الفصل الأول: رائحة الماضي
في ليلة ميلادها العشرين، استيقظت كاثرين على صوت خفيف يطرق باب غرفتها. رفعت رأسها ببطء، وعينيها تتأقلمان مع الظلام الخافت. لم يكن هناك أي ضوء في الخارج سوى وهج خافت من أضواء الشارع الذي يمر أمام نافذة غرفتها. على الأرض، أمام الباب، كانت هناك رسالة صغيرة وزجاجة عطر قديم، لم تر مثلها من قبل.
اقتربت كاثرين بحذر، قلبها ينبض بسرعة، وكأن كل خطوة تقترب بها من الرسالة تكشف عن سر مخفي في حياتها. التقطت الزجاجة، وفجأة اصطدمت رائحتها بأنفها، مزيج من زهرة الياسمين، خشب الصندل، ولمحة خفيفة من الفانيليا، شيئًا قديمًا ولكنه مألوف بطريقة غريبة. أغمضت عينيها، ووجدت نفسها غارقة في موجة من الذكريات التي لم تتذكرها منذ سنوات.
جلست على حافة السرير، والزجاجة بين يديها، وأخذت تتذكر طفولتها في بيت جدتها. كانت الحديقة الصغيرة مليئة بأشجار الياسمين التي كانت تزهر في فصلي الربيع والصيف، وكان عبيرها يملأ كل أركان البيت القديم. كانت تلك الأيام بسيطة، مليئة بالضحك واللعب، والكتب القديمة التي تقرأها جدتها بصوت دافئ يشبه الموسيقى. فجأة شعرت بأن شيئًا ما في تلك الرائحة يحاول أن يفتح باب قلبها لماضٍ نسيت أنه موجود.
التقطت الرسالة وفتحتها بيد مرتعشة، مكتوب عليها بخط رزين:
"لتكتشفي ما فقدته، عليك أن تتبعي الرائحة، فهي تحمل مفتاح قلبك."
شعرت بالفضول يتصاعد، لكنه كان مختلطًا بالخوف. من أرسل لها هذا العطر؟ ولماذا اختار هذه الليلة بالذات؟ نظرت حول الغرفة، كل شيء كان كما تركته: أرفف الكتب مرتبة بعناية، الستائر الثقيلة تتمايل بلطف مع الهواء القادم من الشرفة، والسرير مرتب بدقة. لم يكن هناك أي أثر لأي شخص آخر.
بينما كانت تفكر، رن هاتفها فجأة. ارتجفت وهي تلتقط المكالمة، صوت خافت على الطرف الآخر قال:
"الوقت قد حان لتعرفي الحقيقة، لا تتأخري."
انطفأت الخطوط بعد أن أنهى الحديث، تاركًا إياها في صمت الغرفة الذي أصبح ثقيلًا وكأن الجدران تراقبها. حاولت كاثرين أن تتجاهل القلق الذي بدأ يتسلل إلى قلبها، لكنها شعرت بأن شيئًا أكبر من حياتها اليومية على وشك أن يتكشف أمامها.
جلست على الشرفة، والزجاجة أمامها، والنسمات الباردة تلامس وجهها، بينما المدينة تحتها نائمة، والأضواء الخافتة تتلألأ بعيدًا. رائحة العطر تعمقت، كما لو أنها تحاول أن تحكي لها قصة لم تُروَ بعد، قصة عن سر دفين، حب ضائع، وذكريات ضائعة بين طيات الزمن. شعرت بأن قلبها يختلط بين الحنين والرغبة في المعرفة والخوف من المجهول.
لم تستطع النوم. جلست طوال الليل تفكر في المعاني المخفية للرسالة والعطر، محاولة أن تفهم ما الذي يربطها بهذا السر القديم. تذكرت أيامها في المدرسة، الأصدقاء الذين فقدتهم، والأماكن التي لم تعد موجودة بعد الآن. كل شيء بدا وكأنه مرتبط بهذه الرائحة، وكأن الماضي يحاول أن يعيد الاتصال بها بطريقة غامضة.
مع بزوغ الفجر، جهزت حقيبتها الصغيرة، وأخذت الزجاجة والرسالة معها. في قلبها شعور غريب بين الحماس والخوف، شعور بأنها على موعد مع شيء سيغير حياتها إلى الأبد. قبل أن تغادر المنزل، نظرت حولها مرة أخيرة، كما لو أنها تودع جزءًا من نفسها، جزءًا مرتبطًا بطفولتها وذكرياتها القديمة.
فتحت الباب الخارجي، فدخلت نسمة الصباح الباردة، حاملة معها عبق الأشجار، رائحة الأرض المبللة، وأصوات المدينة التي تستيقظ ببطء. شعرت بأن الرياح تهمس لها بصوت خافت:
"كاثرين… الرحلة قد بدأت."
على الطريق أمامها، لم يكن هناك أي مؤشر لما ينتظرها، لكن شعورًا داخليًا جعلها تمضي قدمًا. كل خطوة كانت تقربها أكثر من الغموض، وكل نسمة من رائحة العطر تفتح لها بابًا جديدًا للذكريات والمشاعر القديمة.
وبينما كانت تمشي، بدأت تتذكر شابًا كان يعرفه منذ الطفولة، لم تلتقِ به منذ سنوات، لكنه دائمًا كان جزءًا من أحلامها. هل يمكن أن يكون مرتبطًا بهذا السر؟ وهل سيكون جزءًا من الرحلة التي بدأت للتو؟
الغموض، الذكريات، والرائحة التي لا تفارقها، كلها تشكلت في قلبها كخريطة سرية، تقودها إلى ما هو أكبر من أي شيء يمكن أن تتوقعه. كانت تعرف شيئًا واحدًا فقط: لا يمكنها العودة، وكل خطوة ستأخذها أعمق في عالم لم تره من قبل.
الفصل الثاني: خطوات في الظل
بعد أن تركت كاثرين منزلها وراءها، شعرت بأن المدينة تبدو مختلفة اليوم، كما لو أن كل زاوية وكل شارع يخبئ سرًا لم تكتشفه بعد. الرياح التي كانت تحرك أوراق الأشجار كانت تحمل معها لمحة من العطر القديم، العطر الذي بدأ يبدو لها وكأنه دليل على الطريق، إشارة غامضة من الماضي.
كانت تمشي ببطء، محاولة أن تستوعب كل ما حدث في الليلة السابقة: الرسالة، المكالمة الغامضة، والزجاجة الصغيرة التي أصبحت جزءًا من حياتها. كل شيء بدا وكأنه يتحد في شبكة دقيقة من الأسرار تنتظر أن تُكشف. قلبها كان ينبض بسرعة، لكنها شعرت أيضًا بقوة غريبة تدفعها للمضي قدمًا.
بينما كانت تسير، لاحظت مبنى قديم في شارع جانبي لم تنتبه له من قبل. واجهته الكبيرة والجدران المتشققة أعطتها شعورًا بالرهبة، لكنه كان أيضًا جذابًا بطريقة غريبة. توقفت أمام الباب، وأخذت تلمس الخشب القديم بيدها، وكأنها تحاول أن تتواصل مع شيء ما وراء الزمن. رائحة العطر شعرت بأنها أقوى هنا، وكأن المكان نفسه يختلط بالماضي.
دفعتها فضولها إلى دفع الباب ببطء. صريره العالي أضاف توترًا خفيفًا للجو. الداخل كان مظلمًا، لكن أشعة الشمس التي تسللت من النوافذ المكسورة أظهرت صورًا وأشياء قديمة: رفوف مليئة بالكتب المغبرة، أوراق متناثرة على الأرض، ومرايا مكسورة تعكس ضوء النهار بطريقة مشوهة.
خطت كاثرين خطوة داخل المبنى، والزجاجة في يدها. كل حركة كانت محسوبة، وكل صوت صغير جعل قلبها يقفز. شعرت بأنها ليست وحدها، كأن شيئًا أو شخصًا يراقبها من الظلال. لكن لم يكن هناك أي شخص، فقط صدى خطواتها وأصوات المدينة البعيدة التي تصل إلى الداخل بطريقة خافتة.
جلست على أحد المقاعد القديمة، ووضعت الزجاجة أمامها. أخرجت الرسالة مرة أخرى وقرأت الكلمات المكتوبة بخط رزين:
"لتكتشفي ما فقدته، عليك أن تتبعي الرائحة، فهي تحمل مفتاح قلبك."
رغم أنها قرأت الرسالة عدة مرات، لم تتمكن من فهم معناها بالكامل. شعرت بأن هناك شيئًا مهمًا يفلت من بين أصابعها، شيئًا يجب أن تجده قبل أن يفوتها. وبينما كانت تتفكر، بدأت تتذكر أحاديث جدتها القديمة عن أسرار العائلة، وعن أشياء لم تتحدث عنها مطلقًا.
فجأة، شعرت بنسمة باردة تجتاح المبنى. التفتت، ولمحت خيالًا يتحرك بسرعة بين الركام. ارتجفت، لكنها شعرت أيضًا بشجاعة غريبة تتدفق داخلها. تبعت الخيال، خطوة بخطوة، عبر الممرات الضيقة. كل زاوية كانت تكشف لها جزءًا جديدًا من المبنى، وكل ركن يثير شعورًا مختلطًا بين الفضول والخوف.
في إحدى الغرف، وجدت صندوقًا خشبيًا صغيرًا، مغطى بالغبار. فتحت الغطاء ببطء، ووجدت داخله أوراقًا وصورًا قديمة، وأشياء صغيرة تحمل علامات مألوفة لها. بين الصور، كان هناك شخص يبدو مألوفًا جدًا، شاب ذو عينين عميقتين يذكّرها بشخص تعرفه منذ الطفولة، لكنه لا تتذكر كل التفاصيل عنه.
بينما كانت تتفحص الصور، شعرت بأن العطر في الزجاجة يزداد قوة، وكأنه يهمس لها بأشياء لم تُقال بعد. بدأت تدرك أن هذه الرائحة ليست مجرد عبق، بل مفتاح لذكريات وأسرار مخفية، وأن كل خطوة تقوم بها ستقودها إلى معرفة شيء أكبر عن نفسها وعن الماضي الذي حاولت نسيانه.
قررت أن تأخذ الصندوق معها، ربما يساعدها في كشف اللغز. عند خروجها من المبنى، شعرت بأن الظلال تحيط بها بطريقة غير طبيعية، وكأن المبنى يودعها ويطالبها بالعودة. لكنها لم تتردد، المزيج بين الحماس والخوف كان يدفعها للمضي قدمًا.
على الطريق، تذكرت كلمات جدتها: "هناك أشياء يجب أن يعرفها القلب قبل العقل. وعطر الماضي يحمل الإجابة أحيانًا قبل أن يفهمها أحد." ابتسمت كاثرين لنفسها، وأدركت أن هذه الرحلة لن تكون سهلة، وأن ما بدأ كمغامرة صغيرة قد يتحول إلى اكتشافات تغير حياتها كلها.
ومع كل خطوة، بدأت ترى صورًا للأماكن التي لم تزرها منذ سنوات، والأشخاص الذين كانوا جزءًا من حياتها ثم اختفوا. شعرت وكأن الزمان يلتف حولها، وأن كل شيء أصبح مترابطًا بطريقة غريبة.
قبل أن تصل إلى نهاية الشارع، لاحظت وجود دفتر صغير موضوع على مقعد خشبي، يبدو وكأنه وُضع هناك لها مباشرة. فتحت الدفتر، ووجدت ملاحظات مكتوبة بخط رزين، ورسائل قصيرة تحمل علامات مألوفة. كانت كلها تتحدث عن شيء غامض، عن شخص ما يبحث عن الحقيقة وعن رحلة طويلة بدأت منذ زمن بعيد.
كاثرين شعرت بأن قلبها يخفق بقوة. كل شيء بدأ يتجمع أمامها، العطر، الرسالة، الصور، الملاحظات… كلهم يشكلون خريطة غامضة نحو شيء أكبر، شيء يجب أن تكتشفه قبل أن يفوتها. شعرت بأنها على مفترق طرق حقيقي، وأن قرارها القادم سيحدد كل ما سيحدث في الأيام القادمة.
الفصل الثالث: بوابة الذكريات
مرت أيام قليلة منذ الليلة التي بدأت فيها كاثرين رحلتها، ومع كل يوم، شعرت أن الماضي يقترب منها أكثر. العطر القديم أصبح جزءًا من حياتها اليومية، كل رشة منه كانت تثير ذكريات لم تكن تعرف بوجودها. كانت كل رائحة تحمل معها إحساسًا غامضًا بالأماكن التي لم تعد موجودة، والأشخاص الذين فقدوا أثرهم في حياتها.
في صباح مشمس، قررت كاثرين أن تزور أحد الأماكن القديمة التي ذكرتها الصور والملاحظات التي عثرت عليها في المبنى المهجور. المكان كان بيتًا قديمًا مهجورًا، ذو جدران متشققة ونوافذ مكسورة، تحيط به حديقة صغيرة تعج بالأشجار والأعشاب البرية. عندما دخلت، شعرت بأن الهواء محمّل برائحة الماضي، وكأن المكان نفسه ينتظر قدومها.
بينما كانت تتجول في أرجاء البيت، لاحظت وجود باب صغير خلف ستارة مهترئة. كان الباب قديمًا ومغلقًا بقفل صدئ. شعرت كاثرين بالفضول يزداد، وأخرجت مفتاحًا صغيرًا وجدته في الصندوق الذي حملته معها من المبنى السابق. كان المفتاح يلمع تحت أشعة الشمس، وكأن له علاقة مباشرة بهذا المكان. وضعت المفتاح في القفل، وفجأة انفتح الباب بسهولة غير متوقعة.
داخل الغرفة، وجدت مكتبة صغيرة مليئة بالكتب والمخطوطات القديمة. رائحة العطر أصبحت أكثر كثافة، وكأنها تحاول أن تهمس لها بشيء ما. بدأت تتصفح الكتب، وكل صفحة كانت تحمل معها ذكريات أو إشارات لأحداث لم تتذكرها كاثرين من قبل. كانت هناك رسائل مكتوبة بخطوط متعرجة، صورًا لأشخاص يبدو أنهم عرفوا جدتها أو ارتبطوا بها بطريقة ما.
بينما كانت تغوص في صفحات الكتب، لاحظت كتابًا صغيرًا مختلفًا عن البقية، مغلفًا بجلد بني داكن. عند فتحه، وجدت فيه يوميات كتبتها جدتها قبل سنوات طويلة. كانت اليوميات تتحدث عن عائلة كاثرين، عن أسرار دفينة، وعن شخص غامض لم تتحدث عنه جدتها مطلقًا. كل كلمة كانت تُشعل الفضول في قلب كاثرين، لكنها شعرت أيضًا بالرهبة.
فجأة، سمعت صوت خطوات خفيفة في الخارج. تجمدت في مكانها، حاولت تمييز الصوت بين حفيف الأوراق وحركة الرياح، لكنها شعرت بأن شخصًا يتبعها. قلبها بدأ ينبض بسرعة، وعادت إليها ذكريات الليلة التي وجدت فيها الرسالة والعطر. أخذت الزجاجة معها، وشعرت أن لها قوة غريبة تحميها، أو على الأقل توجهها نحو الطريق الصحيح.
خرجت من المكتبة الصغيرة بحذر، ولكنها لم تجد أحدًا. شعرت بالارتباك، لكنها قررت المضي قدمًا. كانت تعلم أن هذا المكان يحمل إجابات لأسئلة لم تُطرح بعد، وأن كل خطوة تخطوها تقرّبها من فهم الحقيقة.
في الخارج، جلست على أحد المقاعد الخشبية، وأخرجت دفتر الملاحظات لتدوين كل ما شعرت به ورأته. بينما كانت تكتب، شعرت بتيار بارد يمر بجانبها، وكأن الهواء يحاول أن ينقل لها رسالة. كانت الرائحة في الزجاجة أقوى من أي وقت مضى، وكأنها تشير إلى اتجاه جديد، مكان لم تزرها بعد، لكنه مرتبط مباشرة بالماضي الذي تبحث عنه.
مع غروب الشمس، شعرت كاثرين بضغط غريب في صدرها. كانت تعرف أن الليل سيحمل معه الكثير من الأسرار، وربما مواجهة مخاوفها. عادت إلى منزلها، حاملة معها كل ما جمعته من الأدلة، وقررت أن تبدأ بتحليل كل رسالة، كل صورة، وكل رائحة. شعرت بأن شيئًا كبيرًا على وشك الانكشاف، وأن كل ما حدث حتى الآن هو مجرد بداية.
في الليل، بينما كانت تتأمل الزجاجة الصغيرة على طاولة غرفتها، رن هاتفها مرة أخرى. هذه المرة، كان الصوت مألوفًا جزئيًا، لكنه مخفي وراء طبقة من الغموض:
"كل شيء على وشك التغير. استعدي، فالخطوة القادمة ستكشف أكثر مما تتوقعين."
أغلق الهاتف ببطء، وأخذت نفسًا عميقًا. شعرت بمزيج من الخوف والحماس، وكأن قلبها يعرف أنها على أبواب مرحلة جديدة من حياتها، مرحلة ستكشف لها أسرارًا لم يكن يمكن لأي شخص أن يتوقعها.
لم تستطع النوم تلك الليلة، كانت تتنقل بين صفحات اليوميات، الملاحظات، والصور، محاولة ربط كل شيء معًا. شعرت بأن الرحلة لم تعد مجرد بحث عن الماضي، بل أصبحت اكتشافًا لهويتها، وربما لمستقبلها أيضًا.
مع بزوغ الفجر، شعرت كاثرين بأن الوقت قد حان للتحرك مرة أخرى. العطر في يدها، الرسائل والصور في حقيبتها، وكل شيء أصبح واضحًا بطريقة أو بأخرى. شعرت بأن العالم حولها بدأ يتحرك وفق خريطة غامضة، وأن الخطوة القادمة ستأخذها إلى بوابة الذكريات الحقيقية، حيث الماضي والحاضر يلتقيان بطريقة لم تتخيلها من قبل.
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon