NovelToon NovelToon

خلف قناع الزعيم

قبل أن أعترف

الفصل الاول :سقوط غير متوقع

كانت حياتها أشبه بفقاعة كريستالية، تتلألأ تحت أضواء الثراء الفاحش، محمية بسياج من الحراس والخدم والرفاهية المطلقة. ليلى، ابنة "فيكتور ليونارد" أغنى رجل في العالم، لم تعرف قط معنى الخوف أو النقص. لكن في تلك الليلة الماطرة، تمزقت الفقاعة، وتحطمت حياتها إلى أشلاء تحت وابل من الرصاص.

تذكرت فقط صوت صرير الإطارات، دوي الانفجارات القريبة، وصراخ حراسها. ثم الفوضى... الركض في الظلام، تسلق الجدران، والقفز فوق الأسوار، بينما رصاصات طائشة كانت تطاردها كأشباح الماضي. قلبها كان يخفق بعنف، كطائر حبيس في قفص متهالك. لم تكن هذه هي ليلى التي تعرفها؛ الفتاة الأنيقة، المدللة، التي لا تتسخ أبدًا. كانت الآن مجرد جسد يرتجف، مغطى بالوحل والدماء، يركض نحو المجهول.

استمرت في الركض لساعات، حتى خارت قواها. عندما رأت ذلك المنزل الشاهق يطل من بين الأشجار الكثيفة، شعرت وكأن بصيص أمل قد لاح في الأفق. كان بناءً معماريًا فخمًا، صامدًا في وجه العاصفة، وكأنه يهمس لها بالدخول. تسللت إليه بصعوبة، وجدت الباب مفتوحًا، فدفعت نفسها للداخل، لتهوي على أرضية رخامية باردة، وتفقد الوعي.

عندما استفاقت، كانت الغرفة غارقة في الظلام، لكن الأثاث الفاخر والهدوء الذي يسود المكان يوحيان بالثراء. شعرت بالأمان الكاذب يغمرها. مرت الأيام، وأخذت ليلى تتجول في أرجاء القصر الشاسع، مستكشفة كل زاوية، تستمتع بالرفاهية التي افتقدتها، بل وتعودت عليها. كانت تشعر وكأنها المالك الوحيد لهذا المكان، وكأنها وجدت ملاذًا دائمًا بعيدًا عن جحيم محاولة الاغتيال.

في مساء اليوم الخامس، بينما كانت تستمتع بحمام دافئ في الحمام الرئيسي الفاخر، سمعت صوت سيارة تتوقف بالخارج. توقف قلبها للحظة. ثم خطوات حاسمة تقترب من الباب الأمامي. تجمدت في مكانها، تلتف بفوطة كبيرة، وتتسلل إلى غرفة النوم الرئيسية المجاورة، تختبئ خلف ستائر ثقيلة.

دخل رجل. لم يكن مجرد رجل. كانت قامته طويلة وعريضة، سترته السوداء الفاخرة لا تخفي عضلات ذراعيه المفتولة. وجهه محفور بتجاعيد خفيفة حول عينين حادتين، تلمعان ببريق خطير. كان يملك هالة قوية، لا تخطئها العين، هالة تصرخ بالقوة والسيطرة. هو ذاته الذي سمعت عنه الهمسات، الرجل الذي تهابه العصابات قبل الشرطة، ماكسيموس. زعيم أكبر عصابة في البلاد.

تجمدت ليلى في مكانها، بالكاد تتنفس. كانت تلك الخطوات الثقيلة التي تتردد في المنزل هي ذاتها التي تثير الرعب في قلوب الجميع. لم تكن في منزل آمن، بل في قلب الخطر.

الفصل الثاني : نار تحت الرماد

وقف ماكسيموس في منتصف الغرفة، يخلع سترته بثقة، يلقيها على الأريكة الجلدية الفاخرة. مرر يده على شعره الداكن، ثم توجه نحو المطبخ. سمعت ليلى صوت فتح الثلاجة، ثم غلقها، قبل أن يعود ويجلس في الصالة.

"أعلم أن هناك شخصًا آخر في هذا المنزل،" جاء صوته عميقًا وهادئًا، اخترق سكون الليل وارتعش قلب ليلى. "لا داعي للاختباء."

خرجت ليلى ببطء من خلف الستائر، قبضت الفوطة حول جسدها كدرع واهٍ. كانت عيناها واسعتين من الخوف، لكنها حاولت إخفاء رعشتها. نظر إليها ماكسيموس، وعيناه تفحصان كل شبر فيها، من شعرها المبتل إلى قدميها الحافيتين. لم يكن في نظراته أي دهشة، بل نوع من التقييم الهادئ.

"من أنتِ؟" سأل، وصوته لا يحمل أي انفعال.

"أنا... ليلى،" قالت بصوت بالكاد مسموع، "لقد تعرضت للهجوم، واختبأت هنا."

ابتسم ماكسيموس ابتسامة جانبية لم تصل إلى عينيه. "الهجوم؟" ثم سحب هاتفًا من جيبه، وقلّب فيه بسرعة. "أنتِ ليلى ليونارد، ابنة فيكتور ليونارد، المفقودة منذ خمسة أيام بعد محاولة اغتيال." رفع رأسه، عيناه تضيئان ببريق غريب. "يبدو أنني وجدت كنزًا."

شعرت ليلى بقشعريرة تسري في جسدها. لم تكن ضيفة، بل رهينة. في تلك اللحظة، لمعت فكرة في ذهنها. ربما يمكنها استخدام أسلحتها الأنثوية. لقد اعتادت على الحصول على كل ما تريد بالإغواء، لماذا لا تنجح مع هذا الرجل؟

اقتربت منه خطوة، ثم أخرى، تركت الفوطة ترتخي قليلًا عن كتفها، كاشفة عن منحنيات جذابة. كانت عيناها تراقصان بجرأة مصطنعة، وابتسامة خفيفة ترتسم على شفتيها. "وهل الكنوز تُحبس يا ماكسيموس؟" قالت بصوتها الرقيق.

كانت تراه يتبع حركتها بعينيه، لكن تعابير وجهه بقيت صلبة. اقتربت أكثر، حتى أصبحت قريبة بما يكفي لتشعر بدفء جسده. رفعت يدها ببطء، ومدتها نحو صدره. "ماذا لو كانت هناك طريقة أفضل للاستفادة من هذا الكنز؟" همست، وأصابعها تكاد تلامس قميصه المفتوح.

في تلك اللحظة، أمسك ماكسيموس بمعصمها بقوة مفاجئة، أوقف يدها في منتصف الطريق. نظر في عينيها مباشرة، بنظرة جعلت قلبها يخفق بعنف، لكن هذه المرة ليس من الخوف فقط، بل من شيء آخر لم تستطع تحديده.

"اسمعي يا ليلى،" قال بصوت أجش وخافض، كتحذير. "إن استمررتِ في هذا، الأمور ستخرج عن سيطرتي. وأنتِ لا تريدين أن تري الأمور تخرج عن سيطرتي." كان في صوته تهديد واضح، لكن وراءه، لمست ليلى شرارة شهوة كامنة، دفينة، تكاد تخرج عن عقالها. كانت نظراته حادة، لكنها لم تكن خالية من رغبة جامحة بالكاد يسيطر عليها.

ابتلعت ريقها بصعوبة. فهمت ما يعنيه. هذا الرجل، بكل قوته وسيطرته، كان يملك جانبًا بدائيًا قد يطغى عليه لو استمرت في إغوائه. تراجعت خطوة، وأعادت الفوطة حول جسدها بإحكام. أدركت أن هذا الرجل مختلف. الإغواء قد لا يكون وسيلتها الوحيدة للنجاة، بل قد يكون طريقًا أسرع نحو الهاوية.

الفصل الثالث لمسات غير متوقعة

لم يكن فضول ليلى ليثبت عند حد. فبعد تلك المواجهة المثيرة في غرفة المعيشة، وبعد أن أدركت خطورة اللعب على وتر الإغواء مع رجل مثل ماكسيموس، لم تستطع كبح رغبتها في استكشاف هذا الكهف الفاخر الذي وجدت نفسها حبيسة فيه. كانت تتسلل في الليل، تتلمس التحف الثمينة، تفتح الأدراج المغلقة، وكأنها تبحث عن سر يخبئه هذا المنزل أو صاحبه.

في إحدى ليالي الأسبوع التالي، بينما كانت تتسلل إلى جناح ماكسيموس الخاص، دفعها فضولها إلى غرفة نومه، التي كانت تطل على حديقة سرية خلفية. كانت الغرفة تعج بالهدوء، لكنها لم تكن فارغة. سمعت صوت الماء ينساب من خلف باب الحمام. اقتربت ببطء، خطوة تلو الأخرى، حتى وصلت إلى الباب المفتوح جزئيًا.

في تلك اللحظة، انفتح الباب على مصراعيه. خرج ماكسيموس، لتتجمد ليلى في مكانها. كان جسده الممشوق مبللاً، وقطرات الماء تتساقط من شعره الداكن على عضلات صدره البارزة. لم يكن يرتدي سوى منشفة ملفوفة حول خصره، لتبرز وشومه المعقدة التي تنتشر على ذراعيه وكتفيه. كانت نظراته باردة كالثلج في البداية، ثم اختلطت بها شهوة عارمة، شهوة لم تكن ليلى لتتوقعها من رجل بهذه القوة.

حاصرها بين الحائط وجسده العاري، يده ترتكز بجانبه على الحائط، ليصبح جسده العريض سجنًا لا مفر منه. "ماذا تفعلين هنا، ليلى؟" سأل بصوت خفيض، يمزج بين البرود والتهديد الخفي، وعيناه لا تفارقان عينيها المذعورتين.

حاولت ليلى جمع شتات نفسها، وبسرعة بديهة قالت: "أنا... أنا فقط... كنت أبحث عن ملابس نظيفة. ليس لدي ما أرتديه."

كانت كذبتها واضحة، لكن ماكسيموس لم يبدُ عليه أنه صدقها. بل كانت عيناه تستقران على شيء آخر. وجهها كان شاحبًا بشكل غير طبيعي، وعيناها غائرتين، وجبينها يتلألأ بعرق خفيف. مد يده ببطء، ثم أمسك بخصرها وسحبها نحوه بقوة.

صرخت ليلى صرخة مكتومة من الألم. لمسة ماكسيموس، التي كانت قوية لكنها ليست خشنة، أيقظت جرحًا قديمًا. كانت ترتدي ثيابًا فضفاضة لم تخفِ الكدمات تمامًا، لكن ماكسيموس لم يلاحظها في البداية. الآن، عندما ضغط على خصرها، تيبست ليلى وارتعشت.

رفع ماكسيموس حاجبه، ثم نظر إلى مكان يده. كان هناك بقعة داكنة بدأت تتسلل عبر قماش بلوزتها الخفيف. أطلق سبابًا خفيفًا بين شفتيه، وأصابعه تتفحص الجانب الأيمن من خصرها. "ما هذا؟" سأل بصوت خشن، ووجهه الخالي من التعابير بدأ يحمل قلقًا مبطنًا.

حاولت ليلى التراجع، لكن الألم كان قد استنزف كل قوتها. شعرت بحرارة شديدة تتصاعد في جسدها، والدوار يلف رأسها. لم تستطع إخفاء مدى سوء حالتها أكثر. "لقد... لقد أصبت... في ليلة الهجوم..." تمتمت قبل أن تسقط مغمى عليها بين ذراعيه.

انقلب وجه ماكسيموس من التجهم إلى الصدمة. حملها بين ذراعيه بقوة، ليرى بوضوح الكدمات الزرقاء والبنفسجية التي تلطخ ذراعها وساقها. كان يدرك تمامًا ما يعنيه الألم الناجم عن جروح قديمة تُهمل. لمعت في ذهنه صورة أخرى، صورة مؤلمة من الماضي، لوالدته وهي تسقط أمامه، يائسة من الألم قبل أن تفارق الحياة. هذه الذكرى دفعت أفعاله.

"ديفيد!" صاح ماكسيموس بصوت مزلزل، اسم صديقه الجراح يتردد في أروقة المنزل. لم ينتظر طويلاً، بل حمل ليلى بسرعة نحو جناحه، ووضعها برفق على الفراش الواسع. بعد دقائق، كان ديفيد - صديق ماكسيموس الموثوق به وطبيبه الخاص - يفحص ليلى.

أزاح ديفيد ملابس ليلى بحذر، ليتكشف جسدها الذي كان يحمل آثار عنف مروع. كانت الكدمات تنتشر على ظهرها وأطرافها، بعضها داكن وبعضها الآخر بدأ يميل للاخضرار. والجرح في خصرها كان عميقًا وملتهبًا بشكل خطير.

"صدمة جسدية شديدة، ماكسيموس." قال ديفيد بصوت جاد بعد أن انتهى من تطهير الجرح ولفه بالضمادات، معلقًا محلولًا وريديًا لتغذيتها. "هذا الجرح عميق جدًا، ويبدو أنها تعرضت لضرب مبرح وقاسٍ. جسمها في حالة صدمة حقيقية. يجب أن نراقبها، قد تحدث مضاعفات خطيرة."

ظل ماكسيموس واقفًا، يراقب ليلى الشاحبة النائمة، كلمات ديفيد تدوي في أذنيه. ضرب مبرح؟ من يمكن أن يفعل ذلك؟ ووالدها الثري؟

بعد ساعات، استفاقت ليلى. شعرت بثقل في يدها، وببرودة غريبة تسرى في عروقها. فتحت عينيها لتجد نفسها في نفس الغرفة، لكنها الآن موصلة بمحلول وريدي. لم تكن هناك أي حركة، فقط صمت يطبق على المكان. نظرت إلى يدها، ثم إلى الجرح الملفوف بإحكام. شعرت بيأس غامر يلف قلبها. لم يكن هذا الخوف من الموت، بل هو نوع من الاستسلام. ماذا بقي لها لتخسره؟

ببطء، أزالت الإبرة من وريدها، ودفت السائل الوريدي جانبًا. نهضت من السرير بتثاقل، متجاهلة الألم. اتجهت إلى المطبخ بخطوات متثاقلة، كأنها تسير في حلم. وصلت إلى الدرج الذي تعرف أنه يحتوي على السكاكين، وسحبت سكينًا لامعًا. رفعتها إلى معصمها، وعيناها غارقتان بالدموع، تستعد لإنهاء كل شيء.

لكن يدًا قوية أمسكت معصمها في اللحظة الأخيرة. كان ماكسيموس. كان قد دخل بهدوء، يراقبها منذ أن استيقظت.

"ماذا تفعلين؟" جاء صوته باردًا، لكن يده التي أمسكت بمعصمها كانت قوية.

جرحت السكين يده أثناء محاولته الإمساك بها، فسال الدم خيطًا أحمر على بشرته. "لماذا؟" صرخت ليلى، ودموعها تنهمر على خديها. "لماذا لا تريدني أن أموت؟ هل تظن أنني حقًا رهينة كما تظن؟" رفعت صوتها، وتجاعيد الحزن تملأ وجهها. "هل تظن أنني مهمة بالنسبة لوالدي؟ كل ما تفعله لن يجدي نفعًا! في نهاية المطاف سأموت!"

كانت كلماتها تخرج من أعماق اليأس، لم تكن تتحدث عن الخوف من الموت نفسه، بل عن استسلامها لمصيرها، وأنها لن تعود لوالدها لكي لا تعرضه للخطر الذي قد يلحق بها بسبب وجودها. كانت تعتقد أن موتها سيحميه، أو على الأقل لن يوقعه في مشاكل.

تراجعت ليلى عن ماكسيموس، وعادت إلى غرفة النوم. سقطت على الفراش الفاخر، وسحبت الغطاء الثقيل لتغطي نفسها بالكامل، كأنها تحاول الاختباء من العالم ومن نفسها.

شعر ماكسيموس بشيء غريب يغمر قلبه وهو يراقبها. لم تكن مجرد رهينة أو ورقة مساومة. كان هناك شيء في نظراتها اليائسة، في صرختها الباكية، في ضعفها غير المتوقع، يمس وترًا حساسًا في داخله. هل كانت مشاعرًا مختلطة؟ هل كان قلقًا عليها؟ أم شيء أعمق وأكثر تعقيدًا بدأ يتشكل في قلبه الصلب؟

الفصل الرابع: وهن خفي

بعد محاولة الانتحار الفاشلة، دخلت ليلى في دوامة من الاكتئاب العميق. لم تكن مجرد رهينة جسديًا، بل أصبحت أسيرة لحالتها النفسية. توقفت عن الأكل، ورفضت تناول أدويتها. كان جسدها الهزيل يزداد وهنًا يومًا بعد يوم، وعيناها اللتان كانتا تلمعان يومًا بالجرأة أو الخوف، أصبحتا غائرتين، تعكسان فراغًا موحشًا. لم يعد هناك أي أثر للفتاة المدللة التي دخلت هذا القصر.

كان ماكسيموس يراقبها بصمت من بعيد. كل يوم يزداد شعوره بالضيق والظهور، وهو يرى كيف تذبل أمامه. حاول مرارًا أن يقنعها بتناول الطعام، يقرب إليها الأطباق الفاخرة التي لم تكن لتمد يدها إليها أبدًا في السابق. كان يجلب لها الماء، ويحاول أن يجعلها تتناول أقراص الدواء، لكن كل محاولاته كانت تبوء بالفشل. كانت ليلى ترفض كل شيء، تتجاهله، أو تدير وجهها عنه، كأنها تحاول أن تختفي تمامًا.

كان هذا الصمت يثقل كاهله. هذا القصر الفخم، الذي كان يمثل قلعة قوته وسيطرته، أصبح مسرحًا لعجز غريب. عجز عن إجبار هذه الفتاة الضعيفة على فعل أبسط الأشياء.

في إحدى الليالي التي تزايد فيها قلقه، خرج ماكسيموس من الغرفة، لكنه تعمد ترك الباب مفتوحًا قليلاً. أراد أن يراقبها عن كثب دون أن يشعرها بوجوده الدائم، لعله يستطيع أن يجد طريقة ليخترق حاجز اليأس الذي بنته حول نفسها. جلس في الردهة القريبة، وعيناه مثبتتان على الشق الضيق في الباب، يحاول التقاط أي حركة أو صوت.

فجأة، اخترق الصمت العميق أنين خافت. ثم تلاه صرخة ألم مكتومة. قفز ماكسيموس من مكانه بلهفة غريبة، مندفعًا إلى الغرفة. لم يكن اندفاعًا مدفوعًا بالفضول، بل بخوف مفاجئ، خوف لم يعتده قط.

وجد ليلى تتلوى على الفراش، يداها تضغط على معدتها، ووجهها الشاحب مشدود بالألم. لم تعد تقوى على فعل أي شيء، حتى الصراخ بصوت عالٍ. كانت كلماتها تخرج بالكاد.

نظرت إليه ليلى بعينيها الذابلتين، وهما تحملان خليطًا من الألم والمرارة. التقت عيناها بعينيه الحادتين اللتين كانتا تعكسان قلقًا لا تخطئه العين. "نظراتك هذه... تشعرني بالحسرة يا ماكسيموس." قالت بصوت خفيض، بالكاد تسمعه الأذن. "أشد ما أكرهه... هو نظرات الشفقة في عيني عدوي."

كانت كلماتها كالسياط. "لقد أصبحت ضعيفًا يا ماكسيموس." هكذا كان يحدث نفسه وهو شارد في عينيها الذابلتين، يرى فيهما ليس فقط الضعف، بل اتهامًا ضمنيًا له. هو، ماكسيموس، زعيم أقوى عصابة، يشعر بهذا القدر من العجز أمام فتاة منهكة!

لكن أنين ليلى المتزايد أيقظه مجددًا من شروده. الألم كان يشتد عليها، وكانت حركتها تتوقف. يجب أن يفعل شيئًا، الآن.

الفصل الخامس: معركة لإنقاذ روح

كان أنين ليلى المتواصل كخنجر يطعن هدوء ماكسيموس المعتاد. لقد تجاوز الأمر كونه مجرد رهينة أو ورقة مساومة. كان يراها تذبل أمامه، وكلما حاول أن يفعل شيئًا، اصطدم بأسوار يأسها المستعصي. بعد تلك النظرات المحملة بالشفقة التي رمتها بها، وبعد كلماتها التي أيقظت شيئًا غريبًا في داخله، أدرك أن الأمر لم يعد يتعلق فقط بجسدها، بل بروحها التي كانت على وشك أن تنطفئ.

هرع ماكسيموس إلى جانب السرير. ركع على ركبتيه، أمسك بيدها التي كانت باردة ومهتزة. "ليلى! انظري إليّ!" صوته كان أقوى مما أراد، لكنه كان ممزوجًا بقلق واضح. كانت ليلى تتلوى من الألم، تهمس بكلمات غير مفهومة. كانت حرارتها ترتفع مجددًا، ونبضها يتسارع بشكل مخيف.

لم يكن ديفيد، صديقه الجراح، كافيًا هذه المرة. ماكسيموس كان بحاجة إلى حل أعمق، إلى من يقتحم جدران الرفض التي بنتها ليلى حول نفسها. اتخذ قرارًا لم يتوقعه أحد منه. في منتصف الليل، اتصل بأحد أكثر الأطباء النفسيين شهرة في المدينة، دكتورة "إليانور فانس"، التي تعمل عادة مع حالات خاصة جدًا وحساسة. لم يكترث كيف سيجلبها إلى وكره السري، أو كيف سيجعلها تحافظ على السرية المطلقة. كانت حياة ليلى هي الأهم الآن.

حضرت الدكتورة إليانور، امرأة في منتصف العمر، ذات نظرات ثاقبة وشعر رمادي مشرق. كانت تبدو هادئة لكنها تملك حضورًا قويًا. لم تطرح أسئلة كثيرة حول الظروف الغريبة التي وجدت نفسها فيها. نظرة واحدة إلى ليلى كانت كافية لتفهم مدى خطورة الموقف.

بينما كانت الدكتورة إليانور تفحص ليلى، ظل ماكسيموس يراقب من بعيد، متوترًا. لم يعتد على هذا الشعور بالعجز. كانت إليانور تتحدث إلى ليلى بصوت هادئ ومريح، تحاول اختراق حصن اليأس الذي بنته ليلى. وبينما كانت ليلى في غيبوبة جزئية بسبب الحمى والألم، لاحظت إليانور الكدمات على جسدها. ألقت نظرة سريعة على ماكسيموس، نظرة فهمت منها ليلى أنها ليست الأولى التي ترى هذه الآثار، لكنها لم تقل شيئًا.

بعد ساعات، خرجت الدكتورة إليانور من الغرفة، ووجهها يحمل تعابير جادة. "السيد ماكسيموس،" قالت بنبرة حازمة. "جسدها منهك بالكامل بسبب الإهمال والجروح، لكن المشكلة الأكبر هي نفسية. إنها في حالة اكتئاب حاد، ترفض الحياة، وتستسلم للموت. إن لم نكسر هذه الدائرة قريبًا، ستفقدها. أنت بحاجة إلى طعام، دواء، ولكن الأهم... سبب لتبقى."

كانت كلمات إليانور تتردد في أذني ماكسيموس. "سبب لتبقى." ما الذي يمكن أن يمنحه لها؟ هو الذي احتجزها؟

في الأيام التالية، تحول القصر إلى ما يشبه المستشفى المصغر. كان ماكسيموس يقضي معظم وقته في الغرفة، يراقب ليلى عن كثب. لم يتركها لوحدها أبدًا. كان يرى ديفيد والدكتورة إليانور يتناوبان على رعايتها، ويستمع إلى همسات إليانور وهي تحاول الوصول إليها. أحيانًا كان يمسك بيدها الباردة لثوانٍ، يشعر بضعفها، وبثقل مسؤولية غريبة تجاهها. لم يعد الأمر يتعلق بورقة مساومة، بل بشيء أكثر عمقًا.

في إحدى المرات، بينما كانت ليلى في لحظة وعي نادرة، فتحت عينيها لتجد ماكسيموس جالسًا بجانب سريرها، يقرأ كتابًا بخطوط عربية قديمة. كان منظره مختلفًا تمامًا عن زعيم العصابة الذي تعرفه. كان شعره المبعثر على جبينه يجعله يبدو أقل قسوة. رفع عينيه ونظر إليها.

"ماكسيموس..." همست ليلى، صوتها كان ضعيفًا بالكاد يسمع.

"أجل،" رد بصوت هادئ، يضع الكتاب جانبًا.

"لماذا تفعل هذا؟" سألت، محاولة فهم اهتمامه المفاجئ.

نظر إليها مطولًا، وعيناه تعكسان صراعًا داخليًا. "لأنني... لا أحب أن أرى شيئًا ينطفئ أمامي،" قال بصوت خفيض، يتهرب من الإجابة المباشرة. كانت إجابة مبهمة، لكنها لم تكن كاذبة. كانت هذه هي الحقيقة الوحيدة التي استطاع الاعتراف بها لنفسه.

شعر بالخوف يتسلل إلى قلبه مرة أخرى، ليس خوفًا على سلطته أو مصالحه، بل خوفًا غريبًا على هذه الفتاة التي أصبحت، رغم كل شيء، جزءًا من عالمه. كان هناك شيء يتغير بداخله، شيء لم يكن ليتوقعه أبدًا.

الفصل السادس: صوت العقل والصدى القلب

بعد أن تركت الدكتورة إليانور تعليماتها، خرج ماكسيموس من الغرفة، تاركًا ليلى بين يدي ديفيد، الذي كان يتابع حالتها بقلق. كان وجه ماكسيموس يحمل تعابير لم يعتدها أصدقاؤه عليه: قلق، ارتباك، وشيء من الضعف المبطن.

اعترضه ديفيد في الردهة، وعيناه المثقبتان تثبتان على صديقه القديم. "ماكسيموس،" قال ديفيد بصوت خفيض لكنه يحمل نبرة جادة، "ما سبب اهتمامك بهذه الفتاة؟ لم أرك بهذه الحالة المزرية من قبل. أنت لست هكذا."

تجاهل ماكسيموس كلام صديقه، ومضى قدمًا نحو مكتبه. لكن ديفيد لم يستسلم. لحق به، أدرك أن الأمر أعمق من مجرد رهينة.

"هي ابنة عدوك، تذكر ذلك!" قال ديفيد، محاولًا إعادته إلى الواقع. "سنجعلها تُشفى لكي تكون رهينة فقط، لا لشيء آخر! لا تدع قلبك يضعف تجاهها، يا ماكسيموس. هذا ليس أنت."

توقف ماكسيموس عن السير. استدار ببطء، ونظر إلى ديفيد نظرة ثابتة، حادة، كأنها خنجر اخترق قلبه. كانت عيناه تلمعان بنوع من الغضب الصامت، الحقد الدفين على هذه الكلمات التي حاولت أن تقيده، أن تذكره بقواعد عالمه القاسية. لم يكن غضبًا موجهًا لديفيد بقدر ما كان غضبًا على نفسه، وعلى هذه المشاعر الجديدة التي بدأت تتسلل إلى حصنه المنيع.

فزع ديفيد من تلك النظرة التي لم يرها إلا نادرًا، وهي نظرة تسبق عاصفة لا يمكن لأحد إيقافها. رفع يديه مستسلمًا. "حسنًا، حسنًا، لا داعي للغضب. لك ما تريد. افعل ما تشاء." ثم أضاف بتحذير مبطن، نبرة من اليأس في صوته، "أرجو ألا تندم على هذا لاحقًا."

لم يرد ماكسيموس. عاد إلى مكتبه، لكن كلمات ديفيد ظلت تدور في ذهنه كصدى مزعج. "ابنة عدوك... لا تضعف قلبك." كانت هذه الكلمات تحاربه، تحارب الجانب الإنساني الذي بدأ يصحو بداخله.

مرت الأيام، وببطء شديد، بدأت ليلى تظهر علامات التعافي. بفضل العناية المكثفة من ديفيد والدكتورة إليانور، وبإصرار خفي من ماكسيموس الذي كان يحرص على تقديم كل ما تحتاجه، بدأت الحمى تنخفض، وعادت الحياة إلى عينيها شيئًا فشيئًا. لكنها ظلت طريحة الفراش، لا تقوى على الحركة.

جسدها كان نحيلًا وضعيفًا، وأقدامها بالكاد تحملها. لم تنزل من الفراش منذ أكثر من شهر، مما أثر على عضلاتها بشكل كبير. كانت تستطيع الجلوس الآن، وتتحدث بكلمات قليلة، لكنها لم تستعد قوتها الكاملة بعد. كان ماكسيموس يراقبها وهي تحاول أن ترفع كوب الماء إلى شفتيها، يرى يدها ترتجف، ويشعر بغضب صامت من حالتها التي تثير فيه مشاعر مختلطة.

في أحد الأيام، دخل ماكسيموس الغرفة ليجدها تحاول أن تدفع نفسها للنهوض من السرير. كانت تتشبث بالمرتبة، يداها ترتجفان، وتتصبب عرقًا من المجهود. كان وجهها شاحبًا، لكن إصرارًا غريبًا لمع في عينيها.

"ماذا تفعلين؟" سأل بصوت خفيض، يقترب منها.

نظرت إليه ليلى، وكان هناك شيء من التحدي في عينيها، رغم ضعف جسدها. "أنا... أحاول النهوض."

لم يستطع أن يمنع نفسه من الشعور بشيء من الإعجاب بإصرارها، رغم كل ما مرت به. كان هناك جانب منها يرفض الاستسلام، جانب يشبهه بطريقة ما.

الفصل السابع: خطوات نحو التقارب

كانت الأيام التالية أشبه بمعركة صامتة بين إصرار ليلى على النهوض وبين ضعف جسدها. لاحظ ماكسيموس إصرارها، هذا الجانب العنيد الذي لم يره فيها من قبل، والذي كان يذكره بنفسه. فجأة، وجد نفسه يقدم لها المساعدة، ليس كحارس، بل كشخص يدفعها لتجاوز حدودها.

في البداية، كانت محاولاتها للنزول من الفراش تنتهي بالضعف والارتجاف. كان ماكسيموس يقف صامتًا يراقبها، ثم يمد يده دون كلمة، يساعدها على النهوض، يدعم جسدها النحيل بينما كانت قدماها الخائرتان تلامسان الأرض الباردة للمرة الأولى منذ أسابيع. كان يمسك بها بقوة، يشعر بوهنها بين يديه، وفي الوقت نفسه يشعر بقوة غريبة تجاهها. لم يكن يدرك أن مجرد لمسها كان يثير فيه شيئًا لا يمكن تفسيره.

كانت خطواتها الأولى في الغرفة متعثرة، تتشبث به كغريق يتعلق بقشة. كان جسدها بالكاد يتحملها، لكن ماكسيموس لم يظهر أي تذمر. كان يقودها ببطء حول الغرفة، يدعمها، يحرص على ألا تسقط. في كل مرة كانت تصرخ من الألم أو تشعر بالدوار، كانت قبضته تشتد حولها، كأنه يمنحها جزءًا من قوته. كانت عيناه الحادتان، التي اعتادت أن ترى الخطر والعنف، تركز الآن على خطواتها المتعثرة، وعلى تعابير وجهها المتغيرة.

كانت هذه التمارين اليومية أشبه بطقس سري بينهما. لم يتحدثا كثيرًا خلالها، لكن الصمت كان أبلغ من الكلمات. كانت ليلى تشعر بقوته التي تدعمها، وبلمساته التي بدأت لا تثير الخوف بقدر ما تثير إحساسًا غريبًا بالدفء والأمان. لم تكن تفهم هذا الشعور، لكنها كانت تتوق إليه. لم يعد ماكسيموس مجرد خاطفها، بل أصبح ركيزة تستند إليها في رحلة تعافيها.

في أحد الأيام، بينما كانت تحاول المشي عبر الردهة الطويلة، كادت تسقط. أمسكها ماكسيموس بسرعة، وأحاط ذراعيه حول خصرها، ساندًا إياها بقوة ضد صدره. شعرت ليلى بحرارة جسده، وبقوة عضلاته، وبنبضات قلبه التي كانت أسرع مما توقعت. رفعت رأسها لتلتقي عيناها بعينيه. كانت نظراته مزيجًا من القلق والإعجاب، وشيء آخر لم تستطع فهمه، شيء يشبه الانجذاب الخفي.

كانت قريبة جدًا منه، قريبة بما يكفي لتسمع أنفاسه، وتشعر برائحة عطره الرجولي الممزوجة برائحة الدماء القديمة التي ما زالت تلتصق بذاكرتها عنه. للحظة، لم يكن هناك عالم خارجي، لا عصابات، لا أعداء، لا والد. كان هناك فقط هي وهو، محصورين في هذه اللحظة الغريبة من القرب.

ابتعد عنها ماكسيموس ببطء، وكأنها لحظة إدراك لمدى هذا القرب. "هل أنتِ بخير؟" سأل بصوت خفيض، حاوَل أن يستعيد بروده المعتاد، لكن نبرة القلق كانت واضحة.

"أنا بخير،" أجابت ليلى، ونظراتها لم تفارق عينيه. كانت قد بدأت تكتشف جوانب أخرى في هذا الرجل، جوانب لم تكن تتوقعها أبدًا. كانت تعتقد أنه مجرد وحش بلا مشاعر، لكن اهتمامه بتعافيها، ولمساته التي بدأت تشعرها بالأمان، كانت تهدم تلك الصورة ببطء.

كانت الأيام التالية تحمل المزيد من هذه اللحظات. كانت ليلى تستعيد قوتها شيئًا فشيئًا، وتتعلم المشي مرة أخرى. كان ماكسيموس دائمًا هناك، يراقبها، ويدعمها، وأحيانًا يشاركها ببعض الكلمات القليلة التي تكشف عن جوانب من شخصيته لم تكن تتوقعها. بدأت ترى أنه ليس مجرد زعيم عصابة، بل رجل يحمل أسراره وجروحه الخاصة. وبالمثل، بدأت تدرك أنها لم تعد مجرد رهينة، بل أصبحت شيئًا آخر في حياته

الفصل الثامن:اقنعة لا تخفي القلوب

بعد أسابيع من الألم والعزلة، تعافت ليلى أخيرًا. كان جسدها قد استعاد قوته، لكن الأطباء أصرّوا على استمرار تناولها لبعض الأدوية لتثبيت حالتها. اكتئابها خفّ تدريجيًا، وعاد لوجهها بعض الحياة… ربما لأن شخصًا واحدًا كان يزرع الطمأنينة في أيامها، دون أن يعترف بها: ماكسيموس.

لم يكن يظهر حبه بالكلمات، بل بالأفعال الصامتة: يجلب لها أدويتها دون أن تطلب، يترك على طاولتها كتابًا جديدًا كل صباح، ويحرص على تناول الطعام معها حتى لو لم تنطق بكلمة واحدة. كان قريبًا، لكنه يتجنب التورط علنًا، كأنه يقاتل شعورًا لا يريد له أن ينتصر.

وذات مساء، وصله ظرف أسود أنيق يحمل ختمًا ذهبيًا عليه حرف "V". فتحه بهدوء، ثم ابتسم على غير عادته. دعوة إلى حفل تنكري فاخر مخصص لشخصين فقط. لم يتردد، توجه نحو جناح ليلى وطرق الباب بخفة، ولما فتحت، قال بهدوء:

"لدينا مناسبة الليلة. هل ترغبين في الانضمام إليّ؟"

تفاجأت، لكنها لم تمانع. نظرت في عينيه طويلًا، ثم همست:

"هل سأكون آمنة؟"

اقترب قليلًا، وقال بثقة جعلت قلبها يهدأ:

"لن يعرفك أحد… طالما بقيتِ بقربي."

---

مرّ النهار سريعًا، وفي المساء، كانت ليلى أمام المرآة، ترتدي فستانًا حريريًا بلونٍ داكن، يُبرز قوامها بسلاسة دون ابتذال. اختارت قناعًا أسود بلمسة من الريش والدانتيل، يغطي وجهها بالكامل عدا عينيها وشفتَيها. رفعت شعرها على شكل كعكة كلاسيكية فاخرة، تاركة عنقها مكشوفًا.

نظرت لنفسها في المرآة، وكل ما ينقصها هو… إغلاق السحاب الطويل في ظهر فستانها.

نادت الخادمة، لكن لم تجد أحدًا. شعرت بالقلق، كانت الدقائق تمرّ، وماكسيموس قد يرحل دونها.

دون تفكير، أمسكت أطراف فستانها وتوجّهت مسرعة نحو جناحه. دفعت الباب دون أن تطرقه، وتجمّدت في مكانها.

كان ماكسيموس يقف هناك، لا يرتدي سوى سروال نوم داكن، جسده العاري يلمع تحت إضاءة خافتة.

عيناها سقطتا عليه دون أن تقصد، لكنه لم يتحرك… وكأن دخولهما في هذه اللحظة كان قدرًا لا بد أن يُعاش.

ارتبكت، لكن بدلاً من التراجع… تقدمت.

اقتربت ببطء، حتى وقفت أمامه، نظرت لعينيه ثم خفضت نظرتها إلى صدره، ومدّت يدها ببطء، ووضعتها على جلده الدافئ، وكأنها تفعل شيئًا محرّمًا للمرة الأولى.

وقالت بصوت خافت فيه دهشة بريئة:

"لم أكن ألاحظ… أن لك جسدًا جذابًا… يجعلني أنجذب إليك بهذه الطريقة."

صمت.

كان يتنفس بثقل. وبرغم قوته، بدا الآن وكأنه في قمة ضعفه.

فجأة، شعرت بحرارة شديدة تحت يدها، فرفعت عينيها وسألته بابتسامة صغيرة:

"هل أنت مصاب بالحمّى؟"

ضحك بصوت منخفض، لكن عينيه كانتا مشدوهتين بها، وقال:

"يبدو أنك لا تفهمين بعد… ما الذي أتى بك إلى غرفتي بهذه السرعة… قبل أن أفقد صوابي."

شعرت بخطر كلماته، التفتت سريعًا تخفي توترها وقالت وهي تشير إلى ظهرها:

"كنت فقط… أحتاجك أن تغلق سحاب الفستان."

تقدّم منها، ببطء، يداه رفعتا طرف السحاب ببطء، وبرغم أنه لم يلمس سوى القماش، شعرت برعشة تتسلل لعمودها الفقري.

كان قريبًا منها جدًا، أنفاسه دافئة تلامس عنقها المكشوف، فتمتم بصوت بالكاد سُمع:

"في كل مرة تقتربين هكذا… يصبح الصمت أصعب."

ابتسمت دون أن ترد، وقلبها يخفق كطبول الحرب.

أنهى إغلاق الفستان، ثم استدار بعيدًا ليمنحها لحظات لالتقاط أنفاسها.

قال بهدوء:

"الحفل لا يدوم طويلًا. ارتدي قناعك… وكوني ظلي.

نهاية الجزء الاول :

وهي على بعد خطوات من الخروج، استدار ماكسيموس فجأة نحوها، نظر إليها بحدة غريبة، كأن شيئًا خفيًا ارتسم في عينيه لتوّه، ثم قال بنبرة عميقة:

"ليلى… لا تفارقي جانبي الليلة، أيًّا كان ما تسمعينه… لا تثقي بأحد."

تجمدت خطواتها، وابتسمت بخفة، تظنه مجرد قلقٍ زائد.

لكنها لم تكن تعلم… أن الحفل لم يكن سوى بداية لوجه آخر، لا يشبه أبدًا ما عرفته عن القصر… أو عن ماكسيموس.

يتبع...

قبل أن أعترف

الفصل الاول :سقوط غير متوقع

كانت حياتها أشبه بفقاعة كريستالية، تتلألأ تحت أضواء الثراء الفاحش، محمية بسياج من الحراس والخدم والرفاهية المطلقة. ليلى، ابنة "فيكتور ليونارد" أغنى رجل في العالم، لم تعرف قط معنى الخوف أو النقص. لكن في تلك الليلة الماطرة، تمزقت الفقاعة، وتحطمت حياتها إلى أشلاء تحت وابل من الرصاص.

تذكرت فقط صوت صرير الإطارات، دوي الانفجارات القريبة، وصراخ حراسها. ثم الفوضى... الركض في الظلام، تسلق الجدران، والقفز فوق الأسوار، بينما رصاصات طائشة كانت تطاردها كأشباح الماضي. قلبها كان يخفق بعنف، كطائر حبيس في قفص متهالك. لم تكن هذه هي ليلى التي تعرفها؛ الفتاة الأنيقة، المدللة، التي لا تتسخ أبدًا. كانت الآن مجرد جسد يرتجف، مغطى بالوحل والدماء، يركض نحو المجهول.

استمرت في الركض لساعات، حتى خارت قواها. عندما رأت ذلك المنزل الشاهق يطل من بين الأشجار الكثيفة، شعرت وكأن بصيص أمل قد لاح في الأفق. كان بناءً معماريًا فخمًا، صامدًا في وجه العاصفة، وكأنه يهمس لها بالدخول. تسللت إليه بصعوبة، وجدت الباب مفتوحًا، فدفعت نفسها للداخل، لتهوي على أرضية رخامية باردة، وتفقد الوعي.

عندما استفاقت، كانت الغرفة غارقة في الظلام، لكن الأثاث الفاخر والهدوء الذي يسود المكان يوحيان بالثراء. شعرت بالأمان الكاذب يغمرها. مرت الأيام، وأخذت ليلى تتجول في أرجاء القصر الشاسع، مستكشفة كل زاوية، تستمتع بالرفاهية التي افتقدتها، بل وتعودت عليها. كانت تشعر وكأنها المالك الوحيد لهذا المكان، وكأنها وجدت ملاذًا دائمًا بعيدًا عن جحيم محاولة الاغتيال.

في مساء اليوم الخامس، بينما كانت تستمتع بحمام دافئ في الحمام الرئيسي الفاخر، سمعت صوت سيارة تتوقف بالخارج. توقف قلبها للحظة. ثم خطوات حاسمة تقترب من الباب الأمامي. تجمدت في مكانها، تلتف بفوطة كبيرة، وتتسلل إلى غرفة النوم الرئيسية المجاورة، تختبئ خلف ستائر ثقيلة.

دخل رجل. لم يكن مجرد رجل. كانت قامته طويلة وعريضة، سترته السوداء الفاخرة لا تخفي عضلات ذراعيه المفتولة. وجهه محفور بتجاعيد خفيفة حول عينين حادتين، تلمعان ببريق خطير. كان يملك هالة قوية، لا تخطئها العين، هالة تصرخ بالقوة والسيطرة. هو ذاته الذي سمعت عنه الهمسات، الرجل الذي تهابه العصابات قبل الشرطة، ماكسيموس. زعيم أكبر عصابة في البلاد.

تجمدت ليلى في مكانها، بالكاد تتنفس. كانت تلك الخطوات الثقيلة التي تتردد في المنزل هي ذاتها التي تثير الرعب في قلوب الجميع. لم تكن في منزل آمن، بل في قلب الخطر.

الفصل الثاني : نار تحت الرماد

وقف ماكسيموس في منتصف الغرفة، يخلع سترته بثقة، يلقيها على الأريكة الجلدية الفاخرة. مرر يده على شعره الداكن، ثم توجه نحو المطبخ. سمعت ليلى صوت فتح الثلاجة، ثم غلقها، قبل أن يعود ويجلس في الصالة.

"أعلم أن هناك شخصًا آخر في هذا المنزل،" جاء صوته عميقًا وهادئًا، اخترق سكون الليل وارتعش قلب ليلى. "لا داعي للاختباء."

خرجت ليلى ببطء من خلف الستائر، قبضت الفوطة حول جسدها كدرع واهٍ. كانت عيناها واسعتين من الخوف، لكنها حاولت إخفاء رعشتها. نظر إليها ماكسيموس، وعيناه تفحصان كل شبر فيها، من شعرها المبتل إلى قدميها الحافيتين. لم يكن في نظراته أي دهشة، بل نوع من التقييم الهادئ.

"من أنتِ؟" سأل، وصوته لا يحمل أي انفعال.

"أنا... ليلى،" قالت بصوت بالكاد مسموع، "لقد تعرضت للهجوم، واختبأت هنا."

ابتسم ماكسيموس ابتسامة جانبية لم تصل إلى عينيه. "الهجوم؟" ثم سحب هاتفًا من جيبه، وقلّب فيه بسرعة. "أنتِ ليلى ليونارد، ابنة فيكتور ليونارد، المفقودة منذ خمسة أيام بعد محاولة اغتيال." رفع رأسه، عيناه تضيئان ببريق غريب. "يبدو أنني وجدت كنزًا."

شعرت ليلى بقشعريرة تسري في جسدها. لم تكن ضيفة، بل رهينة. في تلك اللحظة، لمعت فكرة في ذهنها. ربما يمكنها استخدام أسلحتها الأنثوية. لقد اعتادت على الحصول على كل ما تريد بالإغواء، لماذا لا تنجح مع هذا الرجل؟

اقتربت منه خطوة، ثم أخرى، تركت الفوطة ترتخي قليلًا عن كتفها، كاشفة عن منحنيات جذابة. كانت عيناها تراقصان بجرأة مصطنعة، وابتسامة خفيفة ترتسم على شفتيها. "وهل الكنوز تُحبس يا ماكسيموس؟" قالت بصوتها الرقيق.

كانت تراه يتبع حركتها بعينيه، لكن تعابير وجهه بقيت صلبة. اقتربت أكثر، حتى أصبحت قريبة بما يكفي لتشعر بدفء جسده. رفعت يدها ببطء، ومدتها نحو صدره. "ماذا لو كانت هناك طريقة أفضل للاستفادة من هذا الكنز؟" همست، وأصابعها تكاد تلامس قميصه المفتوح.

في تلك اللحظة، أمسك ماكسيموس بمعصمها بقوة مفاجئة، أوقف يدها في منتصف الطريق. نظر في عينيها مباشرة، بنظرة جعلت قلبها يخفق بعنف، لكن هذه المرة ليس من الخوف فقط، بل من شيء آخر لم تستطع تحديده.

"اسمعي يا ليلى،" قال بصوت أجش وخافض، كتحذير. "إن استمررتِ في هذا، الأمور ستخرج عن سيطرتي. وأنتِ لا تريدين أن تري الأمور تخرج عن سيطرتي." كان في صوته تهديد واضح، لكن وراءه، لمست ليلى شرارة شهوة كامنة، دفينة، تكاد تخرج عن عقالها. كانت نظراته حادة، لكنها لم تكن خالية من رغبة جامحة بالكاد يسيطر عليها.

ابتلعت ريقها بصعوبة. فهمت ما يعنيه. هذا الرجل، بكل قوته وسيطرته، كان يملك جانبًا بدائيًا قد يطغى عليه لو استمرت في إغوائه. تراجعت خطوة، وأعادت الفوطة حول جسدها بإحكام. أدركت أن هذا الرجل مختلف. الإغواء قد لا يكون وسيلتها الوحيدة للنجاة، بل قد يكون طريقًا أسرع نحو الهاوية.

الفصل الثالث لمسات غير متوقعة

لم يكن فضول ليلى ليثبت عند حد. فبعد تلك المواجهة المثيرة في غرفة المعيشة، وبعد أن أدركت خطورة اللعب على وتر الإغواء مع رجل مثل ماكسيموس، لم تستطع كبح رغبتها في استكشاف هذا الكهف الفاخر الذي وجدت نفسها حبيسة فيه. كانت تتسلل في الليل، تتلمس التحف الثمينة، تفتح الأدراج المغلقة، وكأنها تبحث عن سر يخبئه هذا المنزل أو صاحبه.

في إحدى ليالي الأسبوع التالي، بينما كانت تتسلل إلى جناح ماكسيموس الخاص، دفعها فضولها إلى غرفة نومه، التي كانت تطل على حديقة سرية خلفية. كانت الغرفة تعج بالهدوء، لكنها لم تكن فارغة. سمعت صوت الماء ينساب من خلف باب الحمام. اقتربت ببطء، خطوة تلو الأخرى، حتى وصلت إلى الباب المفتوح جزئيًا.

في تلك اللحظة، انفتح الباب على مصراعيه. خرج ماكسيموس، لتتجمد ليلى في مكانها. كان جسده الممشوق مبللاً، وقطرات الماء تتساقط من شعره الداكن على عضلات صدره البارزة. لم يكن يرتدي سوى منشفة ملفوفة حول خصره، لتبرز وشومه المعقدة التي تنتشر على ذراعيه وكتفيه. كانت نظراته باردة كالثلج في البداية، ثم اختلطت بها شهوة عارمة، شهوة لم تكن ليلى لتتوقعها من رجل بهذه القوة.

حاصرها بين الحائط وجسده العاري، يده ترتكز بجانبه على الحائط، ليصبح جسده العريض سجنًا لا مفر منه. "ماذا تفعلين هنا، ليلى؟" سأل بصوت خفيض، يمزج بين البرود والتهديد الخفي، وعيناه لا تفارقان عينيها المذعورتين.

حاولت ليلى جمع شتات نفسها، وبسرعة بديهة قالت: "أنا... أنا فقط... كنت أبحث عن ملابس نظيفة. ليس لدي ما أرتديه."

كانت كذبتها واضحة، لكن ماكسيموس لم يبدُ عليه أنه صدقها. بل كانت عيناه تستقران على شيء آخر. وجهها كان شاحبًا بشكل غير طبيعي، وعيناها غائرتين، وجبينها يتلألأ بعرق خفيف. مد يده ببطء، ثم أمسك بخصرها وسحبها نحوه بقوة.

صرخت ليلى صرخة مكتومة من الألم. لمسة ماكسيموس، التي كانت قوية لكنها ليست خشنة، أيقظت جرحًا قديمًا. كانت ترتدي ثيابًا فضفاضة لم تخفِ الكدمات تمامًا، لكن ماكسيموس لم يلاحظها في البداية. الآن، عندما ضغط على خصرها، تيبست ليلى وارتعشت.

رفع ماكسيموس حاجبه، ثم نظر إلى مكان يده. كان هناك بقعة داكنة بدأت تتسلل عبر قماش بلوزتها الخفيف. أطلق سبابًا خفيفًا بين شفتيه، وأصابعه تتفحص الجانب الأيمن من خصرها. "ما هذا؟" سأل بصوت خشن، ووجهه الخالي من التعابير بدأ يحمل قلقًا مبطنًا.

حاولت ليلى التراجع، لكن الألم كان قد استنزف كل قوتها. شعرت بحرارة شديدة تتصاعد في جسدها، والدوار يلف رأسها. لم تستطع إخفاء مدى سوء حالتها أكثر. "لقد... لقد أصبت... في ليلة الهجوم..." تمتمت قبل أن تسقط مغمى عليها بين ذراعيه.

انقلب وجه ماكسيموس من التجهم إلى الصدمة. حملها بين ذراعيه بقوة، ليرى بوضوح الكدمات الزرقاء والبنفسجية التي تلطخ ذراعها وساقها. كان يدرك تمامًا ما يعنيه الألم الناجم عن جروح قديمة تُهمل. لمعت في ذهنه صورة أخرى، صورة مؤلمة من الماضي، لوالدته وهي تسقط أمامه، يائسة من الألم قبل أن تفارق الحياة. هذه الذكرى دفعت أفعاله.

"ديفيد!" صاح ماكسيموس بصوت مزلزل، اسم صديقه الجراح يتردد في أروقة المنزل. لم ينتظر طويلاً، بل حمل ليلى بسرعة نحو جناحه، ووضعها برفق على الفراش الواسع. بعد دقائق، كان ديفيد - صديق ماكسيموس الموثوق به وطبيبه الخاص - يفحص ليلى.

أزاح ديفيد ملابس ليلى بحذر، ليتكشف جسدها الذي كان يحمل آثار عنف مروع. كانت الكدمات تنتشر على ظهرها وأطرافها، بعضها داكن وبعضها الآخر بدأ يميل للاخضرار. والجرح في خصرها كان عميقًا وملتهبًا بشكل خطير.

"صدمة جسدية شديدة، ماكسيموس." قال ديفيد بصوت جاد بعد أن انتهى من تطهير الجرح ولفه بالضمادات، معلقًا محلولًا وريديًا لتغذيتها. "هذا الجرح عميق جدًا، ويبدو أنها تعرضت لضرب مبرح وقاسٍ. جسمها في حالة صدمة حقيقية. يجب أن نراقبها، قد تحدث مضاعفات خطيرة."

ظل ماكسيموس واقفًا، يراقب ليلى الشاحبة النائمة، كلمات ديفيد تدوي في أذنيه. ضرب مبرح؟ من يمكن أن يفعل ذلك؟ ووالدها الثري؟

بعد ساعات، استفاقت ليلى. شعرت بثقل في يدها، وببرودة غريبة تسرى في عروقها. فتحت عينيها لتجد نفسها في نفس الغرفة، لكنها الآن موصلة بمحلول وريدي. لم تكن هناك أي حركة، فقط صمت يطبق على المكان. نظرت إلى يدها، ثم إلى الجرح الملفوف بإحكام. شعرت بيأس غامر يلف قلبها. لم يكن هذا الخوف من الموت، بل هو نوع من الاستسلام. ماذا بقي لها لتخسره؟

ببطء، أزالت الإبرة من وريدها، ودفت السائل الوريدي جانبًا. نهضت من السرير بتثاقل، متجاهلة الألم. اتجهت إلى المطبخ بخطوات متثاقلة، كأنها تسير في حلم. وصلت إلى الدرج الذي تعرف أنه يحتوي على السكاكين، وسحبت سكينًا لامعًا. رفعتها إلى معصمها، وعيناها غارقتان بالدموع، تستعد لإنهاء كل شيء.

لكن يدًا قوية أمسكت معصمها في اللحظة الأخيرة. كان ماكسيموس. كان قد دخل بهدوء، يراقبها منذ أن استيقظت.

"ماذا تفعلين؟" جاء صوته باردًا، لكن يده التي أمسكت بمعصمها كانت قوية.

جرحت السكين يده أثناء محاولته الإمساك بها، فسال الدم خيطًا أحمر على بشرته. "لماذا؟" صرخت ليلى، ودموعها تنهمر على خديها. "لماذا لا تريدني أن أموت؟ هل تظن أنني حقًا رهينة كما تظن؟" رفعت صوتها، وتجاعيد الحزن تملأ وجهها. "هل تظن أنني مهمة بالنسبة لوالدي؟ كل ما تفعله لن يجدي نفعًا! في نهاية المطاف سأموت!"

كانت كلماتها تخرج من أعماق اليأس، لم تكن تتحدث عن الخوف من الموت نفسه، بل عن استسلامها لمصيرها، وأنها لن تعود لوالدها لكي لا تعرضه للخطر الذي قد يلحق بها بسبب وجودها. كانت تعتقد أن موتها سيحميه، أو على الأقل لن يوقعه في مشاكل.

تراجعت ليلى عن ماكسيموس، وعادت إلى غرفة النوم. سقطت على الفراش الفاخر، وسحبت الغطاء الثقيل لتغطي نفسها بالكامل، كأنها تحاول الاختباء من العالم ومن نفسها.

شعر ماكسيموس بشيء غريب يغمر قلبه وهو يراقبها. لم تكن مجرد رهينة أو ورقة مساومة. كان هناك شيء في نظراتها اليائسة، في صرختها الباكية، في ضعفها غير المتوقع، يمس وترًا حساسًا في داخله. هل كانت مشاعرًا مختلطة؟ هل كان قلقًا عليها؟ أم شيء أعمق وأكثر تعقيدًا بدأ يتشكل في قلبه الصلب؟

الفصل الرابع: وهن خفي

بعد محاولة الانتحار الفاشلة، دخلت ليلى في دوامة من الاكتئاب العميق. لم تكن مجرد رهينة جسديًا، بل أصبحت أسيرة لحالتها النفسية. توقفت عن الأكل، ورفضت تناول أدويتها. كان جسدها الهزيل يزداد وهنًا يومًا بعد يوم، وعيناها اللتان كانتا تلمعان يومًا بالجرأة أو الخوف، أصبحتا غائرتين، تعكسان فراغًا موحشًا. لم يعد هناك أي أثر للفتاة المدللة التي دخلت هذا القصر.

كان ماكسيموس يراقبها بصمت من بعيد. كل يوم يزداد شعوره بالضيق والظهور، وهو يرى كيف تذبل أمامه. حاول مرارًا أن يقنعها بتناول الطعام، يقرب إليها الأطباق الفاخرة التي لم تكن لتمد يدها إليها أبدًا في السابق. كان يجلب لها الماء، ويحاول أن يجعلها تتناول أقراص الدواء، لكن كل محاولاته كانت تبوء بالفشل. كانت ليلى ترفض كل شيء، تتجاهله، أو تدير وجهها عنه، كأنها تحاول أن تختفي تمامًا.

كان هذا الصمت يثقل كاهله. هذا القصر الفخم، الذي كان يمثل قلعة قوته وسيطرته، أصبح مسرحًا لعجز غريب. عجز عن إجبار هذه الفتاة الضعيفة على فعل أبسط الأشياء.

في إحدى الليالي التي تزايد فيها قلقه، خرج ماكسيموس من الغرفة، لكنه تعمد ترك الباب مفتوحًا قليلاً. أراد أن يراقبها عن كثب دون أن يشعرها بوجوده الدائم، لعله يستطيع أن يجد طريقة ليخترق حاجز اليأس الذي بنته حول نفسها. جلس في الردهة القريبة، وعيناه مثبتتان على الشق الضيق في الباب، يحاول التقاط أي حركة أو صوت.

فجأة، اخترق الصمت العميق أنين خافت. ثم تلاه صرخة ألم مكتومة. قفز ماكسيموس من مكانه بلهفة غريبة، مندفعًا إلى الغرفة. لم يكن اندفاعًا مدفوعًا بالفضول، بل بخوف مفاجئ، خوف لم يعتده قط.

وجد ليلى تتلوى على الفراش، يداها تضغط على معدتها، ووجهها الشاحب مشدود بالألم. لم تعد تقوى على فعل أي شيء، حتى الصراخ بصوت عالٍ. كانت كلماتها تخرج بالكاد.

نظرت إليه ليلى بعينيها الذابلتين، وهما تحملان خليطًا من الألم والمرارة. التقت عيناها بعينيه الحادتين اللتين كانتا تعكسان قلقًا لا تخطئه العين. "نظراتك هذه... تشعرني بالحسرة يا ماكسيموس." قالت بصوت خفيض، بالكاد تسمعه الأذن. "أشد ما أكرهه... هو نظرات الشفقة في عيني عدوي."

كانت كلماتها كالسياط. "لقد أصبحت ضعيفًا يا ماكسيموس." هكذا كان يحدث نفسه وهو شارد في عينيها الذابلتين، يرى فيهما ليس فقط الضعف، بل اتهامًا ضمنيًا له. هو، ماكسيموس، زعيم أقوى عصابة، يشعر بهذا القدر من العجز أمام فتاة منهكة!

لكن أنين ليلى المتزايد أيقظه مجددًا من شروده. الألم كان يشتد عليها، وكانت حركتها تتوقف. يجب أن يفعل شيئًا، الآن.

الفصل الخامس: معركة لإنقاذ روح

كان أنين ليلى المتواصل كخنجر يطعن هدوء ماكسيموس المعتاد. لقد تجاوز الأمر كونه مجرد رهينة أو ورقة مساومة. كان يراها تذبل أمامه، وكلما حاول أن يفعل شيئًا، اصطدم بأسوار يأسها المستعصي. بعد تلك النظرات المحملة بالشفقة التي رمتها بها، وبعد كلماتها التي أيقظت شيئًا غريبًا في داخله، أدرك أن الأمر لم يعد يتعلق فقط بجسدها، بل بروحها التي كانت على وشك أن تنطفئ.

هرع ماكسيموس إلى جانب السرير. ركع على ركبتيه، أمسك بيدها التي كانت باردة ومهتزة. "ليلى! انظري إليّ!" صوته كان أقوى مما أراد، لكنه كان ممزوجًا بقلق واضح. كانت ليلى تتلوى من الألم، تهمس بكلمات غير مفهومة. كانت حرارتها ترتفع مجددًا، ونبضها يتسارع بشكل مخيف.

لم يكن ديفيد، صديقه الجراح، كافيًا هذه المرة. ماكسيموس كان بحاجة إلى حل أعمق، إلى من يقتحم جدران الرفض التي بنتها ليلى حول نفسها. اتخذ قرارًا لم يتوقعه أحد منه. في منتصف الليل، اتصل بأحد أكثر الأطباء النفسيين شهرة في المدينة، دكتورة "إليانور فانس"، التي تعمل عادة مع حالات خاصة جدًا وحساسة. لم يكترث كيف سيجلبها إلى وكره السري، أو كيف سيجعلها تحافظ على السرية المطلقة. كانت حياة ليلى هي الأهم الآن.

حضرت الدكتورة إليانور، امرأة في منتصف العمر، ذات نظرات ثاقبة وشعر رمادي مشرق. كانت تبدو هادئة لكنها تملك حضورًا قويًا. لم تطرح أسئلة كثيرة حول الظروف الغريبة التي وجدت نفسها فيها. نظرة واحدة إلى ليلى كانت كافية لتفهم مدى خطورة الموقف.

بينما كانت الدكتورة إليانور تفحص ليلى، ظل ماكسيموس يراقب من بعيد، متوترًا. لم يعتد على هذا الشعور بالعجز. كانت إليانور تتحدث إلى ليلى بصوت هادئ ومريح، تحاول اختراق حصن اليأس الذي بنته ليلى. وبينما كانت ليلى في غيبوبة جزئية بسبب الحمى والألم، لاحظت إليانور الكدمات على جسدها. ألقت نظرة سريعة على ماكسيموس، نظرة فهمت منها ليلى أنها ليست الأولى التي ترى هذه الآثار، لكنها لم تقل شيئًا.

بعد ساعات، خرجت الدكتورة إليانور من الغرفة، ووجهها يحمل تعابير جادة. "السيد ماكسيموس،" قالت بنبرة حازمة. "جسدها منهك بالكامل بسبب الإهمال والجروح، لكن المشكلة الأكبر هي نفسية. إنها في حالة اكتئاب حاد، ترفض الحياة، وتستسلم للموت. إن لم نكسر هذه الدائرة قريبًا، ستفقدها. أنت بحاجة إلى طعام، دواء، ولكن الأهم... سبب لتبقى."

كانت كلمات إليانور تتردد في أذني ماكسيموس. "سبب لتبقى." ما الذي يمكن أن يمنحه لها؟ هو الذي احتجزها؟

في الأيام التالية، تحول القصر إلى ما يشبه المستشفى المصغر. كان ماكسيموس يقضي معظم وقته في الغرفة، يراقب ليلى عن كثب. لم يتركها لوحدها أبدًا. كان يرى ديفيد والدكتورة إليانور يتناوبان على رعايتها، ويستمع إلى همسات إليانور وهي تحاول الوصول إليها. أحيانًا كان يمسك بيدها الباردة لثوانٍ، يشعر بضعفها، وبثقل مسؤولية غريبة تجاهها. لم يعد الأمر يتعلق بورقة مساومة، بل بشيء أكثر عمقًا.

في إحدى المرات، بينما كانت ليلى في لحظة وعي نادرة، فتحت عينيها لتجد ماكسيموس جالسًا بجانب سريرها، يقرأ كتابًا بخطوط عربية قديمة. كان منظره مختلفًا تمامًا عن زعيم العصابة الذي تعرفه. كان شعره المبعثر على جبينه يجعله يبدو أقل قسوة. رفع عينيه ونظر إليها.

"ماكسيموس..." همست ليلى، صوتها كان ضعيفًا بالكاد يسمع.

"أجل،" رد بصوت هادئ، يضع الكتاب جانبًا.

"لماذا تفعل هذا؟" سألت، محاولة فهم اهتمامه المفاجئ.

نظر إليها مطولًا، وعيناه تعكسان صراعًا داخليًا. "لأنني... لا أحب أن أرى شيئًا ينطفئ أمامي،" قال بصوت خفيض، يتهرب من الإجابة المباشرة. كانت إجابة مبهمة، لكنها لم تكن كاذبة. كانت هذه هي الحقيقة الوحيدة التي استطاع الاعتراف بها لنفسه.

شعر بالخوف يتسلل إلى قلبه مرة أخرى، ليس خوفًا على سلطته أو مصالحه، بل خوفًا غريبًا على هذه الفتاة التي أصبحت، رغم كل شيء، جزءًا من عالمه. كان هناك شيء يتغير بداخله، شيء لم يكن ليتوقعه أبدًا.

الفصل السادس: صوت العقل والصدى القلب

بعد أن تركت الدكتورة إليانور تعليماتها، خرج ماكسيموس من الغرفة، تاركًا ليلى بين يدي ديفيد، الذي كان يتابع حالتها بقلق. كان وجه ماكسيموس يحمل تعابير لم يعتدها أصدقاؤه عليه: قلق، ارتباك، وشيء من الضعف المبطن.

اعترضه ديفيد في الردهة، وعيناه المثقبتان تثبتان على صديقه القديم. "ماكسيموس،" قال ديفيد بصوت خفيض لكنه يحمل نبرة جادة، "ما سبب اهتمامك بهذه الفتاة؟ لم أرك بهذه الحالة المزرية من قبل. أنت لست هكذا."

تجاهل ماكسيموس كلام صديقه، ومضى قدمًا نحو مكتبه. لكن ديفيد لم يستسلم. لحق به، أدرك أن الأمر أعمق من مجرد رهينة.

"هي ابنة عدوك، تذكر ذلك!" قال ديفيد، محاولًا إعادته إلى الواقع. "سنجعلها تُشفى لكي تكون رهينة فقط، لا لشيء آخر! لا تدع قلبك يضعف تجاهها، يا ماكسيموس. هذا ليس أنت."

توقف ماكسيموس عن السير. استدار ببطء، ونظر إلى ديفيد نظرة ثابتة، حادة، كأنها خنجر اخترق قلبه. كانت عيناه تلمعان بنوع من الغضب الصامت، الحقد الدفين على هذه الكلمات التي حاولت أن تقيده، أن تذكره بقواعد عالمه القاسية. لم يكن غضبًا موجهًا لديفيد بقدر ما كان غضبًا على نفسه، وعلى هذه المشاعر الجديدة التي بدأت تتسلل إلى حصنه المنيع.

فزع ديفيد من تلك النظرة التي لم يرها إلا نادرًا، وهي نظرة تسبق عاصفة لا يمكن لأحد إيقافها. رفع يديه مستسلمًا. "حسنًا، حسنًا، لا داعي للغضب. لك ما تريد. افعل ما تشاء." ثم أضاف بتحذير مبطن، نبرة من اليأس في صوته، "أرجو ألا تندم على هذا لاحقًا."

لم يرد ماكسيموس. عاد إلى مكتبه، لكن كلمات ديفيد ظلت تدور في ذهنه كصدى مزعج. "ابنة عدوك... لا تضعف قلبك." كانت هذه الكلمات تحاربه، تحارب الجانب الإنساني الذي بدأ يصحو بداخله.

مرت الأيام، وببطء شديد، بدأت ليلى تظهر علامات التعافي. بفضل العناية المكثفة من ديفيد والدكتورة إليانور، وبإصرار خفي من ماكسيموس الذي كان يحرص على تقديم كل ما تحتاجه، بدأت الحمى تنخفض، وعادت الحياة إلى عينيها شيئًا فشيئًا. لكنها ظلت طريحة الفراش، لا تقوى على الحركة.

جسدها كان نحيلًا وضعيفًا، وأقدامها بالكاد تحملها. لم تنزل من الفراش منذ أكثر من شهر، مما أثر على عضلاتها بشكل كبير. كانت تستطيع الجلوس الآن، وتتحدث بكلمات قليلة، لكنها لم تستعد قوتها الكاملة بعد. كان ماكسيموس يراقبها وهي تحاول أن ترفع كوب الماء إلى شفتيها، يرى يدها ترتجف، ويشعر بغضب صامت من حالتها التي تثير فيه مشاعر مختلطة.

في أحد الأيام، دخل ماكسيموس الغرفة ليجدها تحاول أن تدفع نفسها للنهوض من السرير. كانت تتشبث بالمرتبة، يداها ترتجفان، وتتصبب عرقًا من المجهود. كان وجهها شاحبًا، لكن إصرارًا غريبًا لمع في عينيها.

"ماذا تفعلين؟" سأل بصوت خفيض، يقترب منها.

نظرت إليه ليلى، وكان هناك شيء من التحدي في عينيها، رغم ضعف جسدها. "أنا... أحاول النهوض."

لم يستطع أن يمنع نفسه من الشعور بشيء من الإعجاب بإصرارها، رغم كل ما مرت به. كان هناك جانب منها يرفض الاستسلام، جانب يشبهه بطريقة ما.

الفصل السابع: خطوات نحو التقارب

كانت الأيام التالية أشبه بمعركة صامتة بين إصرار ليلى على النهوض وبين ضعف جسدها. لاحظ ماكسيموس إصرارها، هذا الجانب العنيد الذي لم يره فيها من قبل، والذي كان يذكره بنفسه. فجأة، وجد نفسه يقدم لها المساعدة، ليس كحارس، بل كشخص يدفعها لتجاوز حدودها.

في البداية، كانت محاولاتها للنزول من الفراش تنتهي بالضعف والارتجاف. كان ماكسيموس يقف صامتًا يراقبها، ثم يمد يده دون كلمة، يساعدها على النهوض، يدعم جسدها النحيل بينما كانت قدماها الخائرتان تلامسان الأرض الباردة للمرة الأولى منذ أسابيع. كان يمسك بها بقوة، يشعر بوهنها بين يديه، وفي الوقت نفسه يشعر بقوة غريبة تجاهها. لم يكن يدرك أن مجرد لمسها كان يثير فيه شيئًا لا يمكن تفسيره.

كانت خطواتها الأولى في الغرفة متعثرة، تتشبث به كغريق يتعلق بقشة. كان جسدها بالكاد يتحملها، لكن ماكسيموس لم يظهر أي تذمر. كان يقودها ببطء حول الغرفة، يدعمها، يحرص على ألا تسقط. في كل مرة كانت تصرخ من الألم أو تشعر بالدوار، كانت قبضته تشتد حولها، كأنه يمنحها جزءًا من قوته. كانت عيناه الحادتان، التي اعتادت أن ترى الخطر والعنف، تركز الآن على خطواتها المتعثرة، وعلى تعابير وجهها المتغيرة.

كانت هذه التمارين اليومية أشبه بطقس سري بينهما. لم يتحدثا كثيرًا خلالها، لكن الصمت كان أبلغ من الكلمات. كانت ليلى تشعر بقوته التي تدعمها، وبلمساته التي بدأت لا تثير الخوف بقدر ما تثير إحساسًا غريبًا بالدفء والأمان. لم تكن تفهم هذا الشعور، لكنها كانت تتوق إليه. لم يعد ماكسيموس مجرد خاطفها، بل أصبح ركيزة تستند إليها في رحلة تعافيها.

في أحد الأيام، بينما كانت تحاول المشي عبر الردهة الطويلة، كادت تسقط. أمسكها ماكسيموس بسرعة، وأحاط ذراعيه حول خصرها، ساندًا إياها بقوة ضد صدره. شعرت ليلى بحرارة جسده، وبقوة عضلاته، وبنبضات قلبه التي كانت أسرع مما توقعت. رفعت رأسها لتلتقي عيناها بعينيه. كانت نظراته مزيجًا من القلق والإعجاب، وشيء آخر لم تستطع فهمه، شيء يشبه الانجذاب الخفي.

كانت قريبة جدًا منه، قريبة بما يكفي لتسمع أنفاسه، وتشعر برائحة عطره الرجولي الممزوجة برائحة الدماء القديمة التي ما زالت تلتصق بذاكرتها عنه. للحظة، لم يكن هناك عالم خارجي، لا عصابات، لا أعداء، لا والد. كان هناك فقط هي وهو، محصورين في هذه اللحظة الغريبة من القرب.

ابتعد عنها ماكسيموس ببطء، وكأنها لحظة إدراك لمدى هذا القرب. "هل أنتِ بخير؟" سأل بصوت خفيض، حاوَل أن يستعيد بروده المعتاد، لكن نبرة القلق كانت واضحة.

"أنا بخير،" أجابت ليلى، ونظراتها لم تفارق عينيه. كانت قد بدأت تكتشف جوانب أخرى في هذا الرجل، جوانب لم تكن تتوقعها أبدًا. كانت تعتقد أنه مجرد وحش بلا مشاعر، لكن اهتمامه بتعافيها، ولمساته التي بدأت تشعرها بالأمان، كانت تهدم تلك الصورة ببطء.

كانت الأيام التالية تحمل المزيد من هذه اللحظات. كانت ليلى تستعيد قوتها شيئًا فشيئًا، وتتعلم المشي مرة أخرى. كان ماكسيموس دائمًا هناك، يراقبها، ويدعمها، وأحيانًا يشاركها ببعض الكلمات القليلة التي تكشف عن جوانب من شخصيته لم تكن تتوقعها. بدأت ترى أنه ليس مجرد زعيم عصابة، بل رجل يحمل أسراره وجروحه الخاصة. وبالمثل، بدأت تدرك أنها لم تعد مجرد رهينة، بل أصبحت شيئًا آخر في حياته

الفصل الثامن:اقنعة لا تخفي القلوب

بعد أسابيع من الألم والعزلة، تعافت ليلى أخيرًا. كان جسدها قد استعاد قوته، لكن الأطباء أصرّوا على استمرار تناولها لبعض الأدوية لتثبيت حالتها. اكتئابها خفّ تدريجيًا، وعاد لوجهها بعض الحياة… ربما لأن شخصًا واحدًا كان يزرع الطمأنينة في أيامها، دون أن يعترف بها: ماكسيموس.

لم يكن يظهر حبه بالكلمات، بل بالأفعال الصامتة: يجلب لها أدويتها دون أن تطلب، يترك على طاولتها كتابًا جديدًا كل صباح، ويحرص على تناول الطعام معها حتى لو لم تنطق بكلمة واحدة. كان قريبًا، لكنه يتجنب التورط علنًا، كأنه يقاتل شعورًا لا يريد له أن ينتصر.

وذات مساء، وصله ظرف أسود أنيق يحمل ختمًا ذهبيًا عليه حرف "V". فتحه بهدوء، ثم ابتسم على غير عادته. دعوة إلى حفل تنكري فاخر مخصص لشخصين فقط. لم يتردد، توجه نحو جناح ليلى وطرق الباب بخفة، ولما فتحت، قال بهدوء:

"لدينا مناسبة الليلة. هل ترغبين في الانضمام إليّ؟"

تفاجأت، لكنها لم تمانع. نظرت في عينيه طويلًا، ثم همست:

"هل سأكون آمنة؟"

اقترب قليلًا، وقال بثقة جعلت قلبها يهدأ:

"لن يعرفك أحد… طالما بقيتِ بقربي."

---

مرّ النهار سريعًا، وفي المساء، كانت ليلى أمام المرآة، ترتدي فستانًا حريريًا بلونٍ داكن، يُبرز قوامها بسلاسة دون ابتذال. اختارت قناعًا أسود بلمسة من الريش والدانتيل، يغطي وجهها بالكامل عدا عينيها وشفتَيها. رفعت شعرها على شكل كعكة كلاسيكية فاخرة، تاركة عنقها مكشوفًا.

نظرت لنفسها في المرآة، وكل ما ينقصها هو… إغلاق السحاب الطويل في ظهر فستانها.

نادت الخادمة، لكن لم تجد أحدًا. شعرت بالقلق، كانت الدقائق تمرّ، وماكسيموس قد يرحل دونها.

دون تفكير، أمسكت أطراف فستانها وتوجّهت مسرعة نحو جناحه. دفعت الباب دون أن تطرقه، وتجمّدت في مكانها.

كان ماكسيموس يقف هناك، لا يرتدي سوى سروال نوم داكن، جسده العاري يلمع تحت إضاءة خافتة.

عيناها سقطتا عليه دون أن تقصد، لكنه لم يتحرك… وكأن دخولهما في هذه اللحظة كان قدرًا لا بد أن يُعاش.

ارتبكت، لكن بدلاً من التراجع… تقدمت.

اقتربت ببطء، حتى وقفت أمامه، نظرت لعينيه ثم خفضت نظرتها إلى صدره، ومدّت يدها ببطء، ووضعتها على جلده الدافئ، وكأنها تفعل شيئًا محرّمًا للمرة الأولى.

وقالت بصوت خافت فيه دهشة بريئة:

"لم أكن ألاحظ… أن لك جسدًا جذابًا… يجعلني أنجذب إليك بهذه الطريقة."

صمت.

كان يتنفس بثقل. وبرغم قوته، بدا الآن وكأنه في قمة ضعفه.

فجأة، شعرت بحرارة شديدة تحت يدها، فرفعت عينيها وسألته بابتسامة صغيرة:

"هل أنت مصاب بالحمّى؟"

ضحك بصوت منخفض، لكن عينيه كانتا مشدوهتين بها، وقال:

"يبدو أنك لا تفهمين بعد… ما الذي أتى بك إلى غرفتي بهذه السرعة… قبل أن أفقد صوابي."

شعرت بخطر كلماته، التفتت سريعًا تخفي توترها وقالت وهي تشير إلى ظهرها:

"كنت فقط… أحتاجك أن تغلق سحاب الفستان."

تقدّم منها، ببطء، يداه رفعتا طرف السحاب ببطء، وبرغم أنه لم يلمس سوى القماش، شعرت برعشة تتسلل لعمودها الفقري.

كان قريبًا منها جدًا، أنفاسه دافئة تلامس عنقها المكشوف، فتمتم بصوت بالكاد سُمع:

"في كل مرة تقتربين هكذا… يصبح الصمت أصعب."

ابتسمت دون أن ترد، وقلبها يخفق كطبول الحرب.

أنهى إغلاق الفستان، ثم استدار بعيدًا ليمنحها لحظات لالتقاط أنفاسها.

قال بهدوء:

"الحفل لا يدوم طويلًا. ارتدي قناعك… وكوني ظلي.

نهاية الجزء الاول :

وهي على بعد خطوات من الخروج، استدار ماكسيموس فجأة نحوها، نظر إليها بحدة غريبة، كأن شيئًا خفيًا ارتسم في عينيه لتوّه، ثم قال بنبرة عميقة:

"ليلى… لا تفارقي جانبي الليلة، أيًّا كان ما تسمعينه… لا تثقي بأحد."

تجمدت خطواتها، وابتسمت بخفة، تظنه مجرد قلقٍ زائد.

لكنها لم تكن تعلم… أن الحفل لم يكن سوى بداية لوجه آخر، لا يشبه أبدًا ما عرفته عن القصر… أو عن ماكسيموس.

يتبع...

خلف الأقنعة

الفصل الأول– "خلف الأقنعة "

لم يكن ماكسيموس يظن أن لحظة سهو واحدة كافية لتُغيّر مجرى الليلة، لكنّها كانت كذلك.

في زحمة الحفلة، حيث الأضواء تتلألأ والوجوه مخفية خلف الأقنعة، غفلت عيناه عنها. في تلك اللحظة تمامًا، وقعت عينا والدها عليها.

لم يكن يعلم أنها ابنته بالتبني. كل ما رآه فتاة جميلة، ملامحها مألوفة بشكل غريب. اقترب منها وسحبها إلى غرفة جانبية مغلقة، وصوته خافتٌ لكنه مهدد:

"تعالي… أريد أن أراك جيدًا."

كانت ليلى مذهولة. كيف يمكن له أن يكون هنا؟ كيف يعيش حياته بسعادة بينما هي مفقودة منذ أسابيع؟ عيناها تتسعان بالصدمة، والدموع تتكثف، لكنه لم يتوقف. حاول أن يخلع عنها قناعها... بل أكثر من ذلك، بدأ يمد يده نحو ملابسها. جسدها تجمد في مكانه، قلبها يضرب بشراسة.

وفجأة...

فتح الباب بعنف.

دخل ديفد. وجهه مشدود بالغضب، نظراته كالسكاكين.

"كيف تجرؤ على الاعتداء على زوجتي؟!" صاح بهاجس كأنه نار تحترق داخله، قبل أن ينقض على الرجل ويوسعه ضربًا بجنون.

كان والد ليلى منكفئًا فوقها، يحاول أن ينزع عنها القناع، والاشمئزاز يقطر من عينيه المجرّدتين من كل إحساس.

لكن صوتًا حادًا كالرصاص دوى فجأة:

> "ابتعد عنها… حالًا."

التفت الرجل بعنف، ليرى ديفد واقفًا عند الباب، وجهه يحترق من الغضب، وعيناه تقدحان شررًا.

لم ينتظر ثانية.

تقدّم بخطوات سريعة، وركله بقوة أبعدته عن جسدها، ثم أطبق على ياقة قميصه وصرخ:

> "كيف تجرؤ؟!"

ضربه بقوة على وجهه، تكرارًا، لم يكن يضربه فقط… بل كان ينتقم لكل سنوات الألم التي عاشتها ليلى بسببه.

سقط الرجل على الأرض، يحاول النهوض، لكن ديفد ركله مجددًا، ثم انحنى عليه وهمس بصوتٍ بارد:

> "إن لم تخرج من هذا المكان خلال دقيقة… سأجعلك تندم على ولادتك."

وقف والدها بتثاقل، مذهولًا من جرأة هذا الشاب، ثم أشار إلى ليلى وقال:

> "من تكون؟ هذه الفتاة… أريد أن أرى وجهها."

لكن ديفد وقف أمامها، جسده يحجبها كجدار منيع:

> "لن ترى وجهها… ولن تعرف من هي. هي ملكي الآن، ولن تلمسها أبدًا.

اترك… قبل أن أفقد سيطرتي."

زمجر الرجل بغضب، لكنه انسحب، غير مدرك أن ابنته كانت على بعد خطوة من عينيه، تختبئ خلف قناع… وذكرى مكسورة.

---

بعد المشهد – ليلى وديفد

بقي ديفد معها، احتضنها بقوة وهو يهمس:

> "أنا هنا… لن أسمح له بلمسك مرة أخرى."

لم تنطق، فقط انكمشت بين ذراعيه، والدموع تسيل خلف القناع.

ليلى كانت في حالة ذهول، عينها تنتقل بين الرجل الذي تبنّاها يومًا والذي يحاول قبل قليل إيذائها وديفد الذي ينفجر غيظًا من أجلها.

ثم أخذ بوجهها بين يديه ونظر في عينيها وكله خوف عليها

"أنا هنا لأجلك… سأحميك." قالها بصوت خافت، عميق، كأنها تعويذة.

ضمّها إلى صدره بكل قوته، كمن يحاول أن يثبت لها أنها بأمان. ثم حملها بين ذراعيه.

في الخارج، كان ماكسيموس يقف هناك.

رآها بين ذراعي ديفد، ويدها مستندة إلى عنقه. الغيرة كانت كالنار تحت جلده. حاول أن يخفيها، لكن نظراته فضحته.

عندما وضع ديفد ليلى في السيارة استعدادًا للعودة إلى القصر، اقترب ماكسيموس منه، وصوته حاد لكنه متزن:

"كيف عرفت مكانها؟"

ابتسم ديفد بخفة، وقال:

"الفستان الذي ارتدته ليلى الليلة… أنا من اخترته. زرعت فيه جهاز تتبع. لم أكن لأدع شيئًا يحدث لها."

ساد صمت مشحون.

كان ماكسيموس يحاول أن يسحب من فم ديفد أي اعتراف عن تلك اللحظة الحميمية… العناق، النظرات، الحماية. لكنه تفاجأ برده:

"هذه ورقة رابحة أحتفظ بها… في الوقت المناسب."

تنفس ماكسيموس براحة. قبل لحظات، كان يظن أن ديفد بات يزاحمه على قلب ليلى. أما الآن، فعلم أنه لا يزال في قلب اللعبة.

الفصل الثاني– "الدم لا يكذب

كانت السيارة تسير بسرعة، لكن الزمن بداخلها بدا بطيئًا بشكل موجع.

ليلى كانت بين ذراعي ديفد، رأسها مستند على كتفه، وعيناها تحدّقان في اللاشيء. قلبها ما زال يرتجف… ليس من الموقف فقط، بل من الحقيقة التي بدأت تتسرّب إلى عقلها ببطء كسمٍ قاتل:

"لقد حاول والدي اغتصابي…!"

الكلمات كالصواعق في رأسها. أرادت أن تصرخ، أن تبكي، أن تتقيأ الألم الذي اعتصر صدرها، لكن لا شيء خرج.

ذراع ديفد كان يحيط بها كدرع، لكنها لم تشعر بالأمان التام… ليس لأن ديفد لم يكن صادقًا، بل لأن عقلها كان قد بدأ يرتاب بكل شيء.

"كيف؟ لماذا؟ هل كنتُ عمياء كل هذه السنوات؟"

تنهد ديفد وهو يلاحظ اضطراب تنفسها، فأمال رأسه نحوها وقال برفق:

"أنتِ بأمان الآن… أقسم أنني لن أسمح لأحد أن يلمسكِ مجددًا."

رفعت عينيها إليه، وداخلها سؤال خفي:

"لماذا أنت تفعل هذا؟ ما مصلحتك؟ هل أنت مختلف عن الباقين؟"

لكن قبل أن تنطق، توقفت السيارة أمام القصر.

وقف ماكسيموس ينتظر. ملامحه صارمة كجبل، لكن عيناه... عينا عاشق يشتعل قلبه غيرةً وقلقًا.

نزل ديفد من السيارة أولًا، ثم حمل ليلى بين ذراعيه كأنها كنز هشّ.

اقترب منه ماكسيموس خطوة بخطوة، وعيناه تستقران على يد ليلى التي كانت ما تزال على عنق ديفد، وكأنها تستغيث به.

"سأخذها إلى جناحها." قال ديفد بهدوء.

لكن ماكسيموس أوقفه بكلمة واحدة:

"ضعها."

توقف الزمن.

رفع ديفد نظره إلى ماكسيموس. لحظة صمت مشتعلة مرت بينهما.

لكن ليلى هي من أنهت المواجهة، بصوت ضعيف:

"أريد أن أذهب إلى غرفتي… وحدي."

تراجع كلاهما فورًا. كانت نظرات ديفد مختلطة بين الحزن والحماية، أما ماكسيموس فبدا كمن تلقى صفعة غير متوقعة.

دخلت ليلى القصر، تترنح كأنها شبح، حتى وصلت جناحها، وأغلقت الباب خلفها بإحكام.

وقفت أمام المرآة، تحدق في وجهها، بقايا المكياج، نظرات الصدمة، عيناها المتورمتان…

ثم فجأة، لاحظت شيئًا…

خدش صغير في عنقها.

لكن الغريب أن لونه لم يكن أحمر… كان أسودًا.

اقتربت أكثر… وأقسمت أنها رأت الجلد يتغير ببطء.

وكأن شيئًا قد دُسّ في دمها… شيء بدأ يوقظ شيئًا آخر.

وفجأة… صوت همسة في أذنها، رغم أنها وحدها في الغرفة:

"لقد رآك… وعرفك… والدم لا يكذب."

استدارت بسرعة، لكن لم يكن هناك أحد.

وقبل أن تصرخ، اختفى الخدش... وكأن شيئًا لم يكن.

الفصل الثالث – "مالم تقله الحبوب"

أغلقت الباب خلفها، وأخيرًا سمحت لأنفاسها أن تنفجر من صدرها كما لو كانت تفر من حريقٍ لا يُرى.

وقفت أمام المرآة… تتأمل انعكاسها بتوتر.

عيناها غائرتان، خصلات شعرها مبعثرة، والمكياج الذي وُضع بعناية في بداية الليلة صار شاحبًا كوجهها. لكنها لم تكن تنظر إلى وجهها بقدر ما كانت تحدّق في تلك العلامة السوداء الصغيرة أسفل عنقها.

مدّت أصابعها المرتجفة تلمسها… ثم شهقت.

العلامة لم تكن موجودة.

كانت متأكدة أنها رأتها قبل لحظات… سوداء، كأنها محترقة. لكن الآن؟ لا شيء.

ارتبكت. استدارت بسرعة، بحثت خلفها كأن شخصًا ما يقف، لكنها لم تجد أحدًا.

وفجأة، صوتٌ خافت، كأنفاس همس بها أحد مباشرة في أذنها:

"لقد رآك… وعرفك… والدم لا يكذب."

صرخت.

ركضت نحو الباب، فتحته، ثم توقفت.

لا أحد.

الغرفة هادئة، وربما أكثر من اللازم.

أغلقت الباب مجددًا، وأسندت ظهرها عليه. قلبها يدق بجنون. قطرات العرق تنحدر من جبهتها رغم برودة الجو.

مشت نحو خزانة صغيرة قرب السرير، فتحت الدرج… علبة الدواء كانت هناك.

رفعتها ببطء، نظرت إليها طويلاً، ثم همست لنفسها:

"كم يومًا مر؟… أربعة؟ خمسة؟"

لقد كانت تمثّل أمام ماكسيموس أنها تتناوله، ترمي الحبة في المرحاض كل مرة، فقط لأنها أرادت أن تستعيد وعيها الحقيقي… أن تفهم من هي ومن حولها بعيدًا عن تأثير الحبوب.

لكنها لم تحسب أن التوقف المفاجئ سيكسرها بهذا الشكل.

لم تكن الغرفة مسكونة. بل عقلها هو من بدأ يخونها.

رمَت العلبة على الأرض، جلست على حافة السرير، وضغطت رأسها بكلتا يديها.

الأفكار تتداخل… وجوه تتكرر… صوت والدها… صراخها… حضن ديفد… نظرات ماكسيموس.

ثم فجأة، رفعت رأسها ونظرت للمرآة… لكنها تجمّدت.

المرآة لم تعكس وجهها كما هو… بل كأنها رأت نفسها تبتسم بسخرية.

هزّت رأسها بسرعة… ونظرت مجددًا.

كان وجهها طبيعيًا. نفس التعب، نفس الشحوب… لا ابتسامة ولا شيء.

همست لنفسها:

"أنا لست بخير… وأنا وحدي هنا."

ثم بدأت بالبكاء… لا من الألم فقط، بل من الخوف من أن تصبح حبيسة عقلها… في قصر لا تثق في أحد فيه.

الفصل الرابع :"بين أنفاسي وأنفاسك"

طرقٌ خافت على الباب قطع بكاءها.

سكتت.

نظرت نحو الباب بقلق، تظاهرت بأنها لم تسمع، لكنها سمعته مجددًا… هذه المرة بصوت ناعم، عميق، "ليلى... افتحي الباب، أنا ماكسيموس."

ابتلعت ريقها، ترددت، ثم نهضت ببطء وفتحت الباب جزئيًا… نظرت من بين الفراغ ووجده يقف بثبات، وجهه لا يحمل تلك الصرامة المعتادة، بل قلق حقيقي… ولهفة مكبوتة.

قال بلطف: "سمعتك تصرخين… هل أنتِ بخير؟"

هزّت رأسها:

"أنا… لا أعلم."

فتح الباب أكثر، ونظر في عينيها طويلًا… نظرة رجل لا يحاول أن يسيطر، بل يحاول أن يفهم ما يؤلم المرأة التي لا تغيب عن تفكيره.

دخل بهدوء، وأغلق الباب خلفه، ثم نظر حول الغرفة وكأنه يشعر بشيء لا يُرى.

اقترب منها خطوة خطوة، كانت تتراجع دون وعي… حتى اصطدم ظهرها بالجدار.

توقف ماكسيموس أمامها… قريبًا جدًا.

عيناها ترتجفان، تنظران له كأنها تراه لأول مرة،

أما هو… فكان ينظر إلى تفاصيلها كما لو كان يقرأ فصلاً جديدًا في كتاب يعرفه جيدًا لكنه لم يفهمه من قبل.

همس: "لماذا لم تأخذي الدواء؟"

لم تجب.

اقترب أكثر… ورفع يده، بلطف شديد، ليمسح دمعة علقت بخدها.

شهقت ليلى دون قصد… ولم تكن الشهقة من الخوف، بل من احتراق المسافة بين جسديهما.

نظر في عينيها… وترك كلماته تخرج بصدق: "أكره أن أراكِ تنكسرين… يقتلني أن أراكِ خائفة حتى منّي."

همست هي، بصوت متهدّج: "أنا لا أخاف منك… بل من نفسي معك."

تجمّد للحظة… ثم اقترب أكثر، حتى أصبح أنفاسه تلامس وجهها.

قال بصوت خافت: "إذا كنتِ خائفة من ما تشعرين به… فأنا أيضًا."

نظرت إليه بعينين يملؤهما التوتر، الرغبة، والتساؤل، ثم همست:

"إذن… ماذا سنفعل؟"

اقترب أكثر… حتى التصقت جبهته بجبهتها… ثم همس بصوت بالكاد يُسمع:

"نجرب… أن نتوقف عن الهروب."

وحدث ما كان يجب أن يحدث منذ زمن…

شفاهه لامست شفتيها بخفة، أولًا كأنها استئذان… ثم تعمّق القبلة مع كل نفس، كأنها بداية نجاة.

يديها صعدت لتتشبث بقميصه، أما يداه فكانتا تحيطان وجهها، يعاملانها كأنها كنز يوشك أن يُكسر.

لم تكن قبلة جوع، بل قبلة صادقة، مشبعة بسنوات من الوحدة، بكبت المشاعر، بالخوف، وبالاشتياق الخفي الذي لم يُقال.

ثم سحبها إليه ليحتضنها، هذه المرة ليس كحارس، بل كرجل قرر أخيرًا أن يتخلّى عن كبريائه.

همس في أذنها وهو يضمها بقوة: "لستِ وحدكِ بعد الآن… أنا هنا، ولن أسمح لأي شيء أن يأخذكِ مني."

الفصل الخامس – "رغبة معلقة"

…قبّلها ماكسيموس، لكن شيئًا فيه لم يكن شرسًا ولا متسلطًا.

كان يقبّلها كما لو أنه يتوسل الحياة من خلالها.

أناملها تتردّد، لكنها لم تبعده، بل تشبثت أكثر بقميصه وهي تغرق في القبلة كأنها تنسى كل من حولها… كل ما جرى.

يده انزلقت بخفة نحو خصرها، ثم نحو ظهرها، يضمها إليه حتى انعدمت المسافة بين جسديهما. دفء أنفاسه، ارتجاف أناملها، شهقات خفيفة خرجت منها رغمًا عنها.

كان جسدها يرتجف، لا من الخوف، بل من اشتعال شيء لم تفهمه منذ زمن…

شيء يُولد بين أضلاعها… بين نبضة قلبها ونبضات صدره.

همس قرب شفتيها، ويده تمسح شعرها: "هل تعلمين كم انتظرت هذه اللحظة؟"

لكن قبل أن يُكمل… فتحت ليلى عينيها فجأة.

كأنها صُفعت بوعيها، تنفست بحدة، ودفعت صدره بيديها.

تراجع هو فورًا، دون مقاومة، وهو يتنفس بعمق وكأنه أفاق من حلمٍ لم يكتمل.

قالت بصوت مضطرب: "أنا… آسفة… لا يجب… لا أعرف ما الذي يحصل لي!"

ابتعدت عنه مسرعة، دخلت إلى الحمام وأغلقت الباب خلفها وهي تضع يدها على قلبها المرتبك، وعينيها تكادان تبكيان من ارتباكها، وخوفها من مشاعرها، ومن نفسها.

أما ماكسيموس… فوقف هناك، أمام باب الحمام، يضغط على قبضته ويغمض عينيه بشدة… لم يكن غاضبًا، بل محطمًا… لأنه أخيرًا لمس شيئًا كان يخاف حتى الاعتراف برغبته فيه.

---

في صباح اليوم التالي

ضوء الشمس تسلل بخفة إلى غرفتها، والهدوء يخيم على كل شيء.

فتحت ليلى عينيها ببطء، وهي تغطّي وجهها من الضوء. قلبها ينبض بقوة غريبة… لا تدري إن كان من القبلة التي حدثت، أم من القلق مما سيحدث الآن.

جلست في السرير، تنظر حولها، تلمس شفتيها ببطء… همست لنفسها:

"هل كنت… أحلم؟ أم أنني فقط بدأت أُجن؟… لا دواء، لا نوم، وها أنا أخلط الحقيقة بالوهم…"

ثم نظرت إلى يدها، تتذكر كيف كانت موضوعة على صدره، وكيف ارتجف جسدها عندما لامست دفء جلده… وقشعريرة صوته وهمسه.

قالت بصوت منخفض، لكنها لا تدري أنها كانت تتحدث بوضوح:

"لكن إن كان حلمًا… كيف شعرتُ به لهذا الحد؟ كيف ارتجف جسدي بهذه الطريقة؟"

صوت خافت قاطع أفكارها:

"لم يكن حلمًا."

شهقت.

استدارت بسرعة، فإذا به يقف هناك عند الباب، يدخل حاملاً صينية الإفطار.

وجهه هادئ، لكن عيناه… لم تنطفئ نار البارحة فيهما بعد.

اقترب ووضع الصينية أمامها.

قال دون أن ينظر في عينيها مباشرة: "لم أكن أنوي… أن يحدث كل هذا، لكنكِ ضعيفة الآن… وأنا أيضًا."

ثم رفع نظره، وقال بجرأة: "ولأول مرة… لم أرغب في التحكم بشيء، فقط أردتكِ أن تشعري بأنكِ لستِ وحدكِ."

كانت تنظر إليه بصمت، ترتجف من الداخل.

لم تكن تعرف ماذا تقول… لكن عينيها قالتا كل شيء:

هي تريد الأمان… وتريده هو، لكنها تخاف أن تسمح لقلبها أن يسقط أكثر.

لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon

تحميل PDF للرواية
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon