انتي لي
...مخلوقة إقتحمت حياتي !...
...توفي عمي و زوجته في حادث مؤسف قبل شهرين ، و تركا طفلتهما الوحيدة ( رغد ) و التي تقترب من الثالثة من عمرها ... لتعيش يتيمة مدى الحياة . ...
...في البداية ، بقيت الصغيرة في بيت خالتها لترعاها ، و لكن ، و نظرا لظروف خالتها العائلية ، اتفق الجميع على أن يضمها والدي إلينا و يتولى رعايتها من الآن فصاعدا . ...
...أنا و أخوتي لا نزال صغارا ، و لأنني أكبرهم سنا فقد تحولت فجأة إلى ( رجل راشد و مسؤول ) بعد حضور رغد إلى بيتنا . ...
...كنا ننتظر عودة أبي بالصغيرة ، (سامر) و ( دانة ) كانا في قمة السعادة لأن عضوا جديدا سينضم إليهما و يشاركهما اللعب ! ...
...أما والدتي فكانت متوترة و قلقة ...
...أنا لم يعن ِ لي الأمر الكثير ...
...أو هكذا كنت أظن ! ...
...وصل أبي أخيرا .. ...
...قبل أن يدخل الغرفة حيث كنا نجلس وصلنا صوت صراخ رغد ! ...
...سامر و دانة قفزا فرحا و ذهبا نحو الباب راكضين ...
..." بابا بابا ... أخيرا ! " ...
...قالت دانه و هي تقفز نحو أبي ، و الذي كان يحمل رغد على ذراعه و يحاول تهدئتها لكن رغد عندما رأتنا ازدادت صرخاتها و دوت المنزل بصوتها الحاد ! ...
...تنهدت و قلت في نفسي : ...
..." أوه ! ها قد بدأنا ! " ...
...أخذت أمي الصغيرة و جعلت تداعبها و تقدم إليها الحلوى علها تسكت ! ...
...في الواقع ، لقد قضينا وقتا عصيبا و مزعجا مع هذه الصغيرة ذلك اليوم . ...
... ...
..." أين ستنام الطفلة ؟ " ...
...سأل والدي والدتي مساء ذلك اليوم . ...
..." مع سامر و دانه في غرفتهما ! " ...
...دانه قفزت فرحا لهذا الأمر ، إلا أن أبي قال : ...
..." لا يمكن يا أم وليد ! دعينا نبقيها معنا بضع ليال إلى أن تعتاد أجواء المنزل، أخشى أن تستيقظ ليلا و تفزع و نحن بعيدان عنها ! " ...
...و يبدو أن أمي استساغت الفكرة ، فقالت : ...
..." معك حق ، إذن دعنا ننقل السرير إلى غرفتنا " ...
...ثم التفتت إلي : ...
..." وليد ،انقل سرير رغد إلى غرفتنا " ...
...اعترض والدي : ...
..." سأنقله أنا ، إنه ثقيل ! " ...
...قالت أمي : ...
..." لكن وليد رجل قوي ! إنه من وضعه في غرفة الصغيرين على أية حال ! " ...
...(( رجل قوي )) هو وصف يعجبني كثيرا ! ...
...أمي أصبحت تعتبرني رجلا و أنا في الحادية عشرة من عمري ! هذا رائع ! ...
...قمت بكل زهو و ذهبت إلى غرفة شقيقي و نقلت السرير الصغير إلى غرفة والدي . ...
...عندما عدتُ إلى حيث كان البقية يجلسون ، وجدتُ الصغيرة نائمة بسلام ! ...
...لابد أنها تعبت كثيرا بعد ساعات الصراخ و البكاء التي عاشتها هذا اليوم ! ...
...أنا أيضا أحسست بالتعب، و لذلك أويت إلى فراشي باكرا . ...
... ...
...~~~~~ ...
... ...
...نهضت في ساعة مبكرة من اليوم التالي على صوت صراخ اخترق جدران الغرفة من حدته ! ...
...إنها رغد المزعجة ...
...خرجت من غرفتي متذمرا ، و ذهبت إلى المطبخ المنبعثة منه صرخات ابنة عمي هذه ...
..." أمي ! أسكتي هذه المخلوقة فأنا أريد أن أنام ! " ...
...تأوهت أمي و قالت بضيق : ...
..." أو تظنني لا أحاول ذلك ! إنها فتاة ٌصعبة ٌ جدا ! لم تدعنا ننام غير ساعتين أو ثلاث والدك ذهب للعمل دون نوم ! " ...
...كانت رغد تصرخ و تصرخ بلا توقف . ...
...حاولت أن أداعبها قليلا و أسألها : ...
..." ماذا تريدين يا صغيرتي ؟ " ...
...لم تجب ! ...
...حاولت أن أحملها و أهزها ... فهاجمتني بأظافرها الحادة ! ...
...و أخيرا أحضرت إليها بعض ألعاب دانه فرمتني بها ! ...
...إنها طفلة مشاكسة ، هل ستظل في بيتنا دائما ؟؟؟ ليتهم يعيدوها من حيث جاءت ! ...
...في وقت لاحق ، كان والداي يتناقشان بشأنها . ...
..." إن استمرت بهذه الحال يا أبا وليد فسوف تمرض ! ماذا يمكنني أن أفعل من أجلها ؟ " ...
..." صبرا يا أم وليد ، حتى تألف العيش بيننا " ...
...قاطعتهما قائلا : ...
..." و لماذا لا تعيدها إلى خالتها لترعاها ؟ ربما هي تفضل ذلك ! " ...
...أزعجت جملتي هذه والدي فقال : ...
..." كلا يا وليد ، إنها ابنة أخي و أنا المسؤول عن رعايتها من الآن فصاعدا . مسألة وقت و تعتاد على بيتنا " ...
...و يبدو أن هذا الوقت لن ينتهي ... ...
...مرت عدة أيام و الصغيرة على هذه الحال ، و إن تحسنت بعض الشيء و صارت تلعب مع دانه و سامر بمرح نوعا ما ...
...كانت أمي غاية في الصبر معها ، كنت أراقبها و هي تعتني بها ، تطعمها ، تنظفها ، تلبسها ملابسها ، تسرح شعرها الخفيف الناعم ! ...
...مع الأيام ، تقبلت الصغيرة عائلتها الجديدة ، و لم تعد تستيقظ بصراخ و كان على وليد ( الرجل القوي ) أن ينقل سرير هذه المخلوقة إلى غرفة الطفلين ! ...
...بعد أن نامت بهدوء ، حملتها أمي إلى سريرها في موضعه الجديد . كان أخواي قد خلدا للنوم منذ ساعة أو يزيد . ...
...أودعت الطفلة سريرها بهدوء . ...
...تركت والدتي الباب مفتوحا حتى يصلها صوت رغد فيما لو نهضت و بدأت بالصراخ ...
...قلت : ...
..." لا داعي يا أمي ! فصوت هذه المخلوقة يخترق الجدران ! أبقه مغلقا ! " ...
...ابتسمت والدتي براحة ، و قبلتني و قالت : ...
..." هيا إلى فراشك يا وليد البطل ! تصبح على خير " ...
...كم أحب سماع المدح الجميل من أمي ! ...
...إنني أصبحت بطلا في نظرها ! هذا شيء رائع ... رائع جدا ! ...
...و نمت بسرعة قرير العين مرتاح البال . ...
...الشيء الذي أنهضني و أقض مضجعي كان صوتا تعودت سماعه مؤخرا ...
...إنه بكاء رغد ! ...
...حاولت تجاهله لكن دون جدوى ! ...
...يا لهذه الـ رغد ... ! متى تسكتيها يا أمي ! ...
...طال الأمر ، لم أعد أحتمل ، خرجت من غرفتي غاضبا و في نيتي أن أتذمر بشدة لدى والدتي ، إلا أنني لاحظت أن الصوت منبعث من غرفة شقيقي ّ نعم ، فأنا البارحة نقلت سريرها إلى هناك ! ...
...ذهبت إلى غرفة شقيقي ّ ، و كان الباب شبه مغلق ، فوجدت الطفلة في سريرها تبكي دون أن ينتبه لها أحد منهما ! ...
...لم تكن والدتي موجودة معها . ...
...اقتربت منها و أخذتها من فوق السرير ، و حملتها على كتفي و بدأت أطبطب عليها و أحاول تهدئتها . ...
...و لأنها استمرت في البكاء ، خرجت بها من الغرفة و تجولت بها قليلا في المنزل ...
...لم يبد ُ أنها عازمة على السكوت ! ...
...يجب أن أوقظ أمي حتى تتصرف ... ...
...كنت في طريقي إلى غرفة أمي لإيقاظها ، و لكن ... ...
...توقفت في منتصف الطريق ، و عدت أدراجي ... و دخلت غرفتي و أغلقت الباب . ...
...والدتي لم تذق للراحة طعما منذ أتت هذه الصغيرة إلينا . ...
...و والدي لا ينام كفايته بسببها . ...
...لن أفسد عليهما النوم هذه المرة ! ...
...جلست على سريري و أخذت أداعب الصغيرة المزعجة و ألهيها بطريقة أو بأخرى حتى تعبت ، و نامت ، بعد جهد طويل ! ...
...أدركت أنها ستنهض فيما لو حاولت تحريكها ، لذا تركتها نائمة ببساطة على سريري و لا أدري ، كيف نمت ُ بعدها ! ...
...هذه المرة استيقظت على صوت أمي ! ...
..." وليد ! ما الذي حدث ؟ " ...
..." آه أمي ! " ...
...ألقيت نظرة من حولي فوجدتني أنام إلى جانب الصغيرة رغد ، و التي تغط في نوم عميق و هادىء ! ...
..." لقد نهضت ليلا و كانت تبكي .. لم أشأ إزعاجك لذا أحضرتها إلى هنا ! " ...
...ابتسمت والدتي ، إذن فهي راضية عن تصرفي ، و مدت يدها لتحمل رغد فاعترضت : ...
..." أرجوك لا ! أخشى أن تنهض ، نامت بصعوبة ! " ...
...و نهضت عن سريري و أنا أتثاءب بكسل . ...
..." أدي الصلاة ثم تابع نومك في غرفة الضيوف . سأبقى معها " ...
...ألقيت نظرة على الصغيرة قبل نهوضي ! ...
...يا للهدوء العجيب الذي يحيط بها الآن! ...
...بعد ساعات ، و عندما عدت إلى غرفتي ، وجدت دانه تجلس على سريري بمفردها . ما أن رأتني حتى بادرت بقول : ...
..." أنا أيضا سأنام هنا الليلة ! " ...
...أصبح سريري الخاص حضانة أطفال ! ...
...فدانه ، و البالغة من العمر 5 سنوات ، أقامت الدنيا و أقعدتها من أجل المبيت على سريري الجذاب هذه الليلة ، مثل رغد ! ...
...ليس هذا الأمر فقط ، بل ابتدأت سلسلة لا نهائية من ( مثل رغد ) ... ...
...ففي كل شيء ، تود أن تحظى بما حظيت به رغد . و كلما حملت أمي رغد على كتفيها لسبب أو لآخر ، مدت دانه ذراعيها لأمها مطالبة بحملها (مثل رغد ) . ...
...أظن أن هذا المصطلح يسمى ( الغيرة ) ! ...
...يا لهؤلاء الأطفال ! ...
...كم هي عقولهم صغيرة و تافهة ! ...
... ...
...~~ ...
... ...
...كانت المرة الأولي و لكنها لم تكن الأخيرة ... فبعد أيام ، تكرر نفس الموقف ، و سمعت رغد تبكي فأحضرتها إلى غرفتي و أخذت ألاعبها . ...
...هذه المرة استجابت لملاعبتي و هدأت ، بل و ضحكت ! ...
...و كم كانت ضحكتها جميلة ! أسمعها للمرة الأولى ! ...
...فرحت بهذا الإنجاز العظيم ! فأنا جعلت رغد الباكية تضحك أخيرا ! ...
...و الآن سأجعلها تتعلم مناداتي باسمي ! ...
..." أيتها الصغيرة الجميلة ! هل تعرفين ما اسمي ؟ " ...
...نظرت إلي باندهاش و كأنها لم تفهم لغتي . إنها تستطيع النطق بكلمات مبعثرة ، و لكن ( وليد ) ليس من ضمنها ! ...
..." أنا وليد ! " ...
...لازالت تنظر إلى باستغراب ! ...
..." اسمي وليد ! هيا قولي : وليد ! " ...
...لم يبد ُ الأمر سهلا ! كيف يتعلم الأطفال الأسماء ؟ ...
...أشرت إلى عدة أشياء ، كالعين و الفم و الأنف و غيرها ، كلها أسماء تنطق بها و تعرفها . حتى حين أسألها : ...
..." أين رغد ؟ " ...
...فإنها تشير إلى نفسها . ...
..." و الآن يا صغيرتي ، أين وليد ؟ " ...
...أخذت أشير إلى نفسي و أكرر : ...
..." وليد ! وليـــد ! أنا وليد ! ...
...أنت ِ رغد ، و أنا وليد ! ...
...من أنتِ ؟ " ...
..." رغد " ...
..." عظيم ! أنتِ رغد ! أنا وليد ! هيا قولي وليد ! قولي أنت َ وليد ! " ...
...كانت تراقب حركات شفتيّ و لساني ، إنها طفلة نبيهة على ما أظن . ...
...و كنت مصرا جدا على جعلها تنطق باسمي ! ...
..." قولي : أنــت ولـيـــد ! ولــيـــــــد ... ...
...قولي : وليد ... أنت ولـــــيـــــــــــــــــــــد ! " ...
... ...
..." أنت َ لــــــــــــــــــــي " !! ...
... ...
... ...
...كانت هذه هي الكلمة التي نطقت بها رغد ! ...
...( أنت َ لي ! ) ...
...للحظة ، بقيت اتأملها باستغراب و دهشة و عجب ! ...
...فقد بترت اسمي الجميل من الطرفين و حوّلته إلى ( لي ) بدلا من ( وليد ) ! ...
...ابتسمت ، و قلت مصححا : ...
..." أنت َ وليـــــــــــــد ! " ...
..." أنت َ لــــــــــــــــــي " ...
...كررت جملتها ببساطة و براءة ! ...
...لم أتمالك نفسي ، وانفجرت ضحكا .... ...
...و لأنني ضحكت بشكل غريب فإن رغد أخذت تضحك هي الأخرى ! ...
...و كلما سمعت ضحكاتها الجميلة ازدادت ضحكاتي ! ...
...سألتها مرة أخرى : ...
..." من أنا ؟ " ...
..." أنت َ لـــــــــــــي " ! ...
...يا لهذه الصغيرة المضحكة ! ...
...حملتها و أخذت أؤرجحها في الهواء بسرور ... ...
...منذ ذلك اليوم ، بدأت الصغيرة تألفني ، و أصبحت أكبر المسؤولين عن تهدئتها متى ما قررت زعزعة الجدران بصوتها الحاد .... ...
... ...
...~~ ...
... ...
...انتهت العطلة الصيفية و عدنا للمدارس . ...
...كنت كلما عدت من المدرسة ، استقبلتني الصغيرة رغد استقبالا حارا ! ...
...كانت تركض نحوي و تمد ذراعيها نحوي ، طالبة أن أحملها و أؤرجحها في الهواء ! ...
...كان ذلك يفرحها كثيرا جدا ، و تنطلق ضحكاتها الرائعة لتدغدغ جداران المنزل ! ...
...و من الناحية الأخرى ، كانت دانة تطلق صرخات الاعتراض و الغضب ، ثم تهجم على رجلي بسيل من الضربات و اللكمات آمرة إياي بأن أحملها ( مثل رغد ) . ...
...و شيئا فشيا أصبح الوضع لا يطاق ! و بعد أن كانت شديدة الفرح لقدوم الصغيرة إلينا أصبحت تلاحقها لتؤذيها بشكل أو بآخر ... ...
...في أحد الأيام كنت مشغولا بتأدية واجباتي المدرسية حين سمعت صوت بكاء رغد الشهير ! ...
...لم أعر الأمر اهتماما فقد أصبح عاديا و متوقعا كل لحظة . ...
...تابعت عملي و تجاهلت البكاء الذي كان يزداد و يقترب ! ...
...انقطع الصوت ، فتوقعت أن تكون أمي قد اهتمت بالأمر . ...
...لحظات ، وسمعت طرقات خفيفة على باب غرفتي . ...
..." أدخل ! " ...
...ألا أن أحدا لم يدخل . ...
...انتظرت قليلا ، ثم نهضت استطلع الأمر ... ...
...و كم كانت دهشتي حين رأيت رغد واقفة خلف الباب ! ...
...لقد كانت الدموع تنهمر من عينيها بغزارة ، و وجهها عابس و كئيب ، و بكاؤها مكبوت في صدرها ، تتنهد بألم ... و بعض الخدوش الدامية ترتسم عشوائيا على وجهها البريء ، و كدمة محمرة تنتصف جبينها الأبيض ! ...
...أحسست بقبضة مؤلمة في قلبي .... ...
..." رغد ! ما الذي حدث ؟؟؟ " ...
...انفجرت الصغيرة ببكاء قوي ، كانت تحبسه في صدرها ...
...مددت يدي و رفعتها إلى حضني و جعلت أطبطب عليها و أحاول تهدئتها . ...
...هذه المرة كانت تبكي من الألم . ...
..." أهي دانة ؟ هل هي من هاجمك ؟ " ...
...لابد أنها دانة الشقية ! ...
...شعرت بالغضب ، و توجهت إلى حيث دانة ، و رغد فوق ذراعي . ...
...كانت دانة في غرفتها تجلس بين مجموعة من الألعاب . ...
...عندما رأتني وقفت ، و لم تأت إلي طالبة حملها ( مثل رغد ) كالعادة ، بل ظلت واقفة تنظر إلى الغضب المشتعل على وجهي . ...
..." دانة أأنت من ضرب رغد الصغيرة ؟ " ...
...لم تجب ، فعاودت السؤال بصوت أعلى : ...
..." ألست من ضرب رغد ؟ أيتها الشقية ؟ " ...
..." إنها تأخذ ألعابي ! لا أريدها أن تلمس ألعابي " ...
...اقتربت من دانة و أمسكت بيدها و ضربتها ضربة خفيفة على راحتها و أنا أقول : ...
..." إياك أن تكرري ذلك أيها الشقية و إلا ألقيت بألعابك من النافذة " ...
...لم تكن الضربة مؤلمة إلا أن دانة بدأت بالبكاء ! ...
...أما رغد فقد توقفت عنه ، بينما ظلت آخر دمعتين معلقتين على خديها المشوهين بالخدوش . ...
...نظرت إليها و مسحت دمعتيها . ...
...ما كان من الصغيرة إلا أن طبعت قبلة مليئة باللعاب على خدي امتنانا ! ...
...ابتسمت ، لقد كانت المرة الأولى التي تقبلني فيها هذه المخلوقة ! إلا أنها لم تكن الأخيرة .... ...
... ...
...~~ ...
... ...
...توالت الأيام و نحن على نفس هذه الحال ... ...
...إلا أن رغد مع مرور الوقت أصبحت غاية في المرح ... ...
...أصبحت بهجة تملأ المنزل ... و تعلق الجميع بها و أحبوها كثيرا ... ...
...إنها طفلة يتمنى أي شخص أن تعيش في منزله ... ...
...و لأن الغيرة كبرت بين رغد و دانة مع كبرهما ، فإنه كان لابد من فصل الفتاتين في غرفتين بعيدا عن بعضهما ، و كان علي نقل ذلك السرير و للمرة الثالثة إلى مكان آخر ... ...
...و هذا المكان كان غرفة وليد ! ...
...ظلت رغد تنام في غرفتي لحين إشعار آخر . ...
...في الواقع لم يزعجني الأمر ، فهي لم تعد تنهض مفزوعة و تصرخ في الليل إلا نادرا ... ...
...كنت أقرأ إحدى المجلات و أنا مضطجع على سريري ، و كانت الساعة العاشرة ليلا و كانت رغد تغط في نوم هادئ ...
...و يبدو أنها رأت حلما مزعجا لأنها نهضت فجأة و أخذت تبكي بفزع ... ...
...أسرعت إليها و انتشلتها من على السرير و أخذت أهدئ من روعها ...
...كان بكاؤها غريبا ... و حزينا ... ...
..." اهدئي يا صغيرتي ... هيا عودي للنوم ! " ...
...و بين أناتها و بكاؤها قالت : ...
..." ماما " ...
...نظرت إلى الصغيرة و شعرت بالحزن ... ...
...ربما تكون قد رأت والدتها في الحلم ...
..." أتريدين الـ ماما أيتها الصغيرة ؟ " ...
..." ماما " ...
...ضممتها إلى صدري بعطف ، فهذه اليتيمة فقدت أغلى من في الكون قبل أن تفهم معناهما ... ...
...جعلت أطبطب عليها ، و أهزها في حجري و أغني لها إلى أنا استسلمت للنوم . ...
...تأملت وجهها البريء الجميل ... و شعرت بالأسى من أجلها . ...
...تمنيت لحظتها لو كان باستطاعتي أن أتحول إلى أمها أو أبيها لأعوضها عما فقدت . ...
...صممت في قرارة نفسي أن أرعى هذه اليتيمة و أفعل كل ما يمكن من أجلها ... ...
...و قد فعلت الكثير ... ...
...و الأيام .... أثبتت ذلك ... ...
... ...
...~~ ...
... ...
...ذهبنا ذات يوم إلى الشاطئ في رحلة ممتعة ، و لكوننا أنا و أبي و سامر الصغير ( 8 سنوات ) نجيد السباحة ، فقد قضينا معظم الوقت وسط الماء . ...
...أما والدتي ، فقد لاقت وقتا شاقا و مزعجا مع دانة و رغد ! ...
...كانت رغد تلهو و تلعب بالرمال المبللة ببراءة ، و تلوح باتجاهي أنا و سامر ، أما دانة فكانت لا تفتأ تضايقها ، تضربها أو ترميها بالرمال ! ...
..." وليد ، تعال إلى هنا " ...
...نادتني والدتي ، فيما كنت أسبح بمرح . ...
..." نعم أمي ؟ ماذا تريدين ؟ " ...
...و اقتربت منها شيئا فشيئا . قالت : ...
..." خذ رغد لبعض الوقت ! " ...
..." ماذا ؟؟؟ لا أمي ! " ...
...لم أكن أريد أن أقطع متعتي في السباحة من أجل رعاية هذه المخلوقة ! اعترضت :...
..." أريد أن أسبح ! " ...
..." هيا يا وليد ! لبعض الوقت ! لأرتاح قليلا " ...
...أذعنت للأمر كارها ... و توجهت للصغيرة و هي تعبث بالرمال ، و ناديتها : ...
..." هيا يا رغد ! تعالي إلي ! " ...
...ابتهجت كثيرا و أسرعت نحوي و عانقت رجي المبللة بذراعيها العالقة بهما حبيبات الرمل الرطب ، و بكل سرور ! ...
...جلست إلى جانبها و أخذت أحفر حفرة معها . كانت تبدو غاية في السعادة أما أنا فكنت متضايقا لحرماني من السباحة ! ...
...اقتربت أكثر من الساحل ، و رغد إلى جانبي ، و جعلتها تجلس عند طرفه و تبلل نفسها بمياه البحر المالحة الباردة ...
...رغد تكاد تطير من السعادة ، تلعب هنا و هناك ، ربما تكون المرة الأولى بحياتها التي تقابل فيها البحر ! ...
...أثناء لعبها تعثرت و وقعت في الماء على وجهها ... ...
..." أوه كلا ! " ...
...أسرعت إليها و انتشلتها من الماء ، كانت قد شربت كميه منه ، و بدأت بالسعال و البكاء معا . ...
...غضبت مني والدتي لأنني لم أراقبها جيدا ...
..." وليد كيف تركتها تغرق ؟ " ...
..." أمي ! إنها لم تغرق ، وقعت لثوان لا أكثر " ...
..." ماذا لو حدث شيء لا سمح الله ؟ يجب أن تنتبه أكثر . ابتعد عن الساحل . " ...
...غضبت ، فأنا جئت إلى هنا كي استمتع بالسباحة ، لا لكي أراقب الأطفال ! ...
..." أمي اهتمي بها و أنا سأعود للبحر " ...
...و حملتها إلى أمي و وضعتها في حجرها ، و استدرت مولّيا . ...
...في نفس اللحظة صرخت دانة معترضة و دفعت برغد جانبا ، قاصدة إبعادها عن أمي ...
...رغد ، و التي لم تكد تتوقف عن البكاء عاودته من جديد . ...
..." أرأيت ؟ " ...
...استدرت إلى أمي ، فوجدت الطفلة البكاءة تمد يديها إلي ... ...
...كأنها تستنجد بي و تطلب مني أخذها بعيدا . ...
...عدت فحملتها على ذراعي فتوقفت عن البكاء ، و أطلقت ضحكة جميلة ! ...
...يا لخبث هؤلاء الأطفال ! ...
...نظرت إلى أمي ، فابتسمت هي الأخرى و قالت : ...
..." إنها تحبك أنت َ يا وليد ! " ...
... ...
...قبيل عودتنا من هذه الرحلة ، أخذت أمي تنظف الأغراض ، و الأطفال . ...
..." وليد ، نظف أطراف الصغيرة و ألبسها هذه الملابس " ...
...تفاجأت من هذا الطلب ، فأنا لم أعتد على تنظيف الأطفال أو إلباسهم الملابس ! ...
...ربما أكون قد سمعت شيئا خطا ! ...
..." ماذا أمي ؟؟؟ " ...
..." هيا يا وليد ، نظف الرمال عنها و ألبسها هذه ، فيما اهتم أنا بدانة و بقية الأشياء " ...
...كنت أظن أنني أصبحت رجلا ، في نظر أمي على الأقل ... ...
...و لكن الظاهر أنني أصبحت أما ! ...
...أما جديدة لرغد ! ...
...نعم ... لقد كنت أما لهذه المخلوقة ... ...
...فأنا من كان يطعمها في كثير من الأحيان ، و ينيمها في سريره ، و يغني لها ، و يلعب معها ، و يتحمل صراخها ، و يستبدل لها ملابسها في أحيان أخرى ! ...
...و في الواقع ... ...
...كنت أستمتع بهذا الدور الجديد ... ...
...و في المساء ، كنت أغني لها و أتعمد أن أجعلها تنام في سريري ، و أبقى أتأمل وجهها الملائكي البريء الرائع ... و أشعر بسعادة لا توصف ! ...
...هكذا ، مرت الأيام ... ...
...و كبرنا ... شيئا فشيئا ... ...
...و أنا بمثابة الأم أو المربية الخاصة بالمدللة رغد ، و التي دون أن أدرك ... أو يدرك أحد ... أصبحت تعني لي ... ...
...أكثر من مجرد مخلوقة مزعجة اقتحمت حياتي منذ الصغر !...
💗 منقوله عن كاتبه اخرى 💗
40تم تحديث
Comments
الشبلي شبلي
انا الفصل الاول رائع جدا ♥
2024-07-15
3
سيلينا💋
ممل🤮
2024-05-28
2
سيلينا💋
ممل🤮
2024-05-28
4