...كنت أسير بخطوات متسارعة نحو باب المشفى، وعقلي يضجّ بالأفكار المتشابكة، لكنني كنت متأكدة من شيء واحد—لن أسمح لأحد بانتزاع قراري مني. خلفي، كانت ملاك تلهث وهي تركض للحاق بي، صوتها يعلو بغضب ممزوج بالذعر، تصيح دون اكتراث لنظرات المارة: ...
...**"أقسم إن فعلتِها سأقتلك!"** ...
...سمعتها بوضوح، لكنني لم أتوقف، لم ألتفت حتى. كنت أعلم أنها غاضبة، مستاءة، ربما خائفة، لكنها لا تفهم. لم يكن بوسع أحد أن يفهم. قبضتُ على حقيبتي بقوة، كأنني أتشبث بذلك القرار الذي أخذته بمشقة، رافضةً أن يزعزعه أحد، حتى لو كانت ملاك نفسها. ...
...لكن فجأة، شعرتُ بشيء غريب… إحساس ثقيل، وكأن الهواء حولي أصبح أكثر كثافة، كما لو أن المكان أصبح أضيق من حولي. التوتر تسلل إلى أطرافي، كأن حواسي التقطت خطرًا خفيًا قبل أن تراه عيناي. ...
...ثم رأيتهم. ...
...رجال، كأنهم ظهروا من العدم، يرتدون ملابس سوداء أنيقة، بدلات متناسقة بأكمام طويلة، وقمصان بأزرار مغلقة حتى العنق، وقبضات أيديهم متشابكة أمامهم في صرامة. كانوا ستة… لا، ربما سبعة، تحركوا بهدوء، بسلاسة، كأنهم جزء من المكان لكنني لم ألحظهم إلا الآن. شكلوا دائرة حولي، أغلقوا الطريق أمامي دون كلمة واحدة، بلا حتى إشارة واضحة. ...
...توقفتُ فورًا، وشعرتُ بقلبي يخفق بجنون. لم أفهم، لم أستطع حتى أن أستوعب ما يحدث. هل هم هنا… بسببي؟ هل يعترضون طريقي؟ ...
...التفتُّ بسرعة لأرى ملاك، لكنها لم تعد تصرخ. كانت واقفة مكانها، وجهها شاحب كالأموات، وكأن الغضب الذي كانت تشتعل به قبل لحظات قد اختفى تمامًا، وحلّ محله رعب خالص. عينها اتسعتا، ويداها اللتان كانتا مرفوعتين بتهديد قبل قليل، سقطتا ببطء إلى جانبيها، وكأنها أدركت فجأة حجم الموقف الذي نحن فيه. ...
...حاولتُ أن أتحرك، أن أخطو خطوة واحدة على الأقل، لكن أقرب الرجال إلي رفع يده قليلًا—لا تهديدًا، لا عنفًا، بل كأنها إشارة صامتة بأنني لن أذهب إلى أي مكان. كان طوله فارعًا، ملامحه جامدة لا تعكس أي شيء، لكن عينيه… عيناه كانتا تراقبانني بثبات، وكأنهما تدرسان ردود أفعالي. ...
...ابتلعتُ ريقي بصعوبة، بينما توتر خانق بدأ يزحف إلى داخلي. من هؤلاء؟ ولماذا بدا أن وجودهم هنا ليس محض صدفة؟ ...
...شعرتُ بأنفاسي تتسارع، ويديّ تتشنجان على حقيبتي بينما حاولت أن أحافظ على توازني وسط الدوامة التي اجتاحت رأسي. نظرتُ إلى الرجال من حولي، وجوههم كانت خالية من أي تعبير، مجرد جدار من الصمت والقوة الصلبة التي لا يمكن اختراقها. لم أكن أعرف من هم، ولماذا كانوا يمنعونني، لكنني كنت أعرف شيئًا واحدًا—لن أذهب معهم طواعية. ...
...**"ماذا هناك؟ ماذا تريدون؟!"** صرختُ، محاوِلة أن أتمسك ببقايا رباطة جأشي، لكن صوتي خرج مهتزًا رغمًا عني. ...
...تقدم الرجل الذي كان أقرب إليّ، ملامحه ظلت ثابتة، باردة، كأن كلماتي لم تعنِ له شيئًا على الإطلاق. رد بصوت هادئ، لكنه حمل نوعًا من الحزم الذي لم يسمح بالمجادلة: ...
...**"يا آنسة، رافقينا أولًا، وبعدها ستفهمين."** ...
...شعرتُ بقشعريرة تسري في جسدي، ورفعتُ ذراعي دفاعيًا، كما لو كان ذلك سيخلق حاجزًا بيني وبينهم. هززتُ رأسي بعناد، خطوة للخلف، ثم أخرى، محاوِلة أن أجد فجوة بينهم، أي مخرج يمكنني الهروب من خلاله. ...
...**"هذا لا يمكن! ابتعدوا عني! سأغادر من هنا!"** صرختُ، لكن لا أحد تحرك، لا أحد أظهر حتى أدنى اهتمام بانفعالي. بدا وكأن كلماتي لم تكن سوى صدى ضائع في الفراغ، وكأنهم قد واجهوا مثل هذا الموقف مئات المرات من قبل، ولم يكن ذلك يعني لهم شيئًا. ...
...الرجل نفسه أمال رأسه قليلًا، كما لو كان يتوقع رد فعلي هذا، ثم قال بنفس النبرة الرتيبة، الهادئة إلى حد الاستفزاز: ...
...**"لا فائدة من هذا، لا تقاومي."** ...
...شعرتُ بدمائي تغلي، استشاطت روحي غضبًا، كيف يمكنهم أن يتصرفوا معي وكأنني مجرد شيء يجب نقله من مكان إلى آخر؟! هل ظنوا أنني سأستسلم بهذه البساطة؟! قبضتُ على الحقيبة بقوة، وصرختُ بانفعال: ...
...**"ماذا تعني؟! هل ستأخذونني غصبًا عني؟!"** ...
...لم يرمش حتى وهو يرد بنفس الثقة المدمرة لكل آمالي: ...
...**"إن تطلب الأمر، أجل."** ...
...شعرتُ وكأن صاعقة ضربتني، جسدي كله تجمد للحظة، لم أعد أسمع شيئًا سوى نبضات قلبي العنيفة وهي تدق في أذني كقرع طبول حرب خاسرة. تحولتُ بسرعة إلى ملاك، بحثًا عن أي تفسير، أي دعم، أي مخرج من هذا الجنون. ...
...لكنها لم تفعل شيئًا. ...
...كانت واقفة هناك، ساكنة تمامًا، وجهها بلا لون، عيناها تحدقان بي بنظرة فارغة، وكأنها لم تعد ترى العالم كما هو. وعندما تحركت شفتاها أخيرًا، لم تقل شيئًا سوى كلمات باردة، محطِّمة: ...
...**"لا فائدة من هذا… انتهى كل شيء."** ...
...كررتها بصوت خافت، وكأنها لم تعد تتحدث إليّ، بل إلى نفسها، وكأنها تحاول إقناع ذاتها قبل أن تقنعني. ...
...وقفتُ هناك، أحدق فيها، الكلمات تتردد في رأسي، تدور كدوامة بلا معنى. **انتهى كل شيء… انتهى كل شيء…** ...
...لكني لم أفهم. لم أفهم أي شيء....
... ...
Comments
✨Jeon✨
تجننن كملي فصول اخرى
2025-03-24
2