NovelToon NovelToon

حب أصيل

اللقاء الاول

كانت المدينة تكتظّ بالحركة، السيارات تمرّ في عجلة، وأصوات الباعة تُلوّن المكان بالحياة.

ورغم هذا الضجيج، كانت "ليان" تسير بثبات كأنها لا تسمع شيئًا.

ملامحها لا تبتسم، ولكنها لم تكن حزينة... كانت ببساطة فتاة تعلم جيدًا ماذا تريد.

هي ليست من أولئك الذين يتأثرون بالكلمات السهلة، ولا من اللاتي يسقطن في أول فخ نظرات ناعمة.

"ليان" خُلِقت من الصمت، ومن صلابة التجارب، كانت تمشي بقلبٍ محصن وأسوار عالية.

في تلك اللحظة، لم تكن تتوقّع أن كل شيء قد يتغير... بلحظة واحدة فقط.

بينما كانت تعبر الرصيف في شارع "الورود"، اصطدم بها شاب بقوة، حتى كاد يُسقطها أرضًا.

توقّفت فجأة، وعيناها ارتفعتا إليه بسرعة.

هو الآخر تجمّد في مكانه، نظر إلى عينيها كأنه اكتشف كوكبًا جديدًا.

قالت بنبرة حادة دون أن ترفع صوتها:

– "هل لا ترى أمامك؟"

أجابها سريعًا، وهو يُحاول استعادة توازنه:

– "آسف، لم أكن منتبهًا... أنا حقًا لم أقصد."

صمتت، لم ترد عليه، فقط رمقته بنظرة باردة، ثم مشت.

لكن الغريب... أنها لأول مرة شعرت بشيء يهتز في أعماقها.

---

هو – "مالك" – لم يكن شابًا ساذجًا. بل كان معتادًا على أن تكون الأمور تحت سيطرته.

وسيم، أنيق، وثقته بنفسه كانت تكفي لتقنع أي شخص بأنه الأقوى.

لكنه لم يشعر بتلك الرجفة في القلب من قبل.

"من تكون هذه الفتاة؟ لماذا لم ترد؟ ولماذا أحسست أني صغير أمام نظرتها؟"

وقف في مكانه لثوانٍ، ثم التفت خلفه، ولكنها كانت قد اختفت وسط الزحام.

كان يمكن أن ينتهي الأمر هناك، لكنه لم ينتهِ...

في قلبه، تركت تلك النظرة أثرًا لا يُمحى.

---

في الليل، جلست "ليان" على سريرها، تحدّق في السقف، ووجهها خالٍ من التعابير.

لكن صورة ذلك الشاب – نظراته المرتبكة، وصوته المتوتر – ظلّت عالقة في بالها.

"لماذا لم أصرخ عليه؟ لماذا شعرت بشيء غريب في صدري؟ هذا ليس أنا..."

هكذا همست لنفسها.

لم تكن تدري أن ما حدث في الشارع لم يكن مجرد تصادم...

بل بداية قصة، ستتغير فيها كل القواعد

في اليوم التالي، خرجت ليان من منزلها مبكرًا، كعادتها.

السماء ملبّدة بغيوم رمادية، والهواء بارد قليلًا... تمامًا كما تحب.

أعماقها كانت هادئة، لكن في مكانٍ ما داخلها، كان هناك صوت صغير، يهمس باسم لم تعرفه…

من كان؟ ولماذا لم يخرج من تفكيري؟

رغم محاولتها طرد الفكرة، إلّا أن الصدمة التي شعرت بها عند اصطدامها به لم تكن مجرد لحظة…

كان شيئًا مختلفًا. شعورًا لم تختبره من قبل.

---

في نفس الوقت، كان مالك يقف في المقهى المقابل لنفس الشارع.

كان ينتظر قهوته، لكن عينيه لم تفارقا الزجاج، يبحث عن وجهها وسط المارة.

– "أنا مجنون؟" قالها لنفسه وهو يبتسم بسخرية.

– "تصادمت معها فقط... لكنها لم تخرج من رأسي."

عقله كان يحاول إقناعه بأنها مجرد لحظة عابرة، لكن قلبه كان له رأي آخر.

وفجأة… رآها.

كانت تمشي في الجهة المقابلة، بنفس الخطى الثابتة، ونفس الوجه الهادئ الذي جعله يتوقف بالأمس.

لم يفكر، لم يتردّد، عبر الشارع بسرعة حتى كاد يصطدم بسيارة.

اقترب منها وقال:

– "أهلًا... تذكّرينني؟"

نظرت إليه ببرود، وكأنها لا تراه بوضوح:

– "أنت مجددًا؟"

ابتسم وقال:

– "أنا آسف مرة أخرى… لكن، هل يمكنني تعويضك عن ما حدث البارحة؟"

سكتت للحظة، ثم نظرت إلى ساعتها.

– "لست من النوع الذي يتقبّل الاعتذارات بكوب قهوة."

ردّ بابتسامة خفيفة:

– "وماذا لو كانت قهوة مصحوبة بصراحة؟"

لم ترد. حدّقت فيه قليلاً ثم قالت:

– "أنا لا أملك وقتًا للكلمات."

وغادرت، بنفس الهدوء... وبنفس الغموض.

---

لكن مالك لم يشعر بالرفض.

بل شعر أنها لم تُغلق الباب تمامًا.

"هي مختلفة... وأنا لن أسمح لهذه القصة أن تنتهي قبل أن تبدأ."

---

في نهاية اليوم، كانت ليان جالسة أمام النافذة في غرفتها، تقلب صفحات كتاب، لكنها لم تقرأ حرفًا.

أغمضت عينيها وهمست:

– "ما الذي يحدث لي؟

بدايات لا تشبه لغيرها

مرت أيام، لكنها لم تكن عادية.

"ليان" كانت تحاول أن تعيش كأن شيئًا لم يحدث.

لكن الحقيقة؟ كانت تخسر في معركة الصمت التي اعتادت أن تربحها دائمًا.

كانت تشعر بأن هناك عينًا تراقبها أحيانًا...

وفي كل مرّة تمر من نفس الشارع، تحسّ بنبض قلبها يتغيّر.

هي التي لم تكن تلتفت لأحد، أصبحت تشعر بوجوده في زحمة لا يُفترض أن يشعر فيها الإنسان بشيء.

---

"مالك" لم يكن أبدًا ذلك الشاب الذي يركض خلف فتاة.

لكن ليان لم تكن ككل الفتيات.

كان يرى فيها شيئًا مختلفًا...

في نظرتها، في طريقة مشيها، في الصمت الذي كان أبلغ من ألف كلمة.

كان كل يوم يذهب لنفس المكان، وكأنه يفتش عن قطعة ضائعة من روحه.

---

وفي مساء يومٍ خريفي، كان الجو هادئًا، والسحاب يغطي السماء.

وقفت "ليان" أمام المكتبة تنتظر صديقتها.

فجأة، سمعت صوتًا مألوفًا خلفها:

– "لم أتوقّع أن أراكِ هنا."

استدارت بسرعة، وكان "مالك" واقفًا، يحمل كتابًا في يده، وعيناه مليئتان بفضول هادئ.

ردّت ببرود كالعادة:

– "أنت تتبعني؟"

ابتسم وقال:

– "ربما... أو ربما نحن ننجذب دائمًا للأماكن التي نأمل أن نلتقي فيها مجددًا."

نظرت إليه دون أن تجيب.

ثم قالت بهدوء:

– "هل تظن أن الكلمات وحدها كافية لتقترب من شخص لا يعرفك؟"

– "لا... لكن الصدق قد يفتح الأبواب المغلقة."

جلس على المقعد بجانبها دون إذن، ثم أضاف:

– "أنا لا أبحث عن لعبة جديدة... أنا أبحث عن شيء حقيقي."

سكتت "ليان"، ثم قالت له:

– "الحقيقي لا يأتي بهذه السرعة يا مالك."

أجابها بنبرة أكثر جدية:

– "أعلم... لذلك سأنتظر."

---

بدأ الحوار بينهما يتكرّر، دون مواعيد، دون وعود.

كل يوم لقاء جديد، كل مرة كلمة تفتح بابًا جديدًا في قلبها.

"ليان" بدأت تشعر بأن هذا الشاب لم يكن كغيره.

هو لا يحاول كسر أسوارها، بل كان يجلس أمامها، ينتظر أن تفتح له الباب بنفسها.

كانت تقسو عليه أحيانًا، تتهرب، تتجاهل...

لكنه لم يغضب، ولم ينسحب.

---

وفي إحدى الليالي، كانت السماء تمطر.

جلست "ليان" على شرفتها، والبرد يلفّ جسدها، لكنها لم تكن تشعر به.

فتحت هاتفها، ووجدت رسالة بسيطة منه:

> "أعلم أن المطر يهدّئ قلبك، مثلي…

لو كنتِ هنا الآن، لتركنا العالم خلفنا وتحدّثنا بصوت المطر فقط."

ابتسمت رغمًا عنها.

ولأول مرة...

أرسلت له:

> "ربما يومًا... نلتقي تحت المطر."

---

كانت تلك الرسالة القصيرة بداية جديدة...

لبابٍ فُتح، وعقلٍ بدأ يُصدّق أن ليس كل من يقترب... يكسِر.

> "ربما يومًا... نلتقي تحت المطر."

---

مرت أيام بعد تلك الرسالة.

كان "مالك" كلما قرأ كلمات "ليان"، يشعر بنوعٍ من الدفء لا يشبه أي شيء آخر.

كانت رسائلها قليلة... لكنها كانت تحوي أكثر مما تقوله آلاف الكلمات.

هي لم تفتح قلبها بعد، لكن كل حرف منها... كان مفتاحًا.

ذات مساء، وبينما كانت "ليان" تقرأ رواية بجانب النافذة، وصلتها رسالة جديدة منه:

> "اليوم سيمطر بغزارة...

وأعرف أن المطر هو موعدنا المؤجل.

لن أطلب أن تخرجِي... فقط انظري للسماء، وسأفعل الشيء نفسه."

نظرت إلى الهاتف طويلاً، دون أن ترد.

ثم نهضت، وخرجت بهدوء من البيت، تمشي دون مظلة.

كانت تتبع خطوات قلبها… فقط.

---

في الجهة الأخرى من المدينة

كان "مالك" واقفًا تحت المطر، قبالة نفس المكتبة التي التقيا عندها لأول مرة.

كان البلل يغمر شعره ووجهه... لكنه لم يتحرك.

وفجأة، لمحها.

كانت تمشي ببطء، تحمل نظرة مترددة… لكنها جادّة.

اقتربت منه بخطى خجولة، والمطر يتساقط فوق كتفيها.

قالت وهي تبتسم بخفة:

– "قلت إنك لن تطلب أن أخرج... لكنك كنت تعلم أني سأفعل."

ابتسم مالك، وبدا عليه التوتر رغم كل هدوئه المعتاد:

– "كنت أتمنى فقط."

تبادلا نظرات طويلة... لم تكن تحتاج إلى أي كلمات.

ثم قال بصوت خافت:

– "هل هذا يعني أن الباب بدأ يُفتح؟"

أجابت بعينين دامعتين... ربما من المطر، وربما لا:

– "ربما... لكنه لن يُفتح دفعة واحدة."

رد بابتسامة دافئة:

– "لا أريد الدخول بسرعة... أريد أن أبقى خلفه حتى تشعرين بالأمان."

وفي تلك اللحظة، ساد الصمت.

لا أصوات سوى المطر... ونبضين يتقابلان لأول مرة بصدق.

---

في قلب ليان، شيء تغيّر.

ما عادت تراه كـ "شاب غريب يُلاحقها"...

بل أصبح حضورًا يهدّئ خوفها، دون أن يفرض نفسه.

لأول مرة منذ سنوات… شعرت أنها لا تهرب.

لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon

تحميل PDF للرواية
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon