NovelToon NovelToon

كـــوكــب آيـــدان

اللوحة

أحيانًا، ترى في نومك وجهًا غريبًا لم تُقابله من قبل.

تسمع همسات بلغة لا تعرفها.

تسير في مدينة لم تطأها قدم… لكنك تعرف طريقك فيها جيدًا.

وتستيقظ... بقلبٍ ينبض كما لو كنت هناك فعلاً.

لا تقلق، أنت لست مجنونًا.

لكن ربما، فقط ربما... أحدهم كان يحاول أن يُخبرك بشيء.

نعم، الأحلام ليست دائمًا أوهامًا.

أحيانًا تكون رسائل.

بوابات صغيرة… تُفتح على عوالم لا يراها الجميع.

وهذا بالضبط ما حدث مع "نوح".

كل شيء بدأ عندما بدأ يرى تلك الأحلام.

لم تكن مميزة، لم تكن واضحة… لكنها غيّرت مصيره للأبد.

من مجرّد شخص عادي، إلى عابر بين الأكوان…

إلى كائن، لم يعد يعرف إن كان بشريًا أم شيئًا آخر.

مرحبًا بك في كوكب آيدان.

عالمٌ تمزّق فيه الخط بين الحقيقة والخيال.

تجوّل فيه مخلوقات سحرية لا تعرف الرحمة،

وتتشقق فيه السماء لتُطلّ منها بوابات... لا أحد يعرف إلى أين تؤدي.

هنا، النظريات تنهار، والقوانين تُكسر، والأساطير تنهض من تحت التراب.

لكن قبل أن تُكمل القراءة، دعني أكون صادقًا معك…

⚠️ تحذير بسيط، من النوع الذي لا يُؤخذ باستخفاف:

هذه الرواية تحوي عنفًا، دماء، تمزيقًا للأشلاء، وكوابيس تمشي على قدمين.

ستواجه ظلامًا لا يمكن إطفاؤه، وشخصيات تنكسر، ثم تنهض... لتُكسر من جديد.

إن كنت تحب القصص الرومانسية الناعمة، فهذا ليس مكانك.

لكن إن كنت من الذين يبتسمون في قلب العاصفة…

من الذين يفتحون الباب وهم يعلمون أن خلفه شيءٌ مخيف…

فأنت، بلا شك، في المكان المناسب.

ربما هذه القصة لم تُكتب لتُقرأ…

بل لتوقظك.

لتذكّرك بأن الأحلام أحيانًا… هي الطريقة الوحيدة للهروب من الكذب الذي نعيش فيه.

لكن دعني أخبرك بسرّ صغير…

كل ما تقرأه هنا هو من وحي خيال الكاتب. أو هذا ما يُقال.

هل يمكن أن يكون حقيقيًا؟

لا أحد يعلم.

ربما هذه الحكاية حدثت بالفعل في زاوية مظلمة من هذا الكون...

وربما ستحدث… لكن معك أنت.

فخذ نفسًا عميقًا...

وشدّ صفحاتك كما تُشدّ السيوف.

لأن ما ينتظرك...

أبعد مما تتخيل.

وأقرب مما ينبغي.

مرحبًا بك... في كوكب آيدان.

ولا تلمني إن نسيت نفسك بداخله.

...****************...

كان يقف هناك، على الحافة، حيث لا شيء سوى العتمة والريح. الكهف يبتلع صدى أنفاسه، والهواء المحيط به يشبه لُغزًا لم يُفك بعد. لم يكن الظلام وحده ما يطبق على المكان، بل شعور غريب، كأن الزمن توقف هنا منذ آلاف السنين.

عيناه كانتا مسمّرتين على الجدار الصخري أمامه. أصابعه المرتجفة مرّت على الرموز المنحوتة بدقة بدائية. لم يكن بحاجة إلى ترجمتها... كان يعرفها.

همس كأنما لا يصدق:

"أخيرًا... اللوحة من أحلامي."

قبل يومين...

كان نوح يعيش كأنه لا يعيش.

شاب في التاسعة عشرة من عمره، جسد قوي بفعل تسلق الجبال، لكن داخله... مهجور. يعمل في شركة أدوية منذ أكثر من سنة، لكنه لم يكن يراهم زملاءً، بل مجرد وجوه تمرّ. لا يفتح فمه إلا للضرورة. إن تحدث، اختصر. وإن ابتسم، ندر.

حاول البعض التقرب منه. دعوة على الغداء، مزحة عابرة، حتى نظرة تعاطف... لكنه كان جدارًا لا يُخترق. ليس لأنه متعجرف، بل لأن العالم خذله مبكرًا.

فقد والدته وهو لا يزال طفلًا، ماتت في مشفى بارد، بمرض لم يجدوا له اسمًا. ووالده؟ لم يعرف حتى صوته، فقد مات قبل ولادته.

عاش نوح طفولته بعد وفات والدته مع شخص لم يعرفه قط، لكنه كان يخبره انه عمه، لكن فور بلوغه ارسله لمدينة بعيدة قرب الجبال ليعيش حياته بعيدًا عنه ، ثم عاش بين جدران المدارس الداخلية، ثم اصبح وحده... كما أراد. لم يكن يطلب شيئًا من أحد.

لكن كل عيد ميلاد كان يوقظه شيء لا يمكن تجاهله.

في نهاية كل يوم من أيام ميلاده، يرى حلمًا.

دائمًا نفس الطقوس: ظلال، لوحات، رموز... وأصوات. وأحيانًا، جملة واحدة تتكرر في كل حلم:

"أنت أمل آيدان... عليك العودة قريبًا."

كان صغيرًا حين سمعها أول مرة، لا يعرف ما هو "آيدان"، ولا أين، ولا كيف يعود إليه. لكن الحلم تكرر. سنة بعد سنة، بنفس التوقيت، وكأنه نداء يأتي من عالم آخر لا يراه أحد سواه.

حكى عنه مرة، لأحد من وثق به، لكنه ضحك. ومن يومها، لم يحكِ لأحد.

اقترب عيد ميلاده التاسع عشر. اليوم الذي يفضّله دون البشر. لا احتفالات، لا تهاني. فقط هو، وشقته البعيدة عن صخب المدينة، حيث تتعفن الصحون في الحوض، وتنام الغبار على الأثاث.

لكنه لم يكن مستعدًا لما حدث تلك الليلة.

طرقٌ على الباب. غريب.

تردد لحظة، ثم فتح. كان زملاؤه من العمل، يحملون كعكة صغيرة وبالونات. لم يكن يعرف أسماءهم جميعًا. دخلوا رغمًا عنه، صُدموا من حال المكان، لكنه لم يهتم.

ضحكوا، نظّفوا، غنّوا له "عيد ميلاد سعيد". كان يومًا دافئًا... للكل، إلا هو.

أجمل لحظة عاشها في ذلك اليوم كانت بعد أن رحلوا.

حين أُغلق الباب، وعاد الصمت، جلس نوح في الظلام، وأغمض عينيه.

ثم جاء الحلم.

هذه المرة، لم يكن الحلم كالعادة. لم يكن غامضًا تمامًا. ظهرت اللوحة بوضوح. كان يعرف هذا المكان. سلسلة جبال رآها مرارًا، على بُعد ساعات من مدينته. وكان هناك... داخل كهف مظلم... نفس النقوش، نفس الرموز.

استيقظ ويداه ترتجفان.

لم يعد مجرد حلم.

تسلّق الجبال كان متنفّسه الوحيد. هناك، على القمم العالية، لا ضوضاء، لا بشر، لا أحكام مسبقة. فقط الهواء البارد، والحجر، والفراغ.

وهناك، في صباحٍ رمادي، حمل حقيبته، وبدأ رحلته.

لم يكن يبحث فقط عن لوحةٍ في الجبل.

كان يبحث عن نفسه.

أعلى سفح الجبل ، حيث لا يصل صخب المدينة ولا أنفاس أحد، كان نوح يتسلق بصمت. حبات الرمل كانت تنزلق أسفل قدميه مع كل خطوة، لكن ملامحه لم تتغيّر. لم تكن هذه أول مرة يعتلي فيها الجبال، لكنها كانت أول مرة يتسلّق وفي داخله شعور يشبه اليقين.

كان الجبل هادئًا، أكثر من اللازم. فقط صوت الرياح وهي تصفع الصخور، وصدى خطواته وهو يواصل التسلق دون توقف. وجهه شاحب قليلًا، وملامحه مشدودة كمن يخوض معركة داخلية لا تهدأ. لم يكن يتحدث، ولم ينظر للوراء. حتى حين لاحت له فتحة مظلمة في أحد جوانب الجبل، لم يتوقف ليُفكّر.

الكهف كان هناك، كأنه ينتظره.

أزاح بعض الصخور من المدخل، ودخل.

رطوبة خانقة، ورائحة العفن القديمة كانت أول ما استقبله. قطرات الماء تهبط من السقف بشكل متواتر، وصوت الخفافيش يخترق السكون من أعماق الظلام. رفع مصباحه، وبدأ يخطو ببطء، يده الأخرى تتحسس الجدران الباردة.

مع كل خطوة، كان قلبه ينبض بقوة.

شيء ما في هذا المكان يوقظه.

وفجأة... توقف.

رأى الجدار.

رسومات غريبة، رموز منحوتة بإتقان بدائي... كما حلم بها. حدّق مطولًا. لم يكن بحاجة للتفكير. لقد رآها عشرات المرات من قبل، لكن في منامه.

واصل السير، عيناه مشدودتان إلى الرموز، حتى ارتطمت قدمه بشيء ما.

انحنى ببطء. كان هناك... لوح خشبي، ضخم، مغطى بالرموز ذاتها. أمسكه بيدين مرتجفتين. لعق شفتيه وكأنه يستعد للحديث، لكنه لم ينطق. ظلّ يحدّق.

كان يشعر بشيء يتحرك داخله... ليس خوفًا، بل شيئًا أقدم، وأعمق.

أخيراً بعد كل تلك السنوات، ادرك نوح ان احلامه لم تكن اوهامًا، بل رسائل.

أخذ اللوحة وهو مازال لا يصدق نفسه وخرج.

لم يكن الليل قد حلّ بعد، لكن السماء كانت غائمة، ونسيم الجبل صار أكثر برودة. نزل نوح الجبل بصمت، يداه مشغولتان بحمل اللوحة، وعقله... تائه في رموزها.

عاد إلى شقته النائية، ووضع اللوحة على طاولته الوحيدة، التي لم يوضع فوقها شيء ذي قيمة من قبل.

حاول فهمها.

ليالٍ متواصلة، قضاها في البحث على الإنترنت، يتنقل بين مواقع تاريخية ومقالات مهجورة. دون فائدة. ما من أحد كتب عن رموز تشبه هذه.

كان بإمكانه أن يتوقف. أن يتركها كما ترك العالم من قبل.

لكنه لم يستطع.

أيقن أن هذه اللوحة... ليست مجرد نقش.

حمل اللوحة، وخرج من المنزل.

خمسة مكتبات، ومئات الرفوف، وعشرات الكتب. لا شيء.

وحين أوشك على فقدان الأمل، ساقته قدماه لمكتبة قديمة في أحد الأحياء القديمة.

الخشب يئن تحت قدميه وهو يدخل. الهواء ساكن، مغبرّ، وكأن الزمن هنا لا يتحرك.

توقف أمام رف مكتوب عليه "حضارات منسية".

لم يعرف لماذا جذبه.

قبل أن يمد يده، سمع صوتًا خلفه.

"تبحث عن شيء معين، أم تائه بين الكتب؟"

استدار ببطء. رجل مسن، يرتدي معطفًا رماديًا، وابتسامة غير مزعجة.

رد نوح بتردد، كما يفعل دائمًا مع الغرباء:

"صورة... لوحة قديمة. فيها رموز. لا أعرف ما هي."

"هل يمكنني رؤيتها؟"

أخرج نوح صورة التقطها بهاتفه. ناولها للعجوز بصمت.

تغيرت ملامح الرجل.

"أين وجدت هذا؟" سأل، بعينين فزعتين.

تردد نوح، ثم قال: "في كهف... على الجبل."

هزّ الرجل رأسه ببطء، كأنه يؤكد لنفسه شيئًا ما. "هذه ليست مجرد رموز. إنها لغة قديمة جدًا... رأيت شيئًا مشابهًا مرة، في كتاب نادر."

"هل تعرف معناها؟" سأل نوح، بنبرة تحمل مزيجًا من الأمل والخوف.

"جزئيًا فقط. لكن الأفضل أن تأتي معي. لدي بعض الكتب القديمة في منزلي. قد نجد شيئًا."

تردد نوح. لم يكن معتادًا على الثقة. لكن هذه المرة... تبِعه.

منزل الرجل كان أشبه بمتحف. تماثيل حجرية، مخطوطات، أدوات غريبة. جلس في ركن مكتبه، وبدأ يقلب في كتب مغطاة بالغبار.

نوح جلس بصمت، وعيناه تدوران في المكان.

"اسمي ماجد، بالمناسبة. باحث في اللغات القديمة... سابقًا على الأقل." قالها ماجد دون أن يرفع نظره عن الكتاب.

رد نوح بعد لحظة: "...نوح."

توقف ماجد عند صفحة ما.

"ها هي... هذه اللغة تعود إلى حضارة قديمة تدعى 'الأنباط'. كل ما نعرفه عنهم مجرد فتات. لم نعثر على مدينتهم الأصلية قط. فقط نقوش متفرقة، غير مكتملة."

نظر إلى نوح ببطء: "لوحتك تحتوي على خريطة، يا نوح. إحداثيات تقود إلى مكان قد يكون مركز هذه الحضارة... مدينة اسمها 'عين'."

صمت نوح، وكأن أنفاسه ضاعت للحظة.

ثم قال: "أين تقع؟"

فتح ماجد دفترًا صغيرًا، ورسم بعض الإحداثيات.

"في عمق الصحراء الغربية."

لم ينطق نوح، فقط أخذ الورقة بيده.

كان يعلم من اللحظة التي رآها فيها... أن اللوحة ستقوده إلى شيء كبير.

ربما شيء يُغير كل شيء.

وهذا ما كان ينتظره طوال عمره.

في تلك الليلة، لم يغمض لنوح جفن.

جلس في شقته التي لا تزال تفوح منها رائحة الغرباء، عالقة في الأثاث مثل بقايا زمن لا يخصه. الكعكة البائسة ما زالت على الطاولة، تذوب مع الوقت كما تذوب مشاعره التي لا يجد لها تفسيرًا.

كانت اللوحة مستندة إلى الحائط، والإحداثيات مكتوبة على ورقة بجوارها، لكنه لم يكن ينظر إلى شيء من ذلك.

كان ينظر إلى يديه.

أكان هذا هو النداء الذي انتظره طوال حياته؟

أكان عليه أن يذهب؟ أن يواجه؟ أن يكتشف ما وراء تلك الأحلام المتكررة؟

في داخله، كان صوت صغير يهمس بسخرية:

"لن تجد شيئًا... كل هذا وهم."

لكنه تجاهله.

في الصباح، جهّز حقيبته. بعض الملابس، مؤونة خفيفة، كراسة مهترئة لتدوين أفكاره، وبطارية هاتف إضافية، وسكين قديم من أيام المدرسة الداخلية.

أغلق باب شقته دون أن يلتفت.

المسافة التي تفصله عن "عين" كانت شاهقة، كأنها امتداد رمزي للعزلة التي أحاطت به طوال حياته. توجه أولًا إلى العاصمة، ومنها إلى محطات نقل متعددة، كلما اقترب، زادت نظرات الناس غرابة، وزادت أسئلتهم استنكارًا.

"أإلى الصحراء الغربية؟ وحدك؟"

"ذلك المكان مهجور... لا يعيش فيه أحد."

"لم نسمع قط عن مدينة بهذا الاسم."

كان يكتفي بالصمت، أو بنظرة حادة تكفي لإنهاء الحديث.

وأخيرًا، وجده. سائق حافلة عجوز وافق على إنزاله في استراحة قريبة من الموقع الذي حدّدته اللوحة. دفع دون مساومة، وجلس في المقعد الأخير، كأنما يتهيّأ للعبور من عالم إلى آخر.

الطريق كان طويلاً، موحشًا، والنوافذ تمتلئ بالغبار، لكن عينيه كانتا تتابعان الأفق، وكأن بين التلال سرًّا يوشك أن يُكشف.

وصلوا إلى الاستراحة عند منتصف الليل.

مكان مهترئ، مهجور كأن الزمن نسيه، في أطرافه فندق قديم يتكوّن من خمس غرف تُشبه القبور أكثر مما تُشبه المبيت.

استأجر غرفة دون أن يسأل عن السعر.

دخلها. الغبار يتراكم على الأرض، والهواء خانق، والسرير يئن تحت وزنه.

لكن نوح لم يهتم.

كان هناك شيء في داخله أقوى من القرف، أقوى من الخوف... شيء يشبه التصميم.

في الفجر، نزل إلى صاحب الاستراحة، رجلاً أصلع الوجه، كث الشارب، اسمه سامح.

سأله نوح بصوته الخافت المعتاد:

"هل لديك سيارة يمكنها السير في عمق الصحراء؟"

ضحك الرجل للحظة، ثم نظر إليه نظرة فاحصة:

"لدي سيارة قديمة... لا تصلح إلا للمجانين."

رد نوح، دون أي انفعال:

"هذا كافٍ."

بعد لحظة من الصمت، قال الرجل:

"ثمنها باهظ... وأنت غريب."

"ادفع أولاً."

أخرج نوح نقوده، دون نقاش.

سامح قاده إلى السيارة. عربة متهالكة، يعلوها الغبار، وتبدو كأنها لم تتحرك منذ سنوات.

"لكنها فارغة من الوقود."

قالها ببرود.

أومأ نوح، وتوجّه إلى المحطة القريبة التي دلّه عليها، ثم انطلق.

الطريق في بدايته كان معبّدًا، مستقيمًا، محاطًا بالكثبان على جانبيه.

السيارات تمر مسرعة من حين لآخر، والصمت يقطعه صوت محركه الثقيل.

كل شيء كان يبدو طبيعيًا... حتى أشار هاتفه إلى ضرورة الانعطاف يمينًا، نحو طريق ضيق لا يكاد يُرى.

انحرف بعجلة القيادة.

دخل إلى أرض أخرى.

كل شيء تغيّر. الطريق أصبح رمليًا، الحصى يرتطم أسفل السيارة كالرصاص، الهواء أثقل، والسماء بدأت تفقد زرقتها شيئًا فشيئًا.

ثم... بدأت الشمس تغيب.

الضوء يبهت، وأصوات الحياة تتلاشى.

صار نوح يقود وحده، في طريق غير ممهّد، لا إشارة، لا ضوء... إلا مصابيح السيارة التي تشق العتمة، وضوء القمر الخافت من فوقه.

ثم... دوى صوت.

وقع حوافر.

رفع عينيه إلى المرآة، فرأى رجالاً يمتطون الخيول، يقتربون بسرعة.

لم يكن بحاجة إلى تخمين هويتهم.

ضغط على دواسة البنزين، السيارة اهتزّت، تسارعت، ثم بدأت تتمايل.

الأرض لم تعد ترابية... بل صارت رمالاً ناعمة، تغوص فيها العجلات كأنها تبتلعها.

ثم... توقفت السيارة.

غرقت.

خرج نوح، قلبه يدق كطبول الحرب.

اقترب الخيّالة، أحاطوا به، وجوههم مغطاة، أعينهم قاسية.

قال أحدهم بصوت خشن:

"أعطنا كل ما تملك، أو نعطي جسدك للذئاب."

لم يجب نوح.

حدّق فيهم، نظراته لا تحمل تحدّيًا، بل شيئًا أعمق... كأنه يقيس الاحتمالات.

ثم أدار جسده، بسرعة مفاجئة، وحاول الهروب، أو على الأقل الدفاع عن نفسه.

لكنهم كانوا أكثر عددًا.

طرحوه أرضًا، سرقوا هاتفه، كادوا يدهسونه بأقدامهم...

وفجأة... صوت طلق ناري.

صرخة.

أحد المهاجمين يسقط، ممسكًا ذراعه.

نظر نوح، فرأى رجالًا يظهرون من أعلى التلال، مسلحين ببنادق قديمة، يطلقون الرصاص بدقة مدهشة.

ارتبك اللصوص، وهربوا... واختفوا في الرمال كما ظهروا.

بقي نوح على الأرض، يلهث.

اقترب منه المنقذون.

رجال بأجساد قوية، وجوههم مشققة من الشمس، يحملون في أعينهم حكمة الرمال.

"هل أنت بخير؟"

سأله أحدهم، بصوت خافت.

أومأ نوح، ثم همس:

"أعتقد... أنني ما زلت حيًّا."

أصرّوا على أن يبيت معهم ليلته. لم يكن أمامه خيار، وقد كان يشعر بالامتنان... والتعب.

قاد أحدهم السيارة الغارقة، حتى ظهرت في الأفق عشرات الخيام، مصطفة على شكل نصف دائرة، يتوسّطها موقد ضخم، ونهر من الأصوات.

قبيلة كاملة، تعيش وسط العدم، كما لو كانت تنتمي لعصرٍ آخر.

نزل من السيارة، نظر حوله، لا أحد يعرفه، لا شيء يربطه بهم... لكنه شعر، لأول مرة، أنه ليس غريبًا تمامًا.

ثم، وسط احتفال البدو، اقترب منه شيخٌ مهيب، وجهه كالصخر، صوته كالريح.

"أهلًا بك، يا ضيفنا ... اسمي خليل، شيخ القبيلة. الليلة، أنت واحدٌ منا."

ولم يجب نوح، بل أومأ برأسه، وجلَس.

أخذ رجال القبيلة سيارة نوح واخبروه انهم سيضعونها في مكان آمن، وافق نوح فيهم فقد شعر ببعض الأمان.

جلس نوح مع الرجال حول النار، يستمع إلى قصصهم، يشاهد ضحكاتهم، يتأمل أرواحهم الحرة.

ثم، همس إلى أحد الصيادين الجالسين بجواره:

"مدينة عين... هل تعرفها؟"

أجابه الصياد، بابتسامة غامضة:

"أعرفها أكثر مما تعرف نفسك... لكن، لماذا تسأل؟"

قال نوح، بنبرة شبه هامسة:

"أبحث عنها."

سكت الصياد لحظة، ثم أشار نحو شيخ القبيلة:

"هو من يجب أن تسأله... لكنه لن يحب هذا السؤال."

وبالفعل، جاء صوت الشيخ من الطرف الآخر للنار:

"مدينة عين؟ لا تكن مغفّلًا يا بني... ذاك المكان لم يُخلق للبشر."

وصفها له. مدينة من الحجارة الضخمة، والمباني المنحوتة، محاطة بالكثبان. فارغة منذ آلاف السنين. الآن، تعيش فيها الوحوش، وتتخذها الذئاب أوكارًا.

لكن نوح، رغم الخوف، لم يتراجع.

قال بثبات:

"لن أعود."

نظر إليه الشيخ، ثم قال:

" ان كنت مصراً فستنال خريطتك مع الفجر."

وحين بدأت النار تخبو، اقترب منه صبي صغير، يحمل لوحًا خشبيًّا منقوشًا، ووجهًا يحمل براءةً قديمة وذكاءً غريبًا.

"سيدي... سأرشدك إلى خيمتك."

كان اسمه "بدر".

وما بدا حوارًا بسيطًا تحت ضوء القمر... كان بداية لرحلة تغيّر كل شيء.

تحت ضوء القمر الخافت، كان نوح يسير خلف الصبي بدر، خطواته حذرة، وعيناه تراقبان التفاصيل بصمت. الصحراء حولهما هادئة، والخيام تتمايل مع النسيم، كأنها أسرار نائمة.

بدر، رغم صغر سنّه، كان يمشي بثبات. في يده لوح خشبي صغير، منقوشٌ عليه رموز بدت مألوفة على نحوٍ غريب، لكنه لم يشأ أن يسأل فورًا.

قطع الصمت صوت نوح، مترددًا، لكنه صادق:

"لم أركَ تتحدث كثيرًا في مجلس النار."

التفت بدر نحوه مبتسمًا ابتسامة خفيفة:

"أفضّل الإصغاء على الكلام، يا سيدي... فالحديث يُتعلَّم أولًا من الصمت."

توقف نوح لحظة، ثم قال، بنبرة فيها شيء من الدهشة:

"غريب أن أسمع ذلك من صبيٍّ في مثل عمرك."

رفع بدر حاجبيه قليلًا وقال:

"ربما، لكننا في هذه القبيلة نُربّى على الشعر والحكمة قبل أن نُربّى على الصيد والرعي."

سكت نوح لوهلة، يحدّق في اللوح الخشبي:

"ما هذا الذي تحمله؟"

أجابه بدر، وهو يرفعه بفخر:

"قصيدتي. نقشها والدي لي بيده، وطلب مني أن أحفظها كما تُحفَظ الكنوز."

رمش نوح بعينيه، لم يعلّق، لكن الفضول بدأ ينسج خيوطه في داخله.

فقال أخيرًا، بصوت خافت:

"أيمكنني سماعها؟"

توقّف بدر، نظر إليه بتمعن، ثم قال:

"لم يسمعها أحد من قبل... أخشى أن تُخيب ظنّك."

ردّ نوح، بصوته الجاد المعتاد:

"لا تقلق، لست خبيرًا في الشعر حتى أطلق حكمًا."

ابتسم بدر، ثم رفع اللوح، وأخذ يتلو بصوتٍ عذب، يشبه النسمات:

"صحراء شامخة، كأنها بحر من ذهب،

تتلاطم أمواجها، وتنسج من الرمال سُحب.

في كلّ رملٍ حكاية، وفي كلّ نسمةٍ همس،

تشكو من الزمن، وتبكي على الأطلال.

شمسها سيف، يقطع قلب السحاب،

وقمرها درة، في ليلها الساحر تتلألأ..."

توقّف للحظة، ثم تابع، وعيناه تتوهّجان:

"أرضها قاحلة، إلا من نبتٍ قليل،

يشهد على عظمة الخالق، ويُحيي الأمل.

فيها تجد الصمت، وفيها تجد الصخب،

فالصمت في وسعتها، والصخب في قلبها النابض.

إنها مدرسة الحياة، تعلّمنا الصبر والقوة،

وتُذكّرنا بأننا جزء من هذا الكون."

صمت بدر.

وبقي الصدى يتردد في أذني نوح، كأن الرمال نفسها تُصفق.

قال نوح بعد صمت طويل:

"قصيدة عظيمة... فيها شيء من الحكمة، وشيء منك."

ابتسم بدر، ثم خفف من صوته:

"أتعلم يا سيدي... في كل بيتٍ أنسجُه، أحاول أن أفهم هذا العالم، كما لو أنني أكتبه من جديد."

أجاب نوح بنبرة نادرة، فيها دفء غير مألوف:

"وهذا ما يفعله الكبار الحقيقيّون، بدر."

مرّت لحظة صمت خفيفة، ثم سأله نوح:

"رأيت رجال القبيلة يعودون محمّلين بالصيد... أهي طريقتكم الوحيدة للبقاء؟"

أجاب بدر دون تردّد:

"لا، نحن نعيش بين القرى ونشتري ما نحتاج، نزرع ونربي الأغنام، لكن الصيد جزء من تقاليدنا... رحلةٌ تُجرى كل شهر، وفيها نثبت أن أبناء الرمال لا تروضهم الأيام."

أومأ نوح بصمت.

ثم سأله، مترددًا:

"بدر... هل تعرف شيئًا عن مدينة 'عين'؟"

تبدّل وجه الصبي قليلًا، لكنّه لم يبدُ خائفًا، بل شغوفًا:

"أجل، أعرف ما يكفي لأحذّرك، وما يكفي لأشجّعك..."

أجاب نوح ببطء، وعيناه تحدّقان في النجوم:

"أحتاج إلى أن أذهب هناك... مهما كلّف الأمر."

قال بدر بهدوء:

"إذًا نم الآن... فالطريق طويل، والمكان لا يُفتح أبوابه إلا لمن جاءه مستعدًّا."

توقف أمام إحدى الخيام الكبيرة، ثم أشار:

"هذه خيمتك يا سيدي، استرح فيها، وسأكون هنا مع الفجر، إن رغبت بالحديث مجددًا."

مدّ نوح يده، ليمسك بلوحة بدر، تأمّله لثوانٍ، ثم ناوله إياه دون كلمة.

"شكراً لك... يا بدر."

ابتسم الصبي، وأجاب:

"تصبح على خير، ضيفنا العزيز ."

~يُــــــــــــــــــــتبَع

ـــــــ.ــــــــ.ـــــــــــ.ــــــــــ.ــــــــ.ـــــــــ.ـــــــــ.ـــــــــ.ـــ

شكرا لك عزيزي القارئ على قرائة هذا الجزء 💜😍

من هنا تبدأ مغامراتنا 🔥

أؤكد لك ان كل ما قرأت مقدمة للأحداث القادمة، وكل ما ستراه في المستقبل، سيُبهرك ‼️❤️‍🔥

وأكد لك ان القادم افضل بإذن الله 🙂🤎

أراك لاحـــــقاً عـزيــزي القــــــــــارئ 🫶🏻👋🏽

عـــيــن

شكر نوح بدر بكلمات مقتضبة وهو يدخل خيمته، يحني رأسه كمن يحاول الفرار من ثقل العالم. وضع حقيبته بجانبه وألقى بجسده على الفراش الصوفي، كأنما استسلم أخيرًا لهذا التعب المتراكم منذ زمن بعيد، ليس فقط من الطريق... بل من كل شيء.

لكن النوم جافاه.

لم يكن السبب مجرد برد الصحراء القارس، الذي تسلل إلى عظامه كأصابع خفية، بل لأن عقله ظل يردد ذات السؤال: هل أنا وحدي؟

تقلّب على فراشه، محاولًا تجاهل تلك الرجفة التي جمّدت أطرافه، لكنها لم تكن من البرد فقط، بل من خواءٍ داخلي. وبعد ترددٍ طويل، نهض واقفًا، وسحب باب الخيمة ببطء.

هبّت نسائم الليل الجافة على وجهه. أمامه، تمددت الخيام كأنها زهور خجولة نبتت وسط الرمال، تضيئها نار بعيدة تتراقص ألسنتها كما لو كانت تهمس بنداء خفي.

كان يكره الجلوس مع الغرباء. يهرب من نظرات البشر ومن أسئلتهم الفضولية. ومع ذلك، شعر بحاجة غريبة... نار واحدة قد تمنحه بعض الدفء، أو على الأقل، تُشعره أنه لا يذوب وحده في هذا الصقيع.

اقترب بتردد. وجد رجلًا يجلس بجانب النار، رأسه مدفون بين كفيه، كأنه يحاول حجب نفسه عن الوجود.

تردد نوح للحظة، تراجع خطوة، ثم قال بصوت مرتجف:

"هل أستطيع الانضمام إليك؟"

رفع الرجل رأسه ببطء. عينان باهتتان، نظرة خالية من أي رد فعل. أومأ دون أن ينطق. جلس نوح بصمت، يحاول ألا يبدو غريبًا أو ثقيلًا، مد يديه نحو النار، وأحس بحرارتها تذيب شيئًا في داخله.

حاول فتح حديث، جملة أو اثنتين، فقط ليُظهر أنه ليس شبحًا صامتًا. لكن الرجل لم يرد. كانت نظراته غارقة في مكان بعيد، كأنه فقد أحد أحبائه للتو. أحس نوح بثقل وجوده، فقام بهدوء وقال بصوت منخفض:

"أرجو أن تجد السلام."

عاد أدراجه إلى الخيمة، شعر فجأة أن الوحدة أكثر راحة من صحبة غارقة في الحزن.

استيقظ بعد ظهر اليوم التالي، والشمس قد تخطّت منتصف السماء. خرج من خيمته متثاقلاً، كأن جسده ما زال يرفض تصديق أنه نام أخيرًا. توجه للبحث عن الحاج خليل ليسأله عن سيارته. بعد عدة أسئلة من بعض رجال القبيلة، دلّه أحدهم على خيمة يجتمع فيها الشباب حول شيخ يرمقهم بعين الخبير.

كانت خيمة كبيرة، تعجّ بأصوات الشعر والمنافسات، كلمات تتطاير في الهواء كنصالٍ ناعمة، تصف الأرض والكرامة والعشق والخسارات. جلس نوح بهدوء قرب باب الخيمة، عيناه تنصتان بانبهار رغم أنه لا يظهر شيئًا. تلك الأشعار بدت كأنها تُترجم له ما فشل طيلة حياته في التعبير عنه.

بعد انتهاء المسابقة، أعلن الحاج خليل الفائز، وخرج الشبان واحدًا تلو الآخر. فدخل نوح، وألقى التحية ثم قال:

"هل أستطيع أخذ سيارتي؟ أريد متابعة طريقي إلى مدينة عين."

نظر إليه خليل للحظة، ثم هزّ رأسه وقال:

"تعال معي."

سارا معًا حتى وصلا إلى السيارة. وقبل أن يمد نوح يده إلى الباب، وضع خليل كفه على ذراعه.

"توقف."

التفت نوح بدهشة، "هل فعلت شيئًا خاطئًا؟"

هزّ خليل رأسه.

"لا... لكنك ترتكب خطأً كبيرًا الآن. سيارتك هذه ليست لطرق الصحراء، لا عجلاتها ولا محركها يتحمّلان. ستعلق في الرمال بعد ساعة. وإن لم تعلق، فهناك قطاع طرق، لن ترحمك وحدتك."

سكت لحظة، ثم أضاف بنبرة جادة:

"لن تدرك كم يمكن أن تكون الصحراء قاسية إلا حين تقف وحيدًا وسطها... وتدرك أن لا أحد قادم."

نظر إليه نوح لحظة ثم قال:

"ما العمل إذن؟"

ابتسم خليل لأول مرة منذ لقائهما.

"ستأخذ أحد أقوى جمالي. وستعود لتأخذ سيارتك بعد عودتك سالمًا. أما الخريطة... فستكون دليلك."

اختار خليل جملاً أسود اللون، شامخ القامة، بعينين ذكيتين تلمعان كأنه يعرف وجهته مسبقًا. بدا كمحارب نبيل، فتن نوح بجماله.

وقبل أن يقوده، أوقفه خليل من جديد.

قال نوح مازحًا: "لا تقل إنك ندمت على إعطائي الجمل."

ضحك خليل وقال:

"نسيت شيئًا أغلى من الجمل... الخريطة!"

أخرج ورقة قديمة، متهالكة، كأنها تنتمي لقرن مضى. استلمها نوح بشغف، وشعر بملمسها الخشن كما لو كان جلدًا جافًا، وشم رائحة الوقت والضياع منها. شيء في داخله قال إن هذه الورقة ستحمله إلى قدره.

جهّز الطعام والماء، وذهب إلى "بشير" حيث اشترى خيمة صغيرة. صعد على الجمل، وبدأ رحلته إلى المجهول.

امتدّ الطريق أمامه كسراب، والشمس تصفع جسده من الأعلى. مرّت ساعات وهو يمشي، الرمال تدخل حذاءه، العرق يتصبب من جبينه، لكنه لم يتوقف. عيناه تتفحصان الأفق بلا توقف، كأنه يبحث عن شبح حلمٍ ظل يطارده لسنوات.

ثم لمحها. شجرة وحيدة، وارفة الظلال، تقف كمعجزة وسط الصحراء.

اقترب منها، وجلس تحتها، شرب من قربته وأغمض عينيه، ثم نهض مجددًا، بقلب أكثر إصرارًا.

مع غروب الشمس، بدا له شيء غريب في الأفق. اقترب ببطء، حتى اتّضح الشكل: عمود حجري ضخم، يبرز من قلب الأرض. نقوشه... كانت مألوفة!

مدّ يده عليه، أزال الرمال، وظهرت الرموز التي رآها من قبل. لم يكن حلمًا. لم يكن وهمًا.

عين... كانت حقيقية.

ارتجف قلبه وهو ينظر إلى الأفق، وتابع السير حتى ظهرت المدينة أمامه فجأة، كأنها انبثقت من العدم.

مبانيها نصفها مدفون في الرمال، جدرانها متآكلة، وأعمدتها تصارع الوقت، لكنها كانت تنطق بعظمة. مدينة مهجورة، لكن أنفاسها القديمة ما زالت تنبض في الهواء.

وقف نوح عند مدخلها، لا يصدق ما يراه.

"كنت على حق... لم أكن مجنونًا... لم أكن وحدي."

لم يتمالك دموعه. ليس لأنه وجد المدينة، بل لأنه وجد نفسه.

لكن الظلام بدأ يسدل ستائره، فتذكر تحذير خليل من الذئاب. نصب خيمته، أشعل نارًا صغيرة، وقيّد جمله، ثم جلس داخل خيمته.

ولأول مرة منذ أيام، شعر بشيء يشبه السلام.

لكن هذا السلام لم يدم.

صرخة... عنيفة... مدوية، شقّت ليل الصحراء.

قفز نوح من مكانه، خرج من الخيمة، وقلبه يخفق كطبول الحرب.

تجمّد في مكانه.

جمله يصرخ بجنون، يتلوّى ويجذب الحبل، وعيناه تتسعان كأنهما رأت كابوسًا.

ثم رأى نوح ما لم يكن مستعدًا لرؤيته.

شيء ما... يتحرك هناك، خلف الجمل، في الظلال.

صوت... أنفاس ثقيلة، مخالب تخدش الرمال، وعيون... تتوهج في الظلام.

اقترب شيء من الجمل.

نوح لم يستطع الحركة.

وكانت هذه... بداية الليل الذي لا يُنسى.

~يُــــــــــــــــــتـبَـع

ــــــــ.ــــــــ.ـــــــــــ.ــــــــــ.ــــــــ.ـــــــــ.ـــــــــ.ـــــــــ.ـــ

كان هذا الفصل قصيراً، وانا اعتذر عن ذلك 🫡

اتمنى ان ينال اعجابكم، سأنتظر آرائكم 🥹🔥

اعدكم ان الفصل القادم سيكون طويلاً ومليئاً بالأحداث 🫢💥

وبالطبع سأنتظر رأيك يا عزيزي القارئ 💜✨

وفي النهاية اقول لك:

تأكد  ان القادم افضل بإذن الله ❤️‍🔥💕

أراك لاحـــــقاً عـزيــزي القــــــــــارئ 🫶🏻👋🏽

الكــتاب

ما إن خرج نوح من الخيمة، حتى تجمّد مكانه من هول ما رأى.

قطيع من الذئاب... عشرات العيون المتوهجة، تتسلل عبر الظلام بخطى صامتة، تحيط بالجمل من كل جهة، تقترب ببطء وثبات، كأنها تمارس طقسًا قديماً من طقوس الموت.

ارتج قلب نوح. لكنه في لحظة التوتر تلك، تذكّر كلمات خليل التي رسخت في ذهنه منذ الأمس:

"إذا هاجمتك الذئاب، عليك أن تنقض عليها قبل أن تنقض عليك... وإياك أن تظهر ذرة خوف أو تردد!"

كان جسده يريد الفرار، لكن روحه أبت. التقط عصًا ملقاة على الأرض، لفّ حولها قطعة قماش، ووضعها في النار المتقدة، حتى اشتعلت وصارت شعلة تتراقص بنورها البرتقالي.

رفع الشعلة، واقترب. الذئاب زمجرت، أظهرت أنيابها، هدرت بعنف كأنها تحذّره. لكنه لم يتراجع.

ظل يلوّح بالشعلة، عيونه ثابتة، وكتفاه مشدودان. خُيِّل إليه أن الزمن توقّف للحظة، ثم... بدأت الذئاب تتراجع. أولاً واحدة، ثم أخرى، ثم البقية، حتى ذابت في ظلام الصحراء كأنها لم تكن.

اقترب نوح قليلاً ليتأكد من رحيلهم، ثم عاد وهو يتنفس بصعوبة. نزع الشعلة من يده، ووضعها بجانب باب الخيمة. دخل، واستلقى، وغرق في نوم ثقيل، لم يُوقظه منه إلا خيوط الشمس الأولى.

في صباح اليوم التالي، خرج نوح واطمأن على جمله، ثم بدأ يتجول بين أطلال المدينة. الرمال تغطي كل شيء، لكنها لم تطمس العظمة القديمة. الأعمدة، النقوش، بقايا الأبنية، كلها تشهد على حضارة عظيمة طواها الزمان، لكنها لم تمت.

لم يفهم كيف لمكان بمثل هذا الجمال، ان يكون مدفونا وسط الصحراء، ولا يعلم عنه احد.

وبينما كان يسير، لمح مبنى شامخًا، أكبر من كل ما رآه. جدرانه مزخرفة، محاط بأعمدة وتماثيل، وقبة ضخمة تتوسطه كأنها تلامس السماء.

"معبد...!" تمتم في نفسه.

توجه نحوه بسرعة، لكنه لم يجد مدخلًا واضحًا. دار حوله عدة مرات، وقبل أن يفقد الأمل، لمح كتلة صخرية ضخمة تسد فتحة في الجدار. بدا واضحًا أن انهيارًا قديمًا قد أغلق المدخل.

حاول إزاحة الصخور بيديه، لكنها لم تتحرك. عاد إلى جمله، وربط حول خصره حبلًا متينًا، وربط الطرف الآخر بالصخور. وبدأ الجمل يجر.

مرّ الوقت ببطء. الشمس تسير نحو الغروب، والعرق يغرق جسده. وأخيرًا، بعد جهد كبير، انزلقت إحدى الصخور، وظهرت خلفها فتحة ضيقة.

اقترب منها، لكنه وجد خلفها ظلامًا دامسًا، وكانت الشمس قد غربت. ومع حلول الليل، تصاعدت أصوات الصحراء: عواء الذئاب، نباح الكلاب البرية، وصرير الزواحف.

فكّر بدخوله، لكن الحكمة انتصرت. أخذ جمله، وعاد إلى الخيمة.

ربط الجمل بالقرب منها، أطعمَه، أشعل نارًا. جلس أمامها، يأكل قطعة خبز محترقة قليلًا. كان السكون قد عاد، حتى شعر فجأة بحركة خفيفة في الظلام.

استدار سريعًا.

عينان... تلمعان في السواد.

ذئب.

كان أقرب مما توقع. قلبه خفق بقوة، العرق تصبب، لكنه تذكّر ما فعله الليلة الماضية. أمسك الشعلة، ولوّح بها بثبات. الزئير ارتفع، لكن الذئب تراجع... وهرب.

عاد نوح إلى الخيمة، أنهى طعامه، وغرق في نوم عميق وسط الظلام، دون أن يخاف كما في السابق. الذئاب لم تعد تُفزعه... بل أصبح يعرف كيف يواجهها.

استيقظ في صباح اليوم التالي، طهّر جراحه، وأعدّ مؤونة صغيرة تكفيه، ثم حمل شعلة، وتوجه مجددًا إلى مدخل المعبد.

وصل إليه، وجد الفتحة كما تركها. زحف خلالها بحذر، ليجد نفسه داخل نفق ضيّق، مظلم، بالكاد يتسع لجسده.

الهواء ثقيل، والحرارة خانقة. أخرج مصباحه الصغير، بالكاد يضيء، لكنه كان كافيًا. زحف، رغم ألم ركبتيه وجفاف حلقه. كلما تقدم، زاد الاختناق... ثم فجأة انطفأ المصباح.

الظلام ابتلع كل شيء.

لم يعد يرى يده أمام وجهه. فكر بالعودة، لكنه كان قد ابتعد كثيرًا، والنفق لا يسمح له بالاستدارة. فواصل الزحف. قلبه يدق بقوة، والهواء أصبح أبرد.

ثم شعر بنسمة هواء... باردة، خفيفة، تضرب وجهه.

فرحة اجتاحت صدره.

وتحت ضوء القمر الخافت، لمح نهاية النفق... محجوبة بشباك عنكبوتية كثيفة. زحف بأقصى ما لديه من قوة، مزّق الشباك، واندفع إلى الخارج.

تلقفته رائحة غريبة... رائحة عفن قديم.

أشعل شعلة صغيرة، وبدا المكان أكثر اتساعًا. جدران قديمة، نقوش غريبة... ثم رأى الجثة.

كانت جثة متحللة تتكئ على احد جدران المعبد، لم يبق منها الا العظام وملابسها المهدرئة ، الجمجمة غريبة المظهر، لا تشبه كثيراً جمجمة البشر، بل اقرب للحيوانات. لكن بسبب الظلام وتوتر نوح ظن انها أوهام. الجمجمة بها ثقب كبير ولم يتسائل نوح كثيراً عن سبب هذا الثقب، لأن الجثة كانت تمسك مسدسا بيدها اليسرى . زادت دقات قلب نوح وتصبب العرق منه بغزارة؛ لأنه تأكد ان هذا المكان لا يمزح، ويبدو ان هذا الرجل كان متحمساً مثله عندما دخل هذا المكان،وهذه هي نهايته.

ارتجف نوح.

اقترب بحذر، وتفحص الجثة. في جيب المعطف وجد بطاقة كتب عليها بلغة اجنبية لم يراها من قبل لكنه فهمها بشكل غريب :

"لايارد كارتر: عالم آثار"

تجمّد. لم يكن مجرد رجل عادي، بل عالم متخصص، انتهى به المطاف ميتًا هنا. لكن لماذا؟

نظر إلى الثقب في جمجمته. هل أطلق النار على نفسه؟ أم هناك ما دفعه إلى ذلك؟

نظر للجثة طويلاً، ثم ابتعد وهو يهمس:

"لن أكون مثلك."

أخذ المسدس، والبطاقة، وأكمل طريقه داخل المعبد.

ممر طويل، أبواب مسدودة بالأنقاض، صوت غريب يشبه الطرق يتردد من بعيد. تجاهله. اعتبره وهمًا.

واصل السير، حتى انتهى الممر. لا شيء. لا غرف مفتوحة. لا أبواب. جلس يائسًا.

"هل وصلت إلى لا شيء؟"

لكن... نَسمة هواء باردة من إحدى الجدران.

اقترب، فوجد بين الصخور فتحة ضيقة. زحف عبرها، وخرج إلى غرفة مظلمة، يتوسطها كتاب ضخم على حامل خشبي، وحوله تماثيل حجرية صغيرة منحوتة في الأرض.

تقدم ببطء، أضاء الشعلة، واقترب من الكتاب. كان مفتوحًا، والحروف واضحة تحت ضوء القمر. مكتوب بلغات كثيرة... ثم وجد صفحات بالعربية.

اتسعت عيناه.

فتح تلك الصفحات وبدأ يقرأ.

" في إحدى الغابات العميقة، المظلمة بأشجارها الكثيفة، والتي لا يخترقها الضوء إلا بصعوبة، كانت الأصوات الغريبة للطيور والسناجب تملأ المكان، وعلى جذع شجرة ضخمة ملقاة، جلس الراينو الصغير—كائن هجين، نصفه بشري ونصفه من سلالة سحرية قديمة —بجانب ساحرة عجوز، ذات شعر أبيض كثيف وعينين تلمعان بحكمة السنين.

كانا يتبادلان الأحاديث، الصبي ينصت، والعجوز تحكي... وفجأة، سأل الراينو:

"جدتي... ماذا حدث للعالم القديم؟ سمعتُ عن حرب عظيمة و... عن الممرات؟"

تغيرت ملامح العجوز. حدّقت فيه بعينين يكسوهما القلق، ثم سألت:

"ومن أخبرك بذلك؟"

قال الصبي بثقة:

"قرأت عنه في كتاب قديم."

هدأت العجوز، وأجابت بصوت منخفض:

"كنت أخشى أن يأتي هذا اليوم... ما قرأته صحيح، ولكن ليست كل الحقائق مذكورة في الكتب يا صغيري."

ثم أخذت نفسًا عميقًا وبدأت الحديث:

"منذ آلاف السنين، كان عالمنا—آيدان—عامرًا بالحياة، تعيش فيه الكائنات السحرية والسحرة والبشر جنبًا إلى جنب، نبني، نزرع، ونتشارك هذا الكوكب العظيم.

لكن... حدث ما لم يكن في الحسبان.

اندلعت حرب شعواء بين ساحرين من أقوى الكائنات التي عرفها آيدان، كانا يملكان قوى لم يعلم احد من اين حصلوا عليها، لكن ما كان الجميع يعلمه ان قواهما كافية لمحو كواكب ، كلاهما أراد الحكم المطلق، أراد أن يجعل من العالم مملكته وحده، وكان كل منهما يرى نفسه الأحق.

اشتعل القتال بينهما لأشهر طويلة، وكلما استمرت الحرب كلما زادت قوى الساحرين وكأن قواهما تزيد بزيادة الضحايا. كان كل يوم يمر يُسقط فيه آلاف الضحايا. لم ينجُ من الحرب أحد، لا بشر، ولا سحرة، ولا مخلوقات. الأشجار احترقت، الأنهار جفّت، والسماء اسودّت من السحر المتصادم.

كلا الساحرين كان يرى أنه ينقذ العالم... لكن لم يدرك أي منهما أن قتالهما كان يدمر كل شيء.

وفي النهاية، لم ينتصر أحد.

احترقا معًا. فني كلاهما، وبقيت الأرض خاوية، تحكي رمادها قصة الغرور."

صمتت العجوز قليلاً ثم تابعت:

"بعد هذه الحرب، أدرك كبار السحرة أن البشر كانوا الحلقة الأضعف. لا يستطيعون مجاراة السحر، ولا الدفاع عن أنفسهم، وكان وجودهم مهددًا بالانقراض.

فاجتمع حكماء السحرة، واتخذوا القرار الأصعب:

يجب أن نُنقذ البشر… بنفيهم!

بدأ البحث عن كوكب بديل، بعيد عن السحر، آمن، خالٍ من القوى المتصارعة. وبعد بحوث طويلة وتجارب مكثفة، وقع الاختيار على كوكب قديم، يُدعى 'الأرض'.

كوكب يسكنه البشر منذ زمن بعيد، لا يحتوي على أي ذرة من السحر. مكان يمكن أن ينعم فيه الإنسان بالحياة، دون أن يخاف من أن يُسحق في حرب بين الكيانات.

فاجتمع ملوك البشر، ووافقوا على الرحيل... بشرط.

طلبوا أن يُنشئ السحرة 'ممرات كونية' تصل بين آيدان والأرض، ليتمكنوا من التواصل ونقل علومهم وأشيائهم عند الحاجة. وافق السحرة، رغم أن تعويذة الممرات من أعقد ما وُجد في كتب السحر، ولا يستطيع تنفيذها سوى قلة نادرة.

وبعد جهد مرهق، وقرابين من طاقة السحرة، شُيّدت الممرات.

لكن ما لم يكن في الحسبان... أن كوكب الأرض نفسه، حين احتواه البشر، وُضع عليه أقوى تعويذة سوداء عُرفت في التاريخ:

لعنة الأرض.

تعويذة زرعت في نسيج الكوكب، تمنع مرور أي كائن سحري إليه.

ولم تكن لعنة عادية...

بل لُعنة تُفني الكائنات السحرية بمجرد اقترابها من الممرات. لا يمكن تحطيمها، لا يمكن تجاوزها، حتى أعظم الكيانات—بل حتى بقايا الساحرين اللذين خاضا الحرب—لم يستطيعوا الاقتراب منها.

سأل الراينو الصغير:

"وهل مازالت تلك الممرات موجودة؟"

ابتسمت العجوز بأسى:

"نعم، مازالت. منتشرة في أماكن كثيرة على كوكب آيدان... بل وحتى على الأرض.

لكنها اليوم... منسية.

بعد انتهاء الحرب، لم يعد من الضروري ترحيل كل البشر. فاختارت فئة منهم البقاء في آيدان، بينما غادرت مجموعات أخرى إلى الأرض.

مرّت السنين...

وخفّت الزيارات، ثم اختفت، ثم أصبحت مجرد أساطير، تروى قبل النوم، وأي أحد يذكرها يُلقب بالمجنون أو الأحمق.

حتى نسي البشر كل شيء عن آيدان... وظنوا أن الأرض وحدها هي موطنهم."

"لكن… من يحرس الممرات الآن؟" سأل الراينو بفضول.

نظرت إليه العجوز نظرة طويلة وقالت:

"الراينو.

أنتم من تحرسونها.

أنتم الكائنات الوحيدة التي تستطيع الاقتراب منها دون أن تفنيها اللعنة، لأن دمكم يحمل سلالة البشر، وسلالة السحرة معاً. لكن... احذر.

فإن عبر أحد الراينو إلى الأرض، يفقد قدراته السحرية بالكامل، ولا تعود إلا بعد رجوعه إلى آيدان… ولكنها تعود ناقصة بشيء بسيط .

وكل مرة يعبر فيها، تضعف أكثر. حتى تنتهي الطاقة السحرية بالكامل

لهذا لا يستخدم الراينو الممرات، بل يكتفون بحراستها… وتحذير الآخرين من الاقتراب.

فأي كائن سحري... مهما بلغت قوته... إن اقترب من الممرات، فسيهلكه السحر الأسود بلا رحمة."

وضعت يدها على كتف الراينو الصغير وقالت:

"وأنت، يا صغيري... من الراينو.

وقدرك أن تصبح حارسًا لأحد هذه الممرات...

يوماً ما، قد يتغير كل شيء، لكن حتى ذلك الحين...

ابقَ يقظًا، فالممرات... لا تنام."

"

انهى نوح قرائة الصفحات المكتوبة بالعربية وكان غير مصدق لأي شيئ قد قرأه، كان يؤمن انها أسطورة من اساطير الحضارات القديمة، ولكنه كان لا يفهم بعد، كيف إستطاع الأنباط الكتابة بالعربية...؟! ، ومن هو لايارد كارتر..؟! وهل آيدان موجود حقاً ام مجرد خرافات؟  وإن كان خرافات فلمذا يحلم به كل عام؟

لكنه اوقف تفكيره مؤقتاً، ونظر إلى القمر عبر الشقوق. كان في كبد السماء.

"حان وقت الرحيل ."

أطفأ الشعلة، وأخذ الكتاب، وبدأ طريق العودة.

زحف عبر الفتحة، ثم عاد إلى الممر، مرورًا بجثة لايارد، ثم زحف مجددًا في النفق الضيق. ألمه أشد، جراحه مفتوحة، لكنه كان أقوى من أي وقت مضى.

وصل إلى النهاية، تنفّس بعمق، خرج إلى ضوء القمر.

كان جسده مثقلاً بالجراح، لكن قلبه ممتلئ بالإجابات... والأسئلة.

جلس بجانب الجمل، أشعل نارًا، ونام وهو يعانق الكتاب، وعيناه لا تزالان تفكران في ذلك الاسم:

لايارد كارتر.

نظر نوح للسماء، فور استيقاظه. فوجد الشمس في وسطها، فعلم ان هذا الوقت هو الوقت المناسب للرحيل من هذا المكان الكئيب، لأن الطعام والماء بدأ ينفذ منه وبالكاد يكفيه لطريق العودة. ووعد نفسه انه سيعود مره أخرى ليستكشف عين بالكامل

~ يُتـــــــــــــــــــبَع

ــــــــ.ــــــــ.ـــــــــــ.ــــــــــ.ــــــــ.ـــــــــ.ـــــــــ.ـــــــــ.ـــ

ما رأيك في الفصل، عزيزي القارئ 🙂🌹

وما هي توقعاتك للأحداث القادمة...!!؟🔥🫢

من هو لاياراد كارتر..!!؟ ولماذا انتحر برأيكم... ؟!! ❓

وكيف استطاع الأنباط الكتابة بالعربية...؟!! ❓

اعلموني بآرائكم واقتراحاتكم...... 🫡💜

وبالطبع اشكرك لوصولك لهذا الجزء 💚🌺

وتأكد دائماً عزيزي القارئ ان القادم افضل بإذن الله 🔥🫡

في الواقع لا توجد خاتمة...... فلكل نهاية امتداد يبدأ به كل شيئ...... 🥹💝✨

أراك لاحـــــقاً عـزيــزي القــــــــــارئ 🫶🏻👋🏽

لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon

تحميل PDF للرواية
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon