NovelToon NovelToon

ضلال الحرب

الفجر الجديد

الفجر الجديد أشرق على القرية، مضيئا البيوت الخشبية الصغيرة التي تتنفس مع أول أشعة الشمس. أصوات الديوك توقظ القرويين، والريح تهز أوراق الأشجار بلطف، حاملة معها رائحة الأرض الرطبة والخبز الطازج من فرن الجيران. إلكا جلس على حافة الطريق الترابي يراقب الحقول الممتدة أمامه ممتلئة بالعشب الأخضر والزهور البرية.

ابنه الصغير ركض بين البيوت يلاحق دجاجة هربت من الحظيرة، ضاحكا بصوت يملأ الجو بالبهجة زوجته كانت تجمع الحطب بالقرب من البئر، متحدثة مع إحدى الجارات عن الطقس وموسم الزراعة القادم. الطيور تشدو بألحانها، والهواء الصباحي النقي يجعل كل شيء يبدو حيا ومليئا بالأمل.

بعدما جمعت زوجته آليا الحطب جائت بالقرب من إلكا و رأته يمسح يديه بالتراب، ما كان إلكا يراه هو يدان ملطختان بالدماء، دماء لناس ابرياء قد احرق قراهم و احتلها، دماء لناس كانت تطلب الرحمه من تحت قدميه، فجاءت امامه و وضعت الحطب جانباً،

وأمسكت بيديه و قامت بتنظيف يديه من التراب،

ووضعت يديه على وجنتيها و قالت: أنس ما مضى و ابدا من جديد يا إلكا.

قام إلكا بتقبيل رأسها و حمل الحطب الى المنزل،

نادى إلكا ابنه قائلا:

- كايل اعد الدجاجة الى الحضيرة، و لنذهب لتناول الفطور. عادت عائلة إلكا إلى البيت، و قامت آليا بتحضير الفطور، بعض البيض و الخبز الحار و الخضار. فطور بسيط و مليء بالطاقه للعمل على الحقول، استعداداً لموسم الزراعه.

كان إلكا صاحب بنية كبيرة و مناسبة للأعمال الشاقه، خرج إلكا إلى الحقل، لإكمال مهام الزراعة و الحرث بين صفوف النباتات الخضراء. قام إلكا باستعارة المحراث من جاره فيليب، فربط الثور بالمحراث لسحبه و بدء العمل.

بينما يقوم إلكا بحراثة الارض، كانت آليا تقوم بتنظيف المنزل. جاء كايل قائلاً:

- امي، دعيني اساعدك في التنظيف، حتى نذهب لحلب الأبقار، و بعدها لرؤية ابي.

ردة عليه آليا قائلة:

- حسنا يا كايل، فابدأ بكنس الارض.

رد كايل:

حسناً يا امي، سوف أفعل.

مضى بعض الوقت، و قد اكملت آليا تنظيف المنزل.

قالت آليا لكايل:

- شكراً لك يا عزيزي، فلولاك لما اكملتُ العمل بسرعة.

رد كايل، والابتسامة تعلوا وجه

- عفواً يا امي، فواجبي هو الأعتناء بك بغياب ابي.

رجع إلكا الى المنزل للغداء، و كله اشتياق لأبنه و زوجته، وقد احضر معه دجاجة للغداء، و كان كايل ينتظره عند سياج المنزل، و تعلوه ابتسامة واسعة،

كأن ابتسامته تمحو كل التعب عن إلكا بمجرد النظر إليها.

وصل إلكا الى المنزل، وجلس على سريره ليستريح.

كان كايل يلعب في ارجاء المكان، و اثناء لعبه نضر تحت السرير، فوجد صندوقاً خشبياً كبيراً فأثار فضوله. قام بسحبه على مهل حتى لا يوقض اباه، لقد كان الصندوق ثقيلاً، لكن كايل اراد معرفة ماذا يوجد داخله. نجح كايل بسحبه و قام بفتحه، فوجد داخله بزة حرب ثقيله، مع سيف كبير مزغرف بتنانين على مقبضه، و ذيل التنين مستمر حتى نهاية الغمد، و خوذة حديدية عليها نقش تنين عيناه حمراوان، و النقوش تملأ كامل الدرع. ف قام بمحاولة سحب السيف ليرى لمعانه، و عند محاولته لسحب السيف، امسك إلكا يديه و قال له:

- ألم أعلمك أن اللعب بأغراض غيرك بدون علمه فعل سيء ؟

رد كايل:

آسف يا ابي، لقد اصابني الفضول حول الصندوق عندما رأيته.

رد إلكا:

- حسناً يا بني، ولكن عدني الا يتكرر هذا الامر.

- حسناً يا ابي، انا اعدك.

قام إلكا بتخبئة الصندوق مرة اخرى، و كان كايل يشعر بالحزن، بسبب انه يضن أبيه قد أنزعج منه،

في هذه الاثناء دخلت آليا بابتسامة وقالت: هيا، إلى الغداء يا فتية.

قام إلكا و كايل الى مائدة الطعام، و بينما هم مستمتعين بالطعام. جاء صوت من جهة الساحل صوت لاحد القرويين يطلب المساعدة قائلا:

- انقض البرابرة من الساحل على قريتنا كالعاصفة، ناشرين الرعب و الفوضى، متعطشين للدماء و نهب الغنائم.

قام إلكا، وذهب إلى الغرفة قاصداً الصندوق، قام إلكا بفتح الصندوق و اخرج السيف، وهو ينضر بعين تتذكر مآسي و دماء بريئة، وقال:

- يا سيفي، لفد وعدتك ألا أستخدمك إلى لحماية عائلي وأهل قريتي.

عندها كان ابنه يحدق اليه بعيون تلمع بالدهشه، كأنها مرآة تعكس بطولة لم يتوقع ان يراها.

قام إلكا بوضع يده على رئس كايل، مسح على رئسه براحة يده وكانت آليا تنضر الى زوجها. بعين حزينة و خائفة ان تفقد زوجها، فقام إلكا بتهدئتها وقال:

- سوف اعود، لا تقلقي علي.

ذهب إلكا الى الساحل، حاملاً سيفه على خصره.

وصل إلكا الى الساحل و كان البرابرة قد دمرو منازل الصيادين و نهبها و حرقها أيضاً، اخذ إلكا نفساً و شد عليهم بسيفه....

يتبع....

بطل

وقف إلكا أمام أنقاض الأكواخ المهدمة، والريح البحرية تداعب أطراف عباءته.

ارتفعت صرخات النساء والأطفال في أرجاء الساحل، فيما كان البرابرة يجولون بين البيوت يضحكون بصوت مليء بالوحشية.

أمسك إلكا مقبض سيفه بإحكام، وارتسمت على وجهه ملامح الغضب. كان قلبه يشتعل مثل نار لا تهدأ، فهو لم يعد يرى أمامه سوى مهمة واحدة: الدفاع عن أهله وقريته .

تقدم بخطوات ثابتة نحوهم، وعندما اقترب صرخ صرخة مدوية كأنها هدير البحر نفسه، فتوقف البرابرة لحظة والتفتوا نحوه بدهشة.

لكن دهشتهم لم تدم طويلا، فقد انقض إلكا كسهم منطلق وضرب أول مهاجم بسيفه فسقط أرضًا، ثم تابع اندفاعه بلا تردد.

أخذ القتال يشتعل، أصوات السيوف تتصادم، والدماء تتناثر، وكلما زادت شدّة المعركة ازداد إلكا قوة وعزيمة، كأن الأرض كلها تهتف باسمه.

تواصلت المعركة، وبدأت جثث البرابرة تتساقط واحدة تلو الأخرى تحت سيف إلكا، لكنه رغم قوته كان يعرف أن هذه مجرد البداية.

فجأة، ارتفع صوت غليظ من بين صفوفهم، وصمت الجميع لوهلة ... خرج قائد البرابرة، رجل ضخم الجثة، يعلو كتفه فأس هائل يلمع بضوء النار المشتعلة في الأكواخ.

ابتسم ابتسامة ساخرة وهو يقول:

- " أخيراً ... ظهر من يجرؤ أن يقف بوجهي!"

شد إلكا قبضته على السيف، وعيناه تلمعان كجمرتين - "أنا لا أقاتل الأجرؤ.... بل لأحمي أهلي وأرضي."

انطلق القائد نحوه بضربة قوية اهتز لها الرمل تحت الأقدام، فتراجع إلكا بخفة، والشرر يتطاير من التصادم بين الحديدين.

تبادل الإثنان ضربات سريعة وعنيفة، كأن البحر نفسه يصطخب خلفهما مع كل صرخة وصوت معدني.

لكن إلكا لم يعتمد على قوته وحدها ... بدأ يراقب حركات خصمه، يدرس ضعف توازنه حين يرفع الفأس عالياً، ويركز على اللحظات التي ينكشف فيها صدره.

وبينما القتال يشتد سقطت قطرات الدم على الرمال.... بعضها من البرابرة، وبعضها من جرح في كتف إلكا، لكنه تجاهله واستمر.

صرخة القرويين ارتفعت من بعيد، تمنح قلبه وقوداً إضافياً ... فهو يعرف أن سقوطه يعني سقوط الجميع.

اقتربت اللحظة الحاسمة ....

رفع القائد فأسه بكل قوته ليهوي ضربة قاضية، لكن إلكا دار بخطوة سريعة كأن الريح حملته، وأطلق ضربة جانبية خاطفة شقت الهواء ....

في تلك اللحظة، كان هنالك ظل صغير يراقب من بين الصخور القريبة دون أن يشعر به أحد.

إنه ابن إلكا، عيناه اللامعتان تتابعان والده باندهاش قلبه يخفق بين الخوف والفخر، لكنه ظل صامنا كي لا يكشف أمره.

كل ضربة سيف كل شرارة تتطاير كانت تنعكس في عينيه وكأنها تحفر في ذاكرته للأبد.

لم يكن إلكا يعلم أن ابنه هناك، لكنه في داخله كان يقاتل وكأن عيون أحبته جميعًا ترعاه.

وبينما الدماء ترسم خطوطًا على الرمال، شد إلكا أنفاسه عاقدًا العزم أن لا ينهزم.... ليس من أجل نفسه فقط، بل من أجل ذلك المستقبل الذي يختبئ خلف الصخور ويراقبه بعيون بريئة .

وبينما تصادم السيف مع الفأس للمرة العاشرة، والشرر يتطاير كالنار، سمع إلكا صوتًا ضعيفًا يرتجف من بين الصخور

"...أبي"

تجمد للحظة اتسعت عيناه، وكاد الدم في عروقه أن يتوقف.

التفت سريعًا ... فإذا بابنه واقف بين الدخان واللهب، يحدق به بعيون لامعة من الدهشة والخوف، وكأن الزمن كله توقف عند تلك اللحظة.

ابتسامة خبيثة ارتسمت على وجه قائد البرابرة، وصاحبها صوت أجش:

- "هاهاها! إذن... هذا هو ضعفك!"

اندفع بخطوة ثقيلة نحو الطفل، رافعًا فأسه العملاق. صرخة إلكا دوت كالرعد

"لن تمسوا ولدي ما دام في صدري نفس!"

قفز إلكا بكل قوته ليقف بينهما، وتصادم السيف مع الفأس في ضربة هزت الأرض تحت الأقدام.

تدفقت في عروقه قوة جديدة، كأنه استمد غضب البحر وزئير الرياح، فعيونه اشتعلت كالجمر، وذراعه اشتدت كالفولاذ الصلب لا يلين ولا ينكسر.

نظر القائد بدهشة وهو يشعر أن قوة إلكا تضاعفت فجأة.

فأطلق إلكا صرخة ملؤها العزم:

"لن ينجو من دنس هذه الأرض ما دام الدم يجري في عروقي!"

وبدأ الهجوم الأعنف منذ بداية القتال....

يتبع...🔥

فخر

اندفع قائد البرابرة رافعاً فأسه الضخم، كتلة حديدية تلمع تحت وهج النار، وكأنها قادرة على شطر الجبال نصفين.

عضلاته المتفجرة تقطر عرقاً، وصوته الوحشي دوى مع كل خطوة يخطوها.

لكن إلكا وقف في مواجهته كجدار من فولاذ، قدماه غُرستا في الأرض بثبات لا يتزعزع، وسيفه ارتفع كالشعاع الحاد يلمع بعزم أشد من الحديد نفسه في عينيه نار لم يعرف القائد مثلها من قبل نار رجل يقاتل ليس من أجل نفسه فقط، بل من أجل كل ما تبقى له في هذه الحياة.

هوى الفأس كصاعقة هادرة، لكن إلكا اعترضه بضربة واحدة كسرت الاندفاع، وتطاير الشرر في الأفق كأنها شظايا نجوم متساقطة.

ارتجفت الأرض تحت وقع الصدام، غير أن إلكا لم يتزحزح حقيد أنملة بل دفع خصمه للخلف بخطوة حاسمة، لتتسع ابتسامة التحدي على وجهه.

قال بصوت جهوري يخترق هدير المعركة

"أنا لست من سيسقط أمامك... أنا من سيضع حداً لجبروتك!"

توالت الضربات الفأس ينهال كالمطر الجارف، يطارد كل ثغرة في دفاعات إلكا، لكن السيف كان يردعها بمهارة لا تعرف التردد كل حركة من يد إلكا لم تكن مجرد دفاع بل هجوم مضاد مدروس، يجر خصمه شيئاً فشيئاً نحو الزاوية.

العرق اختلط بالدم على جبين القائد، وعيناه اتسعتا بالذهول؛ لم يتوقع أن يجد أمامه خصماً يقف بصلابة الجبال. صرخ بأعلى صوته وحاول توجيه ضربة قاضية لكن إلكا سبقها بخطوة، دار حوله بسرعة مدهشة، وسيفه انقض كالبرق شاقاً الهواء نحو قلب المعركة.

في لحظة خاطفة، ارتفع السيف ثم انخفض، فاصطدم بالفأس وأزاحه جانباً بقوة مذهلة. قبل أن يستعيد القائد توازنه اخترق نصل إلكا دفاعه، وشق صدره بقطع حاسم أنهى الصراع.

سقط قائد البرابرة على ركبتيه، والفأس الضخم ارتطم بالأرض يصدر طنيناً ثقيلاً كأنه إعلان نهاية عهد. أما إلكا فظل واقفاً وسيفه يقطر بدم حار، وصدره يعلو ويهبط بأنفاس ثقيلة، لكن عينيه ظلتا تلمعان بنصر لم يتجرأ أحد على انتزاعه.

وبين صمت مفاجئ خيم على ساحة القتال، ارتفعت نظرات الابن من بعيد مزيجاً من الخوف والفخر، وكأن قلبه الصغير أدرك أن والده لم يكن مجرد مقاتل... بل أسطورة تصنع أمام عينيه.

وقبل أن يخرّ قائد البرابرة صريعاً، بصق دماً وضحك ضحكة مبحوحة، وقال بصوت متقطع "لا تفرح كثيراً يا رجل السيف... قتلتني، لكنك لن توقف زحفنا ... سيأتي من هو أشرس مني، وسيجرفكم كالعاصفة!"

ثم انطفأت عيناه، وسقط جسده الضخم كجدار ينهار، تاركاً خلفه صدى كلماته يتردد في صدر إلكا، كإنذار مبكر لما هو قادم.

وقف إلكا صامتاً، عيناه تتركان القتيل دون أي رد، وكأن الحديد والدم وحدهما يعرفان الجواب.

وفي الخلف، ظل الابن يحدق بأبيه بعينين دامعتين، مدركاً أن هذا الصمت ليس ضعفاً، بل قوة رجل يعرف أن الحرب لم تنته بعد....

نضر إلكا إلى السماء وهو يفكر بأن القتال و الدم لن يفارقه حتى لو حاول الهرب، و ان الاعداء ستتوالى عليه من كل جانب، و الخطر محدق بعائلته.

قفز كايل من مكان اختبائه، وعيناه تفيض بالدموع.

و قلب خائف، اندفع كايل نحو ابيه واحتضنه، مما قطع سلسلة افكار ابيه واعاده الى الواقع، نضر إلكا إلى ابنه بعيون حزينه و بدافع لحماية عائلته، وهو السبب الوحيد لبقائه على قيد الحياة.

وقف البرابرة بذهول عند جثة قائدهم، وقال لهم إلكا:

"ان ارتم استئناف القتال فلا مانع لدي.!"

نضر البرابرة إليه بتعجب، وخلفه قد وقف اهل القرية حاملين المعاول و الادوات مستعدين للدفاع عن قريتهم.

قام البرابرة بالانسحاب، و حملو جثة زعيمهم نحو قارب منهار و وضعوا جثة زعيمهم فيه، و قاموا بتغطيتة برداء ابيض، و سحب البحر القارب المنهار حاملاً زعيم البرابرة، وقف البرابرة حاملين القوس و النشاب المشتعل قاصدين برميهم القارب،

وذلك كان مراسيم وداع قائدهم و جنازته.

انسحب البرابرة الى سفنهم و غربو عن القريه كغروب الشمس. عاد إلكا مع ابنه للقرية و معضم المنازل قد احرقت، و بعضها قد تهدمت، الاضرار التي اصابت القرية كانت كبيرة، وصل إلكا الى منزله، وكان منزله قد احترق نصفه، وقف إلكا منصدماً و قلبه يخفق بسرعه بسبب الخوف الذي تملكه، و التساؤلات تملأ رئسه،

اين هيه زوجة إلكا، اين هي آليا؟!!!

نضر كايل إلى ابيه قائلاً:

"ابي!! اين امي؟!!"

يتبع...

لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon

تحميل PDF للرواية
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon