20 الفصل

دموع صافية تسللت من جفون عديرة بينما تشد قبضتيها على حقيبة السفر ذات اللون الأزرق.

جاء اليوم الذي لم تتمن صوله أبداً، وما إن كانت تعلم بالتحديد متى سيصل ذلك الرجل، لكن عليها أن تكون مستعدة لرحيل ابنها.

جمعت عديرة كل متعلقات إلفيس، من ملابسه حتى لعبته المفضلة، وأودعتها داخل حقيبته متوسطة الحجم.

لحظة وقفت فيها عديرة تراقب غرفة ابنها التي بدت خالية بوضوح، كما خوت روحها من الدفء الذي كان يضمر برحيل حبيب، وذاب مكانه نفح الهواء البارد الذي يجتاز مسام البشرة.

الغرفة الصغيرة التي زينتها ببساطة حتى يحيا إلفيس براحة، وعلى الرغم من عدم وجود زخرفة جدران، فإنها ستظل حفظة لذكريات طفل.

تجددت العبرات مجددًا على حافة الفراش، وعديرة تكتم أنفاسها بقوة وتغطي فمها بكفيها لئلا يُسمع بكاؤها من قبل ابنها.

أخفت إلفيس في غرفة المعيشة حتى تتمكن من ترتيب أغراضه بنفسها، دون أن يرتاب أو يستفسر، فلم يسبق لعديرة أن أخبرته أن عزيزًا سيأتي اليوم.

"اغفري لي يا بني... هكذا..."

بدا قلب عديرة وكأنه فقد وظيفته، إذ انتشى الضيق في جوانب جسدها حتى نسيت كيف تستنشق الأوكسجين.

ما أعقد أن تأتي الرضا باليقين، فتعلم عديرة أنه لمصلحة إلفيس ومستقبله، لكن أيمكنها الأنانية لمرة واحدة؟ تود لو تحبسه بجانبها وإن ظلت حياته محدودة.

"ماما... ماما...! ساعديني... ماما!"

انقطع بكاء عديرة فجأة بصراخ ابنها من الخارج، هز ذلك النداء كيان المرأة ذات الثوب الأبيض.

"إلفيس..." سرعان ما خرجت عديرة من الغرفة راكضة نحو مكان تواجد صوت إلفيس.

لدى وصولها إلى غرفة المعيشة أصيبت بالدهشة، حيث وجدت ثلاثة أشخاص هناك، رجل وامرأة يحاولان السيطرة على إلفيس المقاوم والصارخ طلبًا لأمه.

بينما شخص ثالث يقف مراقبًا، يحملق نحو عديرة التي ظهرت للتو.

"إلفيس..." كانت في طريقها للإقتراب لكن عزيز حال دون ذلك.

"لا تقتربي!" أمر على نحو مقتضب.

"سيدي... أرجوك لا تجبر إلفيس على ذلك، دعيني أقنعه بنفسي" توسلت عديرة بعدم الرحمة من صرخات إلفيس التي تستغيث بها للإفلات من الاثنين بجانبه.

"لا تحاولي إطالة الوقت، لا يمكنك إقناعه! يجب أن نغادر هنا فورًا" أصر عزيز بإصرار.

"أفلتوا... يا الهي... أريد أمي...! أريد أمي، أفلتوا!! أمي ساعديني!"

"سيدي الكريم، أتوسل إليكم!! دعوني أحتضنه للحظة، أرجوكم!" استمرت عديرة في التوسل وهي تجمع كفيها طلبًا للرحمة، فلعلها آخر عناق تحمله بذاكرتها.

"أعدكم هذه المرة الأخيرة...!"

"لا مجال للمفاوضات! حينما أقول لا، تبقى الإجابة لا!" قال عزيز من دون قبول للحوار.

صمتت عديرة عاجزة عن الاعتراض، فجيلها أن يضاعف معاناة ابنها.

ظهر عزيز إشارة لمرؤوسيه بأخذ إلفيس إلى السيارة، بينما كانت لديه بعض الأمور ليحسمها مع المرأة التي تواجهه.

أخذ الاسترخاص يرتفع مع انصراف الرفاق بإلفيس، وإن كانوا يفعلون ذلك قسرًا.

"ماما... ساعديني... أوه!"

"أمي... أريد أمي!"

"رجاءً، أفلتوني!"

"ماما..."

صدى صرخة إلفيس الأخيرة قبل أن يُستخرج من المنزل ارتج في أركان الغرفة ودوى في طبلة أذن عديرة.

"إل...!"

"إلفيس..."

لم تستطع عديرة فعل شيء، وقفت مقابلها عزيز يحجزها من اللحاق بإلفيس خارجًا.

وحدهما بقيا داخل، وأخذ الجو يزداد توترًا مع تبدل الهواء حولهما. لم تقوى عديرة إلا على التحجر في مكانها وهي تحدق نحو الباب تأمل الهرولة إليه واحتضان إلفيس في الحال.

"يبدو أن ما بيننا انتهى. لكن اسمحي لي أن أقدم لك شيئًا..." هدأ عزيز عن الكلام لحظات.

نظرت إليه عديرة بملامح حزينة، مضطرة للانتباه إليه، غير مدركة لما يعنيه حديثه، دون قدرة على التفكير.

لم تجرؤ على التكهن، إلا أن عديرة كانت تأمل في أن يسمح لها ذلك الرجل بمجرد لمسة لإلفيس ولو لأقل من لحظة.

لكن توقعاتها خائبة، فقد مد عزيز كفه بحقيبة من النقود أُلقيت على الأريكة، ما أظهر أوراقًا حمراء بوضوح.

حدقت عديرة في الحقيبة بحيرة، ثم تجرأت على النظر إلى عزيز وكأنها تطلب توضيح.

"المال مقابل ما أنفقتِه على ابني، بهذا أتمنى عدم وجود أي تعامل مستقبلًا بيننا. لا أريد أن يكون لك فضل عليّ، لذا دفعت كل شيء بالمال. أظن أن ذلك يكفيك!" قال عزيز بقسوة دون مراعاة لمشاعرها.

انزعجت عديرة بشكل فاضح من كلام عزيز، فشعرت بالإهانة وكأن كرامتها استُهينت بقدميه.

ما هذا الذي يظن؟ أيعتقد أن كل شيء يمكن شراؤه بالمال؟!

لم تخفي عديرة غضبها الثائر في صدرها، فقبضت على ذراعيها غيظًا، ولم يسبق لها أن انتابها الغضب من أي شخص مثلما الآن.

ولا ترمح خطوات نعال عزيز وهو يغادر بيت عديرة.

لكن صوتًا مدويًا من صاحبة المنزل أوقف خطواته بالقرب من الباب.

"لا أريد أموالك!"

بشجاعة غير معهودة، رفضت عديرة جزافًا كل نقود قدمها عزيز، ما أجبر الرجل على الالتفات دون استدارة.

"تظن أن كل شيء يمكن أن يشترى بالنقود؟!" عاتبته مجددًا.

"أدرك أنك رجل ميسور، سيدي! أعرف أن مال حقيبة واحدة لا يعني لك شيئًا، لكن ذلك لا يعطيك الحق في شراء كل ما قمت به! لدي كرامتي، مالك لا يعدو كونه قمامة بالنسبة لي!"

"كل ما أريده هو عودة ابني...!"

ومرة أخرى، عبرت عديرة عن مكنونات قلبها دون خوف من الشخص الذي تكلم معه، حتى وإن كان شخصًا نافذًا. ما أرادته فقط هو عودة إلفيس!

ابتسم عزيز ابتسامة مريرة لما خرج من فم عديرة، متجاهلاً كل ما قالته المرأة.

واستقام في وقفته مرة أخرى ليتحدث.

"هل يجب أن أذكرك ثانية، إن إلفيس... ليس ابنك!"

وبعد أن قال هذا، غادر عزيز المكان لينضم إلى السيارة التي فيها إلفيس.

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon