NovelToon NovelToon

كربلاء المقدسة

كربلاء المقدسة

كربلاء المقدسة

كانت كربلاء، في صيف عام 61 هجرية، قطعة من الجنة على الأرض. لم تكن مجرد أرض صحراوية قاحلة كما يظن البعض، بل كانت جنة خضراء ترويها دماء الشهداء. كان نهر الفرات يجري على مقربة منها، يمنح الحياة لأشجار النخيل الباسقة التي كانت تلامس السماء، وتغمر الحقول بالخضرة والنضارة. في هذا المكان، اختار الإمام الحسين بن علي، حفيد الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، أن ينصب خيمته، بعد أن قرر الخروج إلى العراق، استجابةً لنداء أهل الكوفة الذين دعوه ليقودهم ضد ظلم يزيد بن معاوية.

بداية المأساة

لم تكن الرحلة سهلة. كانت تحف بها المخاطر من كل جانب. كان يزيد قد أرسل جيشًا ضخمًا لاعتراض الإمام ومنعه من الوصول إلى الكوفة. في كربلاء، التقى جيش الإمام الصغير، الذي لم يتجاوز عدد أفراده السبعين رجلاً، مع جيش يزيد الذي كان قوامه يتجاوز الثلاثين ألف مقاتل. كان المشهد مؤلمًا ومؤثرًا. وقف الإمام الحسين بكل ثبات وإيمان، يرى أمامه جيشًا جرارًا، لكنه لم يتردد أو يتراجع. كان هدفه واضحًا: إحياء مبادئ جده الرسول، وإعادة العدل إلى الأمة، حتى لو كان الثمن حياته.

في اليوم السابع من محرم، بدأت مأساة حقيقية. قام جيش يزيد بقطع الماء عن معسكر الإمام، ومنعوا وصول الماء حتى إلى الأطفال والنساء. كانت العطش يفتك بالجميع، خاصة الأطفال الصغار، مثل الرضيع عبد الله الرضيع، الذي كان يئن من العطش في حضن أمه الرباب. حاول الإمام أن يتفاوض مع جيش يزيد، لكنهم كانوا مصرين على بيعته ليزيد، وهو ما رفضه الإمام الحسين قائلاً: "هيهات منا الذلة".

يوم العاشر من محرم

في صباح العاشر من محرم، استيقظ الإمام الحسين وأصحابه للصلاة. كانت وجوههم مضيئة، وكأنهم مقبلون على عرس، لا على معركة. كان كل واحد منهم يدرك أنه سيستشهد في سبيل الحق. خطب الإمام فيهم قائلاً: "ألا إن الموت لاحق بكم، فلا تخافوا". كانوا على أتم الاستعداد، لا يخافون الموت، بل كانوا يتوقون إليه في سبيل الله.

بدأت المعركة. كان أصحاب الإمام يقاتلون بشجاعة نادرة، يدافعون عن إمامهم، الواحد تلو الآخر. كان كل واحد منهم يقاتل عشرة، بل مئة من الأعداء، لا يبالون بكثرة العدد، بل كان إيمانهم هو سلاحهم الأقوى. سقطوا واحدًا تلو الآخر، كل شهيد منهم يترك وراءه قصة من الإيمان والتضحية. برز منهم أبو الفضل العباس، أخو الإمام الحسين، الذي ذهب لجلب الماء للأطفال، وقاتل بشجاعة لم تعرفها العرب من قبل. لكن الأعداء كانوا أكثر عددًا، واستشهد بعد أن قطعت يداه، ولم يستطع إيصال الماء إلى أطفال الإمام.

لحظة الوداع الأخير

بعد استشهاد جميع أصحابه وأخوته وأبنائه، بقي الإمام الحسين وحيدًا. كانت القلوب تتقطع لرؤيته وهو يودع عائلته. حضن ابنه الرضيع، لكن سهمًا غدرًا أصابه في رقبته. كان المشهد مؤلمًا. رفع الإمام الرضيع إلى السماء، وقال: "اللهم اشهد، فقد قتلوا ابن بنت نبيك".

توجه الإمام إلى ساحة المعركة، وقد أرهقته الجراح، لكنه كان ما زال يقاتل. كان يقاتل بقلب أسد، لا يهاب الموت، بل يواجهه بشجاعة. كان يشعر أن رسالته قد أتمت، وأنه سيستشهد من أجل إحياء دين جده. وفي لحظة مؤلمة، هجم عليه الأعداء من كل جانب، ووقع شهيدًا على أرض كربلاء. سقطت روحه الطاهرة، لكن كلماته بقيت خالدة، ونضاله أصبح رمزًا للثورة ضد الظلم، وصوتًا للحق ضد الباطل.

الخاتمة

لم تكن كربلاء مجرد معركة انتهت، بل كانت بداية ثورة فكرية وإنسانية. أصبحت كربلاء رمزًا للتضحية والفداء. أصبحت أرضها مقدسة، ومأوى لقلوب الملايين من المسلمين الذين يزورونها كل عام ليجددوا بيعتهم للإمام الحسين، وليتعلموا من ثورته معنى العزة والكرامة. كربلاء هي قصة إيمان لا يموت، وقصة تضحية لا تُنسى. هي قصة الحسين الذي لم يستسلم، بل ضحى بنفسه من أجل أن تبقى كلمة الحق عالية، ومن أجل أن يعيش الإسلام حرًا من قيود الظالمين.

لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon

تحميل PDF للرواية
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon