NovelToon NovelToon

شاء القدر

الفصل الاول شاء القدر

في البداية، كان الأب مليئًا بالأمل والحب تجاه زوجته الحامل، يتلمس بيده بطنها برقة، يحلم بولد يحمل اسمه ويرسم له مستقبلاً يعكس رجولته وأمانته. كانت أيام الحمل تحمل في طياتها الكثير من الوعود، ولكن ما إن جاءت لحظة الكشف، وحين علم أن الجنين فتاة، انقلبت الدنيا في قلبه رأسًا على عقب صمتٌ ثقيل ملأ الغرفة، وتبدلت نظراته من الحنان إلى برودة قاتلة، كأن حلمه الذي بنى عليه كل شيء قد تحطم. لم يعد يرى زوجته كما كانت، بل نظر إليها بعين الاتهام، وكأنها السبب في خيبة أمله، وكأنها حملت ما لا يريد. صارت الكلمات تتكسر على شفتيه، وغضبٌ خفي يتصاعد ببطء، يملأ البيت بهمسات سلبية وأجواء من القلق تحولت الأيام من دفء إلى برودة، وتبدل الحب إلى صمت موغل في الألم. لم يكن غضبه موجهًا فقط للقدر، بل انصرف نحو زوجته، نحو حياته، وحتى نحو ذلك الجنين الذي لم يولد بعد. ولم يعد البيت مكانًا للأمل، بل سجنًا مليئًا بالشكوى والأنين، وتركت تلك اللحظة أثرها العميق في كل من كان ينتظر بشوق مولودًا، لكنه جاء عكس ما يتمنى.

ويبقى السؤال الذي يثقل الصدر ويتردد في أركان البيت المظلم هل يملك القلب الذي حمل الكراهية والحقد، أن يلين عندما يواجه براءة الروح التي لم تذنب سوى أنها وُلدت بلا ذنب؟ هل يمكن لذلك القلب أن يعترف بأن الحب لا يُشترط له جنسٌ ولا شكلٌ، بل هو حق لكل روحٍ تحتاج إلى دفء، حتى وإن كان القدر قد شاء غير ما تمنّى؟ ويبقى الحب أبوة لا تحتاج إلى حُججٍ أو شروطٍ لكي يُمنح، فهل يصحو ذلك القلب في يومٍ ما ليحب بلا تردد يستمر الانتظار في جوٍ يفتقد لأي دفء أو حب. الأب الذي كان يوماً مليئًا بالأمل، أصبح يغرق في صمتٍ بارد، وكأن قلبه قد تجمد تمامًا. حين يخرج من المنزل، يرى الناس يباركون له الحمل، ولكن ابتسامته كانت فقط لتخفي ذلك الكره العميق الذي يملأ صدره، وكره الخروج بسبب تلك المواقف التي تذكره بما لا يريد. في داخله، كان يئن بصمت، محاصرًا بين واجب تجاه زوجته ومشاعر لم يستطع التعبير عنها، وكأن روحه تمزق كل يوم أكثر المنزل صار مسرحًا لصمتٍ ثقيل، تحيط به نظرات خالية من الرحمة والحب. الأم، رغم حملها، تشعر بثقل الوحدة والقلق في داخلها، تحاول أن تتشبث بالأمل، لكنها تكاد تذوب بين جدران ذلك البيت الذي صار ينهشها بصمتٍ قاتل. تمر الأيام والساعات، وكلما اقترب موعد الولادة، تزداد قسوة الصمت الذي يخيم على الأجواء، وكأن قلوبهم جميعًا خلت من المشاعر الحقيقية في هذا المكان الذي كان من المفترض أن يكون ملجأً، لا مكان للحنان ولا للحب، بل فقط انتظار وترقب يمزقان القلب. تنتظر الأم طفلتها، ولكن هل ستُولد في عالم من الحنان أم في ظلال الغياب العاطفي ويبقى الصمت أبلغ من أي كلمة، والقلوب خالية تنتظر شيئًا لا يعرفون إن كان سيأتي يومًا الأم، رغم حملها، كانت تعيش ثقل الوحدة والقلق يلتف حول قلبها كالعاصفة. كانت تحاول التمسك بالأمل، رغم كل شيء، لكنها في صمتها بدأت تشعر بجرح أعمق ينمو داخلها مع كل يوم يمر الكره الخفيف الذي تسرب إلى روحها لم يكن من فراغ، بل هو نتيجة لتراكم الألم والخذلان الذي لم تقدر على مقاومته كل لحظة ألم كانت تضربها وكأنها تزرع في داخلها شوكاً لا تُرى، شوكاً يجعلها تتساءل إن كانت تستحق هذا العبء الثقيل الذي تحمله. لم تكن تريد أن تعترف بهذا الكره، خوفاً من أن يتحول إلى نار تحرق ما تبقى من حبها، لذلك ظلت صامتة، تحبس ألمها في أعماقها، تبتسم أمام الجميع، ولكن وراء تلك الابتسامة كان قلبها يئن بصمت لا يسمعه أحد كانت تتمنى لو أن لديها القوة لتقاتل، لكن التعب كان قد استبد بها، وأصبح هذا الكره الخفيف جزءًا من نسيج حياتها، يرافقها كظل ثقيل، يؤلمها ويجعلها تتساءل هل ستظل قادرة على الصمود حتى يوم ولادة طفلتها، وهل سيأتي ذلك اليوم بسلام، أم أن الألم سيظل يرافقها حتى النهاية

ويبقى في نهاية كل انتظار، دروسٌ لا تُنسى، تعلمناها قلوبنا رغم الجراح. فالحياة ليست دائمًا كما نريد، والأقدار تكتب قصصًا مختلفة عنا، لكنها لا تملك أن تمحو قيمة الحب الحقيقي، ولا تعني أن قلوبنا يجب أن تخلو من الرحمة والحنان.

قد نخطئ في الحكم على من نحب، وقد يملأنا الألم والخذلان، لكن يبقى الأمل نافذةً مشرعةً على غدٍ أجمل، حيث يتعلم القلب أن يفتح أبوابه، وأن يمنح الحب بلا شروط ولا قيود. وفي صمت الانتظار، وبين دموع الألم، ينمو بذور التسامح والتفهم، ويُخلق من رحم المعاناة حبٌ صادقٌ.

لا يشترط شيئًا سوى أن يُولد من قلبٍ نقي فهل سنسمح لأنفسنا بأن نحب دون خوف، ونغفر دون ندم، ونمنح دفء الحب حتى لمن يظنّهم العالم بلا حق في ذلك؟ ويبقى السؤال مفتوحًا، هل نحن قادرون على ذلك؟

لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon

تحميل PDF للرواية
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon