NovelToon NovelToon

الخميرة السوداء

الفصل الأول - الخميرة السوداء

^^^استيقظت ليان عند الخامسة إلّا قليلًا. نهضت بصمت، ارتدت مئزرها الكتاني، وجمعت شعرها البرتقالي في عقدةٍ ضيقة لا مجال فيها للترف.^^^

^^^الفرن ينتظر.^^^

^^^المخبز غارقٌ في السكون، أشبه بسرّ مدفون في صدر المدينة، لا يوقظه ضوء ولا رائحة.^^^

^^^أخرجت المفتاح من جيبها.^^^

^^^دارت أسنان المعدن في قفل الباب القديم، فأنفتح بتنهيدة خشنة.^^^

^^^“الخميرة السوداء”^^^

^^^اسم لا يُخطئه أحد في الحيّ، وذكرى متجذّرة منذ الثمانينات.^^^

^^^كان الأكبر، والأشهر، وربّما الأكثر غموضًا.^^^

^^^خبزه يُعرف بانتفاخه، وحلواه مشهورة بكريمة الفانيلا… البيضاء الناعمة، كأنها تُخفي شيئًا ما.^^^

^^^أضاءت المصابيح الأربعة.^^^

^^^امتدّ الضوء على الرفوف، الجرار، طاولة العجن، كأنّه يُلقي بشكّه على الأشياء لا نوره.^^^

^^^وبينما كانت تتفقد المكان، لمحت شيئًا ينساب أمام عينيها.^^^

^^^تقدّمت.^^^

^^^نظرت خلف الخزانة التي تُخزّن فيها السكاكين… لا شيء.^^^

^^^ذهبت إلى الفرن الطيني. فتحته.^^^

^^^الفحم متكدّس، محترق، يبعث رائحةً كأنها نُبذت من صدر الموت.^^^

^^^قالت بهدوء خافت:^^^

^^^“لماذا يُلقى على عاتقي دومًا تنظيف الفرن؟… رائحته كالمقابر.”^^^

^^^أحضرت الكيس من الزاوية، وبدأت تفرغ الرماد الأسود داخله دون تذمّرٍ ظاهر، كمن يُمارس طقسه اليومي.^^^

^^^لم تكد تنتهي حتى فُتح الباب بقوة.^^^

^^^دخلت عمتها، بثيابها الداكنة المعتادة، وعيناها لا تحملان سوى التوقيت.^^^

^^^– “ألم تنتهي بعد؟ علينا أن نبدأ قبل أن تُعلن الساعة السادسة.”^^^

^^^قالت ليان وهي تغلق كيس الفحم:^^^

^^^– “إنها الرابعة والنصف فقط. استعجالك يصنع من الصباح فوضى.”^^^

^^^– “العمل لا ينتظر من يتأمل. المخبز سيكون لكِ يومًا، ولن يعصمك من فشلك سوى السرعة والإتقان. الزبون لا يحب الانتظار.”^^^

^^^– “ألم تخبزي البارحة؟ رائحة الفحم تشعل حلقي. لماذا لا نستخدم الحطب؟”^^^

^^^– “الحطب…! طعمه أطيب، نعم. لكنه يتطلب وقتًا، ويبعث دخانًا لا فائدة منه. الفحم عمليّ. لا تجادلي فيما لا نملك تغييره.”^^^

^^^– “تعاملين المخبز كما لو أنه شيء مقدّس. تعلمت منك كل شيء، ومع ذلك، لا أزال تحت المراقبة.”^^^

^^^– “المراقبة؟ بل عينٌ تخاف عليكِ من أن تحترقي كما احترق من سبقك.”^^^

^^^– “الشهر المقبل أبلغ الثانية والعشرين… وأظن أنّ الوقت قد حان لأُفكر في فارس أحلامي، لا فقط في درجة حرارة الفرن.”^^^

^^^– “أشبعي الجوع أولًا، ثم تكلّمي عن العاطفة. الرجل لا يحب الجوع ولا الانتظار. وهذا سرّ لن تجديه في الكتب.”^^^

^^^– “هل وجدتِ أنتِ ذلك الرجل؟”^^^

^^^– “وجدته. ثم فقدته. وتعلمتُ أن الصبر لا يكون فقط في الحب، بل في خسارته أيضًا.”^^^

^^^قالت ليان وهي تمسح عرقها:^^^

^^^“لم أفقد أحدًا بعد. لكن الفحم وحده يكفي ليعلّمني ما يعنيه الصبر.”^^^

^^^مرت ساعتان ثقيلتان، ثم خلعت عمتها المئزر وقالت:^^^

^^^– “سأخرج. اهتمي بالمخبز.”^^^

^^^– “إلى أين؟”^^^

^^^– “إلى مونيكا. أريد ثوبًا جديدًا.”^^^

^^^خرجت كعادتها، تترك ليان وحدها، وتغيب بحجج تُشبه الحقيقة لكنها لا تُلامسها.^^^

^^^لحضات بعد ان خرجت.^^^

^^^دخل شاب في العشرينات، ملامحه هادئة، صوته عميق:^^^

^^^– “آنستي، هل تعرفين رجلًا يُدعى كارس ميلان؟ عجوز، يعمل في محلّ الأحذية؟”^^^

^^^– “نعم. منزله مقابل بائع الخضار، أول شارع على اليسار. إن لم تجده، اترك له رسالة على الباب.”^^^

^^^– “شكرًا. لن أنسى جميلك.”^^^

^^^– “بالتوفيق.”^^^

^^^خرج الشاب، وبقيت هي.^^^

^^^جلست أمام الزجاج، تتأمل الشارع.^^^

^^^الناس يمرّون، ولا أحد يشتري.^^^

^^^“ترى، لِمَ لا يدخل أحد…؟”^^^

^^^وفجأة، صوت غريب من الغرفة المبردة.^^^

^^^ركضت.^^^

^^^كانت القطة الرمادية مجددًا، تقفز بين الصناديق، تبحث عن شيء للأكل ^^^

^^^– “أيتها الجشعة…”^^^

^^^أمسكت المكنسة، طاردتها حتى أخرجتها من الشباك.^^^

^^^وقبل أن تغلقه، لمحت شيئًا سقط منها.^^^

^^^قلادة.^^^

^^^صغيرة، سوداء، يتدلّى منها اسم غير مفهوم، حروف غريبة كأنها نُقشت في ليلٍ بلا قمر.^^^

^^^وضعتها في جيبها وثم نظفت المكان.^^^

لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon

تحميل PDF للرواية
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon