في عصر قديم، تروي الحكايات قصة مجند عادي أصبح جنرالًا أرعب أرض المعارك. عرفه الجميع بلقب الجنرال الأسطورة، وكان إلى جانبه ملك حكيم وقوي، شكّلا معًا قوتين متكاملتين جعلتا الأعداء يرتعدون من مجرد سماع اسميهما: هيس الجنرال، وداركان الملك.
في العصر القديم جدا، كانت هناك بلاد مزدهرة تدعى هَجي.
أراضيها شاسعة، وسواحلها تمتد على مد النظر، وقوتها العسكرية والاقتصادية كانت تضرب بها الأمثال. وكان ملكها رجلًا قويًا ذا حكمة وبصيرة، يؤمن أن الشعب هو أساس البلاد، وأن الحكم العادل هو ما يصون قوتها.
أنجب الملك أربعة أبناء، وكان يقضي معهم وقته في اختبارهم وتعليمهم معنى الحكم، والمسؤولية، والعدالة، والمعرفة. ومع تقدّم عمره وإصابته بمرض في القلب، بدأ يعدّ الأيام واللحظات لاختيار من سيخلفه على العرش.
لكن المرض اشتدّ عليه، وأصبح لا يغادر سريره، وزوجته إلى جانبه تواسيه، فيما أبناؤه الأربعة يتنازعون على العرش.
النفوذ والفساد السياسي انتشرا، وتحالف أصحاب المصالح مع بعضهم، وبدأت البلاد تفقد مجدها شيئًا فشيئًا.
لم يمض وقت طويل حتى اندلعت حرب داخلية بين الإخوة، فتمزقت بلاد هَجي إلى أربع ممالك:
مملكة شيان: حكمها الابن الأكبر.
مملكة الراي: حكمها الابن الثاني.
مملكة كينهان: حكمها الابن الثالث.
مملكة كيشان: حكمها الابن الرابع والأصغر.
كان الابن الأصغر بعيدًا عن النزاعات في البداية، لكن الظروف أجبرته على الدخول في الصراع. ورغم نصائح والده له بمحاولة لمّ شمل الممالك، إلا أن جهوده باءت بالفشل، إذ لم يجد من إخوته سوى الجفاء والعداء.
وقبل وفاة الملك، رآه في المنام يقاتل دفاعًا عن مملكة كيشان حتى آخر رمق، ورأى أرضًا مزدهرة يقودها جنرال قوي وملك عادل، وشعبًا يهتف لهما.
استيقظ الملك مبتسمًا وأبناؤه إلى جواره، وقال لهم:
"قاتلوا كما تشاؤون، فالأرض ستعود إلى مجدها يومًا ما… وأنت، يا بني الرابع، لا تتراجع أبدًا، فحفيدك سيشهد عصرًا مزدهرًا، وستقف إلى جانبه قوة جنرال أسطوري."
ثم أغمض عينيه، مبتسمًا، وهو يودّع الحياة، رغم حزنه على أبنائه الذين ضاعت قلوبهم وسط الخراب، وشعبه الذي سيتذوق مرارة الموت والجوع والعبودية.
أقيمت جنازة ملكية مهيبة، ودفن الملك في مقبرة الأسلاف. وبعد عامين فقط، اندلعت حرب ضروس بين الممالك الأربع.
الإخوة لم ينسوا كلمات والدهم عن مجد شقيقهم الأصغر وأحفاده، فاشتعلت الغيرة في قلوبهم، وحاولوا إسقاطه. لكنه قاتل بشجاعة مع جنوده حتى آخر رمق.
ومع مرور السنين، أصبح عجوزًا مريضًا، ينصح أبناءه بالحفاظ على المملكة وعدم تكرار مأساة الإخوة. وبعد يومين من وصاياه، توفي.
تلك اللحظة كانت بداية عصر مظلم، امتلأ بالدماء والموت، وجلب معه الجفاف والفقر والجوع، حتى عمّت صرخات الموت أرجاء البلاد.
بعد مرور 300 السنة
بينما كانت أجواء مملكة كيشان متوترة، كان الجميع ينتظر، حتى الملك نفسه، لحظة ولادة ابنه الأول من زوجته الملكة.
كانت بجانب الملكة طبيبة تساعدها في عملية الولادة، بينما الملك يتمشى ذهابًا وإيابًا أمام باب الغرفة، يترقب بشدة. كان يسمع صرخات زوجته، فيرتعش قلبه، ويحاول مساعده تهدئته.
بعد دقائق، خرجت القابلة وهي تحمل حوضًا صغيرًا مغطى بمنشفة عليها آثار دماء، والماء تحوّل إلى لون أحمر.
ارتاع الملك من المنظر، فسقط مغشيًا عليه، فهرع الجميع في القصر نحوه، وحملوه بسرعة إلى غرفته، واستدعوا الطبيب.
لم تمضِ لحظات حتى استيقظ الملك فجأة، وركض نحو غرفة الولادة الملكية — وهي غرفة مخصصة لزوجات الملوك، يقال إنها تجلب البركة للوريث القادم، وهي نفسها التي توفي فيها ملك هَجي القديم.
فتح الباب مسرعًا، فوجد زوجته تحمل بين يديها طفلًا صغيرًا. انهمرت دموعه، بينما هي تبتسم وتمسح دموعه برفق.
قالت له بصوت هادئ:
– "أنا بخير يا عزيزي… لا تقلق. احمل ابننا، داركان… هذا هو الاسم الذي سنسميه له."
أخذ الملك ابنه بين ذراعيه، وابتسامة الفرح تملأ وجهه.
وفي تلك اللحظة، دخلت الغرفة امرأة عجوز تُدعى هيفا. كانت من النبلاء، امرأة ذات سلطة واحترام، ربت الملك بعد وفاة أمه، وعلمته الكثير.
اقتربت من الملك وقالت:
– "هل يمكنني حمل الوريث القادم… سيكون هذا شرفًا لي."
ابتسم الملك وأجاب:
– "نعم، تفضلي."
حملت هيفا الطفل بين ذراعيها، ونظرت في عينيه، فرأت فيهما بريق البراءة. لكن شيئًا ما أعادها إلى حلم قديم رأته… حلم عن ملك يسطع نجمه في شبابه، إلى جانبه أخ وصديق ورفيق حرب، جنرال قوي من نسل الجنرالات العظماء، يدافع عن بلاده حتى آخر قطرة دم.
اغرورقت عيناها بالدموع، مزيج من الفرح والحزن، وهي تدرك أن حياة هذا الطفل ستكون محفوفة بالحروب والمخاطر.
سألتها الملكة بقلق:
– "ما بكِ، أيتها الجدة هيفا؟"
أجابت هيفا بنظرة يملؤها الأمل والرهبة:
– "بعد سنين طويلة… ها أنا أحمل بين يدي الملك الذي سيعيد المياه لمجاريها."
ساد الصمت في المكان، ثم قال الملك بدهشة:
– "أتقصدين أنه الملك الذي سيبزغ نجمه؟"
ثم صرخ الملك بصوت قوي:
– "ابحثوا عن طفل من أبناء الجنرالات أو أحفادهم… حالًا!"
انطلق الجميع يبحثون عن امرأة حامل من زوجات الجنرالات أو بناتهم، لكن بلا جدوى.
مضى أسبوع كامل من البحث في كل أرجاء المملكة دون نتيجة.
اجتمع الجميع في قاعة العرش، الملكة إلى جانب زوجها تحمل داركان، فسألتهما:
– "هل وجدتم رفيق ابني نحو مستقبله؟"
أجاب المساعد سمران:
– "لا يا سيدتي… لم نجد. لا واحدة من زوجات الجنرالات أو بناتهم حامل الآن."
عبس الملك وقال:
– "لكن هيفا لا يمكن أن تكذب… وإذا كان ابني هو الملك المنتظر، فبلا شك رفيقه من أبناء أو أحفاد الجنرالات."
دخلت هيفا بخطوات هادئة، يرافقها خدمها، وقالت:
– "عاش الملك… هل تأذن لي بالحديث؟"
أشار الملك إليها بالإذن، فأكملت:
– "إذا كان الوريث القادم هو الملك المنتظر، فبلا شك سيولد قريبًا رفيقه ومساعده."
وبينما عمّ الصمت، دخل أحد الخدم مسرعًا وهو يلهث:
– "سيدي! زوجة الجنرال أزريون، وابنة الجنرال غيندو — وهي زوجة الجنرال كايدرو — حاملتان أيضًا!"
فرح الملك والملكة والحاشية، وقال الملك:
– "خبر سار… بلا شك أحدهما سيكون رفيق ابني، اعتنوا بالمرأتين بأمر من الملك!"
انتشر الفرح في القصر، وبدأ الناس يتداولون الحكايات عن الملك وأبناء الجنرالات.
وفي قرية صغيرة قرب مقاطعة تيراسيل التابعة لمملكة كيشان، كانت عربة هيفا تمر متجهة للتبرع للفقراء. كانت تيراسيل أرضًا زراعية خصبة مشهورة بوفرة الغذاء.
عند وصولها لإحدى القرى، رأت كوخًا صغيرًا يزدحم أمامه الناس. نزلت من عربتها وسألت أحد الحاضرين:
– "لماذا اجتمعتم هنا؟ هل حدث شيء؟"
أجابها رجل من القرويين مبتسمًا:
– "إنه يوم فرح يا سيدتي… وُلد مولود جديد في قريتنا."
تقدمت هيفا نحو والد المولود، وبعد قليل خرجت القابلة وهي تحمل الرضيع ملفوفًا بالقماش.
فرح الجميع، وهنأوا الأب وتمنوا له البركة. تقدمت هيفا وحملت الطفل بين ذراعيها، رغم دهشة الناس من اهتمامها بابن فلاح.
ابتسمت للوالد وقالت:
– "ابنك مستقبله مزدهر… سيكون شخصًا عظيمًا."
همس الناس متعجبين: "كيف لابن فلاح أن يصبح عظيمًا؟"
أعادت هيفا الطفل لوالده، وأشارت لخدمها، فقدموا له صندوقًا صغيرًا يحتوي على ألف قطعة ذهبية.
قالت وهي تبتسم:
– "أتمنى لكم حياة سعيدة."
ثم عادت إلى عربتها، وفي الطريق كانت تنظر إلى الأراضي والسماء، تشعر بنسيم الرياح، وابتسامة رضا تزين وجهها.
بعد ولادة داركان، الوريث القادم للعرش، عمّت الفرحة أرجاء المملكة، فالناس شعروا بالاطمئنان لأن السلالة الملكية لا تزال قائمة.
وبعيدًا عن القصر الملكي، في قرية صغيرة، كان كوخ فلاح بسيط ممتلئًا بالأقارب والجيران، إذ أقام الرجل مأدبة صغيرة احتفالًا بأول ابن له بعد بنتين. كان سعيدًا أيّما سعادة، وسمّى مولوده "هيس".
مرت خمس سنوات…
في القصر الملكي كانت الاحتفالات قائمة بمناسبة عيد ميلاد داركان الخامس، حيث بدأ تدريبه وتعليمه ليحمل مستقبل المملكة على كتفيه. كانت العاصمة الإدارية والسياسية "فالدير" تموج بالحياة، فهي مقر القصر الملكي ومجلس الحرب، ودعامة مملكة كيشان.
وفي القرية الصغيرة، كان هيس يساعد والده في الحقول الزراعية. كان نشيطًا لا يهدأ، وحين انتهيا من العمل قال لوالده:
– أبي، هل أستطيع الذهاب إلى الغابة لقطف الفطر؟ أمي ستعده للعشاء.
ابتسم الأب وقال:
– حسنًا، لكن لا تتأخر في العودة.
انطلق هيس فرحًا، يركض بكل طاقته حتى وصل إلى الغابة ذات الأشجار الكثيفة. كانت الرياح تحرك أغصانها وأوراقها، فيصدر منها صوت يشبه الهمس. بدأ هيس يبحث عن الفطر ويجمعه في طيات ثوبه، لكنه توغل أكثر فأكثر في الغابة.
هناك… شعر بأن أحدًا يلاحقه. توقف فجأة، وأخذ يمشي بحذر، ثم اختبأ خلف شجرة وأخذ يختلس النظر، لكن لم يرَ أحدًا. فجأة، سمع عواء ذئب قريب، فاستدار ببطء، فإذا بالذئب يقف خلفه، عينيه تتلألآن ونظراته حادة.
تجمد هيس في مكانه، يتصبب عرقًا والخوف يسيطر عليه، فيما الذئب يقترب بخطوات ثابتة. استجمع شجاعته فجأة، وصرخ بكل ما أوتي من قوة:
– اسمع أيها الذئب! أنا هيس… ولقبي هو الأسد!
تجمد هيس في مكانه، ثم التقط حفنة من الفطر ورماها بكل قوته نحو وجه الذئب، قبل أن يستدير ويركض بين الأشجار بأقصى سرعة. لكن لم يكد يبتعد حتى اكتشف أن هناك أكثر من ذئب يطارده. كان قلبه يخفق بسرعة وأفكاره مشوشة، لا يعرف طريق العودة.
اندفع يمينًا ويسارًا بين الأشجار الكثيفة، وفجأة انقض عليه أحد الذئاب، فجرحه في كتفه الأيمن، مما أسقطه أرضًا. تكاثرت الذئاب حوله، محاصرة إياه من كل الجهات، لا مهرب. بدأ يتراجع وهو جالس على الأرض، حتى شعر بظهره يلامس صخرة بارزة، كأنه في زاوية مغلقة.
استجمع أنفاسه، ونهض ببطء رغم الألم، ثم صرخ متحديًا:
– اسمعوا! لن آكَل أبدًا… لست لقمة سائغة لكم!
تراجع خطوة إلى الوراء، لكن قدمه انزلقت، فتدحرج على منحدر، تتقاذفه الأغصان والأعشاب، حتى وجد نفسه معلقًا بين فروع شجرة فوق هاوية.
مد بصره إلى الأسفل، فرأى ساحة واسعة ممتدة، تعج بالجنود. كانت معركة دائرة بين قوات الجنرال دراغوس فالكر، القائد العظيم لمملكة كيشان، وجيش مملكة كينهان.
رايات كينهان الزرقاء كانت ترفرف في مواجهة الرايات الحمراء لمملكة كيشان، التي ترمز للقوة والعزة. دوّى صوت الطبول من كلا الجانبين، فتعالت صيحات الجنود وهم يندفعون بخيولهم نحو بعضهم، يتصاعد الغبار والدخان في الأفق.
اندهش هيس من المشهد، وعاد إلى ذاكرته كلام والده: "هناك رجال يدافعون عن وطنهم من أجل حياة سعيدة، من أجل إخوانهم."
تشبث بالأغصان بكل قوته، ثم تسلق عائدًا نحو الحافة. حين وقف أخيرًا على الأرض، أخذ يتأمل المعركة من الأعلى، كانت المرة الأولى في حياته التي يرى فيها جيشين يتواجهان. شعور غريب من الحماس اجتاحه… حلم بأن يصبح يومًا ما جنديًا قويًا، يتقدم الصفوف، وسط معركة عظيمة كهذه.
انشغل هيس بمشاهدة المعركة حتى نسي تمامًا عودته إلى المنزل. كانت الشمس قد بدأت تغيب، وحين انتبه إلى ذلك أصابه الفزع؛ إذ يعلم أن أمه ستوبخه بشدة إن تأخر. نهض مسرعًا، واتجه نحو طريق الغابة، يركض وهو ما يزال سعيدًا بما رآه.
في المنزل، كانت أم هيس تقف عند الباب، القلق ينهش قلبها. تأخر ابنها كثيرًا، ولم يعد بعد. قررت أختاه أن تخرجا للبحث عنه، لكن والده منعهما وقال:
– أنا سأذهب للبحث عنه، فالليل أوشك على النزول.
وقبل أن يخطو خطوة، صاحت أخته الثانية:
– أبي! انظر… إنه هيس!
ركضت الأم بكل ما أوتيت من سرعة نحو ابنها، والقلق والغضب يتناوبان على ملامحها. توقف هيس في منتصف الطريق مصدومًا، وحين رأى وجه أمه الغاضب صرخ:
– وحش!
ثم استدار محاولًا الهرب. لكن أمه أمسكت به بسرعة، وضربته على مؤخرته قائلة:
– من هو الوحش يا قليل الأدب؟!
ركع هيس على ركبتيه متوسلًا:
– أمي، أرجوك، لن أكرر ما فعلت!
لكن ملامحها تحولت من الغضب إلى الذهول، فقد لاحظت أن ملابسه متسخة، ووجهه مليء بالخدوش، وكتفه الأيمن يحمل جرحًا مغطى بالتراب. قالت بقلق:
– ماذا حدث لك يا هيس؟ من أين جاء هذا الجرح والخدوش؟
تجمد هيس لحظة، ثم أجاب باستغراب:
– من الذي جرح، يا أمي؟
صفعته أمه على رأسه حتى صرخ، وقالت:
– أيها الغبي!
ثم أمسكت بكتفه الأيمن، فصرخ من الألم، بينما والده وأختاه يراقبون المشهد. تابعت الأم بحدة:
– متى جرحت؟ هل تتألم الآن؟ يا لك من طفل مهمل!
صرخ هيس:
– كفى أمي، إنه… مألم… لقد نسيت أنني جرحت!
اقترب والده ليفحص الجرح، وفوجئ بأنه يحمل آثار مخالب ذئب. سأله بجدية:
– هل هاجمك ذئب؟
أومأ هيس برأسه بفخر:
– نعم، أبي… لكنني هربت منهم بشجاعة! لكن… الفطر سقط مني، سحقًا لهم… أنا جائع!
لم تكد الكلمات تخرج من فمه حتى تلقى صفعة جديدة من أمه، بينما انفجر والده وأختاه ضاحكين عليه.
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon