان قلبها يعتصر من الشكوك. ربما كان بإمكانها أن تختار الهروب، أن تبتعد وتعيش حياة أكثر بساطة، دون كل هذه المعاناة العاطفية. ولكن هل كان هذا هو الطريق الذي تريده حقًا؟ هل كانت ستعيش حياتها بالكامل إذا لم تتخذ هذه الخطوة نحو المجهول؟
بينما كانت تفكر في كل هذا، رن هاتفها فجأة. كان يلو قد أرسل رسالة أخرى.
**"هل يمكنك أن تأتي إلى مكتبي؟ هناك شيء يجب أن نتحدث عنه."**
هزت ليلى رأسها بحيرة. كانت تعرف أن تلك اللحظة التي ينتظرها كل منهما قادمة. ربما تكون تلك اللحظة التي تحدد كل شيء.
**في المكتب – بعد لحظات**
عندما دخلت ليلى إلى المكتب، كان يلو يجلس خلف مكتبه كما كان في تلك الليلة السابقة. لكن اليوم، كانت هناك هالة من الجدية في تعبيره، وكأنما كان يستعد لقول شيء مهم.
"أعتقد أننا بحاجة لتحديد ما نحن عليه، ليلى." قال يلو، وهو يرفع عينيه عنها ثم ينظر إليها بتركيز. "أنا لا أريد أن أعيش في منطقة رمادية معك. إما أن نكون معًا، أو أن نترك هذا كله وراءنا."
كانت كلمات يلو قاطعة، لا مجال للمراوغة أو التهرب. كانت تسير نحو مفترق طرق، وكل خيار كان يحمل في طياته عالمًا مختلفًا.
ليلى، التي كانت دائمًا تتفادى اتخاذ القرارات الصعبة، شعرت أن قلبها يهمس لها بشيء واضح هذه المرة. رغم كل الشكوك، رغم كل الخوف، كانت مستعدة لمواجهة المستقبل معه. كانت مستعدة للمخاطرة.
"أريد أن أكون معك، يلو." قالت أخيرًا، صوتها ثابت، رغم التوتر الذي كان يعصف بها.
ابتسم يلو، وكأنما أطلق سراح نفسه أخيرًا من قيود لم يكن يعرف كيف يحرر نفسه منها. "إذاً، دعنا نبدأ هذا الطريق معًا، ليلى."
كان هناك شيء جديد في الهواء. شيئًا أكبر من مجرد كلمات أو وعد. كان قرارًا، بدايةً جديدة لحياة غير تقليدية مليئة بالآمال والشكوك، ولكنها كانت بداية كانت هي الأخرى مستعدة للعيش فيها.
25تم تحديث
تنزيل على الفور
novel.download.tips
Comments