___
رن الهاتف في ساعة غير مناسبة تماماً.
المتصل: "آسف على الإزعاج، لكن..."
محمد (متضجراً): "وهل تجيد شيئاً غير إيصال الأخبار السيئة في أسوأ الأوقات؟"
المتصل: "هاه، لا تبالغ... الأمر مهم فعلاً. إنها كارثة."
محمد: "وجودك بحد ذاته كارثة، فأبشر يا سامي."
سامي: "لا أعرف كل التفاصيل، لكن أحد عملائك المهمين غاضب من شيء ما."
محمد (ساخراً): "اتصلت بي ولا تعرف حتى سبب المشكلة؟ سامي..."
سامي: "آه... فقط أبلغ والدتك اعتذاري عن تخريب عطلتها."
محمد: "إنها لا تسامحك."
سامي (ضاحكاً): "خالتي سماح رحيمة... على عكس شخص أعرفه. وأسمعك تشتم خلف الشاشة."
محمد: "سأحرص على الحضور سريعاً... فقط لأطردك وجهًا لوجه."
سامي (مستعطفاً): "انتظر يا محمد، إني..."
قطع الاتصال.
---
قررت أنا ووالدتي قضاء الإجازة في سويسرا. كنت بحاجة إلى هذا الوقت، معها، بعيداً عن ضغط العمل. الحياة لا ترحم، تختطف أحبّتنا في غفلة… كما اختطفت أبي، رحمه الله.
في الطائرة،
محمد: "أمي، أنتِ في المقعد 20، وأنا في 27، سأراك بعد الإقلاع."
أمي: "نم قليلاً، ستتعب كثيراً، فخذ قسطاً من الراحة."
محمد: "أعرف، لكن لماذا تعامليني كطفل؟"
أمي (بضحكة): "ليتك تتصرف كطفل، لا كأبله!"
محمد (يهمس): "نبع الحنان... واضح جداً."
اطمأننت على والدتي، لحسن الحظ أنها بجوار سيدات في سنّها، وهي اجتماعية بطبعها. جلست في مقعدي، أغلقت النافذة، وارتديت وسادة الرقبة استعداداً لنوم عميق. لا أعلم كم نمت… ربما نصف ساعة بالكاد. لكن شعور غريب أيقظني، رائحة مسك ناعم بعثت قشعريرة في جسدي، رائحة لم أشم مثلها قط.
فتحت عيناي ببطء...
محمد (لنفسه): "هل هذا مرض جديد؟ قلبي لا يدق، بل... يرتعش!"
تلاقت أعيننا. مجرد نظرة، ومع ذلك، قلبـي انقلب رأساً على عقب.
محمد (يفكر): "إنما عيناها بحر، وأنا في بحر عيناها... غريق."
نظرت إلي بخجل، احمرّ وجهها، ثم رفعت كتابها تخفي به ملامحها. وأدرك محمد المتأخر أنه أطال التحديق كثيراً.
محمد (يحدث نفسه): "يا لك من أحمق! كيف ستفكر فيك؟ منحرف؟ مختل؟ مجنون؟!"
أدار وجهه نحو النافذة، هاتفه في يده كأنه يكتشفه لأول مرة.
محمد: "ما هذا الموقف؟ هل المشاكل تلاحقني؟"
وبينما كان يراقبها خلسة...
"خفيفة السُمار، بعينين بُنيّتين، ورموش كأنها أجنحة فراشات، ملامحها... كارثة جميلة."
لكنها لم تكن تنظر إليه. كانت في عالم آخر، تبتسم لكتابها كما يبتسم العاشق لحبيبه.
محمد (ساخراً): "يا ليتني كنت كتاباً تقرئينه."
استسلم للنوم مجدداً، وحلم بلقاء جديد يجمعهما، بعقد وبيت وأطفال... استيقظ، لكن ظلّ مغمض العينين يفكر:
"ما أول كلمة يمكن أن أقولها لها؟"
فجأة، سمع صوت طفل بجوارها يتحدث. فتح عيناه قليلاً...
الطفل: "أبي مسلم وأمي مسيحية، وكل منهما يحاول إقناعي بدينه. وفي النهاية، منحاني حرية الاختيار."
الفتاة: "أنا لست عالِمة بالدين، لكن من قلبي أقول لك: الإسلام هو دين الحق. اقرأ عنه واسأل الشيوخ."
الطفل: "هل ما تحملينه كتاب الإسلام؟"
الفتاة: "هذا هو القرآن الكريم. يحمل العلم كله."
الطفل: "هل يمكنك قراءته لي؟"
الفتاة (بابتسامة): "سيكون شرفاً لي."
بدأت ترتل القرآن بصوت عذب، أحكام متقنة، ترتيل نقي. كأن صوتها يداوي جراح الروح.
محمد: "لو كان بيدي لتسجيل صوتها... لجعلته منبهي اليومي."
الطفل (بدهشة): "صوتكِ مذهل! رائع!"
الفتاة (بلطف): "قل: سبحان الله."
الطفل: "حسناً... لكن لمَ لا تغنين؟"
الفتاة (تضحك): "أستغفر الله... ههههه."
ضحك محمد دون أن يشعر. نظرا إليه...
محمد (يهمس): "يا أرض انشقي وابلعيني..."
نهض مسرعاً، ممسكاً بهاتفه، متجهاً إلى الحمام وهو يتظاهر بمكالمة.
محمد (لنفسه): "لم يكن ينقصني سوى هذا الإحراج! يا رب، أنقذني."
عاد إلى مقعده متثاقل الخطى. جلست تقرأ القرآن بصوت خافت. تنفس الصعداء، إلى أن شعر بوخز في كتفه.
الفتاة: "من فضلك، هل يمكنك رفع ستارة النافذة؟"
محمد (متلعثماً): "نعم، لا فأس... أقصد لا بأس!"
الفتاة (بابتسامة): "جزاك الله خيراً يا أخي."
محمد (لنفسه): "أخي؟ يا الله، تناديني أخي! لا بأس، قريباً ستناديني زوجي بإذن الله..."
غلبه النعاس مجدداً.
أمه: "محمد! انهض، هل ستعيش في الطائرة؟"
محمد: "أين هي؟"
أمه: "من هي؟ عن من كنت تحلم؟!"
نهض مذعوراً يبحث عنها. لا أثر. جال كل أرجاء الطائرة، بلا جدوى.
عند عودتهم، بدا محمد شخصاً آخر. لم تره أمه بذلك الحزن من قبل.
محمد (يفكر): "كان يجب أن أقول شيئاً، أي شيء. لعل القادم خير. إن كانت من نصيبي، فستعود."
ويقول فيكتور هوغو:
"اللقاء الأول هو الصفحة الأولى لكتاب لا تعرف نهايته بعد."
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon