NovelToon NovelToon

نزل رقم 9

الهدوء الذي يسبق اللعنة "الوصول "

نُزل رقم 9

رواية رعب نفسي مشوّق، ممزوج بالغموض والرومانسية المظلمة.

الفصل الأول: الهدوء الذي يسبق اللعنة ،الوصول

كانت ليلة هادئة على غير العادة. السماء صافية، والنسيم يلامس الوجوه بلطف، لا أثر لعاصفة ولا حتى لهبة ريحٍ مزعجة.

"ليلى" كانت تقود سيارتها الصغيرة، تتبع خرائط قديمة، وكأنها تُساق إلى مكان لا يراه غيرها. فقدت الإشارة، وضاع منها الطريق الحديث، لكن إحساسًا غريبًا في قلبها كان يدفعها للاستمرار.

توقفت أمام بوابة حجرية نصف متهالكة، تعلوها لافتة نحاسية محفور عليها:

"نُزل رقم 9"

لا صوت، لا حركة، ولا حتى صدى خطواتها حين نزلت من السيارة.

كان كل شيء... ساكنًا بشكل غير مريح.

دفعت الباب الحديدي الثقيل، فصدر عنه صرير طويل، كأنه يئن من فتحٍ نادر.

مدخل النُزل كان مضاءً بأضواء صفراء خافتة، تفضح ملامح جدران مغطاة بصور باهتة وأثاث عتيق. وعلى عتبة الباب... كان يقف رجل.

وجهه شاحب، عيناه غائرتان سوداوان، بشرته كأنها مزيج من الرماد والشمع.

بابتسامة باردة وعيون لا ترمش، قال بصوت أجوف:

"مرحبًا، كنتُ في انتظارك."

تجمدت "ليلى" للحظة. هناك شيء في صوته... كأنه قادم من باطن الأرض.

"أريد غرفة لليلة فقط..." قالت بتردد.

"طبعًا... غرفة رقم 9، أعدّت خصيصًا لكِ."

ناولها المفتاح، وكان مُزخرفًا بنقوش غريبة، وباردًا كما لو أنه صيغ من جليد.

دخلت النُزل. المكان يعبق بروائح قديمة، تشبه البخور المحترق والكتب المبللة، وكانت هناك أعينٌ كثيرة تراقبها... دون أن تراها.

على الدرج المؤدي إلى الطابق العلوي، توقفت عجوز تجلس على كرسي هزّاز، شعرها أبيض منكوش، وعيناها حمراوان كما لو أنها لم تنم منذ سنوات.

نادت بصوتٍ متشقق:

"ليلى؟... ليلى! إني أرى نفسي من جديد... اهربي قبل أن تثقل قدماكِ... قبل أن يصبح الخروج مستحيلًا..."

تراجعت ليلى للوراء وقد ارتعش قلبها، لكن صاحب النزل قال بابتسامة مرعبة:

"لا تقلقي من كلامها... إنها مجنونة."

لكن كلمات العجوز لم تبرح أذنيها:

"أرى نفسي من جديد..."

وفي الطابق العلوي، حين فتحت باب غرفتها، كان يقف عند النافذة شابٌ لا تعرفه، لكن قلبها تعرف عليه قبل أن تنطق شفتاه:

"آدم؟"

أدار وجهه ببطء، وعلى محيّاه نظرة عشقٍ مخيف، مزيج من الحنين... والجنون.

الفصل الثاني: انعكاس الظل

كانت الغرفة هادئة حد الرهبة، النور الخافت يتدلّى من مصباحٍ وحيد، كأنما يُجاهد لينجو من قبضة الظلال التي تبتلعه شيئًا فشيئًا.

وقفت ليلى عند الباب، أنفاسها محبوسة، وجسدها متجمّد.

هناك شخص يقف عند النافذة.

آدم.

نفس ملامحه، لكنها مشوّهة كأنها خرجت من حلم قديم تآكله الزمن.

عيناه لا تشعّان حنينًا كما كانت، بل كانتا ساكنتين، كأنهما مرآتان تعكسان ظلامًا عميقًا.

قال بصوت منخفض، كأنه يتكلم من تحت الماء:

"ليلى... تأخرتِ."

صوتُه لم يكن صوته.

كان كأنها تسمعه داخل رأسها، لا بأذنيها.

تقدّم خطوة، فأنّ الخشب تحت قدميه أنينًا حيًّا، وكأن الأرض تتألم من لمسه.

تراجعت ليلى، يدها تتحسس الجدار خلفها، تبحث عن مقبض الباب... لكن الباب اختفى.

نظرت خلفها ببطء.

لا أثر للباب. لا مخرج.

الجدران أصبحت ملساء، تتنفس ببطء... كأن النُزل نفسه كائنٌ حيّ يراقبها.

"آدم، ما هذا المكان؟ ما الذي يحدث؟"

ابتسم... لا، لم تكن ابتسامة، بل انزلاق مريب لشفتيه كشّف عن أسنان بيضاء طويلة، ليست بشرية.

همس كمن يروي سرًّا لجمجمة:

"هذا النُزل لا يقع على أرضٍ عادية... بل على فمٍ مفتوح من الجحيم. وأنا... لم أعد آدم الذي عرفتيه."

ارتجف جسدها.

فجأة... دوّى صوتٌ خلفها.

"اهربي... قبل أن تثقل قدماكِ."

استدارت.

كانت العجوز.

نصفها غارق في الظل، والنصف الآخر محروقٌ بالنور.

شعرها الأبيض ينسدل على وجهٍ متآكل، وعيناها مثل ثقبين ينزف منهما الزمن.

قالت بصوتٍ مرتعش، كأنها تتحدث من بئرٍ سحيق:

"ليلى... آه، ليلى... كنتُ مثلكِ. دخلت هذا المكان بنبضٍ حيّ... والآن، لا أذكر كيف أنام أو أستيقظ."

اقتربت منها بخطى ثقيلة، وواصلت:

"كنت أظنّه حبًا... كان وسيمًا، هادئًا، يعرف كيف يقول ما أريد أن أسمع... حتى علّقني بين جدرانه. هذا المكان ليس نُزلاً... إنه انعكاسكِ. كل شيء هنا يتغذى عليكِ."

ليلى شهقت، تنظر إلى آدم.

كان لا يزال واقفًا، يبتسم كطفل يُخفي سكينًا خلف ظهره.

همس:

"هي تكذب. لقد كانت مجنونة... وما زالت. أنتِ ليلى... أنتِ لي."

الغرفة بدأت تتقلّب.

الصور على الجدران تغيّرت: لم تعد لوحات... بل مرايا، تعكس نسخًا أخرى من ليلى.

كل نسخة محبوسة... مشقوقة... صارخة.

ثم ظهروا.

الجن.

لا أجساد واضحة، فقط عيون تتوهج في العتمة، تقترب بلا خطوات، تُهمس داخل الجلد لا الأذنين.

أصواتهم مثل الريح داخل قبور.

ثم جاء صوت من أسفل... عميق، خشن، متكسّر كصوت شيء يُسحق ببطء.

ضحكة.

صاحب النُزل.

"من يدخل نُزل رقم 9... لا يخرج.

بل يُعاد تشكيله."

باب الطقوس

الفصل الثالث: باب الطقوس

كان الصمت في الغرفة كثيفًا، حتى أن أنفاس ليلى صارت تصطدم بالهواء وتعود إليها مرتعشة.

الجدران ما عادت كما كانت، فملمسها صار ناعمًا دافئًا، كجلدٍ حيّ يتنفس ببطء... وكأنها لم تعد داخل نُزل، بل في أحشاء كائنٍ ضخمٍ لا يُرى.

كل شيء يضغط على صدرها... الضوء، الجدران، حتى الهواء.

وفجأة، انسحب آدم من أمامها، واختفى كما لو لم يكن هناك.

ومن أحد أركان الغرفة، ارتفعت همهماتٌ غريبة. لم تكن أصواتًا واضحة، بل خليطًا من أنين الريح وتلاوة متقطعة، كأنها صدى قديم يعود من فمٍ مهجور.

من الجدار المقابل، انشقّت فتحة ضيقة، لم تكن هناك قبل لحظات.

خرج منها ضوء باهت بلون العاج المحترق، تنبعث منه رائحة بخور فاسد.

تقدّمت ليلى بخطوات حذرة.

الممر أمامها كان طويلاً، تغطي جدرانه كتابات محفورة بلون داكن، كأنها كُتبت بجمرٍ مطفأ.

حروف لا تنتمي لأي لغةٍ تعرفها... لكنها حملت وزنًا غريبًا، كأن المعاني موجودة في الشعور، لا في التفسير.

> "كُتب عليكِ أن تُختاري، فاختاري ألا تُكتبي من جديد..."

ترددت هذه الجملة فجأة في عقلها، دون أن تُقال. أحست وكأن الجدران نفسها تتكلم.

في نهاية الممر، كان هناك باب خشبي عتيق، تتدلّى منه سلسلة معدنية تنبض بضوءٍ أحمر، كأنها تشتعل من الداخل.

على الباب، وُضعت مرآة دائرية، مشروخة من المنتصف، تعكس صورتها مشوهة.

كانت ليلى تحدّق فيها... فرأت وجهها، لكنه كان يبتسم.

ابتعدت فزعًة.

ثم ظهر آدم مجددًا، واقفًا إلى جانب الباب، لكن دون أن تلاحظ من أين جاء.

قال بنبرة ثابتة، لا تحمل مشاعر:

"هذا هو باب الطقوس... الدخول منه لا يُغيّرك فقط... بل يمحو كل ما كنتِ عليه."

اقتربت منه بخطوة، وغمغمت:

"ماذا يوجد خلفه؟"

ابتسم آدم... لكن ابتسامته لم تصل إلى عينيه.

"نسخة أخرى منكِ... النسخة التي اختارها النُزل."

قبل أن ترد، خرجت العجوز من الظل، عيناها غارقتان في السواد.

"لا تدخلي، ليلى..." قالت، "من يدخل من هذا الباب لا يعود كما خرج... هناك طقوس تُقال، لا تُفهم، لكنها تُنفذ."

أخرجت من عباءتها قطعة قماش رمادية، مطرزة بخيوط سوداء ملتفّة على شكل دوائر متداخلة.

"خذي هذه، إنها تمنع اللمسة الأخيرة... حين يحاول أن يوقّع بداخلكِ."

ليلى سألتها بصوت مرتجف:

"من هو؟"

أجابت العجوز، والهواء من حولها ازداد برودة:

"صاحب النُزل... لا يُرى، لا يتكلم، لكنه يختار. إن وقّع اسمكِ في السجل، تُصبحين من القاطنين... لا الزائرين."

ارتجفت ليلى، لكن يدها اقتربت من مقبض الباب... لم يكن مقبضًا، بل يدًا منحوتة من الحجر، تحمل بقعة دم قديمة.

المرآة على الباب بدأت تلمع.

ثم سمعَت الصوت الذي لن تنساه ما حييت:

> "ليلى... لقد تأخرتِ، والحفل لا ينتظر."

وفي اللحظة التي لامست يدها المقبض، خمد كل شيء.

الضوء... الأصوات... حتى أنفاسها.

وبقي شيءٌ واحدٌ فقط...

صدى ضربة الطبل الأولى.

لكن، هل يمكن لليلى أن تتراجع بعد أن خُتم اسمها؟

لم يكن الصمت مجرد غيابٍ للأصوات، بل أشبه بجدارٍ ثقيل، خنق أنفاس ليلى منذ لحظة ملامستها لمقبض الباب الحجري. شعرت بقشعريرة تسري في جسدها، كأن المكان كله يرفض وجودها.

انفتح الباب ببطء… وحده… دون أن تدفعه.

ظهر ممر قصير ينتهي بغرفة مضاءة بضوء أصفر باهت، ينبعث من مصباح يتدلّى من السقف، يتأرجح كما لو كان على وشك السقوط.

تقدّمت بحذر… لم تُكمل خطوتها الأولى، حتى دوّى صراخ خلفها:

> "ليلى!! لا تدخلي! لن تخرجي من هناك أبدًا!"

التفتت سريعًا… لكن لا أحد.

الغرفة أمامها بدت خالية، بجدران رمادية عليها آثار رطوبة وعفن قديم.

في منتصفها طاولة خشبية قديمة، تحيط بها أربعة كراسي، لا تشبه بعضها، وكأنها جُمعت من أماكن متفرقة.

كانت هناك صور معلقة على الحائط، جميعها بالأبيض والأسود.

رجال ونساء بملامح باهتة، أعينهم تحدق بالكاميرا بجمود مخيف، وكأنهم يعلمون أن أحدًا ما سيحدّق إليهم يومًا في هذا المكان.

اقتربت ليلى من إحدى الصور… فتسارعت دقات قلبها.

في الزاوية، وقف آدم.

شاب في منتصف العشرينات، مظهره أنيق، وعلى ذراعه وشم غريب.

وقفت مذهولة تحدق في الصورة، تتساءل:

> "كيف؟ متى؟ ومن يكون ذلك الرجل بجانبه؟"

أرادت الصراخ، لكن فجأة…

انطفأ المصباح.

الظلام دامس، لم تعد ترى شيئًا.

بردٌ حاد اجتاح المكان، برد لا يشبه الهواء، بل كأن الجدران نفسها تسرق دفء جسدها.

أحسّت بلمسة على كتفها… خفيفة، باردة… كأن الهواء نفسه يهمس لها.

ثم جاء صوت قرب أذنها، بصوت خافت كأنه آتٍ من عالم آخر:

> "وجودك هنا ليس صدفة… الحقيقة تحتاج دمًا كي تُفهم."

شهقت وتراجعت، بحثت بيدها عن الباب… اختفى.

تذكرت قطعة القماش الرمادية التي أعطتها لها العجوز. أخرجتها بسرعة وضمّتها إلى صدرها، كأنها الملاذ الأخير من السقوط في الجنون.

في تلك اللحظة…

انفتح الباب تلقائيًا.

دخل ضوء خافت، كاشفًا عن آدم واقفًا عند العتبة.

لكنه بدا متعبًا، عيونه منهكة، ووجهه فقد لونه.

قال بهدوء:

> "ما كان يجب أن تدخلي… هذا المكان لا يرحم من يشبهك."

اقتربت منه، تمسك بأمل صغير في صوت مألوف: "آدم، قل لي الحقيقة… من أنت؟"

نظر إليها، ثم إلى الطاولة، وقال بصوت منخفض:

> "كنت مثلك. دخلت هذا المكان قبل خمس سنوات… ولم أخرج."

شعرت بجسدها يتجمد، لكنه تابع:

> "صاحب النُزل لا يستخدم السحر فقط… بل الذنب. يستدرجنا لنترك شيئًا خلفنا… ثم نُصبح جزءًا من المكان."

سألته، وعيناها تشتعلان بخوف متداخل مع فضول: "لماذا أنا؟ لماذا اختارني؟"

أجاب بصوت مشوب بالندم:

> "لأنك زهرية."

صمتت… الكلمة لم تكن غريبة عنها تمامًا، لكنها لم تفهم معناها بوضوح.

"ما معنى هذا؟" سألت.

"أنتِ من الأشخاص الذين تجذبهم الطاقات… النُزل يشمّك من بعيد. ما إن تخطّي بابه، حتى يبدأ بقراءة ماضيك… ويختار طريقتك في الانهيار."

رنّ هاتف قديم كان على الطاولة… مرة واحدة فقط… ثم ساد الصمت.

اقترب آدم، رفع السماعة، صمت لحظات… ثم تغير وجهه.

همس بنبرة قلق:

> "يجب أن نخرج… الآن!"

بين الظلال والانعكاسات

بين الظلام والإنعكاسات

توقف الزمن لثوانٍ بعد كلمات آدم المرتبكة. صوته المرتجف لم يكن من النوع الذي تسمعه من شابٍ واثقٍ مثله... بل بدا وكأنه رأى شيئًا لا نراه.

ليلى حاولت التحدث، لكن نظراته الصامتة نحو الزاوية المظلمة من الغرفة جمّدتها مكانها.

"آدم... ماذا هناك؟"

لم يجب. أمسك بيدها وسحبها خارج الغرفة، مرّا عبر الممر الطويل المؤدي إلى الطابق الأرضي، لكن كان هناك شيء غريب... كأن كل خطوة تخطوها تشدها نحو الخلف، كما لو أن الهواء نفسه يعاكسها.

عندما وصلا إلى القاعة الرئيسية، كانت الأضواء خافتة، والمكان فارغًا تمامًا... عدا عن امرأة تقف أمام المدفأة، ظهرها نحوهما، شعرها أسود طويل يلامس الأرض، ترتدي ثوبًا كُتبت عليه رموز لا تشبه أي لغة معروفة.

همست ليلى بخوف:

"من هذه؟"

قال آدم بصوت منخفض:

"تدعى غالية... ظهرت قبل أشهر، لا أحد يعرف متى دخلت النُزل. لا تتحدث، لكنها تعرف الكثير... أكثر مما ينبغي."

استدارت غالية ببطء، وعيناها كانتا بلونين مختلفين. لم تبتسم، ولم تغضب. فقط رفعت يدها، وأشارت إلى المدخل الخلفي المغلق بسلسلة حديدية.

فجأة، بدأت الشموع حول المكان تشتعل واحدة تلو الأخرى دون أن يلمسها أحد، مشكلة دائرة حمراء على الأرض. دخلت غالية الدائرة، وبدأت تتمتم بكلمات غير مفهومة، صوتها كان وكأنه يتردد في ذهن ليلى لا في أذنيها.

ثم توقفت فجأة، ونظرت إلى ليلى قائلة:

"هو يراك... لكنه لا يستطيع الاقتراب بعد. الطقوس ناقصة."

صرخت ليلى: "من؟! عن ماذا تتحدثين؟!"

لكن غالية اختفت... ببساطة اختفت. كأنها لم تكن هناك. حتى الدائرة على الأرض بدأت تتلاشى تدريجيًا.

ارتجف قلب ليلى، وسألت آدم:

"هل رأيت ما رأيت؟"

قال ببطء، وهو ينظر خلفها:

"نعم... لكن الشيء الحقيقي ليس ما رأيناه، بل ما لم نره بعد."

وخلف ليلى، كان ظل طويل يتحرك في الجدار... لا يشبه شكل أي إنسان.

بين الظلام والإنعكاسات

تجمدت ليلى في مكانها، عيناها مُثبتتان على الجدار حيث انسحب الظل كدخانٍ أسود. لم تكن تجرؤ على الالتفات، وكأن جسدها فقد القدرة على الحركة.

همس آدم خلفها: "لا تنظري خلفك... أيًّا كان ما هناك، فهو لا يريدك أن تريه بعد."

"بعد؟!" شهقت ليلى، "عن ماذا تتحدث؟!"

لم يجب. اكتفى بالنظر إلى الأرض، وكأن الكلمات تخونه. لأول مرة منذ دخلت هذا المكان، أحست ليلى أن آدم نفسه لم يكن يعرف كل ما يحدث داخل النُزل.

في تلك اللحظة، سُمع صوت خافت، كأن شخصًا يجرّ أظافره على الخشب خلف الجدار. تبعته همسات مبعثرة، غير واضحة، لكن ليلى شعرت بها تُقال مباشرة إلى عقلها:

> "لقد اقتربتِ... ما كان يجب أن تلمسي المقبض... ما كان يجب أن تسألي."

شهقت وهي تمسك رأسها، ارتجف قلبها، وصرخت:

"اسكت! من أنت؟! أخرج من رأسي!"

لكن لا أحد أجاب.

تقدمت خطوات بطيئة نحو المرآة الكبيرة المعلقة في وسط القاعة، شيء ما كان يدفعها دون إرادتها. وحين وقفت أمامها، لم ترَ انعكاسها كاملاً... وجهها كان باهتًا، وعيناها لم تكن تتحرك.

وفجأة... ظهر خلفها وجه غالية في المرآة، رغم أنها لم تكن في الغرفة.

غالية همست من خلف الانعكاس:

"أحيانًا، لا تكون المرآة ما يعكسك... بل ما يراقبك."

رفّت عينا ليلى، واستدارت سريعًا... لا أحد هناك. نظرت مجددًا للمرآة، لكن لم يكن هناك أي شيء.

صرخت: "آدم! لقد رأيتها! غالية كانت في المرآة!"

لكنه بدا شاحبًا، عينيه معلقتان بالسقف، حيث بدأت تظهر رموز غريبة، كأن النار كتبتها على الخشب. وأغرب ما في الأمر... أنها كانت تتوهج، وتتحرك كأنها تنبض بالحياة.

اقترب منها آدم وقال بهدوء:

"غالية ليست إنسية بالكامل... النُزل يجذب من فقدوا مكانهم بين العوالم. ونحن الآن جزء من طقس... لم نختره."

حدّقت ليلى في الرموز، وكلما نظرت أكثر، شعرت بشيء ثقيل يجثم على صدرها، شيء لا يُرى، لكنه موجود... يراقب بصمت، وينتظر اللحظة المناسبة ليكشف عن نفسه.

ثم، من بعيد، سُمع طرق خافت على باب النُزل... ثلاث طرقات منتظمة... ثم توقفت.

قالت ليلى بصوتٍ مرتجف: "من هذا الآن؟"

ردّ آدم بنبرة خافتة:

"إذا كانت غالية قد بدأت الطقوس... فالطارق لن يكون بشرًا."

يتبع...

لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon

تحميل PDF للرواية
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon