NovelToon NovelToon

الربيع

الفصل الاول

الفصل الأول: بزوغ الزهرة

رامي جلس على شرفة شقته الصغيرة، يتأمل ضوء الصباح وهو ينسكب على المباني المبللة بالندى. كان الجو هادئًا، كأن المدينة نفسها تأخذ نفسًا عميقًا بعد ليلة طويلة. لم يكن مجرد صباح جديد؛ كان شعورًا بالانبعاث بعد سنوات من الركود الروحي. منذ أشهر، كان يشعر وكأن حياته تتوقف عند نقطة واحدة، كأنه يقف في منتصف طريق لا ينتهي، يراقب العالم من بعيد، دون أن يلمسه أو يشارك فيه.

رفع كوب القهوة إلى شفتيه، وشعر بحرارة السائل تنتشر في يديه، وكأنها تنبّه قلبه إلى شيء قد نسيه منذ زمن: الحياة مستمرة، والأيام تحمل فرصًا جديدة. رامي لم يعرف سبب هذا الإحساس المفاجئ، لكنه شعر بأن شيئًا داخله بدأ يتحرك، يخرج من الظل الطويل للشك والخوف. كل خفقة قلب كانت وكأنها تهمس له: "لقد حان وقت البزوغ."

قبل أيام، كان رامي يمشي في شوارع المدينة وحيدًا، يتجنب وجوه الناس، يغرق في أفكاره القديمة وذكرياته المبعثرة. كانت كل زاوية تذكره بماضٍ لم يختفه بعد: فشل في عمله، صداقة انتهت فجأة، حب ضاع بلا سبب واضح. لكن في هذا الصباح، وبينما كانت أصوات العصافير تحيط به من كل جانب، شعر بشيء مختلف. كأن الهواء نفسه يهمس له بأن الحياة لم تنتهِ بعد، وأن كل يوم يحمل فرصة لإعادة كتابة قصة نفسه.

أخذ دفتره القديم من الطاولة، وبدأ يسجل ملاحظاته: الأفكار، الأحلام، حتى المخاوف. كل كلمة كانت كأنها بذرة تُزرع في الأرض بعد شتاء طويل. كانت البداية خجولة، بطيئة، لكن كل سطر يملؤه شعور بالحرية. كتب عن الأمل، عن رغبة دفينة في التغيير، عن إحساسه بأنه مستعد لمواجهة ما خاف منه طوال سنوات.

بعد دقائق، مدّ رامي يده إلى نافذة غرفة الجوار، وفتحها على مصراعيها. نسيم الصباح دخل إلى الغرفة، ومعه رائحة الأرض المبتلة والأشجار التي بدأت تزهر بعد الشتاء الطويل. شعر بشيء يلمسه في داخله، شيئًا يشبه الرجاء، ربما الأمل نفسه، الذي طالما ابتعد عنه. وأدرك أن الربيع ليس مجرد موسم، بل هو قرار بأن نزرع الحياة من جديد، حتى لو بدأت من أصغر بذرة.

خرج رامي من الشرفة، وبدأ يتحرك في شقته الصغيرة. كل شيء بدا له مختلفًا، وكأن الضوء الجديد قد أعاد تشكيل المكان من الداخل والخارج. الكتب على الرفوف، الصور على الجدران، كل شيء كان يحمل ذكرى، لكنه لم يعد يقف عندها كسجين. اليوم، شعر أنه يمكنه أن يتعامل مع ذكرياته بطريقة جديدة، بطريقة تمنحه القوة بدلًا من الألم.

جلس على الكرسي المقابل للنافذة، وأخذ يتأمل المدينة من الأعلى. المباني كانت مرتفعة، الشوارع تمتلئ بالناس، وكل منهم يحمل قصته، معاناته، أحلامه. شعور غريب انتابه: كأن العالم كله في انتظار أن يشارك فيه، كأن كل شيء ممكن إذا قرر أن يبدأ. تذكر كلمات والده عندما كان صغيرًا: "الحياة مثل الأرض بعد الشتاء، دائمًا هناك فرصة لتزهر."

رامي ابتسم لنفسه، وقرر أن يبدأ بخطوات صغيرة. لا يجب أن يكون كل شيء مثاليًا من البداية، المهم أن يتحرك، أن يشعر بالنبض في قلبه مرة أخرى. أخذ حقيبته الصغيرة وخرج من الشقة، يتجول في الشوارع الممطرة قليلًا، يستنشق الهواء النقي، يراقب وجوه الناس، يلاحظ تفاصيل لم يكن يلتفت إليها من قبل: ضحكة طفل، حفيف ورقة شجر، بائع يبيع زهورًا في زاوية الطريق.

كل شيء بدا له وكأنه رسالة، وكأن الطبيعة نفسها تقول له: "إنه وقتك، حان دورك للبزوغ."

رامي شعر بأن شيئًا كبيرًا قد بدأ داخله، شعور بالقدرة على التغيير، على البدء من جديد، على فتح قلبه للمستقبل دون خوف. كانت هذه اللحظة هي بداية فصل جديد، فصل يملؤه الأمل والتحدي، فصل يهمس له بأن كل شيء ممكن، وأنه لم يفت الأوان بعد.

وهكذا، مع شمس الصباح الأولى، ومع صوت العصافير وألوان الزهور التي بدأت تتفتح في الشوارع، شعر رامي لأول مرة منذ سنوات بأن الحياة يمكن أن تكون جميلة، وأنه مستعد لأن يزرع بذوره، ويشاهدها تزدهر، كما تزهر الأرض بعد الشتاء الطويل.

لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon

تحميل PDF للرواية
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon