NovelToon NovelToon

قصر ماري كولين

بداية الدمار

كادت الشمس الصهباء أن تغيب عن الأفق، فينتهي يوم بائس ومظلم آخر من أيام ماري كولين، المرأة الشابة التي تشارف على مناهزة العقد الثالث من عمرها...

تطلقت ماري كولين من زوجها بعد مرور عامين من زواجهما التعسفي، أي 24 شهرا من الذل والهوان والعذاب المتواصل، عامان مرّا كالجحيم بالنسبة لها: قسوة باردة كثلج القطب الجنوبي، وضرب ولطم لا وقت له ولا ينتهي من زوجها المزعوم، عذاب وإحتقار كالنار المتأججة والضخمة في جنوب إفريقيا...

رغم الطلاق والذي يعني حريتها، ظلت ماري كولين وفية لزوجها القاسي، فبطبعها الصبور كانت قد كتمت ما حدث بينهما يوم تطلقا...

كسبت ماري كولين شخصيتها الغامضة والمخيفة من حياتها الزوجية الأليمة، إذ اكتسبت ملامح شاحبة فبدت كالميتة عادت من القبر مشيا على قدميها، وعينان غائرتان تحوم حولهما هالات سوداء داكنة وشعر بني قصير متهالك وثياب مهترئة جزئيا، ونظرات غامضة لا تعرف لها معنى أو تفسير...

ماري كولين معروفة بشخصيتها في جميع أنحاء حيها، يلقبونها أحيانا ب"المعقدة" أو "غريبة الأطوار" أو "المجنونة الصامتة" وأحيانا كثيرة "المريضة النفسية "...

كان كل سكان الحي يخشون الإقتراب منها لمظهرها المرعب، فإن كل من يتحدث معها ولو دقيقة واحدة، يعيش ليالي من الكوابيس التي هي بطلتها بلا منازع...

"ماري كولين" هي نفسها ترى أنهم ظلموها، فهي تحمل في طياتها إنسانة مرحة وكتومة، لكن في داخلها آهات وآهات قد لازمتها منذ نعومة أظافرها...

فكانت تنظر إلى من يلقبونها بسخرية وعلى وجهها البارد عبوس واستياء غير واضح...

كم كانت تتمنى أن يأتي اليوم الذي يجيء فيه أحدهم ويتقبلها كما هي، ويحتضنها ويعانقها ويعاملها معاملة حسنة، أن تعرف معنى الحب الذي لو قلبها الخالي من الصمامات يزخر بأعماقه، ولن يأتي ذلك اليوم أبدا...

لدى ماري كولين ثلاث أطفال، رزقت بهم بعد عام من زفافها، كان خبر حملها أشبه بقنبلة موقوتة التصقت بجلدها، فإذا علم زوجها بأمرها ذاك فسوف يقتلها هي وجنينها...

لذا حاولت قدر المستطاع أن تكتم الأمر لكن مع الإنتفاخ المتزايد لبطنها فإنها لجأت إلى طريقة الإجهاض لتسقط الجنين إلا أن محاولاتها باءت بالفشل بعد أن تغلب عليها إحساسها بالأمومة، وقد توقفت تماما عن تلك المحاولات بعد علمها أنها حبلى بثلاث أجنة...

وهكذا ولدت ماري كولين بعد إصرارها ثلاث توائم فتيات: إيما وبيلا وإيزابيلا...

لكن زوجها حرمها من رؤية بناتها لأنه كان قد اشترط عليها قبل ولادتها بأيام التخلي عنهن وأخذهم إلى دار الرعاية إذا أرادت إبقاءهن على قيد الحياة...

وهكذا بعد طلاقها سلبت ماري كولين حقوقها في الأمومة وحقوقها الزوجية، حرمت من كل شيء يسعدها في هذه الدنيا، وظلت وحيدة وتعيسة وتعيش هكذا حتى مماتها...

***

حل الظلام في تلك الليلة الباردة والهادئة فأطل البدر عاليا في السماء السابعة وأتت السحب والنجوم لتقيم سهرة وتسليه طوال الليل...

هذه الليلة لم تكن مشؤومة كعادتها عند ماري كولين أو هكذا ظنت، فاليوم يصادف أحد الأيام الربيعية الجميلة التي لم تنعم بها ماري كولين من قبل...

جلست ماري فوق سريرها المهتز تجري إتصالا هاتفيا، أمسكت بأظافرها وبدأت تقضمها بتوتر، ليخرج صوت أنثوي حاد من خلف الهاتف:

- معك من قصر روزماري، من معي؟!

إنتفضت ماري من سماع ذلك الصوت من فوق سريرها، تفاجأت بسرعة ردّ كبيرة الخدم «كاترينا»،

لتزدرد ريقها بصعوبة وترد عليها بصوت ضعيف مرتجف:

- سيدة كاترينا، معك ماري كولين، هل تذكرينني؟!

جاءها الرد سريعا: آه نعم تذكرتك، أنت تلك المجنونة الشاحبة التي طلبت خدمة سيدتي...

على الأقل، رغم فظاظة كاترينا، إلا أنها أكثر النساء حظا بسماع صوت الكتومة ماري كولين والتي أجابتها:

- نعم، أنا هي... صمتت هنيئة ثم باشرت قائلة: قمت بالإتصال بسيادتكم لمعرفة إذا كان لي مكان شاغر أعمل فيه عندكم...

أمعنت السيدة الشابة كاترينا النظر في كلام ماري كولين، ثم سحبت من درج مكتبتها قائمة الخادمات وتفحصتها بعينيها وراء، نظاراتها وتمتمت متنهدة:

- هناك في القصر تنقصنا خادمتان...

سرّت ماري لسماع تمتمة كاترينا وهمست لنفسها:

- كنت أنتظر هذه اللحظة الذي سيبتسم فيه العالم لي، وجدت الآن وظيفة محترمة، وسأتمكن من تسديد ديوني أخيرا وأكمل البحث عن فتياتي، سأقوم بعملية تجميل لتحسين مظهري، سأحاول أن أكون إجتماعية وأكثر مرحا، أوه سأجد الحب حينها وأشعر بالسعادة آنذاك...

إبتسمت ماري لفرط سعادتها أخيرا منذ طفولتها، كانت تلك هي إبتسامتها الأولى...

تمددت فوق سريرها وهي تحتضن هاتفها ليصدر صوت الهاتف الحاد: آنسة ماري كولين؟!

كان ذاك صوت كبيرة الخدم وليس صوت الهاتف، رفعت ماري الهاتف عند أذنها وسألت: أنا هنا، إذا متى سآتي للعمل عندكم؟!

- عند الساعة السابعة صباحا يوم الأحد الرابع عشر من شهر آذار...

أومأت ماري كولين متفهمة، وأغلقت الخط...

بعد دقائق غطت نفسها باللحاف، ورغم أن سريرها غير مريح للنوم إلا أنها أغمضت عينيها وهمست بنبرة حاملة قبل أن تنام: سأعمل أخيرا...

***

وضعت السيدة هاتفها جانبا وغادرت مكتبها تبتسم بخبث شديد، كانت لهذه الأخيرة عينان ضيقتان شديدتا السواد والحدة وشعر بندقي ملفوف على شكل كعكة، لها وجه أبيض مستدير دقيق الملامح وشفتان ممتلأتان، ولأن من يراها يشعر بالرهبة من شكلها الصارم...

عبرت كاترينا الممر الواسع للقصر وكان مظلما جدا، ومع ذلك استطاعت أن تنسق من خطواتها وتصدر طقطقة بكعب حذائها الأحمر العالي، توقفت قدماها عند باب ذهبي يلمع رغم العتمة، عدلت من زيها الرسمي الأسود وطرقت الباب بأدب: آنسة روزماري؟!

لم تمر ثوان حتى فتح الباب الذي أصدر صريرا مزعجا وخرجت من ورائه فتاة شقراء شديدة الحسن، لم تكن تضع مكياجا لكن شعرها كان مصفوفا بعناية ومفرودا بطوله فوق ظهرها، كان ترتدي ثيابا فخمة وفاضحة غير محتشمة، وتحمل في يدها اليسرى سيجارة نصف مستهكلة، وكانت أظافرها حمراء طويلة...

والحقيقة هي أنه لم تكن هناك أي خادمة في القصر، وأن تلك الحسناء تعشق العزف على ألحان التعذيب ونوتات الموت، لم تكن سوى إبنة أحد المافيا الأخطر في العالم، لذلك طرزت يديها بوشوم الوحوش، أما كاترينا لم تكن سوى مساعدتها المخلصة في جلب الضحايا إلى وكرها، قالت روزماري وهي تترنح من الخمرة: ماذا هناك؟!

قربت كاترينا شفتيها إلى أذنها وهمست بنبرة متجمدة:

- لقد جلبت لك مفاجأة سيدتي...

إتسعت عينا روزماري سعادة وتساءلت ضاحكة بعد أن تغلب عليها الفضول: وما هي يا جاك؟!

ردت كاترينا متجهمة: لست جاك أنا كاترينا...

لوحت روزماري بيدها بلا مبالاة:أيا يكن...

ضمت كاترينا شفتيها ونطقت أخيرا بنفاذ صبر: هل#جاك#صوت أنثوي؟!

هزت الأخرى كتفيها بلا مبالاة:

- قلت لك لا يهم...

ثم ابتسمت بسذاجة طفل بالسابعة: والآن؟! أريد معرفة تلك المفاجأة...

نظرت كاترينا إلى خلف روزماري: هل أستطيع الدخول أولا؟!

طوقتها روزماري بكلتا ذراعيها:

- أكيد! تفضل حبيبي...

تحررت كاترينا من عناقها بعد أبعدت ذراعيها بعنف بوجه مكفهر، ثم أمسكت بكفها وأدخلتها إلى غرفتها وأوصدت الباب الذهبي خلفها...

***

جلست فتاة يافعة لم تتجاوز الثامن عشر من عمرها أمام المرآة، تسرح شعرها بفرشاة الشعر، لتدخل عليها والدتها وتقول بحنان؛:

- ألم تنامي بعد إيميلي؟!

إلتفتت إيميلي مبتسمة إليها، وأردفت: لا، سأذهب الآن!!

سألتها والدتها وهي تتكئ على الباب: هل أنهيت توظيف أغراضك من أجل رحلة التخييم؟

أومأت إيميلي وهي تهم بالنهوض لتقترب منها والدتها ونظرت إلى عينيها وتكلمت ممازحة: لم أحصل بعد على قبلتي...

ضحكت إيميلي على مزحة أمها لتقبلها على وجنتها وتهمس:

- تصبحين على خير، ماما!!

- وأنت على خير حلوتي...

خلدت إيميلي للنوم، وبينما خرجت والدتها من غرفتها وأطفأت الأنوار...

توجهت الأم نحو المطبخ ليقول زوجها الجالس عند الطاولة ويقرأ جريدة:

- ماما؟! متى تخبرينها بالحقيقة؟

كانت نبرته تحمل الكثير من التعجب والحسرة، لتجيب بتهكم لا تطيق سماع صوته يتحدث عن ذلك الموضوع: ليس الآن!! أرجوك...

***

أمسكت تلك الفتاة هاتفها وهي تدردش مع صديقتها، تسمع رنة تدل على وصول رسالة، فقرأتها بلهفة:

- هل أنت مستعدة لرحلة الغد، لارا؟!

ضغطت لارا على أزرار لوحة المفاتيح من خلال الشاشة، وضغطت على إرسال لتصل إلى صديقتها رسالة ترد فيها ب«أجل ومتحمسة كثيرا!! وغدا سأجلب معي كتبي ومذكراتي»

***

صوت فتاة ثالثة، ينبعث من إحدى الحمامات في المنزل، تغني بصوت عال في نشوة، يختلط مع صوت سقوط مياه المرش، أتى شاب يحمل على كتفه منشفة بيضاء وعلى وجهه أمارات الغضب، ليطرق الباب بعصبية وزمجر غاضبا:

-كارين!! هيا أخرجي لقد استغرقت وقتا طويلا في الحمام...

لينفجر البا وتخرج كارين بعد أن أحست بالانتعاش ليفاجأ الشاب بها وهي بثوب الحمام وشعرها ملفوف تحت منشفة كالعمامة متجاعلة إياه ببرود شديد أبرد من الصقيع...

يتبع...

لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon

تحميل PDF للرواية
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon