كان المطر يضرب زجاج السيارة بقوة، وكأن الطبيعة نفسها تحاول منعي من دخول هذه البلدة الملعونة. قبضت على عجلة القيادة حتى ابيضت مفاصلي. عشر سنوات.. عشر سنوات كاملة وأنا أحاول الهروب من ذكريات هذا المكان. لكن تلك الرسالة المجهولة جذبتني كالضفدع الذي يجذب الذبابة نحو مستنقعه.
"ريفيوود - حيث تدفن الأسرار مع الموتى، لكنها لا تموت أبداً"
هكذا كانت آخر جملة كتبتها في تقريري الصحفي عن مقتل أختي قبل أن يطردوني من الصحيفة. والآن، ها أنا أعود، كالكلب الجريح الذي يزحف نحو قبر سيده.
توقفت السيارة أمام مقهى "الدار" الذي ما زال واقفاً كشاهد على الزمن. النافذة المتشققة عكست وجهي الشاحب - عينان غائرتان تحتهما هالات سوداء، وشعر أشعث التصق بجبهتي من ماء المطر. بدوت كشبح من أشباح هذه البلدة.
عندما دخلت، شعرت فوراً بثقل الأجواء. توقفت الأحاديث، ثم استؤنفت بنبرة أخفض. عيون تتطلع ثم تنصرف بسرعة. حتى رائحة المكان كانت مختلفة - قهوة فاسدة ممزوجة برائحة الخشب العفن وشمعة قديمة.
"آدم رايلي.. عرفت أنك ستعود يوماً ما."
التفت نحو مصدر الصوت الأجش. السيد كارتر، صاحب متجر الألعاب القديم، كان يجلس في الزاوية المظلمة. لقد شاخ عشرين عاماً خلال العقد الماضي. عيناه الزجاجيتان تنظران إليّ بتعبير لا أستطيع تفسيره.
"المقعد محجوز لك" أشار بيده المكسورة نحو الطاولة في المنتصف. على سطحها البلاستيكي المهترئ، كان هناك مظروف أصفر مغلف بالنايلون.
جلست ببطء، وشعرت برطوبة المقعد تخترق بنطالي. فتحت المظروف بيد مرتعشة. في الداخل.. دمية قماشية صغيرة. لم تكن أي دمية عادية. هذه كانت نسخة طبق الأصل عن تلك التي وجدوها بجانب جثة ليا، لكن مع تعديلات مروعة:
العين اليسرى مقطوعة بخيط أحمر غليظ، وكأن أحداً خاط الجفن للأبد. على صدرها بقعة بنية تشبه الدم المتخثر. وعندما قلبتها بين أصابعي، شعرت ببرودة غريبة تنتشر في يدي.
"دم متجلط" همست لنفسي، وأنا أشعر بقلبي يكاد يخرج من صدري.
اهتز هاتفي فجأة. رسالة من رقم مجهول:
"أهلاً بك في الجولة الثانية. هذه المرة، لن تنجو الدمية."
تحتها صورة ضبابية لغرفة بيضاء اللون، على جدرانها عشرات الدمى المعلقة بخيوط حمراء. وفي المنتصف، كرسي خشبي به قيود جلدية.
رفعت نظري فجأة نحو النافذة. هناك، في منتصف الشارع الخالي، وقفت طفلة صغيرة ترتدي فستاناً أزرق باهتاً.
"ليا؟" خرج الاسم من فمي كزفرة.
ومض البرق، فإذا بالشارع خاوٍ. فقط دمية كبيرة ملقاة على الرصيف، تبتسم لي بفم مطرز بالخيوط السوداء.
"هذه لم تكن معروضة في متجري أبداً."
التفت فجأة لأرى السيد كارتر واقفاً خلفي، عيناه الزجاجيتان تتسعان وهو يشير بإصبعه المكسور نحو الدمية.
"لكن.. إنها تشبه تماماً تلك التي.."
"التي وجدوها بجانب ليا؟" قطع كلامي بهمس أجش. "نعم. لكن تلك أُحرقت مع جثتها."
شعرت كأن سكيناً قد اخترق صدري. كيف له أن يعرف هذا؟ لم يذكر أي تقرير صحفي حرق الدمية.
اهتز هاتفي مرة أخرى. صورة جديدة: نفس الغرفة البيضاء، لكن هذه المرة ظهر في الصورة سكين صغير موضوع على الكرسي الخشبي. الرسالة المصاحبة:
"غرفة الانتظار جاهزة. متى سنلعب؟"
في تلك اللحظة، سمعت صوت سقوط خافت. الدمية التي كانت بين يدي سقطت على الأرض. انحنت لألتقطها، وعندما رفعت نظري.. كانت عيناها المطرزتان تنظران إليّ مباشرة.
الأكثر رعباً.. أنها كانت الآن تمسك في يدها الصغيرة قطعة قماش زرقاء.. من نفس لون فستان ليا يوم اختفائها.
خارج النافذة، بدأ جرس الكنيسة القديمة يدق.. دقة.. دقتين.. ثم توقف فجأة، تاركاً صمتاً ثقيلاً يخيم على المكان.
التفت نحو السيد كارتر، لكنه كان قد اختفى. على الطاولة، بجانب فنجان القهوة الذي لم ألمسه، كانت هناك الآن دميتان.. والثانية كانت تحمل في يدها خنجراً صغيراً من القماش.
في الزاوية البعيدة من المقهى، سمعت ضحكة طفلة خافتة.. ثم صمت.
كانت الدمية لا تزال بين يدي عندما استيقظت على صوت طرقات متكررة على باب غرفتي في الفندق. نظرت إلى الساعة - الثالثة صباحاً - ومن خلال النافذة الممطرة، لم أستطع رؤية سوى الظلام الدامس.
"من هناك؟" سألت بصوت أجش.
"الشرطة، افتح الباب!"
تعرفت على الصوت فوراً. إنه ماركوس، صديق الطفولة الذي أصبح الآن ضابط شرطة. عندما فتحت الباب، وجدته واقفاً بملابسه الرسمية المبتلة، عيناه تحملان نظرة لم أرها فيه من قبل - خليط من الخوف والريبة.
"يجب أن تأتي معي الآن"، قال وهو يلتقط أنفاسه. "وجدنا شيئاً... في متجر الألعاب القديم."
الطريق إلى المتجر كان مظلماً ومخيفاً. المصابيح الوحيدة التي ما زالت تعمل تومض بشكل متقطع، وكأن البلدة بأكملها على وشك الانطفاء إلى الأبد. عندما وصلنا، كان المتجر محاطاً بالشريط الأصفر، ومغطى بطبقة سميكة من الغبار الذي لم يمسه أحد منذ سنوات.
"انظر هنا"، قادني ماركوس إلى الزاوية الخلفية حيث كانت الأرفف مكسورة. هناك، خلف كومة من الدمى المهملة، كان هناك باب صغير مخفي.
"كنا نفتش المكان بعد اختفاء طفلة الليلة الماضية... ثم وجدنا هذا."
فتح الباب ببطء. السلم المؤدي إلى الأسفل كان صدئاً ومظلماً. عندما نزلنا، وجدنا أنفسنا في غرفة صغيرة مبلطة باللون الأبيض - تماماً مثل تلك في الصورة التي وصلتني.
لكن ما جعل دمائي يتجمد كان الجدار المقابل. عشرات الدمى معلقة بخيوط حمراء، كل واحدة منها تحمل علامة مميزة - عين مفقودة هنا، يد مقطوعة هناك. وفي المنتصف، دميتان فقط كانتا سليمتين تماماً: واحدة تشبه دميتي، والأخرى... تشبه تلك التي كانت مع ليا.
"يا إلهي..." همس ماركوس وهو يلمس جداراً من الخشب. "هذه أسماء."
تحت كل دمية، كان هناك اسم منحوت بدقة. بحثت بسرعة حتى وجدت ما كنت أخشاه - "ليا رايلي" منحوتة تحت الدمية الشبيهة بدميتها.
لكن المفاجأة الحقيقية كانت عندما قلبنا الدميتين السليمتين. على ظهورهما، كانت هناك تواريخ - تاريخ وفاة ليا... وتاريخ اليوم.
"إنه يخطط لشيء ما"، قلت بصوت مرتعش. "اليوم!"
في تلك اللحظة، سمعنا صوت انهيار من الطابق العلوي. ثم خطوات ثقيلة تتحرك فوقنا. نظر ماركوس إليّ بعينين واسعتين.
"لم آتِ مع أي أحد..." همس. "كل الشرطة في البلدة في المطاردة بالغابة."
صوت الباب الرئيسي يفتح جعلنا نتجمد في مكاننا. ثم سمعنا صوتاً أعرفه جيداً - صوت السيد كارتر. لكنه كان يتحدث بنبرة مختلفة تماماً، نبرة لم أسمعها منه من قبل.
"أتعلم، آدم، لطالما كرهت هذه البلدة الصغيرة. الجميع يعرف أسرار الجميع، لكن لا أحد يتحدث عنها."
خطواته تقترب من الباب المخفي بينما كنت أبحث يائساً عن مخرج. ماركوس أشار إلى رف خشبي في الزاوية. عندما حركناه، اكتشفنا ممراً ضيقاً.
"اذهب!" همس ماركوس. "أنا سأتعامل معه."
قبل أن أتمكن من الاعتراض، دفعني إلى الممر وأغلق الرف خلفي. في الظلام الدامس، لم أستطع رؤية شيء، لكنني سمعت بوضوح صوت الباب يفتح، ثم صرخة ماركوس، ثم... صمت.
ركضت في الممر الضيق حتى وجدت نفسي فجأة في الهواء الطلق، خلف المتجر. المطر ما زال يهطل بغزارة، مخفياً دموعي. في جيبي، اهتز هاتفي مرة أخرى. رسالة جديدة:
"أوه، آدم... لقد كسرت القواعد. والآن سيدفع ماركوس الثمن. هل ستأتي لإنقاذه؟ أم ستهرب كما فعلت منذ عشر سنوات؟"
مرفق مع الرسالة صورة لماركوس مربوطاً على ذلك الكرسي الخشبي، وعيناه تفيضان بالرعب. وخلفه، ظل طويل يحمل شيئاً لم أستطع تمييزه... لكنني عرفت في أعماقي ما هو - سكين.
نظرت حولي في يأس. البلدة كانت نائمة، لا أحد لإنقاذنا. ثم تذكرت فجأة المكان الوحيد الذي قد أجد فيه إجابات - منزلنا القديم، حيث بدأ كل شيء.
ركضت في الشوارع المظلمة، وشعرت وكأن عيوناً لا تحصى تراقبني من النوافذ المغلقة. عندما وصلت إلى المنزل المهجور، وجدت الباب مفتوحاً... وفي الداخل، على الطاولة في الصالة، كانت هناك دمية جديدة تنتظرني.
هذه المرة، كانت الدمية ترتدي زي شرطي صغير... وكانت يداها مقيدتان بخيط أحمر.
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon