الصبر والفرج: ملحمة الانتظار المهدوي
أولاً: الصبر.. حصن المؤمن في زمن الغياب
إنّ هذه الحياة، بتقلّباتها وشدائدها، ليست سوى مدرسة عظيمة تروّض النفوس وتغربل القلوب. والمؤمن الحق هو من اتخذ من "الصبر" ركيزة، ومن "اليقين" زاداً. نعيش في زمن تلاطمت فيه أمواج الفتن، وتكالبت فيه الظلمات على نور الحق، حتى بات العسر سيمةً لحياة الكثيرين.
الصبر ليس ضعفاً: بل هو قوة الإرادة التي تثبت على المبدأ أمام عواصف الزمان.
الصبر مفتاح الفرج: كما وعدنا الله عز وجل: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾، وهو وعد لا يتخلف، وإشارة إلهية بأنّ الفرج ملازم للشدة، يكمن خلفها كالشمس خلف الغمام.
الصبر في الانتظار: هو أعلى مراتب الصبر، إنه ليس صبراً سلبياً يرضخ للواقع، بل هو "انتظارٌ فاعل"؛ جهادٌ في تزكية النفس، وإصلاح للذات، والتزام بأوامر الإمام الغائب، حتى نكون أهلاً لنصرته يوم الظهور.
ثانياً: الانتظار.. وأجره كأجر المجاهد
لقد وصف الأئمة الأطهار (عليهم السلام) انتظار الفرج بأنه أفضل أعمال الأمة، وبأن المنتظر لأمرهم كالمتشحّط بدمه في سبيل الله. وهذا التشريف العظيم ليس لأنه يجلس مكتوف الأيدي، بل لأنه يتحمل أذى الزمان وظلم المخالفين، ويثبت على عقيدته في زمن الارتياب.
منزلة المنتظر الصابر:
المُرابطة على الثغر: المنتظر الصابر كالمُرابط على حدود الإيمان، يحمي قلبه من اليأس، ويحمي عقيدته من الانحراف.
الاستعداد الدائم: هو من يجهز نفسه للظهور، فيلتزم بالورع والتقوى، ويعمل على تزكية مجتمعه، عالماً بأنّ الإمام لا يظهر إلا ليجد قلوباً مستعدة وأرضاً مهيّأة لنصرة العدل المطلق.
الشعور بوجود الإمام: يرى الإمام المهدي (عجل الله فرجه) في كل مأساة تنادي بالإنقاذ، وفي كل عدلٍ ضائع ينتظر الإقامة، فيدعوا له بالفرج بصدق كأنه مطلب شخصي وضرورة حياة.
ثالثاً: الإمام المهدي (عج).. الفرج الأكبر
إنّ أسمى صور الفرج وأعظم تجلياته هو يوم ظهور صاحب العصر والزمان (عجل الله فرجه)، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
نهاية الغربة وبداية النور: سيأتي ليجفف دموع الأيتام، ويهدأ آهات المظلومين، ويضيء الأرض بنور العدل الإلهي الذي طال انتظاره. حينها يتبدد ليل الغيبة الطويل، وتتنفس الإنسانية نسائم الحرية الحقيقية.
نصرة موعودة: سيحمل الإمام راية جده المصطفى (صلى الله عليه وآله) ليقيم دولة الحق، وينشر السكينة، ويحيي القلوب الميتة بالمعرفة والإيمان. ذلك اليوم هو العوض الجميل والمذهل لكل صبر مرير عشناه.
يا حبيب القلوب، يا فرج الله الأعظم، لقد طال بنا المقام، ونفدت السبل، وما لنا إلا الصبر في انتظار تلك "الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة". اللهم اجعلنا من المنتظرين حقاً، الذين إذا دعوا إلى نصرة وليهم، لم يتوانوا، واجعل الفرج قريباً، ولا تجعلنا من القانطين.
رابعاً: الفرج المهدوي.. هو القسط والعدل المطلق
إنّ ظهور الإمام المهدي (عجل الله فرجه) ليس مجرد حدث تاريخي، بل هو ذروة الفرج الإلهي الذي طالما وعد به الصالحين. إنها اللحظة التي يكتمل فيها معنى "بعد العسر يُسر" على مستوى الكون بأسره.
تخيل ذلك المشهد المهيب:
العسر: هو هذه الأرض المليئة بالدماء، والقلوب المتعبة من الظلم، والأنفس التي سئمت الانحراف والضلال.
اليُسر: هو اليد المباركة التي ستمتد لتقتلع جذور الجور، وتقيم أساساً للسلام، وتنشر كنوز الأرض، وتجعل العقول تنضج وتكتمل معرفتها، في عصر لم يشهد له التاريخ مثيلاً في رخائه وكماله الروحي والمادي.
خامساً: الوصية للمنتظرين (الاستعداد للفرج)
الصبر الحقيقي على البلاء والظلم، في ظل غياب الإمام، يجب أن يقود إلى ثلاثة أمور رئيسية، هي:
الثبات على الولاية: التمسك بحبل أهل البيت (عليهم السلام) وعدم الانجرار وراء الشبهات والضلالات التي تهدف إلى إضعاف عقيدة الانتظار.
العمل الصالح والتزكية: أن تكون أعمالنا وأخلاقنا مرآة تعكس قبولنا لنظام الإمام العادل. إذا كنا ننادي بالعدل، فيجب أن نكون عادلين في بيوتنا ومعاملاتنا وأقوالنا.
الدعاء الصادق بالفرج: لا سلاح أشد فتكاً باليأس من الدعاء. الدعاء للإمام بالفرج هو إظهار للشوق، وإقرار بالاحتياج، وتجديد للعهد. فالدعاء يقرّب البعيد، ويُسهّل الصعب، وهو أمارة الصدق في الانتظار.
فيا أيها الصابرون المنتظرون، لا تيأسوا! إنّ وعد الله حق، وكما أنّ الليل مهما طال فلا بد للفجر أن يبزغ، فإنّ ظلمة الغياب مهما اشتدت فلا بد لنور الإمام المهدي أن يشع ليملأ الأرض ضياءً. صبراً، فإن الفرج قادم، والله قد كتب على نفسه أن يُعقب كل عسر يُسراً.
الختام:
اللهم بـ حَقِّ صَبْرِ المظلومين، و شَوْقِ المنتظرين، و أَمَلِ الموحدين... عجّل لوليك الفرج، واجعلنا من خُلّص أتباعه وشيعته، ومن المستشهدين بين يديه، إنك سميع مجيب الدعاء.
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon
